القاعدة في الميزان
بقلم/ خالد زوبل
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 25 إبريل-نيسان 2012 03:52 م

إن كانت القاعدة نجحت في استنزاف القوة الأميركية، وفي تلطيخ صورة الولايات المتحدة في العالم ، على اعتبارها حسنات في نظر أصحابها، لكن ما أنجزته القاعدة للشعوب الإسلامية لا يكاد يذكر، مقارنة مع الخسارة الفادحة التي جرتها على الأمة، والحرائق التي أشعلتها في كل أرجاء الدنيا، غير ما شوه صورة الإسلام والمسلمين في كل أرجاء الدنيا بسبب تصرفات الفتى المفتي حامل البندقية، وصار المسلمون في موقف الدفاع ، بدل الهجوم، وصار كل هدفنا هو نفي شبهة العنف عن الإسلام ،، بعد أن كنا دين رحمة وعدالة وهدي كامل،،

غير ما سببت هي في تشويه صورة الجهاد الإسلامي النقي الكامل في أدبه، (( ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخاً فانياً ...)) ، (( ولا تغيروا عليهم بليل حتى تصبحوا ..)) ، (( ولا تضربوا في الوجه ))، إلى آخر تلك الآداب التي صاغها المصطفى عليه الصلاة والسلام في الجهاد النظيف، لكن هؤلاء بتروها كلها ورجموا بشريعته عرض الحائط، وأخذوا آية أو آيتين ، وضربوا بها كل الشرع ومقاصده، وسننه...

القاعدة هذا الفكر الأعوج، هي أيديولوجية لا مركزية، بمعنى أن أي فتى بإمكانه يفتي نفسه بدعوى الجهاد وفتاويه ويحمل بندقيته، ويضرب من شاء، ويجاهد من شاء.. لكنه لم يسأل نفسه متى يكون الجهاد، ومع من ؟ ومن الذي يعلن عنه ؟ وضد من يجاهد ؟

أف له من جهاد ، هذا إفساد لا جهاد... وهل هذا مشروع يفيد الأمة إن كان منطلقاته كذا ؟؟!!! نعوذ بالله من الخذلان باسم الدين...

القاعدة لا تلتزم بقواعد أخلاقية واضحة كما هو الحال في القيم الإسلامية، بل تتهم الناس والمجتمع المسلم في نيته، بحجة من يتولاهم فأنه منهم، ويبعث الله الناس على نياتهم، وهل يبيح لك الشرع أن تقتل من تشاء ثم تملك أن تدخله الجنة بصك غفران بعد إذنك ؟؟؟؟ حنانيك ياقاعدي ...

هذا بالإضافة إلى أنها لا تملك أي رؤية سياسية تماما..لا واضحة ولا مغبوشة....بل هو كما صور الشاعر ذالك :

لا عدل إلا إن تعادلت القوى**وتصادم الإرهاب بالإرهابِ

هذا غير إيمانهم بالعمل السياسي أصلاً وجدواه، ورؤيتهم للديمقراطية أنها كفر بواح، بالإضافة لضعفهم العسكري وعدم تحليهم بالقوة أيضا... وضعفهم الفقهي الديني أيضا..

طالما ان هذا الفكر بهذه الطريقة،،، فهو أسهل ما يكون لقمة سائغة بيد الحكومات المستبدة، وقد أثبت التاريخ المعاصر، والاستقراء للحاضر أن ما من حاكم مستبد ظالم وإلا وفي بلده قاعدة، فإن رخى هذا شد هذا وإن شد هذا رخى هذا،، وهي شعرة معاوية بينهم، لكنهم مسيرون لإطالة عمر الحكام على الكراسي، ولجر الويلات للمسلمين....

فوجودهم ضروري للحاكم المستبد..

لأن المستبد يريد إطفاء نور الحق، ونور العلم ونور الجهاد ونور التقوى، وبهذا الفكر وجدت الذريعة لإطفاء كل هذا عبر سياسة تجفيف المنابع التي ينتهجها الحكام، أي تجفيف منابع الدين فقد أنشأوا هؤلاء لذريعة ووصلوا للذريعة التي يريدون.... والجهاديون.. مسيرون ومفسدون في الأرض .... فأفٍّ لكم ،، ثم أفِّ لكم... ألا تدرون من تخدمون ؟؟ !!!!! على مذهب اضرب وأسمع وأنا أجفف منبع ...

