نشمّ رائحة حرب إيرانية
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 10 أيام
الجمعة 14 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:48 م

ندرك جيداً ان ايران ليست سويسرا، ولكن من المؤكد ايضاً ان الولايات المتحدة الامريكية ليست 'الام تريزا'.. نقول ذلك بمناسبة ما كشفته الادارة الامريكية يوم امس الاول عن مؤامرة مفترضة تقف خلفها الحكومة الايرانية، تستهدف اغتيال السفير السعودي في واشنطن وتفجير السفارتين السعودية والاسرائيلية في واشنطن.

التفاصيل التي اذاعتها الادارة الامريكية عن المؤامرة هذه ما زالت محدودة، بل ومرتبكة، فهناك حديث عن تورط شخصين ايرانيين احدهما يحمل الجنسية الامريكية، وتعاون مع مافيا مكسيكية لتهريب المخدرات، في عملية الاعداد والتنفيذ، وإشارات غامضة عن استخدام اسلحة.

لا نبرئ ايران من الاعداد لتنفيذ هجمات ضد السفارتين السعودية والاسرائيلية في واشنطن او غيرها، ولكننا في الوقت نفسه نتردد كثيراً في الثقة في اي من الروايات الامريكية، بعد ان لدغنا من جحورها اكثر من مرة، وجاءت هذه اللدغات قاتلة، ولا يمكن ان ننسى 'الفبركات' حول اسلحة الدمار العراقية، وشراء نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين شحنات يورانيوم من النيجر، وعلاقته بتنظيم القاعدة واحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وملف توني بلير رئيس وزراء بريطانيا والحليف الاوثق لادارة الرئيس بوش، حول تجهيز اسلحة الدمار الشامل العراقية في غضون 45 دقيقة.

نشم رائحة حرب، او بالاحرى عمليات تمهيد للحرب في اكثر مناطق العالم اشتعالاً، ونقصد بذلك منطقة الخليج العربي، فتلقف اوروبا للاتهامات الامريكية لايران، والمبالغة في خطورتها، يؤكدان ظنوننا هذه. فليس سراً ان المملكة العربية السعودية تخشى من القدرات العسكرية والنفوذ السياسي الايراني المتصاعد، فالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز طالب الادارة الامريكية بقطع رأس الافعى الايراني بأسرع وقت ممكن، واتهمت حكومته ايران قبل اسبوع بمحاولة زعزعة استقرار المملكة من خلال وقوفها خلف مظاهرات للأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، ادت الى مهاجمة مخفر واصابة 13 من جنود الشرطة.

لا نعرف ما اذا كانت ادارة الرئيس اوباما التي تتهاوى شعبيتها قبل اقل من عام من بدء الانتخابات الرئاسية الامريكية، ستتجاوب مع الرغبة السعودية الخليجية في قطع رأس الافعى الايراني بالسرعة المطلـــــوبة، ولكن ما نعرفه ان ايران استغلت انشغال واشنطن وحلفائها العرب طوال الاشهر التسعة الماضية بالربيع العربي لكي تضاعف جهودها لتخصيب اليورانيوم بدرجات عالية تؤهلها، حسب خبراء غربيين لانتاج اسلحة نووية في غضون ستة اشهر، اذا لم تكن قد انتجتها فعلاً.

ما يقلق واشنطن ايضاً 'الفيتو المزدوج' الذي استخدمته كل من روسيا والصين في مجلس الامن الدولي ضد مشروع فرنسي ـ بريطاني لفرض عقوبات على سورية، حليفة ايران الاساسية في المنطقة العربية، وهو 'فيتو' قلب كل الحسابات الاستراتيجية رأساً على عقب، واعطى النظام السوري فسحة من الوقت لالتقاط الانفاس، بل وزيادة قبضته الامنية في التعاطي مع المعارضة الشعبية التي تطالب بإسقاطه.

الصين وروسيا من ابرز شركاء ايران التجاريين، وتتطلعان الى تعزيز وجودهما في منطقة الخليج، حيث ثلثا احتياطات النفط في العالم، ومخزون الثروات المالية الهائلة التي تقدر بتريليونات الدولارات على شكل صناديق استثمار سيادية او عوائد نفطية سنوية، تقدر بحوالى 600 مليار دولار، وهناك دراسات تؤكد ان الحرب في ليبيا التي يلعب فيها حلف الناتو الدور الابرز، هي ابرز اوجه التنافس الامريكي ـ الصيني على احتياطات النفط وعائداته في القارة الافريقية.

