قراءة في كتاب سيثير الزوابع
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 9 أيام
السبت 22 سبتمبر-أيلول 2012 07:40 م

فخ الدولة المدنية وعلمنة اليمن

في العام الماضي عندما بدأت بعض الدعوات تنطلق من هنا وهناك داعية لدولة مدنية حديثة كإطار يحدد هوية الدولة اليمنية القادمة في اليمن ثار جدل حول هذا مصطلح " الدولة المدنية " ودلالاته وأهداف دعاته وانقسمت النخب الفكرية وشباب الثورة حول هذا المصطلح بين متعصب له داعيا إليه وبين محذرا منه ومن أهداف القوى الأجنبية التي تتبناه وفي تلك الأجواء أصدر الدكتور إسماعيل السهيلي والدكتور أحمد عبد الواحد الزنداني كتابا بعنوان :( مقاربات في الدولة المدنية والإسلامية : السياقات الفكرية والإستراتيجية)وهذا الكتاب قدم رؤية علمية للدولة المدنية ووضح السياقات الفكرية والسياسية التي أدت لنشأة هذه الدولة في التاريخ الأوربي والأبعاد الإستراتيجية الكامنة وراء أكمة الترويج للدولة المدنية الحديثة كشكل للحكم في المجتمعات الإسلامية كما بين ذلك الكتاب الفرق بين الدولة المدنية الحديثة والدولة الإسلامية التي تقيم الحكم الإسلامي الرشيد الذي يمنع الاستبداد ويحقق الأمن والاستقرار والتنمية والرفاهية ويوجد دولة النظام والقانون والحقوق والحريات.

ومن خلال متابعتي فقد أثمر ذلك الكتاب وعيا لدى كثير من الناس الذين كانوا مخدوعين بالمصطلح البراق للدولة المدنية الحديثة كما كان له صدى كبير ونال حقه من النشر والنقاش في مقالات وندوات وفعاليات عديدة

وطالما أن كتاب (مقاربات في الدولة المدنية والإسلامية : السياقات الفكرية والإستراتيجية) أقتصر على تعريف الدولة المدنية وتوضيح ماهيتها والسياقات الفكرية والسياسية التي أدت لنشأتها في أوربا والأهداف الكامنة وراء الدعوة لها فقد كان لا بد من خطوة ثانية وهي إصدار كتاب جديد يدخل في تفاصيل الدعوة لدولة مدنية حديثة في اليمن وأهداف هذه الدعوة وأبعادها وارتباطها بإستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة بحيث يوثق الكتاب لتصريحات دعاة الدولة المدنية وكتاباتهم ومقابلاتهم وأنشطتهم ويستند للحقائق والمعلومات الصحيحة ويرد عليها ويفندها ويقرئها في إطار أوسع يتعلق بعملية علمنة اليمن ثم يترك الحكم للقارئ وهو ما حدث في الكتاب الجديد ( فخ الدولة المدنية وعلمنة اليمن )للدكتور إسماعيل السهيلي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الإيمان والمتخصص في النظرية السياسية والفكر السياسي, والذي أصدره " مركز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية " ( تحت التأسيس) . وقد تناول المؤلف الموضع تناولت هذه الدراسة ظاهرة الدولة المدنية وعلمنة اليمن، وتم بالدراسة والتحليل برؤية كلية تقوم على وصف الظاهرة وتصنيف مكوناتها ومظاهرها، وتفسير أسبابها والعوامل التي أدت إليها، والعمل على استشـراف مساراتها المستقبلية.

