مع حوار القاعدة!
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 20 يوماً
الجمعة 04 مايو 2012 09:03 م
كان من الممكن أن تشكل عملية إطلاق سراح الجنود الأسرى من قبل القاعدة، أرضية خصبة ومدخلاً للحوار مع هذا التنظيم، لانتشاله من براثن الفكر المتصلب المتشدد وإقناعه بتبني مشروع فكري آخر يتسق مع التسامح الذي جاء به الدين الإسلامي، ويكون أحد المكونات السياسية القانونية في البلاد، والابتعاد عن منهج التشدد الذي عاد عليه بالكثير من المشاكل أهمها المشروع الأمريكي الذي يقوم على الاستئصال والاجتثاث من كل بلاد العالم. 

كما أنه آب بالمشاكل الكبيرة لبلدانهم التي ينتمون إليها وفي مقابل كسبهم لشخص واحد يفقدون المئات وتدفع بلدانهم الآلاف.

منهج الحوار الحقيقي والجاد مع القاعدة، إذا أثمر عن نتائج طيبة، يمكن أن يجنب العالم الكثير من المشاكل.

فقد يثمر الحوار معهم في عملية مراجعة شاملة لفكرهم، كما جرى مع تنظيم الجهاد في مصر؛ لأن مشروع الاجتثاث الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون هو الحل الوحيد والأمثل لأصحاب هذا الفكر لأنهم أصحاب عقيدة، وصاحب العقيدة يتقوى بالمواجهة العسكرية، ويعتبرها \"ابتلاءً في سبيل الله\" فيصبر ويصابر حتى يتقوى على المواجهة بشتى الوسائل ويدفع روحه ثمناً لما يؤمن به. والفرد القاعدي ينفذ كثيراً من عملياته العسكرية بتفخيخ نفسه وتفجيرها وسط أي هدف كان، ولا يبالي بالنتائج التي تتحقق من تلك العملية.

لقد تبنى النظام السابق مسألة الحوار مع تنظيم القاعدة في اليمن ولكنه لم يثمر عن شيء، والسبب أن عملية الحوار ذاتها كانت بمثابة ظاهرة إعلامية تلميعية لنظام صالح يراد من ورائها تحقيق سمعة سياسية دولياً، ووظفها أيما توظيف ضد معارضيه في الإصلاح تصريحاً وتلميحاً.

كما أنه تلاعب بنتائج الحوار ولم يكن جاداً في هداية هؤلاء وانتشالهم مما هم فيه فوظف نتائج ذلك الحوار بما يخدم مصالحه الشخصية ويؤمّن لكرسيه مزيداً من الدعم والتثبيت، وابتزاز الخارج مالياً، وابتزاز معارضيه بهم بتجنيد أطراف من القاعدة معه للوقوف معه عند الحاجة ضد خصومه وتشويه صورة اليمن، وتبادل الطرفان المنافع بينهما.

لكن التزام الطرفين بتنفيذ نتائج الحوار التي يصلان إليها أهم عامل من عوامل نجاح هذا المشروع، أما أن يكون الحوار للحوار ويتم التنصل مما تم التوصل إليه، بفعل فيتو أمريكي أو تصلب قاعدي، فإنه سيزيد من التصلب لدى الطرفين معاً.

ففي أثناء الثورة الشبابية أطلق صالح الكثير من معتقلي القاعدة وهرّب البعض الآخر بتلك الروايات التي صار يعرفها العالم كله من حفر الأنفاق. وقبل إطلاقهم كان يحرضهم كثيراً ضد الثورة بشكل عام واللقاء المشترك بشكل خاص كما روى أحد أولئك المعتقلين من الذين أطلقوا.

وروى للكاتب مصدر في منظمة \"هود\" أنه حينما اعتصم أهالي وذوو بعض المعتقلين ظلماً واشتباهاً على ذمة تنظيم القاعدة، وهم ليسوا كذلك، أمام الأمن السياسي بصنعاء في شهر أبريل من العام الماضي، للمطالبة بإطلاقهم أو محاكمتهم، لم يتم إطلاقهم بل تم إطلاق من هم من القاعدة الحقيقيين لحسابات سياسية؛ وهي أن من اعتقلوا اشتباهاً سيرجعون إلى أهليهم ولن يقوموا بأي عمل. بينما الذين أطلقوا من القاعدة وهم حقيقة منهم سيذهبون مباشرة إلى جبهة القتال مع تنظيمهم لمواجهة الجيش وتشويه صورة الثورة وسيعمل على استمرار جلب الدعم لصالح ونظامه من المجتمع الدولي، وهذا ما حدث فعلاً، فقد ظهر الذين أطلقوا من القاعدة أو هُرِّبوا من سجون صالح في جبهات القتال في أبين بعد أيام قلائل من إطلاقهم وتهريبهم.

على النظام الجديد في اليمن أن يمشي في هذا الطريق لمصلحة الوطن أولاً وأخيراً ويختصر على نفسه وعلى الوطن الكثير من الدماء والمشاكل وأن لا يسير بشكل أعمى وراء الإملاءات والمطالب الأمريكية، فقد تبين أن أمريكا لا يهمها تنمية ديمقراطية في اليمن ولا يحزنون وهي تقدم (الحرب على الإرهاب) على كل ما سواها ولا تقدم مقابلاً لذلك، فالدماء التي تسيل كلها يمنية من الطرفين.

على المجتمع أن يتعامل مع هذا التنظيم كالمريض الذي يتعامل معه الطبيب تماماً، فإذا كان الطبيب حريصاً على شفاء مريضه فإنه يكون قد قطع نصف المسافة في العلاج، وإذا كان يتعامل مع المريض كمجرد رقم في طابور من المرضى والاسترزاق من ظهره فلا فائدة مرجوة من شفائه. وهذا الأمر سيصل إليه الطرفان إن عاجلاً أو آجلاً، وكلما كان عاجلاً كان أنسب ووفر الكثير من المعاناة للطرفين.

