السلفيون الجدد.. وأحزاب اليسار
بقلم/ صخر عبد الله الغزالي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 17 يوماً
الجمعة 08 يوليو-تموز 2011 12:14 م

*نعيد نشر المقال مرة أخرى؛ لتدارك الخطأ غير المقصود الذي أدى إلى بتر جزء كبير منه حين نشره, الأربعاء الماضي. نعتذر كثيرًا للكاتب وللقراء؛ عن هذا الخطأ الفني غير المتعمد. "مأرب برس".

***

تطالعنا الأخبار بين حين وآخر بظهور تكتلات حزبية وفكرية بأسماء مختلفة في ظل واقع اليمن الراهن, ولعل من آخرها وليس آخرها (اتحاد شباب اليسار اليمني) ولعل هذا التكتل لليسار في اليمن جاء جرَّاء استنهاض بعض اليساريين لمن يجري في عروقهم دم اليسار المتمدن, وما مقال الصحفية اليسارية منى صفوان المعنون بـ (في غياب اليسار.. ننتظر المدنية من الإسلاميين) إلا دليل وعي لدى أهمية أن ينهض حاملو الفكر اليساري القومي الاشتراكي العلماني لتلافي حقيقة الوجود في هذه المرحلة المصيرية, ويضعوا لأنفسهم قدماً بين الأحداث المتلاطمة في اليمن, والتي أصبحت ترسم خطوط السياسة المستقبلية لليمن واللاعبين الفاعلين فيها من الآن.

ومن هذا المنطلق أدرك اليسار في اليمن عبر هذا التفاعل الاتحادي إنه من المهم أن يتحركوا كيَّد واحدة, إذ لا مكان للفردية في هذا الوضع الحالي, والذي يُحتم عليهم الاتحاد والتكتل متجاوزين كل نقاط الاختلاف مهما كانت إلى النظر في نقاط الاجتماع والتلاقي في سبيل الوصول إلى تحقيق أهداف اليسار اليمني والذي ظهر فتيًّا بشباب لهم السبْق في تأسيسه ككيان حزبي تجمعي ووضع اللَّبنات الأولى في تكوينه.

لقد علم اليساريون في اليمن أن لا بقاء لهم في الساحة السياسية ولا بقاء لفكرهم ما لم يكن لهم دور فاعل في الأحداث, وهذا هو الدافع الرئيس لهذا التجمع والتكتل, وإن كان هذا الفعل متأخرا إلا انه أهون من البقاء خارج اللعبة السياسية تماما بكل ملابساتها.

وفي المقابل.. نرى ويرى الجميع قوى اجتماعية لها تأثيرها وحضورها الكبير في الساحة ما زالت تُقدم رجلًا وتأخر الأخرى عند التفكير في تشكل تكتل سياسي فاعل في ظل الوضع اليوم رغم أهميته بالنسبة لها أولاً كأحد الأسباب الهامة في حفظ كيانها الفكري في ظل التغيرات الكبيرة التي تمر بها اليمن الآن.

إن الواقع لا يرحم أبدا ومن يُصِر على البقاء خارج الخارطة السياسية والثقافية في أي نظام اجتماعي سيجد نفسه يوما من الأيام خارج المجتمع عند الحاجة الحقيقية إلية وعاجزا عن الحفاظ على مكوناته الأساسية على المدى البعيد عندما يقترب منها أي خطر, وسينهار بين أقدام اللاَّعبين الكبار الذين لن يعطوه الفرصة حتى ليلتقط أنفاسه, هذا لو كانوا من الأصدقاء المقربين فكريا واجتماعيا فكيف لو كان هؤلاء اللاَّعبون السياسيون من ألدِّ الأعداء لهذا الكيان الفكري العريق ومن أشد الساعين لهمزه ولمزه وإقصائه عن الساحة بشعارات براقة كالحداثة والتقدم.. الخ.

ليس من العيب التأني في دراسة الأحداث ووضع الخطط المستقبلية وتكييف الواقع وسبر غور المعترك السياسي قبل الأقدام على أي خطة مستقبلية, لكن المعيب أن تكون الفرصة مواتية لتحقيق مكاسب اجتماعية تعكس صدق وحقيقة هذا الفكر على أرض الواقع من خلال العيش بين أفراد المجتمع والشعور بمعاناتهم السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي, بعيدًا عن الاكتفاء فقط بجانب الوعظ والتعليم النظري فحسب.

