غزة وفاتحة العام الهجري
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و يوم واحد
الأربعاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 11:31 ص

لا يمكن أن نعزل ما يحدث لإخوتنا في مدينة غزة الصامدة، عن ما يدور في أمتينا العربية والإسلامية، فالهوان الذي نعيش فيه، جاء نتيجة حتمية لأننا شعوباً وقادة ابتعدنا عن العدو الحقيقي المتمثل في الصهاينة المغتصبين لأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، حتى علماؤنا ساهموا فيما يحدث في وطننا العربي، وبل وللأسف الشديد كان لهم دور في زيادة موجة العنف، ففئة منهم ناصرت الخروج على الحكام رغم ما فيه من مفاسد، وقتل للنفس، وفئة أخرى سكتت إما خوفاً من الحاكم نفسه، أو حتى لا يفسر موقفها وكأنه معادٍ لرغبة البعض في الوصول للسلطة ولو عن طريق نشر الفوضى، أما الفئة الثالثة التي ساندت ولي الأمر حفاظاً على وحدة الأمة، لم تكمل دورها في النصح الخالص له بالعدل والمساواة، وإفهامه أن طاعة العامة له لا يمكن فصلها عن حصولهم على حقوقهم وواجباتهم.

إن مل يحدث في غزة له ارتباط وثيق بما عُرف اصطلاحاً بثورات الربيع العربي، فامتنا باتت مقسمة، وشغلها ما فيها عما يدور لإخوتنا المجاهدين في فلسطين المحتلة عامة، وعلى وجه الخصوص المحاصرون منهم في غزة.. فقد استطاع عدونا الأوحد –الذي غضضنا الطرف عنه- من استغلال ما يدور ببلداننا، فتوسع ليس فقط في بناء المستوطنات، ولكن في إذلال إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين، واستند في ذلك على رؤية الغرب وتصنيفه للظلم من زاوية عربية بحتة.

فهذا الغرب المساند لحقوق العرب تحت مظلة ما يسمونه بثورات الربيع العربي، أين هو من العرب المظلومين في فلسطين، ألا يحتاجون لربيع مشابه لربيع إخوة لهم في أقطار عربية أخرى، أم شرعنة الثورة بالمفهوم الغربي لا تكون إلا إذا قامت على رئيس عربي، أما طغاة وسفاحو إسرائيل، فليس لإخوتنا العرب في فلسطين الحق لا أقول في الثورة ضدهم، بل مجرد الدفاع عن أنفسهم.

إذا كان المصريون قد قاموا بثورة على رئيسهم السابق حسني مبارك، لأنه في نظرهم يمنع الجهاد ضد العدو الإسرائيلي، فماذا تغير اليوم؟، ولماذا لا تفتح الحدود، وليمر الراغبون في قتال العدو، لا نستطيع أن نسمي استدعاء السفير المصري من إسرائيل أو ذهاب رئيس الوزراء إلى غزة، بأنه انتصار للفلسطينيين وما بعده انتصار، قد يكون المتغير الوحيد –على مستوى القضية الفلسطينية- بين الرئيسين مبارك ومرسي، أن الأول كان عاجزاً حتى عن مجرد استدعاء السفير ناهيك عن طرد السفير الإسرائيلي لديه.. ولكن هل يغير هذا الأمر في المعادلة، سيعود السفيران مجدداً بعد انتهاء الغارات، وستجري المياه في مجاريها من جديد، فهل انتصرنا بذلك لإخوتنا؟ أم أنها جرعة مهدئة للشعوب العربية.

الكل متحدون عرب وغربيون وأمريكيون، على نصرة إخوتنا في سوريا –بعيداً عن الصلح بينهم-، ولكن أين هم مما يجري في غزة، لو ذهبوا لمجلس الأمن لمجرد إدانة الغارات ليس أكثر، فسيجدون الفيتو الأمريكي أمامهم بالمرصاد، أما إذا أرادت أمريكا والغرب ضرب سوريا كما ضُربت ليبيا، فسيهرول العرب ليس للتأييد فحسب بل لدفع فاتورة ضرب إخوتنا المسلمون أينما كانوا.

غزة لا تنتظر من العرب بيانات الشجب والتنديد ولا زيارات الرؤساء والوزراء، ولكنها تحتاج إلى أن يقنع العرب العالم بعدالة القضية الفلسطينية، كما أقنع العالم العرب بعدالة الفوضى التي تعيشها بعض دولنا العربية، واستنزفوا أموالهم بحجة إزاحة من لا يرغبون من الرؤساء، مع أن نفس الرؤساء هم من حظوا بالدعم العربي والأمريكي طيلة فترة حكمهم.. إذاً فليس الغرض أنصاف الشعوب العربية وإلا لكانوا أنصفوا الفلسطينيين الذين يعانون أضعاف ما يعانيه البقية.

كما أن توقيت الهجوم الإسرائيلي وتزامنه مع احتفالات المسلمين العام الهجري الجديد على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليس مصادفة، فالصهاينة ينتهزون كل فرحة للمسلمين كي يقلبوها الى غم وأحزان.. فمتى يفهم المسلمون المعنى الحقيقي للهجرة؟، التي قام بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام لنصرة الدين، وإقامة الدولة الإسلامية القوية، فأين نحن من قوة الإسلام التي فتح بها السابقون مشارق الأرض ومغاربها؟ فيما نحن لم نستطع حتى فتح قلوبنا وصدورنا لبعضنا البعض، بل على العكس من ذلك توسعت العداوة بيننا، فيما لم يعد من العداوة مع الصهاينة إلا الاسم فقط.

نحن ملزمون باسم الدين أولاً والعروبة ثانياً والإنسانية ثالثاً مناصرة إخوتنا في فلسطين، فما يحدث لهم منكر ما بعده منكر، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر بداية بأيدينا فإن لم نستطع فبلساننا فإن لم نستطع فبقلوبنا وذلك أضعف الإيمان، فهل صعب علينا اضعف الأيمان؟ كالدعاء لإخوتنا بالنصر ولعدونا بالخذلان.. رحم الله شهداء فلسطين وفك أسر المأسورين وشفى الجرحى والمصابين وحرر الأقصى من براثن اليهود الغاصبين ..آمين اللهم آمين.