ما تبقى من علي عبد الله صالح؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الأحد 10 يوليو-تموز 2011 07:46 م

لم يكن أحد يتصور أن يظهر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم السابع من يوليو الجاري بهذه الحالة المؤلمة والتي تبعث على الشفقة حتى من قبل أكثر الناس خصومة، فأصحابه ظلوا يقنعوننا بأنه يتماثل للشفاء وسيعود قريبا ليواصل مهماته كرئيس شرعي على حد زعمهم.

وبغض النظر عن التوقيت غير الموفق لإعلان الكلمة وعن مقاصد الإعلاميين من كل ذلك فإن ما يمكن مناقشته هنا هو أمرين،الأول: الحالة الصحية للرجل، الثاني: مضامين الخطاب

لقد كان أكثر أنصار الرئيس تشاؤما يتوقعون ظهور الرجل منتصبا يتحرك يمينا وشمالا ويلوح بيديه كما هي عادته، ويقول الكلمات التي يود أن يقولها، ويعدل ويصوب في ما كتب له من كلمات، لكن ما ظهر أن الذي وقف أمامنا كائن مشلول كل ما يستطيع فعله هو تحريك الشفتين والقراءة من شاشة مكبرة وضعت أمامه ليقول ما كتب عليها بغض النظر إن كان يدرك أو لا يدرك ما يقرأ، ولعل المشاهدين قد لاحظوا أن الكلمة قد تم تأجيلها أسابيع، وهو ما يعني أن تعديلات وتحسينات ورتوش عديدة قد تم إجراءها على صورة الرجل وأن تلك هي أفضل حالة استطاع المخرجون إظهاره بها بما تنطوي من مظاهر تستدعي الشفقة والرثاء حتى ممن لم يكونوا قط يحبون الرئيس ولا أدري ما هي الانعكاسات التي تركتها تلك الصورة التي بدا بها الرجل لدى المتعاطفين الحقيقيين معه، دعك من أولئك الذين ما يزالون يستثمرونه حتى وهو في هذه الحالة المؤسفة.

أما مضمون الخطاب فقد بدا واضحا أن الرجل يقرأ ما لا يدركه فلو كان من أعد له الكلمة يحرص إلى إيصال رسالة ذات مضمون معين لما تعرض لحكاية مواجهة التحدي بالتحدي وهو يعلم أن شعبه يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة من الماء النقي إلى الكهربا، ويعاني من انعدام الأدوية والمواد الغذائية الأساسية والوقود التي ارتفعت أسعارها عشرات المرات، بفضل السياسات التي يتبعها من سلمهم وظيفته.

الأمر الوحيد الذي أصاب فيه من أعدوا كلمة الرئيس تتمثل في أنهم أشاروا إلى أن طرفي الوحدة دخلوا وكل منهم يريد تطبيق دستوره على الشطر الآخر حيث جرى الاتفاق على الدستور التوافقي، حتى تمر أشهر العسل، ويعلم الجميع أن ما جرى بعد 1994م هو عبارة عن ضم وإلحاق للجنوب بالجمهورية العربية اليمنية، فضلا عن ما عاناه الجنوب وأبناؤه من آلام وجراح ما تزال تنزف حتى اليوم نتيجة للتعامل العدائي مع الجنوب من قبل سلطة علي عبد الله صالح.

الجنوب بعد حرب 1994م تحول إلى غنيمة حرب وجرى التعديل لدستور 22 مايو ليصبح الدستور المعمول به اليوم هو دستور الجمهورية العربية اليمنية، والأدهى من هذا أن المواطنين الجنوبيين صاروا ضحايا الحرب والاتهام بالانفصال لا لشيء إلا لأن الطرف الذي حارب باسمهم قد هزم في حرب استباحية ظالمة لحقتها سنين عجاف ذاق فيها المواطن الجنوبي الأمرين من هذا الحكم المعوج.

لن أتطرق لقضية مواجهة التحدي بالتحدي، ولا عن الدعوة للحوار ولا عن الشراكة الوطنية لأن الذين أعدوا خطاب الرئيس نسوا أن أوان كل ذلك قد فات بعد أن قتل أنصاره من قتلوا وجرحوا من جرحوا ونهبوا ما نهبوا من خيرات الشعب، ولذلك تصبح الشراكة مع المجرم جريمة والحوار مع القاتل استهانة بأرواح الضحايا والتحدي لجسد بين الحياة والموت لا يحتوي إلا قد من المهانة لمعنى التحدي وإمعان في إيذائه وهو ما لا تسمح به أخلاق اليمنيين.

ختاما على الذين يستثمرون الرئيس معافى ومريضا ، مدركا ومغيبا عن الإدراك، قادرا على الفعل وعاجزا عنه، عليهم أن يشفقوا على الرجل ويدعوه يكمل علاجه الذي قد يستغرق سنوات ، فضلا عن إنه قد لا يتعافى نهائيا من بعض الإصابات البالغة، وعليهم أن يدركوا أن إظهاره بهذه الصورة إنما يمثل عملا لا إنساني ينبغي على من أقدم عليه أن يحكم ضميره وذمته على مثل هذا العمل المشين.

برقيات

* لا أستطيع أن أفهم سر البهجة الكبيرة التي ظهرت على أنصار الرئيس وهم يطلقون الرصاص والألعاب النارية ويقتلون المواطنين للتعبير عن فرحتهم، هل سرهم هذا المشهد الحزين الذي بدا به الرئيس أم أن تصرفاتهم كانت للتعبير عن الحزن والخيبة؟

* عدم تعرض خطاب الرئيس للمبادرة السعودية يعني أنه ما يزال يرفضها فهل فهم الإخوة في دول مجلس التعاون الرسالة جيدا؟

* الصورة التي بدا عليها الرئيس في خطابه أثارت الألم والحسرة، وشخصيا بدأت أشفق على الرجل، لكن كل هذا لا يخفي حقيقة أنه لولا إصراره على التمسك بالكرسي لما وصل إلى هذه الحالة المثيرة للشفقة، وقد كان بإمكانه أن يغادر السلطة معززا مكرما، لكنه الطمع والعناد ومقاومة إرادة الشعب بالتعالي والاستقواء والصلف.

* قال أبو الطيب المتنبي:

تصفو الحياةُ لجاهلٍ أو غافلٍ عمَّا مضى مـــــنها وما يتوقَّعُ

ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها طلب المحالِ فتطمعُ