إن الانتقال إلى الجانب العملي على أرض الواقع وعكس جمال وروعة الفكر الإسلامي كأحد المكونات الرئيسية والهامة للعقل اليمني المحافظ والمتعطش إلى أن يعيش في رحاب مجتمع متدين ومحافظ, ويرى الإسلام يلبي له كل ما يريد في ذات الوقت لا ينسى مواكبة الواقع والحياة بتقدمها وتطورها بما يملكه هذا الفكر من مقومات القوة والثبات في الاجتهاد المقاصدي لتحقيق مصالح العباد بكل جديد, وتطوير المجتمع بكل مفيد ليحقق للناس الرفاهية الاجتماعية والقوة العسكرية والاكتفاء الاقتصادي.

هناك فرق كبير بين من يلعب في عالم السياسة ليحافظ على مجرد البقاء, وبين من يلعب السياسة ويصل إلى سِدة الحكم ويكون بيده القرار, وهذا طموح كل من يلعب السياسة الآن, ففي هذه - الحالة - وحسب الأجندات الفكرية التي يحملها أي فكر وبقدر الانفتاح وتقبل الآخر المضاد فكريا – في الغالب ما يتم مصادرة كل أنواع التعبير عن الفكر الآخر أو حصرها أو إضعافها بل وربما تحقيرها حتى ولو كان هذا الفكر يتبنى في أصل أجندته (تحرم الخروج على الحُاكم ويدعوا له في المنابر) هذا إذا سمح أصلا ببقاء المنبر ومن عليها.

إن التيار السلفي في اليمن اليوم أمام منعطف صعب وخطير, يتشكل فيه ملامح الوجود السلفي في المرحلة الراهنة, وحتى لا يقول البعض "إننا نتحدث عن الغيب", نقول إن الواقع الذي نعيشه يكون نتاج لدراسات وتجارب سابقة والتي تتشابه فيها المقومات والمعطيات فتعطي نفس النتائج, وهذا هو عينه الذي أمرنا الله به حينما دعانا للتأمل في حيات ومصير من سبقنا من الأمم ومعرفة سبب هلاكهم لنتلافى ما وقعوا فيه من زلل حتى لا يصيبنا ما أصابهم, قال تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين).

ينبغي للتيار السلفي اليوم أن يعرف حجم التغييرات وحجم اللاعبين في الساحة السياسية, ويستفيد من تجربته الماضية في العيش خارج الحياة السياسية وترك الساحة للآخرين ليشكلوا ملامح الحياة في اليمن كما يشاءون بحسب أيدلوجياتهم الفكرية والتي قد تقترب أو تبتعد عن روح وجوهر الفكر السلفي المعتدل والوسطي.

إن الوضع الراهن اليوم يحتم على من يحملون الفكر السلفي أن يكون لهم التأثير والكلمة القوية في الحفاظ على هذا الكيان على الأقل من الإقصاء في ظل هذا التنامي المحموم للأفكار الليبرالية والشيوعية واليسارية حتى لا يصدق عليه قول القائل:

خلا لك الجو فبيضي واصفري**ونقري ما شئتِ أن تنقري

في ظل الدخول في نفس المعترك الديمقراطي والاحتفاظ بالخصوصية واللعب بنفس أساليب اللعبة مع الاستثمار في المقومات القوية للفكر السلفي الوسطي الواعي بحقيقة الحياة ومعرفة كيف تدار وفق سنن الله في التمكين, إذ أن الناس اليوم في تعطش للجديد خصوصا في عالم السياسة, فقد سئموا التيارات الإسلامية المتنوعة والتي لعبت في حيات السياسة من زمن طويل دون أن يجدوا آثارا حقيقة ملموسة تثير حبهم وتدفعهم لدعمها.

إن من خصائص الفقه الإسلامي مرونته في الأحداث, وتفوقه في إدارة الحوادث والنوازل وهذا من روعة الإسلام ليظل باقيا قويا حتى قيام الساعة, بعيدًا عن الجمود الفكري القاتل وحشر الناس في أبواب شرعية لم يروها في واقعهم بل لم يسمعوا عنها في حياتهم, سوى في كتب التاريخ, ربما لم تتكرر ولن تتكرر مرة أخرى, وهنا يأتي دور التجديد والاجتهاد المقاصدي العظيم في الإسلام.

((وبما أننا نتحدث عن التجديد فلا يعني أن الماضي قديم يُرمى.. بل يضاف عليه ويُنمى.. وبما أننا نتحدث عن الفقه والمستجدات المعاصرة, فلا نخلط بين الفقه المتجدد والمُعتقد السلفي الثابت الأصيل)).