• الإستراتيجية الغربية لعلمنة الدول الإسلامية

يرى المؤلف بأن دعاة العلمانية ومن يقف خلفهم لما وجدوا أن مصطلح الدولة العلمانية قد أصبح لدى عامة المسلمين مصطلحا سيء السمعة لاقترانه بمناقضة الإسلام وإقصائه لجئوا إلى مصطلح الدولة المدنية الحديثة وهو مصطلح براق وخادع ويهدف لعلمنة اليمن دولة ومجتمعا عبر إستراتيجية غربية أهم الخلفيات المُؤسِسِة لها هي الحرب الحضارية التي تعبر عن الإدراك الغربي للخصوصية الحضارية للمجتمعات الإسلامية التي بمقدورها عندما تتهيأ لها الظروف أن تنهض بمشروع حضاري إسلامي عالمي متميز وعليه فإن الدوائر الإستراتيجية الغربية الرسمية تحاول إظهار الإسلام كسبب لتخلف العالم العربي والتخلي عنه وإقصائه عن الحكم شرطا للنهوض لهذه المجتمعات عبر فرض "إصلاحات تنويرية وعلمانية في الثقافة الإسلامية السائدة " كما يقرر المستشرق الشهير برنارد لويس أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد كما أوضح الدكتور السهيلي أن إستراتيجية علمنة المجتمعات الإسلامية لم تعد مقتصرة على الدوائر الرسمية الغربية بل دخلت على الخط الكنيسة الكاثوليكية مستشهدا بالوثيقة التي أطلقها البابا يوم 7 يونيو 2010 م وما تضمنته من برنامج عمل للترويج للعلمانية ودعم من يلتزم بها من السياسيين كما ان من أهم الخلفيات المؤسسة للإستراتيجية الغربية لعلمنة المجتمعات الإسلامية الرغبة لاحتواء الصعود المتنامي للتيار الإسلامي والعمل على إعادة تشكيل المشروع الإسلامي وتقييده في حال وصوله للحكم بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ذات المرجعية العلمانية وجعلها الإطار الحاكم لأي نظام سياسي .

وفي إطار الإستراتيجية الغربية لعلمنة المجتمعات الإسلامية ومنها اليمن ناقش المؤلف دراستان متكاملتان لمؤسسة راند الأمريكية التي تحظى أبحاثها باهتمام صناع القرار الأمريكيين, والدراستان تقدمان العديد من التوصيات ومنها الترويج بين المسلمين لفكرة ان القرآن والسنة لم يعودا مرجعيتين مناسبتين لهذا العصر ويجب التخلي عنهما,ودعم العلمانيين العرب وتقويتهم ليواجهوا التيار الإسلامي, وكذلك دعم الكتاب العلمانيين والحداثيين والترويج لهم ونشر أفكارهم , ووصف كل من يعارض هذه الاستراتيجية بالإرهاب والتطرف .

كما تناول الكاتب بالتحليل كيف أن التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني يعد احد أهم الأدوات في إستراتيجية علمنة المجتمعات الإسلامية كونه تمويل مشروط بتبني أجندة العلمنة معتبرا " مبادرة الشراكة الشرق أوسطية" نموذجا في هذا المجال . 

• فخ الدولة المدنية

يرصد المؤلف مقولات الكتاب والمثقفين العلمانيين في مصر حول الدولة المدنية وضرورة أن تكون علمانية وضرورة تغيير الدستور لينسجم مع ذلك كما يرصد بالمقابل مقولات بعض الكتاب والمفكرين الإسلاميين حول الدولة المدنية كالدكتور محمد عمارة الذي يرى أن الدولة المدنية ماهي إلا الطعم الذي يروج له المفلسون من العلمانيين للقضاء على الدولة الإسلامية, كما يستشهد الكاتب بعدد من المقولات لقيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذين يصرون على أن تكون الدولة المدنية ذات مرجعية إسلامية, ثم ينتقل المؤلف للجدل الدائر باليمن حول الدولة المدنية وذلك منذ اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية حيث عقدت الكثير من المحاضرات والندوات للترويج لها والزعم بأن الإسلام يشجع عليها مشيرا إلى إصدار بعض الناشطين الحداثيين لـ " دليل المواطن إلى الدولة المدنية " والذي فيهتم طرح العديد من الأسس للدولة المدنية بصوره تجعلها مرادفة للدولة العلمانية .

