توقيع المبادرة الخليجية فرصة تاريخية أم نكسة؟
بقلم/ عبدالناصر المودع
نشر منذ: 13 سنة و يومين
الخميس 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 08:04 م

يمكن اعتبار لحظة توقيع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية بأنها البداية الرسمية للعد التنازلي لنهاية حكمه الطويل. وتحمل هذه اللحظة مدلولات ومعاني متباينة، فقد يسجل التاريخ أنها اللحظة التي تعامل معها الجميع بكونها فرصة تاريخية لبناء نظام سياسي جديد ينقل اليمن من واقعه السيئ إلى وضع أفضل. كما أنها قد تكون نكسة جديدة تضاف لنكسات اليمن العديدة، حين يفشل هؤلاء في ذلك. وتعتمد النتيجة على أداء اللاعبين الأساسيين في الشأن اليمني - الداخليين والخارجيين - إذ أن سلوكهم في المرحلة القادمة سيقرر مصير هذه اللحظة وخط سيرها. وهؤلاء اللاعبون يمكن اختصارهم بالإطراف التالية:

1- الرئيس صالح وأسرته، والذي يمكن اعتبارهم الطرف الرئيسي في الشأن اليمني الحالي، ومن ثم فإن سلوكهم، بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، سيكون حاسما في تقرير مصير اليمن. ففي حال أراد هذا الفريق المساهمة في استثمار هذه اللحظة لصالح اليمن فأنه قادر على ذلك. وسيتسنى له القيام بهذا الدور في حال وصل إلى قناعة بأن حكمه لليمن قد انتهى، ومن ثم فإن عليه المساعدة بإخلاص في إنجاح عملية انتقال السلطة بأسرع وقت ممكن وبأقل خسارة. أما في حال أعتبر هذا الفريق أن التوقيع على المبادرة ليست سوى مناورة لكسب الوقت والتقاط الأنفاس، وأن بإمكانهم الاستمرار في الحكم بأشكال أخرى، فإن هذا يعني بأنهم سيساهمون في المزيد من الخراب والدمار لهم ولليمن. فمنطق الأمور يقول بأن تمسكهم بالسلطة يعني أنهم يقفون في المكان الخاطئ من التاريخ، فعمليا أصبح نظام صالح جزء من التاريخ. ومحاولة الاستمرار في الحكم ستفوت عليهم فرصة الخروج من السلطة بأقل الخسائر الممكنة. فٌأي محاولة لاستمرار الرئيس صالح وأسرته في الحكم، بأي شكل من الأشكال، بعد توقيع المبادرة ستجر عليهم المزيد من المتاعب والخسائر وستجعلهم يندمون على إضاعة هذه الفرصة، والتي لم تحصل عليها أسر حاكمه شبيهة مثل أسرة القذافي ومبارك وبن علي.

2- الطرف الثاني اللواء علي محسن وفريقه، والذي عليهم أن لا يتوهموا بأن انتهاء نظام صالح سينقلهم من الصف الثاني إلى الصف الأول، على أساس أن خروج صالح، أو ضعف فريقه، سيوفر لهم الظروف للانقضاض على السلطة. فعلى اللواء علي محسن أن يدرك بأن وصوله للحكم في نظر معظم اليمنيين ليس إلا صيغة أخرى لنظام علي عبدالله صالح وهو أمر أصبح مرفوضا من قبل شريحة واسعة من اليمنيين، ناهيك عن المعارضة الخارجية القوية لتولي اللواء علي محسن لمنصب رئيسي في النظام القادم. ولهذا فإن إصرار اللواء علي محسن في الاحتفاظ بقواته ولعب دور في المرحلة القادمة، سيعمل على تمديد الصراع السياسي والعسكري، وهي حالة لن يجني من ورائها، في المستقبل القريب، سوى صفة أمير حرب يدير عدد من شوارع صنعاء المدمرة، وبعض الجيوب هنا وهناك. وهو ما سيجر عليه الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية أقلها تجميد أرصدته وحظر سفره والملاحقة الجنائية. إن على اللواء علي محسن أن يدرك أن خروجه من السلطة وتقاعده السياسي، إلى جانب أنها ستوفر له الظروف لكي يستمتع فيما تبقى له من عمر بالأموال التي جمعها خلال وجوده في الحكم، فإنها أيضا ستجنبه العواقب السيئة التي يمكن الجزم بأنه سيتعرض لها في حال قرر الاستمرار في البحث عن دور سياسي في مستقبل اليمن. فالناصح الأمين سيقول له بأن النظام الجديد التي قامت الثورة من أجل بنائه، لا يحتاج إلى خدماته فمؤهلاته ستكون عبء على هذا النظام. ويكفيه فخرا في بناء هذا النظام من خلال دوره الحاسم في إنها نظام صالح.