حلف الناتو يوشك ان ينجز مهمته في ليبيا، فنظام العقيد معمر القذافي لم يعد في السلطة، وآخر مواقعه في مدينتي سرت وبني وليد تترنح، وباتت على وشك السقوط في ايدي الثوار الليبيين، وهناك اعتقاد راسخ لدى بعض المراقبين، ونحن من بينهم، بأن دور حلف الناتو وضرباته في ليبيا، ونجاحه في تغيير النظام فيها، هو 'بروفة' لتكرار السيناريو نفسه في طهران، اي الاقتصار على القصف الجوي والصاروخي دون التورط في حرب برية.

ولا نستبعد ان تكون موافقة اسرائيل المفاجئة على صفقة تبادل الاسرى مع حركة 'حماس' (الف اسير فلسطيني مقابل الافراج عن الجندي جلعاد شاليط) وبوساطة مصرية، تصب في هذا السيناريو، لان اسرائيل قد تكون جزءاً او مساهماً في اي هجوم امريكي على ايران، وهذا لو حدث سيهدد حياة الجندي شاليط حتماً، لان حركة 'حماس' مثل 'حزب الله' في لبنان، احدى الاذرع الضاربة لايران في المنطقة العربية.

عملية 'شيطنة' ايران من قبل الولايات المتحدة بدأت قبل سنوات، ولكنها دخلت مرحلة جدية بعد تغلغل النفوذ الايراني في العراق، على حساب الوجود الامريكي، وتصاعد دورها في دعم طالبان وربما 'القاعدة' ايضاً في افغانستان، وتلويحها بتحريك الخلايا الشيعية النائمة والحية الموالية لها في منطقة الخليج والسعودية.

وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا زار فلسطين المحتلة ومصر وبعض دول الخليج في الاسبوعين الماضيين، واكد في تصريحات صحافية ان الهدف من جولته منع اسرائيل من شن هجوم على ايران لتدمير قدراتها النووية، فهل كانت هذه التصريحات غطاء لخطة امريكية لضرب ايران بالاشتراك مع دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص، بمعزل عن اي دور اسرائيلي يمكن ان يحرج الشركاء الخليجيين؟

نحن نطرح تساؤلات، ولا نملك اجابات قاطعة عليها، لكن الامر المؤكد ان منطقة الخليج ستكون مسرحاً لواحدة من حربين، واحدة باردة، واخرى ساخنة، وربما الاثنتين معاً، بحيث تمهد الاولى 'الباردة' للثانية 'الساخنة'. وفي كل الاحوال سترتفع اسعار النفط، وسترتفع بموازاتها حدة التوتر في المنطقة الخليجية.

العقيد معمر القذافي ارسل فريقاً لاغتيال العاهل السعودي، ولم تتحرك واشنطن ولندن وباريس ضده، بل عومل معاملة الاصدقاء الحميمين، وجرى فرش السجاد الاحمر لابنه المعتصم في البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكيين، وكذلك لابنه سيف في لندن وباريس. فلماذا تتحرك هذه العواصم وبشراسة بسبب مؤامرة مفترضة لاغتيال سفير سعودي (عادل الجبير) وتبدأ بالتحريض والتصعيد على غرار الحملة التي سبقت الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ونظامه؟

الاسابيع والاشهر المقبلة ستجيب على جميع علامات الاستفهام هذه او معظمها، وما علينا الا الانتظار، وليس لنا اي خيار آخر غيره، وان كنا نتمنى ان تزودنا واشنطن بأدلة دامغة عن هذه المؤامرة، وان لا تتهرب من طلباتنا مع غيرنا هذه ، مثلما تهربت من مثيلاتها بشأن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة وكيفية اخفاء جثته، والاستمرار في اعتقال زوجاته وابنائه حتى هذه اللحظة، لمنع ظهور الحقائق كاملة، او رواية اخرى غير الرواية الامريكية الوحيدة التي سمعناها.

لا نجادل مطلقاً بان اي محاولة لتفجير السفارة السعودية او اغتيال سفيرها هي عمل اجرامي ارهابي مدان، ويجب ان يعاقب من يقدم عليه بأشد العقوبات، لانه ابشع انواع البلطجة وانتهاك للأعراف والمعاهدات الدولية، واعلان حرب في نهاية المطاف، ولكن ما نجادل فيه، ونطالب به، هو ان لا تنجر المنطقة العربية الى حرب اخرى، يستشهد فيها مئات الآلاف، وتتبدد ثرواتها، ويتهدد استقرارها، بناء على 'اكذوبة' اخرى.