 ورغم أن حظوظ العلمانيين باليمن متدنية إلا أن المؤلف يرى ان هناك عملية مستمرة تنتظم فيها العديد من الخطط والبرامج والإجراءات المترابطة والمتسقة مع بعضها ويتم بشكل مخطط ومدروس إقحامها على كيان الدولة وبنية المجتمع اليمني ثم يرصد المؤلف الدعوات الصريحة والمباشرة من بعض الكتاب الذين يطالبون بدولة علمانية وبلوبي علماني يشرف على وضع القوانين والمشاريع العلمانية ويلزم السلطة اليمنية بها ثم يتوسع المؤلف بعد ذلك في ذكر فضائل أهل اليمن المطلوب علمنته من قبل دعاة العلمنة المتسترين بستار الدولة المدنية الحديثة .

• محاولات علمنة الدستور اليمني

في حديثه عن علمنة الدستور اليمني يشير المؤلف إلى جهود علماء اليمن مطلع تسعينات القرن الماضي لمنع علمنة الدستور اليمني ولوضع دستور يمني ينص على أن "الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات " كالمسيرة المليونية التي قادها الشيخ عبد المجيد الزنداني, ومع أنه قد تم تعديل الدستور وإقرار مرجعيته الإسلامية ظل بعض الناشطين يروجون لمقولات تصب في إطار علمنة الدستور اليمني ومهاجمة الدستور اليمني ووصفه بأنه تمييزي لأنه ينتقص من حق المواطن اليمني غير المسلم " الملحد" و"اليهودي" كما أنه ينتقص من حق النساء حسب تعبير الدكتور محمد عبد الملك المتوكل في ورقة بحثية له .

وأعتبر المؤلف الدعوة لتعديل الدستور أو صياغة دستور جديد مرتبطة بإستراتيجية علمنة المجتمعات الإسلامية مستشهدا بمقولة السفير الفرنسي بصنعاء والذي أكد على ان فرنسا ملتزمة بصياغة دستور جديد لليمن كما أن وزير الشئون القانونية الدكتور محمد المخلافي أكد في لقاء مع بعثة الإتحاد الأوربي وإدارة المعهد الديمقراطي الأمريكي في اليمن على أهمية الشراكة بين وزارة الشئون القانونية والمنظمات والبعثات الدولية ودور تلك المنظمات في والبعثات في صياغة الدستور الجديد .

وتناول المؤلف مشروع دستور جديد قال أنه مسرب من وزارة الشئون القانونية وتم تداوله على نطاق محدود, وقد قام المؤلف بدراسة وتحليل العديد من مواد هذا المشروع , وتوصل إلى أنها تخالف الشريعة الإسلامية وأنها كفيلة بأن تجعل منه دستوراً علمانيا بامتياز, وقد أكد المؤلف على أن أن من قاموا بصياغة مشـروع الدستور الجديد، قد مارسوا نوعاً من الخداع والتضليل الاستراتيجي عندما لم يتعرضوا في هذا المشـروع للمادة (3) من الدستور الحالي التي تنص على أن " الشـريعة الإسلامية مصدر جميع التشـريعات "، ليوهموا غير المختصين أو المهتمين من أبناء الشعب اليمني بأن الشـريعة الإسلامية مازالت المرجعية العليا للتشـريع في الدستور الجديد، ويصـرفوا انظارهم في ذات الوقت عن التدقيق في المواد الكثيرة المستحدثة، التي يسعى من خلالها الذين صاغوا مشـروع الدستور الجديد إلى علمنة الدستور اليمني، وتغيير التشـريعات اليمنية المستمدة من الشـريعة الإسلامية.

 وقد ذهب المؤلف أن هذه العملية هي أشبه بذلك المـُصنع الذي يقوم بتعليب لحم الخنزير في عبوات ويكتب عليها " لحم حلال مذبوح على الطـريقة الإسلامية "!!.

• علمنة التشريعات اليمنية

من وجهة نظر المؤلف فإن الترويج لعلمنة التشريعات اليمنية من أهم مظاهر علمنة اليمن وتتم هذه العملية تحت غطاء خادع عنوانه " مواءمة القوانين والتشريعات الوطنية لتتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن.

