الوحدة إجبار أم اختيار ؟!!
بقلم/ نبيلة الوليدي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 8 أيام
السبت 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 05:59 م

في معرض حديثنا حول القضايا الكبرى المطروحة على طاولة الحوار القادم نقف عند عنصر أساسي ورئيس ومؤثر في المشهد اليمني ألا وهو تحركات ومطالب الحراك الشعبي في جنوب اليمن .. ولا يتمارى اثنان في أن القضية الجنوبية تعد مفصلية في عملية الحوار المرتقب .

ربما أن فئات واسعة من أبناء المناطق الشمالية لا يعرفون الكثير عن تاريخ اندلاعه الحراك الشعبي في جنوب اليمن والأسباب الحقيقة وراءه بسبب التعتيم الإعلامي المفروض عليه من قوى داخلية وخارجية .

ولسنا هنا بمعرض الحديث عن تفاصيل ذلك ويكفي أن يعرف القارئ بأن الحراك في جنوب الوطن هو المطلق الحقيقي لشرارة ثورة التغيير الشبابية  في شمال اليمن والسبب الخفي وراء اندلاعها !!

ما يهمنا طرحه الآن هو الدعوة لاعتبار القضية الجنوبية بحراكها الشعبي قضية وطن كبرى ويتوجب على جميع الوطنيين الصادقين الوقوف عندها طويلا , وتفنيد المزايدات التي تثار حولها من قبل البعض .

بداية نذكّر بأنه لا يوجد عاقل يحاول فرض الوحدة بالقوة لأنها حينئذ ستفقد معناها وتستحيل لاحتلال بغيض , وسلب وطن , وتضييع حق تقرير المصير المكفول لكافة الشعوب ,وكذا لن ينكر أحد بأن الوحدة في اليمن كانت في الأصل هروب تكتيكي من الساسة الفاشلين أنذاك في الشطرين ,هروب للأمام .

وكان بالإمكان تحويلها لوحدة حقيقية ومثمرة لولا أن الساسة ذاتهم من تولى زمامها ولوى عنقها لتستحيل طوقا يخنق كل معاني الإخاء الراسخة في قلوب أبناء الشطرين .

ثم أن المظالم التي قام الحراك الجنوبي لدفعها جلية وظاهرة للعيان , والجناة الذين يطلبون مقاضاتهم هم ذاتهم الذين ينادي العالم أبناء الجنوب للجلوس أمامهم على طاولة الحوار!!

ومما يحسب للحراك الجنوبي ويدلل على حسن نواياه قيامهم بتعليق الحراك عند انطلاق ثورة التغيير الشبابية في المناطق الشمالية من اليمن , ولكن بعدما عجزت ثورة الشباب في الوصول لمنتهى غاياتها الكفيلة باستقلال اليمن ورفع الوصاية الظالمة عن رقبته ووئد الفساد الجاثم على صدره لعقود, عاد الحراك أشد بسالة وأنكي ضراوة في السعي وراء مطلبه المعلن والوحيد " فك الارتباط" .

يدندن التيار الإسلامي في شمال الوطن بلحن نشاز , ضاربا على وتر الدين مناديا للاعتصام وعدم التفرق ..ويزايدون معتبرين الوحدة خطا أحمرا ويبالغ المتطرف منهم بقوله " هي مثل الصلاة والصيام" !!

وهذا نوع من المغالطة البغيضة.. فهلا اعتصمت دول الخليج بحبل الوحدة تحت راية دولة واحدة وعندهم بيت الله وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام ؟ وهلا اعتصمت مصر وسوريا واحتفظتا بوحدة أبدية؟

ليس لأحد التشدق بالدين وسل النصوص سيفا مسلطا لتحقيق المآرب.

الوحدة قرار شعب واختيار حر وليس إجبارا.وادعاء أن قرار الانفصال قرار الساسة العملاء كما يسميهم البعض ,ادعاء باطل ,وكل من يعرف جنوبيين في الشمال فليسألهم عن رأيهم الذين يصدحون به وهو رغبتهم في الانفصال لبناء دولة نظام وقانون , دولة عدالة وحرية ومنح الحقوق ..وليذهب للجنوب ويرى بنفسه أعلام الانفصال ترفرف على كل شارع وزقاق وتحلق في قلوب الشعب في جنوب اليمن ..