3- أولاد الشيخ الأحمر وتحديدا الشيخ حميد من الأطراف الفاعلة والتي ينبغي عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة ويقرروا أن يلعبوا أدوار جديدة في اليمن، إذا أرادوا أن يعيشوا في بلد أمن ومستقر. وعلى الشيخ حميد تحديدا، أن يقرأ اللحظة الحالية جيدا بأن لا يعتقد أن سقوط نظام صالح وأسرته، سيفتح له الباب لمنصب رئاسة الجمهورية. فمنصب الرئاسة في النظام المنشود لن يحتمل أن يتولاه شخص بمواصفات الشيخ حميد الأحمر، وهذا لا يعني عدم الأهلية الشخصية بقدر ما يعني أن الرئيس القادم في اليمن ولفترة طويلة لن يكون إلا شخصية توافقية، وهو ما لا ينطبق عليه أو إي من أفراد أسرته. وأفضل ما يمكن لحميد الأحمر وأسرته أن يكونوا صانعي ملوك وليس ملوك. لهذا فإن أي طموح لحميد الأحمر أو إي من أخوانه بأن يكونوا في الواجهة السياسية القادمة سيجر عليهم وعلى الدولة الكثير من المشاكل، وهو ما يعني استمرار الوضع الحالي الذي سيسفر عن ترسيخهم أمراء حرب على بعض حارات صنعاء وبعض مناطق قبيلة حاشد، وهي صفة لا اعتقد أن أولاد الشيخ الأحمر وبالتحديد الشيح حميد يتمناها. فهذه الصفة سينتج عنها الكثير من المشاكل والملاحقات الداخلية والخارجية وتجميد الأرصدة وغيرها من العقوبات التي تعني النهاية الفعلية لأي دور سياسي معتبر.

4- من اللاعبين الرئيسين في ساحة اليمن يبقى الحوثيون هم الطرف الذي يحتاج إلى جرعات مكثفة من النصح والتحذير، حيث ينبغي عليهم أن يقلعوا عن وهم حكم اليمن والاعتقاد بأن انهيار حكم صالح يحمل تباشير إقامة دولتهم التي يحلمون بإقامتها على كل اليمن أو الجزء الشمالي منه. والعكس هو الصحيح فنظام صالح الفاشل وأدارته السيئة للملف الحوثي ولليمن عموما، هي التي ساعدت على تقويتهم، وانهيار نظامه قد تجر عليهم الكثير من المشاكل. فمهما بلغت حماسة أنصارهم وانتصاراتهم على خصومهم في بعض المناطق يبقى مشروعهم بلا مستقبل في عالم اليوم، وأفضل ما يمكن أن يحققوه لن يتعدى أقامة إمارة طالبانية، بصيغة شيعية، على مناطق فقيرة ومعزولة من اليمن، وهي إمارة لا تلبث أن تتبخر بفعل الضربات الداخلية والخارجية التي سيتلقونها، خاصة في حال قرروا مد سلطاتهم خارج مناطق نفوذهم في محافظة صعدة وجوارها.

أن الأفضل للحوثيين أن يستثمروا قوتهم بالضغط نحو بنا نظام سياسي لا يقصيهم ولا يقصي غيرهم بدلا من التوهم بإقامة إمارة إسلامية بأفكار القرون الوسطى.