ويرى المؤلف بأن مواءمة التشريعات اليمنية لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تعني إجراء مراجعة شاملة لها لاستبعاد وحذف وتعديل وتغيير كل نص تشريعي يعارض تلك الاتفاقيات منبها إلى أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تحتوي على العديد من المواد التي تقرر أحكاماً تشريعية تعارض الشريعة الإسلامية .

 وأشاد المؤلف بالجهود التي بذلتها هيئة علماء اليمن حيث أرسلت لرئيس الحكومة رسالة تضمنت " المخالفات الشرعية التي تضمنها برنامج حكومة الوفاق الوطني, ومنها إن الحكومة ستقوم بمواءمة التشريعات اليمنية لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان " كما أشاد بالرد الإيجابي من رئاسة الحكومة التي أكدت على أنها لن تتقدم بأي مشـروع قانون فيه مخالفة للشـريعة الإسلامية أو لمقاصدها، وفي شأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، فإن الحكومة لن تقوم بأي إجراءات تنفيذية لأي معاهدات أو اتفاقيات إذا كان من شأنها مخالفة الشـريعة الإسلامية الغراء ".

 كما ناقش المؤلف الدعوى القائلة بأن توقيع اليمن على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان يلزمها بالعمل بها حتى وأن كانت متضمنة لأحكام تصادم الشريعة الإسلامية, وقد توصل إلى أن هذه الدعوى غير صحيحة الناحية الشرعية والقانونية الصرفة .

ويشير المؤلف إلى أن أهم مظاهر عملية علمنة اليمن التطاول على حرمات الإسلام والإساءة للذات الإلهية,وكذلك تحقير دين الإسلام, والترويج للتفسخ وتشجيع الانحلال الخلقي, حيث قام المؤلف بتناول ذلك في إطار اختبار مقولة بعض المروجين للدولة المدنية بأن الدولة المدنية الحديثة لاتعادي الدين، وأنه لابد من علمنة السياسة، وعلى أن يظل الدين مسألة ثقافية واجتماعية مرتبطة بالأفراد، ومن خلال الدراسة توصل المؤلف إلى أن تلك المقولة تتنافى مع حقيقة العلمانية كفكرة وممارسة، وتستخدم للتضليل، كما أنهاتتنافى مع عملية علمنة اليمن، التي لا تهدف لمجرد علمنة مجال السياسة والحكم فقط، وإنما علمنة المجال العام والخاص أيضاً، بما في ذلك القضاء الكامل على التدين الشخصـي السليم .

 وعلى ذات سياق تناول مظاهر علمنة اليمن قام المؤلف بدراسة وتحليل ما برز مؤخراً تحت مسمى " تجديد الخطاب الديني " وبحسب المؤلف فأن هنالك عملية منسقة لتبديد الدين الإسلامي بدعوى تجديده، حيث يمارس بعض دعاة العلمنة عملية مركبة من التبديل والتدليس والتلبيس، يسمونها " تجديداً دينياً " بينما أحق ما يجب أن تسمى به هو تبديد الدين، وقد توصل إلى أن هذه التبديد يهدف في التحليل الأخير إلى ممارسة عملية إفراغ منسق للأحكام الشـرعية من مضامينها الإسلامية الثابتة ثم إعادة ملئها بمضامين علمانية تناقض معناها الشـرعي, وذهب المؤلف إلى أن من يُسمون أنفسهم دعاة التجديد الديني يعتبرون من أهم حلفاء الدولة المدنية الحديثة في اليمن، وأنه يُعول عليهم وفقاً لإستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة، ليس فقط للتصدي للتيارات الدينية المحافظة (علماء الشـريعة)، بل أيضاً لإنتاج المقولات التبديدية التي تُسهل استبدال الأحكام الإسلامية المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-، بمنظومة التشـريعات المدنية العلمانية، وذلك على اعتبار أن القرآن والسنة لم يعودا مرجعيتين مناسبتين لهذا العصـر ولذلك يجب التخلي عنهما، كما تم التخلي عن التوراة والإنجيل وتبني روح الإسلام دون التقيد بالنصوص " كما تقرر ذلك استراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة.

