المُتَقَاضُونَ بَيْنَ سِنْدَانِ النِّيَابَةِ وَمَطْرَقَةِ القَضَاء!!
بقلم/ محامي/احمد محمد نعمان مرشد
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
الجمعة 15 فبراير-شباط 2013 02:04 م

القضاء هو نصرة المظلومين وأمان الخائفين ويلجأ إليه الكثير من أصحاب الحقوق والمضطهدين وذلك إلى ضبط خصومهم بالتوجه إلى النيابة العامة وتقديم الشكوى ضد من تمرد عن دفع الحقوق أو قام بالاعتداء أيا كان على النفس أو المال أو العرض وسواء كانت الشكوى مما تختص بها النيابة أم من الأمور الأخرى التي تختص بنظرها المحكمة مباشرة ويتم إحالة أصحابها إلى المحكمة صاحبة الاختصاص لكن في غالب الأحيان تُقدم الشكوى إلى النيابة بواقعة جنائية كالمنع من الحرث أو الاعتداء به في ملك الغير بقصد التملك فتُحال من النيابة إلى المحكمة دون التحقيق تحت زعم أن القضية مدنية مع أن الحقيقة بان الواقعة  جنائية بحته ويختص بالفصل فيها  القضاء الجنائي وقد خُـصّ بذلك لأنه قضاء مستعجل يحمي كرامة الإنسان وعرضه ونفسه وحقوقه بَيْدَ أن إتلاف المال والاستيلاء عليه بالقوة والبقاء فيه بدون إذن مالكه يُعد من الوقائع الجنائية ذلك ما نصت عليه القوانين الجنائية ومنها قانون العقوبات اليمني ولا بد أن يكون القضاء الجنائي مميزا وعقوبته رادعة للمجرم والمتهور وقاطع الطريق والمعتدي على أملاك الغير وفي نفس الوقت يكون رادعا لغيره فالمتهم عندما يُحال إلى النيابة عليها أن تبادر إلى النظر في سلوكه وماضيه وتبحث هل يُعتبر متهم بريء أم من أصحاب السوابق أو مجهولي الحال ونقصد بالمتهم البريء صاحب السمعة الطيبة والخلق الكريم ومثل هذا إذا كان ما نسب إليه جريمة غير جسيمة فلا مانع أن تقوم  النيابة بإخلاء سبيله بالضمان الأكيد إذا كانت الواقعة غير جسيمة وتباشر التحقيق فيما اسند إليه أما إذا كان المتهم من أصحاب السوابق أو مجهولي الحال كان على النيابة لزاما أن تأمر بإيقافه وحبسه احتياطيا وتحيله إلى المحكمة محبوسا وإلا ما الفارق بين القضاء الجنائي والقضاء المدني لولا ذلك والمحكمة هي صاحبة  الشأن في الإفراج عنه بالضمان أو استمرار محاكمته محبوسا حتى صدور حكم بالقضية وذلك حفاظا على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم وعلى حقوق المجتمع لان بعض المتهمين ما أن يُفرَج عنه بالضمان إلا ويعود لارتكاب الجريمة من جديد وعند إبلاغ القاضي بما حدث وبدلا من أن يُعِيْده إلى الحبس يقول لك بكل برودة قدم شكوى إلى  النيابة (وما أسهل الحرب على المتفرجين) ،