لقد عَرف أتباع التيار السلفي في مصر خطورة الوضع والبقاء خارج الخارطة السياسية وما يسببه هذا من تهديد للبقاء, وبالتالي بقاء ما يحملونه من مشاعل هداية وأساليب توعوية أمام عجز شبه تام أمام رد أي قرار سياسي بالإقصاء أو بالإلغاء أو بالمنع لأي منبر توعية أو دعوة مهما كان بدائياً وبعيدا عن عالم السياسة, فالهجمة اليوم تعدت أن تكون محصورة على الجوانب السياسية وأصبحت شاملة لكل نواحي الحياة الأخلاقية والاجتماعية والسعي لهدم هذا الكيان الإسلامي المترابط وكل من يقوم على تقويته بأي وسيلة وبأي طريقة وبأي مسمى, فبعد أن تم منع القنوات الفضائية ذات طابع الفكر السلفي وبعد تحقيق نسبة عالية جدا للمشاهدة بعد ظهور تقارير تحذر من تنامي (التدين) في المجتمع المصري, صدر القرار بإيقاف هذه المنابر الدعوي "بجرة قلم", وأمام العجز عن أي مقاومة استسلم القائمون أمام هذا الحضر.

نقول هذا مع علمنا أن منابر الدعوة كثيرة ووسائل إيصال الخير للناس متعددة إلا أننا نريد أن نضرب مثالا واحد من الواقع القريب ليتبين لك أثر القوة السياسية في قوة الدعوة وبقاء الخير بين الناس.

مما سبق وغيره جعل التيار السلفي في مصر يدرك الواقع ويدرس الوضع ليخرج بقرار شجاع في تشكيل تكتل حزبي له خصوصيته وأيدلوجيته وفكره المعروف والذي (بإذن الله سيكتب الله له النجاح لما يحمل من مقومات البقاء والقوة) خصوصا انه ابتدأ بتكتلات لها نفس الهدف فتجمعت تحت تكتل واحد وحزب واحد له قوة اجتماعية ضارب.

وأمام مُحرمات الماضي أصبح "الحزب" اليوم من مقومات البقاء للدعوة ولمقوماتها في زمان لا يرحم من يعيشون خارج الواقع بملابساته, فبعد نظرة ثاقبة فقهية مقاصدية واعية بحقيقة التغيرات ومدى تحقيق المصلحة للدعوة والعمل الدعوي خرجت هذه القناعات الموفقة والمدركة لحقيقة التغيرات وأصدرت هذا القرار الشجاع.

ما سبق من تجربة مصرية للتيار السلفي تشترك مع التيار السلفي في اليمن؛ لأن الفكر السلفي منبعه واحد ومقصده واحد وأيدلوجياته لا تختلف عن بعضها البعض, تحتم على التيار السلفي في اليمن أن يعي خطورة الواقع الذي يعيشه اليمن, وأن يساهم في إصلاح اليمن فكريًا ودينيًا واجتماعيًا وسياسيًا ولن يكتب له البقاء والقوة إلا إذا شكَّل لنفسه تكتلا أو حزبا يخوض غمار السياسة ويحفظ للتيار السلفي موقعه في المعترك الثوري اليوم, على الأقل الحفاظ على المكتسبات الدعوية من الانهيار أو الضعف عن طريق حفظ التوازن بين كفتي المعادلة السياسية بين اليسار المتطرف واليمين الواعي والمعتدل.

وقد أدرك الكثير من علماء التيار السلفي أهمية هذا الأمر فبادروا إلى عقد تجمع وتشكيل تكتلات, وبدأت إرهاصات وجود حزب سياسي سلفي تظهر في تصريحات قياديين سلفيين لكنها لم ترتقي إلى العمل الكبير والمنظم والذي يظم أشتات أتباع التيار السلفي ذوا الفكر الوسطي في كل اليمن تحت مظلة واحد قدر الإمكان؛ ليكون على عاتقه إزالة اللَّبس وسوء الفهم للتيار السلفي الوسطي المستنير البعيد عن التيارات الدينية المختلفة والتي لها ما لها وعليها ما عليها.

وأخيرًا أقول: ألم يحن الوقت بعد أن نسمع بتكتل سياسي للشباب السلفي الوسطي المستنير كما نسمع كل وقت بتكتلات سياسية لأفكار أخرى يسارية وعلمانية, أم هل سنبقى طويلًا نصارع أنفسنا بين "دائرة الحفاظ على القديم, وعُقدة الخوف من الجديد".

مشاهدة المزيد