تشويه علماء اليمن

يدرك دعاة العلمانية في اليمن بأن تأثيرهم سيبقى محدود مقارنة بتأثير العلماء والدعاة ولذا فإن المؤلف يرى بأنهم ينتهجون سياسة تشويهية يسعون جاهدين بواسطتها بكل خبث للنيل من العلماء والدعاة ومؤسسات التعليم الشرعي في اليمن, وقد بين المؤلف أن هذه السياسة تهدف لرسم صورة مخالفة للواقع الذي عليه أولئك العلماء والدعاة، وبحيث تتكرس هذه الصورة في النهائية كصورة نمطية جامدة في وعي المجتمع اليمني , وقد توصل المؤلف إلى هذه السياسة تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف المركزية، عبر مجموعة من أساليب التشويه المنسقة، والتي قال أنها ذات صلة وثيقة بعملية علمنة اليمن، كما أنها تتسق مع استراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة.

• علمنة قضايا المرأة اليمنية

يرى الدكتور إسماعيل السهيلي أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تشكل الإطار المرجعي الذي يتم من خلاله علمنة قضايا المرأة اليمنية وذكر المؤلف ما قالته كاثرين فورث الأستاذ الأمريكية التي قالت " إن المواثيق والاتفاقات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان تصاغ في وكالات ولجان تسيطر عليها ثلاث فئات : الأنثوية المتطرفة وأعداء الإنجاب والسكان والشاذون والشاذات جنسيا وإن لجنة المرأة بالأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح ورفض الأسرة وكانت تعتبر الزواج قيدا وان الحرية الشخصية لابد ان تكون مطلقة ".ويتطرق المؤلف لدستور الحركة النسوية " اتفاقية السيداو " والتي وصفتها رئيسة " منظمة نساء من أجل أمريكا" قائلة أن " الاتفاقية كانت سلاحا لإجبار البلدان على التوقيع على اتفاقيات للحد من النسل ولدعم الحقوق المدنية للمثليين والمثليات جنسيا"

ويقتطف المؤلف نصوص من اتفاقية السيداو, ويقوم بعملية تحليل لها ليؤكد أنها تتصادم مع أحكام المرأة في الشريعة الإسلامية وتعادي العفاف والحشمة والأسرة .

كما يقف المؤلف وقفات ناقدة وموضحة لإعلان ومنهاج عمل بكين " اتفاقية بكين " ومصطلح الجندر وعمل لجنة السيداو التابعة للأمم المتحدة التي تضغط على الحكومات لتطبيق الاتفاقية, وبعد دراسة وتحليل معمق توصل المؤلف إلى أنه في حالة المضي في تجسيد المضامين والمفاهيم والأحكام التي يتضمنها الإطار المرجعي لعلمنة قضايا المرأة، في التشـريعات اليمنية كما تدعوا لذلك العديد من المنظمات النسوية اليمنية، فإن من شأن ذلك أن يجعل جميع الأحكام الشـرعية المتعلقة بالنساء وبالأحوال الشخصية لاغية من الناحية القانونية الصـرفة، ولا يصح الرجوع إليها، أو التعويل عليها، وسيبدو الأمر كما لو أن أحكام الشـريعة الإسلامية قد نسختها المضامين والمفاهيم والأحكام التي يتضمنها ذلك الإطار المرجعي العلماني!!.

