العودة عبر مطار دمشق.. أجواء لا تُنسى
بقلم/ د أحمد زيدان
نشر منذ: 7 ساعات و 12 دقيقة
الخميس 30 يناير-كانون الثاني 2025 07:06 م
 

صبيحة الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ستظل علامة فارقة في تاريخ كثير من السوريين، حيث حطت أول طائرة تركية بمطار دمشق بعد 13 عاماً، لكن بالنسبة للكثيرين كأمثالي لم يهبط في هذا المطار منذ عقود. أجواء لم أشعرها، ولم أشاهدها في حياتي، فمنذ الدخول إلى صالة الانتظار في مطار اسطنبول الدولي، وركاب الطائرة السوريون قد توشحوا بالعلم السوري، بينما محطات التلفزيون التركية تركض وراءهم لإجراء المقابلات، والحديث عن مشاعر العودة، هكذا تبدلت الأرض والوجوه أمام السوري في غضون أيام، إذ لم يعد السوري بلا وطن، فقد عاد له وطنه من جديد، وبدا حريصاً على العودة لهذا الوطن الذي هُجر منه قسرياً.

ما إن أخذنا مقاعدنا في الطائرة التركية، حتى بدأ الجميع يهتفون ويغنون للوطن، ويكررون الأغاني التي اتسمت بها الثورة السورية، لتغيب لسنوات، نتيجة الخذلان واليأس أحياناً لدى البعض من غياب النصر، لتعود في يوم النصر والفتح، ارفع رأسك فوق أنت سوري حر، كانت الفرحة لا يمكن وصفها، وربما كل لغات البشر عاجزة عن وصف مشاعر السوري الذي كان على متن تلك الطائرة، فهنا سوري لم يعد منذ 45 عاماً، وهناك شاب ولد أصلاً خارج سوريا، ولم يرها في حياته، وربما ظن كما ظن والده وجده، أن الغربة مكتوبة عليه كما كتبت على من رحل، لكن الكل كان مجمعاً على أن الوطن عاد إلى أهله اليوم، وأن الغرباء قد رحلوا عنه، ومعه أجمع الجميع على أنهم سيعودون لبناء وطن مجرّف بالكامل، وليس محطماً فقط.

حين بدأت عجلات الطائرة تلامس أرض الوطن، كانت الدموع قد سالت على الخدود، بجانبي سيدة، كانت دموعها كأنها صنبور ماء، لم تصدق أنها تهبط في دمشق دون خوف أو وجل، كما كان عهدها أيام الحكم البائد، تقول لي منذ 13 عاماً لا أعرف دمشق، وكنا حين تهبط الطائرة قبل هذا كنا نحرص على قراءة كل ما نحفظه من القرآن من أجل أن ينقذنا الله من بين أيديهم، وأمامنا كان رجل كبير بالسن يبكي بكاءً مراً، وعلى يمينه شاب قد أتى من أمريكا مع زوجته مفعماً بالحيوية والنشاط لخدمة وطنه الذي عاد إليه من جديد.

كان الاستقبال في المطار رائعاً، فأغاني الثورة تصدح بالمطار، وقد نُزعت صور الرئيس المخلوع من كل مكان فيه، ولم يبق إلا علم الثورة الذي تكفّن فيه مليون سوري على امتداد ثورة المليون. قدمت جواز سفري الذي هربت به عام 1981 أيام الرئيس السابق حافظ الأسد، نظر إليّ، وقال لي هل تريد أن أختم عليه؟، قلت نعم، ثم ضرب اسمي على الكمبيوتر ليرى الأفرع المطلوب لديها، كانت ثواني وإذا به يختم لي على الجواز وأغادر، بينما كانت هذه العملية بحاجة لساعات في بعض الأحيان أيام النظام السابق، طبعاً إن لم يكن مطلوباً للأفرع، أما إن كان مطلوباً فجمهورية صيدنايا بانتظاره.

نخرج من المطار وإذا بفتيات صغيرات، يحملن صينية مملوءة بالورود ويوزعن وردة على كل عائد للوطن، وقد كتب عليها سوريا الحرة ترحب بأبنائها الأبرار، مع علم الثورة السورية. لحظات لا تُنسى ستُحفر في جبين الدهر، هل هذه سوريا التي حكمتها عائلة الأسد؟، بالطبع لا، ففي ساعات من وصول قوات ردع العدوان تغيرت تماماً وعادت سوريا لأهلها، أما الطريق من المطار إلى دمشق المدينة، فحكاية أخرى من البؤس والشقاء والحزن والمأساة، وكأن المغول حكموا هذه البلاد، وكأن البلاد قد توقف فيها التاريخ لقرن أو قرنين ماضيين، الوجوه الشامية المعروفة على جانبي الطريق ليست بالوجوه المعروفة بنضارتها وفرحها، كان كل شيء يتكلم عن مأساة حقيقية، يعانيها البلد منذ سنوات، فلا شيء هنا يدعو للبقاء، من خدمات أساسية فضلاً عن حياة الرفاهية، كأن النظام يعرف تماماً أن أيامه قد اقتربت، وبالتالي لا داعي ليقوم بأي عمل، كل عمله قد تركز على جمع المال والذهب للهروب ساعة تحين اللحظة، لكن يحدثك كل من تراه، المهم أن الوطن عاد لأهله، وسنبنيه بأيدينا بعيداً عن القروض وبعيداً عن الهبات، لاسيما ونحن نرى يومياً رجال أعمال سوريين كبارا يتوافدون عليه من أجل المشاركة في الاحتفالات، ثم في إعادة بنائه من جديد