أعتقد أن القاعدة بعملية تسليمها للجنود الأسرى قد أبدى حسن نية في ذلك وهو يعلم أن الجنود مقاتلون جاؤوا لقتاله وكان من الممكن أن لا يطلقهم ويساوم بهم مقابل أسراه في سجون صالح، وليس يقتلهم؛ لأن القاعدة يعلم أن قتل الأسرى في الإسلام يتنافى مع الإسلام ذاته الذي يقول إنه يرفع دعوته، فضلاً عن أن يكون الأسير مسلماً ومن بني وطنك.

لقد أثبت تنظيم القاعدة بإطلاقه سراح الأسرى أنه أفضل من نظام صالح الذي لا يزال يغيب معتقلين سياسيين من الشباب ويعذبهم وهم أبرياء مسالمون ولم يرفعوا في وجهه سلاحاً، حتى بعد الاتفاق المبرم وتسليم السلطة لا يزال كثير من الشباب مغيبين في سجون صالح وأجهزته القمعية، فضلاً عن قتله لبعضهم إما بالتعذيب وإما بالتصفية الجسدية.

أمريكا والحوار مع القاعدة:

الولايات المتحدة الأمريكية لا تفضل الحوار مع القاعدة وتريد استئصاله بطريقة تخدم مصالحها فقط وليس استئصالاً كلياً كاستراتيجية خاصة بها من منطلق القوة والعنجهية، والإدارات السياسية المختلفة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية تردد عبارة مشهورة \"لا نحاور أعداءنا\"؛ صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تقاتل القاعدة أينما وجد ولكن في الوقت نفسه تريد الإبقاء عليه بعبعاً تمرر به سياساتها في المنطقة والعالم، ولتتدخل في أية دولة وقتما تشاء، وتبقي طائراتها تسرح وتمرح وتخترق الحدود لأية دولة للتجسس والضرب في أعماق تلك الدولة بحجة محاربة الإرهاب. وكلنا يعلم أن الولايات المتحدة طلبت مؤخراً من الرئيس هادي أن يسمح لطائراتها بتكثيف ومواصلة التدخل في اليمن لكن هادي رفض ذلك، وبعد رفض الرئيس هادي دخلت الطائرات الأمريكية وقصفت في أبين مجدداً.

العالم كله كان يعلم أن الولايات المتحدة تعمدت الإبقاء على أسامة بن لادن زعيم التنظيم في أفغانستان وتجنبت قتله أكثر من مرة مع أن الفرص الكثيرة لاحت لقتله، لكن مصالحها وسياستها اقتضت أن لا تقوم بقتله في تلك الأثناء، ولما انتفضت الشعوب العربية بثورة الربيع العربي أدركت أن ورقته باتت بالية وعليها التخلص منه لأن مشروعاً جديداً في المنطقة بات يتكون الآن.

حتى أن المشروع الأمريكي هذا كان يفتضح المرة تلو الأخرى مع نظام صالح في اليمن. فمع علم الأمريكان بدعم صالح للقاعدة في أبين وتسليمه زنجبار لهم بمعسكراتها، وتواني نظام صالح في قتال القاعدة في أبين بل والتنسيق بين الجانبين – صالح والقاعدة كما يروي شهود عيان- في العمليات والهروب من أماكن الضرب وتسريب الكثير من خطط الجيش الذي يقاتل ضد القاعدة لهم وعدم نجدة صالح للواء 25 ميكا، وقول الأمريكان إنهم يعلمون كل ذلك؛ كل تلك النقاط كانت تبعث على الاستغراب لاستمرار الدعم الأمريكي لصالح ونظامه والمحافظة عليه من السقوط بالفعل الثوري، وشكل علامات استفهام كبرى كلها كانت تفيد لحقيقة واحدة أن صالح والولايات المتحدة الأمريكية تريد الإبقاء على القاعدة وتلعب لعبة طويلة الأمد.

فلو أنه تم استئصال القاعدة إلى الأبد – ولن يتم ذلك- فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستفقد الذريعة التي تدير بها العالم اليوم والتدخل في أي مكان في العالم بحجة حماية مصالحها.

وحتى في شأن الصحفي المعتقل عبدالإله حيدر فقد كان أغرب ما في الأمر أن نظام صالح أطلق بعض معتقلي القاعدة من السجون وهم فعلاً منتمون للتنظيم ولا يواربون في ذلك، ولم يطلق الصحفي حيدر من السجن مع أنه لا ينتمي للتنظيم وكل جرمه أنه أراد - كأي صحفي آخر- أن يحقق سبقاً صحفياً في إجراء بعض المقابلات الصحفية مع بعض قادة التنظيم في اليمن، فكان أن تم سجنه ظلماً وعدواناً، بالضبط كما فعل القضاء الإسباني مع الصحفي تيسير علوني في قضية متماثلة تماماً بكل أركانها وتفاصيلها.

وهذا الأمر برأيي يتسق تماماً مع المشروع الأمريكي في الإبقاء على عداء القاعدة أمراً سرياً لا يجوز البحث فيه أو الاقتراب من التحقيق في الأمر وإظهار حقيقته للعالم، وما أظن الصحفي حيدر إلا أنه اقترب من الدائرة الحمراء فتم إيقافه قبل أن خوض فيها..فهل كل من يسعى من الصحفيين للتخصص في شأن القاعدة سيكون مصيره كمصير حيدر؟!