وكذلك تناول المؤلف بالتحليل دور الحركة النسوية اليمنية التي تستقي تمويلها من المنظمات الأجنبية وتنفذ أجندتها ومخططاتها, وتوصل إلى وجود ارتباط وثيق بين استراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة، وعملية علمنة قضايا المرأة اليمنية، وأن هنالك دور مركزي تضطلع به جهات خارجية في هذه العملية، وأن هذا الدور يستند على التمويل الأجنبي الذي يتخذ في الغالب شكل المساعدات والمنح والقروض، وبحسب المؤلف فإن هنالك من الوثائق الرسمية اليمنية ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن ذلك التمويل يمثل الأداة الرئيسية التي يتم من خلالها التأثير على القرار الحكومي اليمني الذي يتعلق بكثير من قضايا المرأة اليمنية، وكذلك ترتيب أجندة (جدول عمل) غالبية المنظمات النسوية اليمنية التي تعمل بشكل مباشـر وغير مباشـر على علمنة قضايا المرأة اليمنية، بما في ذلك بذل الجهود الكبيرة لتغيير التشـريعات اليمنية ذات الصلة بالمرأة والمستمدة من الشـريعة الإسلامية، واستبدالها بتشـريعات مستمدة الإطار المرجعي لعلمنة قضايا المرأة، وقد خلص المؤلف إلى أن " مشـروع الدستور اليمني الجديد " المسـرب من وزارة الشئون القانونية سيتكفل بهذه المهمة.

• علمنة المناهج الدراسية

 تناول المؤلف علمنة مناهج التعليم في اليمن كمظهر من مظاهر علمنة اليمن, بتناول الموضوع في إطار إستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة التي تولي عناية خاصة لعلمنة مناهج التعليم في هذه المجتمعات.وقد توصل المؤلف من خلال تناول العديد من التصريحات الرسمية لبعض كبار المسئولين اليمنيين إلى أن إلغاء المعاهد العلمية، وعدم الاستفادة من مناهجها الإسلامية، لم يكن يعبر عن حاجة محلية (وطنية)، وإنما كان معبراً عن مطلب خارجي يرتبط باستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة ,كما ذهب المؤلف إلى أن الغاء المعاهد العلمية كان من أهم النماذج المبكرة لعلمنة التعليم في اليمن , مؤكداً على أنه لو تم الاستفادة من المنهج الدراسي الإسلامي فيها وتم اعتماده في المدارس اليمنية، لكان بمقدوره أن يُسهم بفاعلية في توحيد هُوية الشباب اليمني، ويُعمق ولائه لدينه واعتزازه بوطنه، ويحد في ذات الوقت من الولاءات الضيقة التي برزت في السنوات الماضية , كما تناول المؤلف العديد من الخطط والمظاهر ذات الصلة بالعلمنة المراد إقحامها على مناهج التعليم اليمنية .

بروز ظاهرة الإصلاحيين الجدد –

بحسب المؤلف فقد برز مؤخراً تيار مضطرب فكرياً سمي " الإصلاحيون الجدد "، وهذا التيار يعمل خلافاً للاتجاه العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يقوم على أساس الالتزام بمنهج الإسلام الشامل لكل جوانب الحياة، ويدعو بعض عناصـر هذا التيار إلى قبول العلمانية كمفهوم لا يتعارض مع الدولة المدنية , وبحسب المؤلف فإن من أهم السمات العامة لهذا التيار ملخصةً من أقوالهم وأدبياتهم، أنهم يتتبعون الآراء الشاذة الساقطة والتي لم يقل بها أحد من أئمة المسلمين ويروجون لها، وبعضهم يعلن عدم حجية السنة النبوية والإجماع اللذين يعتبران المصدرين الثاني والثالث من مصادر التشـريع الإسلامي, وكذلك يدعو بعضهم الحركة الإسلامية في اليمن إلى تبني "الإسلام المعتدل" وفقاً للمفهوم الوارد في استراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة, كما يدعوها أيضاً إلى مراجعة المنهج والخطاب الذي تتبنــــــــــــــاه، وإلى ضـرورة تهميش علماء الحركة الذين يرى أنهم يمثلون عقبةً كأداء أمام صياغة أي "مشـروع حداثي "، وبحيث لا يرتفع لأولئك العلماء صوت من داخل حزب الإصلاح خلال الفترة القادمة.