5- وما ينطبق على الحوثيين ينطبق على القادة الجنوبيين، وتحديدا الحكام السابقون للجنوب قبل الوحدة، والذين يعتقدون أن انهيار حكم صالح هو فرصة تاريخية لهم للعودة لحكم الجنوب تحت عنوان الانفصال أو الفدرالية، فهذه العودة، إلى جانب أن الظروف الداخلية والخارجية ليست مواتية، فإنها لن تتحقق بسبب التغيرات الكثيرة التي حدثت منذ غادروا الحكم عام 1994. فالجنوب الحالي يسيطر عليه قوى كثيرة لا يملك قادة الجنوب السابقون إلا جزء ضئيل منها، فيما القوة الرئيسية بيد القوى الإسلامية بتفرعاتها العديدة – أخوان مسلمون ، سلفيون ، صوفيون ، جهاديون – إلى جانب وزعماء القبائل والسلاطين السابقين والعسكر والأجيال الجديدة الطامحين للحكم. وأي فراغ في السلطة قد ينشى عن انهيار نظام صالح سيملئه هؤلاء وليس هم. إلى جانب أن طرح مشاريع الانفصال بأي صيغة كانت – فك ارتباط ، فدرالية – لن تخلق إلا المزيد من الفوضى والخراب في الجنوب والشمال. وهي حالة تجعل من مصلحة هؤلاء القادة الإقلاع عن تبنيها وأن يسعوا لاستثمار سقوط نظام صالح باتجاه إصلاح منظومة الحكم في الدولة اليمنية الواحدة. إذ أن من الممكن أن يؤدي هذا الإصلاح إلى حل مشكلة الجنوب ويوفر فرصة للقادة السابقين للمشاركة في حكم الدولة بأفضل من وهم العودة لحكم الجنوب.

6- حزب الإصلاح الذي يعد التنظيم الأقوى والأكثر فاعلية في حركة الثورة الحالية، على قادته أن لا يستثمروا سقوط نظام صالح لبناء نظام إسلامي متزمت، فعلى الرغم من أن الخطاب العام لقادة الحزب يبدوا معتدلا وواقعيا إلا أن نشوة الانتصار قد تدفع بعضهم للاعتقاد بإمكانية إقامة حكم ديني متشدد، فإلى جانب أن هذا الحكم سيجر على البلاد المزيد من التمزق والخراب، كما جره حكم نظام البشير في السودان، فإن الواقع الدولي والإقليمي لن يقبل مثل هذا الحكم ولهذا فإن على قادة حزب الإصلاح أن يدركوا أن إقامة نظام حكم استبدادي ليس ممكن ولن يجر لهم وللدولة سوى المزيد من العزلة والفشل.

7- وقبل أن أنهي هذا المقال لا بد من الإشارة إلى الدور السعودي والذي يعد اللاعب الرئيسي في المشهد اليمني إن لم أقل اللاعب الأول، فالسعودية، خلال الخمسين سنة الماضية امتلكت نفوذا واسعا في اليمن من خلال الأموال التي تنفقها على معظم قادة الطبقة السياسية اليمنية بكل أطيافها تقريبا. وقد ساهم الدور السعودي بشكل أو أخر بالوصول باليمن إلى ما وصلت إليه. ولهذا فإن على الحكومة السعودية في هذه اللحظة أن تعمل على إجراء مراجعة جذرية لأسلوب تعاملها مع اليمن. فالسياسة السابقة كانت فاشلة بامتياز بشهادة الوضع الحالي.

بإمكان الحكومة السعودية أن تساهم بشكل فعال في استثمار اللحظة الراهنة من خلال استخدام نفوذها الواسع باتجاه إقامة دولة مستقرة، عن طريق دعم نظام سياسي قادر على استيعاب جميع مكونات الشعب اليمني، والذي لن يتم إلا بإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وهو نظام يجد حساسية شديدة من قبل الطبقة الحاكمة في السعودية، إلا أن لا مناص من هذا النظام إن أرادت السعودية دولة مستقرة على حدودها. ولن يتم هذا الأمر إلا بتخلي السعودية عن منهجها القديم تجاه اليمن والبحث عن طرق أخرى في دعم اليمن.

إن على جميع الأطراف الإدراك بأن المبادرة الخليجية رغم كل العيوب التي تعتريها، تعد الفرصة الوحيدة والممكنة للخروج من المأزق التي وصلت إليه الأمور، وأن عليهم أن يحمدوا الله أن خسائرهم كانت إلى هذه الدرجة، أما في حال اعتقدوا بأن هناك بدائل أخرى ستحقق لهم مأربهم فهم بذلك يراهنون على الوهم فبديل هذه المبادرة هو الفوضى والدمار.

أنني أحلم بأن كل يمني، في إي موقع كان ولأي طرف ينتمي، سيقول لنفسه ولمن حوله الحمد لله أن الأمور وصلت إلى هذه النقطة فقط، ويعتبر هذه اللحظة فرصة تاريخية للمساهمة في بنا يمن جديد.