لكن وللأسف الشديد فإن المادة (321) عقوبات يمني مظلومة ظلما شديدا ما عليه من مزيد وذلك من النيابة أولا ومن المحكمة ثانيا وظلمها يُعد ظلما متعدياً إلى المجني عليهم أصحاب الحقوق المعتدى عليها فقد نصت بما لفظه ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو اعدم أو اتلف عقارا أو منقولا أو بناء غير مملوك له أو جعله غير صالح للاستعمال أو اضر به أو أتلفه بأي كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا اقترفت الجريمة بالقوة أو التهديد أو ارتكبها عدد من الأشخاص ..الخ) فأما ظلم المادة من النيابة فيتمثل في تهميشها وعدم تطبيقها أو العمل بها فالشاكي الذي يتقدم بشكواه إلى النيابة ضد خصمه انه اعتدى بالحرث لما هو بثبوته بقصد التملك أو منعه من الحرث وعطله من الانتفاع به فتجد الرد من بعض أعضاء النيابة بعدم قبول الشكوى أو السير في إجراءات التحقيق تحت زعم أن الواقعة مدنية وحقيقة الأمر أن الواقعة جنائية بل ومستعجلة ولا تمثل اعتداء على حقوق الفرد فحسب بل على حقوق المجتمع وعلى النظام العام ويجب على النيابة والقضاء الجزائي حماية اليد الحائزة وإذا كان للمعتدي أي حق أو دعوى فليتقدم بها إلى المحكمة المدنية لا أن يقوم بالاعتداء المباشر فيخل بأمن المجتمع واستقراره . أما في حالة ما إذا باشرت النيابة التحقيق واقصد بالنيابة الأعضاء الفاهمين ورُفِعت الدعوى الجزائية إلى المحكمة والسير في إجراءات نظر القضية وسماع الأدلة وخلال ذلك يتكبد المجني عليه المخاسير ونفقات المتابعة واغرام الجلسات وتكاليف الشهود وأتعاب المحاماة في جميع مراحل التحقيق الشرطة والنيابة والمحكمة ولان القضاء سيف الله المسلول وله هيبته في نفوس المتقاضين فيكون له رهبة ومخافة في نفوس المتهمين أثناء المحاكمة وربما يسعى المتهم إلى طلب المصالحة وتعويض المجني عليه وإعادة حقوقه خوفا من العقوبة التي يتوقعها بحكم القاضي وفقا للشرع والقانون لكن ما يؤسف له ويؤسف له كثيرا أحكام بعض القضاة التي تعتبر في غالب الأحيان من المفاسد المشجعة للمتهمين على ارتكاب الجرائم لأنه في الوقت الذي يعيش فيه المتهم ارتباكا حقيقيا شديداً وفي خوف لا مثيل له من الحكم عليه بالعقوبة الكاملة التي ستقضي بها المحكمة ومن التعويضات والإلزام بإعادة الحق إلى صاحبه والإلزام بتسليم أغرام المجني عليه الكاملة مع أتعاب المحاماة ومخاسير النزاع وغير ذلك من الأضرار المادية والمعنوية ،

فتجد النتيجة من القاضي الذي لا يخشى الله ولا يخاف الدار الآخرة عكسية فيصدر حكما وللأسف مخزيا في حيثياته ومنطوقه حيث يتضمن إدانة المتهم وبدلا من معاقبته بالحبس لأنه يستحقه تجد القاضي يحكم عليه بخمسة آلاف أو اقل منها أو أكثر قليلا غرامة في الحق العام وهو مبلغ تافه لان المتهم يستحق الحبس ولا يهمه دفع المال فقد يكون على استعداد لدفع مئآت الآلاف مقابل أن لا يحبس يوما واحدا فمثل هذا لا تكون العقوبة عليه غير الحبس حتى تكون رادعة له ولأمثاله والنتيجة سليمة ومثمرة والحقوق مصونة ومحترمة ناهيك أن حكم القاضي يخلو من الإلزام للمتهم برفع يده عن المال المعتدى عليه أو إصلاح ما خربه أو تهديم ما بناه في ملك الغير ويا ليت هذا القاضي أو ذاك ما حكم لان في مثل هذه الأحكام تشجيعا على ارتكاب الجرائم المتتالية والمستمرة وتُعد مثل هذه الأحكام حربا على المجتمع وتنكيلا به لان النطق بها وان كان فيه الإدانة فانه يُعد بمثابة البراءة للمتهم والمكافأة له لما ارتكب من جرم فيعود إلى أهله مسرورا فرحا يلعب ويمرح ويطلق الألعاب النارية ويذبح الخرفان وكأنه في يوم عرسه إيذانا بانتصار الباطل على الحق وتحل الكآبة والضيق والآلام على صاحب الحق المجني عليه ويتمنى لو انه ما دخل القضاء ولا لجأ إليه ولسلم الأمر لله الذي لا تخفى عليه خافية وهو سينتقم له من ظالمه ومع ذلك فلا ننسى بان هناك نماذج من القضاة الذين يطبقون الشرع والقانون ويحكمون بعقوبات رادعة لمن يستحقها من المجرمين وبما يتناسب مع أفعالهم وسلوكهم الإجرامي وأيضا تتضمن تلك الأحكام إعادة الحقوق ونزعها من يد الظلمة إلى أصحابها المستحقين لها ونتمنى أن يقتدي بهم الكثير والكثير من القضاة الآخرين الذين سبق لنا الإشارة حول نتائج قضائهم المخيبة للآمال فالقضاء هام لانه كالأوكسجين الذي تقوم عليه حياة الإنسان والحيوان .