• حول الترويج لتجربة العدالة والتنمية التركي

 يري المؤلف أنه قد تزايدت مؤخراً في اليمن الدعوات المروجة لتبني تجربة حزب العدالة والتنمية التركي ذي الخلفية الإسلامية، مؤكداً على أن هذه التجربة تعد نسخةً خاصةً بتركيا، فرضتها ظـروف معينة لا يُمكن ولا يُقبل تعميمها على بلدان أخرى، كما أن هذه التجربة هي حصيلة الموازنة التي أجراها قادة الحركة الإسلامية في تركيا بين مصادمة القوى العلمانية المتنفذة والمستقوية بدستور علماني، وبين الاعتراف بالأمر الواقع، والعمل من خلاله لتغيير حال العلمانية التركية من حالة إلى أخرى، وفي ذات الوقت السعي المتدرج للانتقال بالدولة التركية من العلمنة إلى الأسلمة.

وفي تقديري أن المؤلف لا يعني عدم استفادتنا من التجربة التركية فالتجارب لا تستنسخ وإنما يستفاد منها فالتجربة التركية تجربة ملهمة وثرية وحتى نستفيد من التجربة التركية فإن هذا لا يستدعي علمنة اليمن فإسلاميو تركيا مثل أردوغان وجول وأوغلو هم يؤسلمون الدولة التركية ويفككون القيود والفخاخ التي زرعها العلمانيين خطوة إثر خطوة بذكاء وتدرج وبما يلاءم واقعهم .

أخيراً قام المؤلف بتذييل الكتاب ( الدراسة ) بالتوصيات التالية :

1- توصي الدراسة أبناء الشعب اليمني المسلم، وقياداته المخلصة، ونخبه المفكرة الصادقة، بوجوب التنبه للدعوات المروجة " للدولة المدنية الحديثة "، ورفض هذه الدولة وعدم القبول بها مالم يتم النص بشكل قاطع على أن المرجعية العليا والوحيدة لهذه الدولة هي الشـريعة الإسلامية، كما تنبه الدراسة جميع الأحزاب السياسية اليمنية إلى أن أي حزب قد يتبنى " الدولة المدنية " بدون هذه المرجعية، فإنه يُعرض مساره للانحراف، ومكانته الشعبية للخطـر، وأنه سيفقد مصداقيته في القريب العاجل، وسيجد نفسه في عزلة شعبية من جنس تلك العزلة التي خيمت على الأحزاب العلمانية العربية في العقود الماضية.

 2- توصي الدراسة أبناء الشعب اليمني المسلم، وقياداته المخلصة، ونخبه المفكرة الصادقة، بوجوب التصدي للجهود المبذولة لعلمنة اليمن، وأن يقوم كل بواجبه في انتهاج السبل المشـروعة للتصدي لعملية العلمنة بمختلف الوسائل القانونية والفكرية والتعليمية والإعلامية، والحفاظ على إسلامية اليمن دولةً ومجتمعاً.

3- توصي الدراسة بالتنبه للدعوات المروجة لصياغة دستور يمني جديد، نظـراً لما تُضمره هذه الدعوات من أهداف تتخذ من فكرة صياغة الدستور الجديد مطيةً لعلمنة الدستور اليمني وبقية التشـريعات اليمنية، وتدعو الدراسة لرفض فكرة صياغة دستور جديد، كما تدعو لتبني مشـروع اجراء تعديلات دستورية جوهرية تضمن للشعب اليمني حقه في امتلاك السلطة وممارستها بشكل يُعبر عن ارادته ويحقق مصالحه ويلتزم بشـريعته، وفي ذات الوقت يكفل منع الاستبداد وظهور مستبدين جُدد.

وبحيث تلتزم تلك التعديلات بعدم التعرض لمرجعية الشـريعة الإسلامية، وبعدم استحداث أية مواد دستورية جديدة تُفرغ المواد (1)، (2)، (3) من محتواها الذي يُقرر أن اليمن دولة إسلامية، وأن الإسلام دين الدولة، والشـريعة الإسلامية مصدر جميع التشـريعات، وفي سبيل ذلك تقترح الدراسة بأن يتم تعديل المادة (3) من الدستور ليصبح نصها " الشـريعة الإسلامية مصدر جميع التشـريعات، ويُحضـر سن أي نص دستوري أو تشـريعي يخالفها بأي حال من الأحوال، وهذه المادة غير قابلة للتعديل أو التعطيل أو التعليق مهما كانت الظروف.