لا يتبادر للذهن أني أدعو للانفصال عصبية أو عنصرية ,بل هو تجريد للواقع ومطالبة بالتعقل واحترام إرادة الشعوب الحرة والتي لن يقدر أحد على الوقوف بوجهها أو التصدي لها ومنعها من بلوغ غاياتها المشروعة .

كل فرد في الشمال يعرف نفسية الجنوبي ويدرك أنه إن اتخذ قرارا عن قناعة فلا يرجع عنه حتى ينفذه أو يموت دونه .فهل سنسمح بقتل النصف الأخر من جسدنا ؟ ولصالح من نفعل ذلك ؟

القوم كرهوا الوحدة لما جرّته على الوطن من وبال ,ليس لأنها سيئة بل لأن من أداروها كانوا الأسوأ على الإطلاق ..ولأنها وجدت في الزمن الخطأ .

وفي جمعة ذكرى الشهيدة فيروز" شهيدة الحراك الجنوبي" يتذكر الكل المناضلة " دعرة" التي دوخت الاحتلال البريطاني في نضالها ضده جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل حتى دفعت المحتل لإعلان جائزة كبرى لمن يأتي برأسها , والجميع يكبر ويجل موقف نساء "مودية" عندما هبت اللجان الشعبية لمواجهة القاعدة فقمن صفا ثان وراء الرجال وخلعن حليهن لتسليحهم , ووقف الجميع جدار ردع للظلاميين والمرتزقة فهزمت القاعدة ودفنت في الأرض التي أرادوها أعداء الوطن وكرا لها, وعاد الكثيرين من الشباب الجنوبي المغرر به منسلخين من فكر القاعدة بعدما كشفوا زيفها وخيانتها لوطنهم ,وهذه هي جنوب اليمن برجالها الأفذاذ الذين أخرجوا بريطانيا العظمى بنضال سنوات قلة بعدما استعمرتها لأكثر من قرن من الزمان لأنهم قرروا ذلك .

واليوم هم اتخذوا قرار الانفصال ولهم الحق في تقرير المصير. فدعوهم يعيشون قرارهم ويمارسون قناعاتهم فهم شعب يستحق التقدير, وهم كنانة اليمن , ورغبتهم يجب احترامها من قبل أشقائهم في شمال اليمن , ولنحافظ سويا ونحمي روح الإخاء بين أبناء الشطرين , ولتخرس تلك القنوات المأجورة ببرامجها الحوارية المأججة لمشاعر البغض والمشيعة لنزعة العنصرية بين أبناء شمال وجنوب اليمن ..

لقد كره أبناء الجنوب الوحدة المريضة حتى تطرف بعضهم فانسلخ من " يمننته " وقال لسنا يمانيين!!

وتطرف آخرون فنمت لديهم نزعة عنصرية تجاه أبناء الشمال فقالوا : نحن خير منهم ,نحن مختلفون ...!!

وكل هذا في مصلحة من , ولخير من ؟؟ انه يصب في مصلحة أعداء الوطن ..  فلننه وحدة عليلة سقيمة ولدت " خديجة " في غير أوانها ولنحفظ لحمة الروح بين الشطرين .

ولنتحاور معهم على انفصال جسدي مادي يبقي روح الإخاء بيننا ولا يمزق أواصر القربى بين أبناء الشطرين , ويؤسس لجوار حسن ومصالح مشتركة..

فهذا جنوبي مسقط رأسه تعز أو صنعاء التي يعشقها ويعشق ثراها وهواها وجبالها ومائها وسيفديها بدمه وأمه وأبيه ..وهناك في الجنوب شماليون مسقط رأسهم أرض جنوبية يعشقونها ويفدونها بدمائهم وآبائهم وأمهاتهم ..وهذه الروح هي الضمان الوحيد لعودة الوحدة من جديد في زمن قريب ..

تعالوا لنقرر جميعا ونفصل في هذه القضية بروح الإخاء ونتحاور على انفصال مدروس ولا نترك لأسنة الرماح القول الفصل . وسوف يأتي يوم وتعود الوحدة اليمنية في زمن أفضل , بقرار حر سليم ,فاليمن رغم كل شيء ستبقى دوما ( جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن ) وهذه ستكون وحدة قوية راسخة حقيقية , وأبدية بالفعل.