حوار أنصار الشريعة..ضرورة شرعية وواقعية
بقلم/ فيصل بن قاسم العشاري
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 26 مارس - آذار 2012 04:55 م

المشهد العام

لا شك أن اليمن الآن تمر بظروف استثنائية بعد توقيع الأطراف المتنازعة على المبادرة الخليجية والتي بقدر ما كانت صمام أمان لليمنيين؛ فقد كانت بمثابة الحصان الأسود الذي ركبه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ومقربيه الذين لا يزالون يمارسون ذات الدور نكاية بالثورة والثوار محاولة لإفشالها وعرقلة أهدافها.

فقد لعب الرئيس اليمني على ورقة الحوثيين كما لعب بورقة القاعدة، حتى بات هناك ما يعرف بقاعدة القصر الجمهوري، غير أن هذا لا ينفي وجود تنظيم حقيقي يعمل على الأرض فقد ظهر تنظيم حديث ولد من رحم القاعدة أطلق على نفسه اسم (أنصار الشريعة)، وحدثت مواجهات دامية بين هذا التنظيم من جهة وبين القوات الحكومية من جهة ثانية، حتى بات يشكل تهديدا خطيرا للمنطقة برمتها، وبات اليمن على صفيح ساخن قابل للانفجار.

أنصار الشريعة

(أنصار الشريعة) هو الوجه الثاني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وقد استقطب كثيرا من أفراد هذا التنظيم، وصاروا يبسطون سيطرتهم على مناطق كاملة في محافظة أبين وشبوة على وجه الخصوص ولهم تمدد في محافظة البيضاء، ويحاولون بسط سيطرتهم على مناطق أخرى، هدفهم من هذه السيطرة هو تطبيق (الشريعة الإسلامية) وبدرجة أساسية (الحدود الشرعية) كما يظهر من سلوكهم في الأيام الماضية..وهذا الهدف وإن كان هدفا مشروعا لبقية الفصائل الإسلامية إلا أنهم يختلفون معهم في كيفية التطبيق، ومسألة التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية حسب القدرة والاستطاعة، تحت مظلة الدولة والدستور الذي يأتي بتوافق شعبي، وليس بانفراد طائفة واحدة بتطبيق هذه الأحكام دون بقية الناس، صحيح بأن المناطق التي سيطرت عليها أنصار الشريعة باتت مناطق آمنة من عمليات النهب والسطو، إلا أن هذا لا يكفي لإقامة أود الناس وعوزهم من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهي تشكل دولة داخل الدولة، وهذا ينذر بمواجهة مسلحة كما حصل ويحصل حاليا.

الإشكالية الفكرية

من الواضح أن ملامح المشكلة الفكرية لدى تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة على حد سواء تبرز في نقطتين أساسيتين:

الأولى: اعتماد الاستقلالية التامة والاجتهاد في فهم النصوص الشرعية بمعزل عن القواعد الأصولية لفهم النصوص في الأغلب، لا سيما المتعلقة منها بالحاكمية، حيث النزعة الظاهرية الواضحة، نتج عنه بروز مدرسة فكرية تابعة لهم، لها مشايخها وقادتها المتبوعون من قبل أفراد التنظيم، ولا يعتدون بمن هم خارج هذه المنظومة من المشايخ والعلماء.

الثاني: الغلو العملي التابع للغلو الفكري، حيث اعتماد القوة سبيلا أوحد لتطبيق الشريعة، والسعي نحو الخلافة الإسلامية، نتج عنه ما نشهده من صدامات مستمرة مع الحكومات لتحقيق هذه الأهداف، وفرضها كأمر واقعي مسلم به.

لذا فالإشكالية الفكرية تعد عاملا هاما في معادلة الصراع القائم بين التنظيم والحكومة اليمنية، ومفتاح الحل يبدأ من علاج الفكر، وليس من المواجهات المسلحة.

رؤى وحلول

لحل معضلة (أنصار الشريعة) أو (القاعدة الفكرية) يجمل بنا سرد المقترحات التالية:

- تكوين لجنة من العلماء المشهود لهم بالكفاءة العلمية، والقدرة على الحوار والإقناع ليكونوا واسطة حوارية بين الحكومة وأنصار الشريعة.