4- تشيد الدراسة بجهود هيئة علماء اليمن، لقيامها بالواجب الشـرعي في نصح حكومة الوفاق بشأن " المخالفات الشـرعية التي تضمنها برنامج حكومة الوفاق الوطني "، وتشيد أيضاً بالأخ رئيس حكومة الوفاق الوطني، الذي أكد على التزم الحكومة برفض كل أمر يخالف الشـريعة الإسلامية، في جميع التشـريعات والمعاهدات وغيرها، وأنها لن تتقدم بأي مشـروع قانون فيه مخالفة للشـريعة الإسلامية أو لمقاصدها، كما أنها لن تقوم بأي إجراءات تنفيذية لأي معاهدات أو اتفاقيات إذا كان من شأنها مخالفة الشـريعة الإسلامية الغراء. كما تشيد الدراسة بالأخ رئيس الجمهورية الذي قام بتعميد الرسالة المذكورة . وعليه فإن الدراسة توصي بتشكيل لجنة متابعة غير حكومية(برلمانية وشعبية) تتولى مهمة متابعة التزام الجهات الحكومية بعدم السعي لسن أي تشـريع من شأنه أن يخالف الشـريعة الإسلامية، وكذلك متابعة هذه الجهات وخاصة وزارة الشئون القانونية للتوقف عن العمل على أو الترويج لمواءمة التشـريعات اليمنية لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومنع اشتراك أية جهات غير يمنية في صياغة التعديلات الدستورية وبقية التشـريعات اليمنية.

5- توصي الدراسة بالعمل على إيلاء عناية خاصة لبيان ونشـر التصور الإسلامي لحقوق الإنسان ، مع التركيز على أن تصاغَ تلك الحقوق في صورة نصوص وقواعد قانونية ملزمة للدولة والمجتمع، وتوفير الوسائل (الآليات) التي تتكفل بحمايتها ومنع انتهاكها، كما توصي الدراسة بالاستفادة من المضامين الحقوقية وآليات الحماية المقررة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتي لا تخالف الشـريعة الإسلامية.

 6- توصي الدراسة أصحاب الفضيلة علماء اليمن، وأعضاء مجلسـي النواب والشورى، والأجهزة الحكومية المعنية، وجميع المهتمين بقضايا المرأة اليمنية، بالقيام بالواجب عليهم شـرعاً في التصدي لعملية علمنة قضايا المرأة اليمنية، وفي ذات الوقت الإسراع في تمكين المرأة اليمنية من جميع حقوقها التي كفلتها الشـريعة الإسلامية، وفي سبيل ذلك تقترح الدراسة تشكيل هيئة نسائية يمنية غير حكومية تتولى هذه المهمة .

 7- تدعو الدراسة الدوائر الإستراتيجية الغربية إلى الكف عن الترويج لإستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة، وإلى الامتناع عن دعم فرض العلمنة في هذه المجتمعات، كما توصي تلك الدوائر بعدم معارضة تطبيق الشـريعة الإسلامية في الدول المسلمة، وأن تنظـر للنموذج الإسلامي في السياسة والحكم على أنه لا يمثل عدواً ولا حتى تهديداً للغرب، وإنما منافساً فكرياً وتحدياً حضارياً، ونؤكد على أن من شأن ذلك أن يُقدم نمطاً جيداً ومرغوباً فيه للعلاقات الدولية القائمة على تحقيق المصالح المشتركة والاعتماد المتبادل بين بلدان العالم الإسلامي والبلدان الغربية، بعيداً عن فرض الهيمنة والتبعية والإلحاق الحضاري والإضـرار بالآخر، وصدق الله العظيم القائل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (سورة الحجرات، الآية: 13)