الأهم من كل ذلك أن أسامة بن لادن رحل في الوقت المناسب لرحيله تماما، فقد قتَلت الثورات العربية تنظيمَ القاعدة، وسلبته بريقَه وجاذبيته لدى الشباب العربي، بعدما وفرت بنهجها السلمي ونضالها المدني بديلا أنجع من الناحية العملية، وأقل إشكالا من الناحية الأخلاقية...

وقد أحترق كرت القاعدة إلى غير رجعة يوم أن أحرق نفسه ذالك الشاب البوعزيزي نفسه، ليحيي الأمة كلها من المشرق للمغرب ...

((((فالقاعدة ليست إلا ردة فعل فوضوية تحمل فكر الخوارج حذو القذة بالقذة ، يستخدمهم الحاكم المستبد لإطالة عمره، ولضرب الإسلام باسم الإسلام )))).. وهذا التعريف الأنسب لهم من وجهة نظري ومن وجهة نظر كل الباحثين والسياسيين

وأختم مختصراً بما قاله المفكر العلامة محمد المختار الشنقيطي قوله :((( لقد أدركت الغالبية الساحقة من المسلمين أن وسائل القاعدة في مدافعة الأعداء تتسم بضعف الأساس الأخلاقي أحيانا، ونقص الحكمة السياسية غالبا. ولذلك لم تستطع القاعدة أن تتوغل في الضمير المسلم، ولا تحولت إلى حركة تحرير شعبية مثل حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي منتصف القرن العشرين.

ثم أطلت الثورات العربية فجأة بروح جديدة، وأبدعت منهجا جديدا في التغيير، لا يؤمن بمصادمة الإرهاب بالإرهاب، بل بوضوح الرسالة السياسية وأخلاقيتها، وقوة التصميم ومضائه، والإيمان بالديمقراطية التي رأتها القاعدة كفرا بواحا.

وتتجسد هذه الروح الجديدة اليوم في الثورة اليمنية، حيث يخرج الملايين للمسيرات السلمية إلى الشوارع وبيوتهم ملأى بالسلاح، ويواجهون قوات القمع بصدور عارية، وهم من هم في التمرس بالقتال وحب النزال.

وهكذا سحبت الثورات العربية البساط السياسي والأخلاقي من تحت أقدام القاعدة، وسلبتها جاذبيتها لدى الشباب العربي. كما سحبت هذه الثورات البساط الإستراتيجي من تحت أقدام الأميركيين حينما هدت عروش بعض حلفائهم الأقربين، وهزت عروش الآخرين.

فقد أعادت الثورات العربية ترتيب الأمور منطقيا، فجعلت مقاومة الاستبداد مقدمة على مقاومة الاستعمار، وجعلت حرية الإنسان سابقة على تحرير الأوطان. وهذا نقيض ما رتبت عليه القاعدة نضالها، وهو –بالطبع- نقيض ما كان يريده الأميركيون من إبقاء ما كان على ما كان عليه....

وهكذا جاءت القاعدة ردة فعل فوضوية على بربرية الحضارة التي تسلطت على أمتنا، وفي ظروف انسداد أظلمت فيها كل دروب الأمل أمام شباب الأمة. أما اليوم وقد اكتشفت الشعوب وسيلتها الذهبية في التغيير في الثورات السلمية الديمقراطية، فإن القاعدة لم تعد أمل الشباب العربي في تغيير أوطانهم أو تغيير العالم.

سيبقى بن لادن معلما من معالم القرن الواحد والعشرين، فأحباؤه وأعداؤه يعترفون له بأنه كان رجل تضحية وفداء، خرج طوعا من حياة الباشاوات إلى حياة الجبال والنزال، كما سيبقى لدى غالبية المسلمين تحفظاتهم على منهجه في المواجهة الهوجاء، من حيث السداد الأخلاقي والحكمة السياسية.

لكن زمن بن لادن ولى قبل رحيله بشهور، حينما أحرق ذلك الشاب التونسي المتواضع نفسه في تلك البلدة التونسية الهادئة، فأشعل جسد العالم العربي كله ثورات من أجل الحرية. فلن يكون بن لادن مصدر إلهام مستقبليا للشباب العربي الذي عرف طريقه إلى الحرية اليوم عبر النضال السلمي.

ومن هنا يمكن القول إن بن لادن قد رحل عن هذه الدنيا في اللحظة المناسبة تماما، وذلك بعد أن اكتشف الشباب العربي ذاته بعيدا عن منهج القاعدة في المفاصلة المنازلة..))) اهـ كلامه .