- الجدية في الحوار خاصة من الجانب الحكومي، ووضع الضمانات الكفيلة بذلك.

- العمل على علاج كافة القضايا الفكرية والنفسية والمالية لدى (أنصار الشريعة) ومعاملتهم كمواطنين يمنيين لهم حقوق وعليهم واجبات.

- كف الأذى عنهم، وحل مشكلة السجناء منهم، وكذا مشكلة المأسورين من الجنود الحكوميين.

- كف يد التدخل الخارجي، وإيقاف الاستهداف بالطيران كبادرة حسن نية للدخول في حوار جاد.

- تحمل بعض الخروقات الفردية من الجانبين في سبيل إنجاح الحوار.

- الفصل في التعامل بين القاعدة الأساسية (الفكرية) وبين قاعدة (السلطة السابقة)..فالأولى لها جانب فكري..بينما الثانية لها جانب مصلحي.

كيفية التعامل مع قاعدة السلطة :

- كل العرض السابق كان يتعلق بالقاعدة الفكرية، أما ما يعرف بقاعدة السلطة فالتعامل معها مختلف، فهي مرتبطة بشبكة علاقات ومصالح مع الرئيس المخلوع (علي عبدالله صالح)، وهو الذي كان يحركها ولا يزال، والشواهد على ذلك كثيرة، ويعرفها اليمنيون تماما، لذلك فالحل هو في قطع التمويل من قبل الجهة التي تحركهم، ولا يتم ذلك عمليا إلا بتحرك جاد من حكومة المعارضة بالاحتجاج والضغط بواسطة الأطراف الدولية الراعية للمبادرة لإلزام الرئيس المخلوع بكف يده عن هذه التدخلات، وعن توظيفه للمفالت الثلاثة الساخنة (القاعدة-الحرك-الحوثيين)..

وهذه الخطوة ينبغي أن تتم قبل مسألة إطلاق الحوار الفكري، حتى يتم تقليص العدد، وتحديده بدقة لبدء عملية الحوار الفكري الآنف الذكر.

البديل المظلم

- إذا لم تقم الحكومة بواجبها تجاه ما يعرف ب(قاعدة السلطة) وذلك عبر كف يد الرئيس المخلوع في إمدادهم وتحريكهم، فإن هذا سيكون له آثار كارثية على اليمن داخليا عبر الاحتراب الداخلي، وخارجيا عبر تبرير التدخلات الخارجية وبشكل أوسع وأعمق.

- وإذا لم يقم السادة العلماء بدورهم، ووجهاء المجتمع، ولم تتحمل الحكومة دورها الأخلاقي في قضية القاعدة (الفكرية)، فإن المشكلة مرشحة للتصعيد بشكل قد يفوق التصور، فهناك ما يشبه الخلايا النائمة من المقتنعين بفكرة تطبيق الشريعة على طريقة أنصار الشريعة، وسيتسع الخرق على الراقع، وستبدأ البلد في الدخول في نفق مظلم له أول وليس له آخر، ويخشى أن تتحول اليمن معه إلى باكستان أخرى، لذا فندائي للعقلاء من هذا الوطن الحريصين على وحدته وعلى بنائه، أن يبادروا في تدارك الموقف سريعا، وحمل الجانبين على الانصياع للحوار، لا سميا أننا سمعنا أن الحكومة رفضت عرضا للحوار قدم من قبل أنصار الشريعة، وليس للحكومة الحق في رفض هذا الحوار لا شرعا ولا قانونا، فهؤلاء مواطنون يمنيون رفعوا السلاح شبهة، يجب على السلطة الحاكمة محاورتهم وإزالة شبهتهم، فإن بذلت كل ما في وسعها تجاههم، ولم يستجيبوا عندئذ يصح أن يقال: آخر العلاج الكي، وكما قبلت الحكومة الحوار مع الحوثيين الذين لا يزالون يرفعون عليها السلاح إلى هذه اللحظة فضلا عن ستة حروب سابقة، عليها أن تقبل الحوار مع أنصار الشريعة أيضا.

نسأل الله أن يحقن دماء المسلمين، وأن يوحد بين أبناء اليمن، وأن يهديهم سواء السبيل.

* باحث يمني