إسقاط نظام صالح مقابل الحفاظ على الوحدة
بقلم/ أنيس قاسم ألمفلحي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
السبت 28 يناير-كانون الثاني 2012 05:50 م
 

تفاءلنا خيراً عندما ارتفع دوي أصوات شباب الشمال شيئاً فشيئاً بشكل قوي ومؤثر نحو صناعة التغير, هذه الأصوات المشحونة بحماس ثوري صادق وإصرار ينسجم مع زخم ومد ربيع الثورات العربية الساعية لإسقاط أنظمة طاغية بوليسية قمعية مستبدة وعتيقة , ولعل ثورة شباب الشمال حسب فهمنا وتقيمنا لكثير من جوانبها أنها ثورة تهدف إلى العدالة والحرية والكرامة والديمقراطية ,و إلى إحٍداث تغير شامل وجذري في مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة ولإخراجها من عزلت ظلمات الجهل والهمجية المزمنة التي توارثتها أجيال متعاقبة .

وعلى الرغم من شدة التعقيدات والخصوصية التي تتسم فيها تركيبة المجتمع القبلي في الشمال التي كانت تحُول بين صعوبة هدم حواجز الخوف والتمرد على الطاعة العمياء المفروضة من شيخ القبيلة المتغطرس , وبين الوصول إلى مفهوم إنتاج الوعي الثوري المعدوم أساساً إلا أن في الحقيقة أذهل العالم نهوض شعب اليمن الشمالي الذي خنع للذل لفترات زمنية ليس بالهينة , بالفعل نهض الجميع بروح وتعبير سلمي وبمسؤولية تاريخية للمطالبة بالتغير وخلع جلباب المهانة, لكن للأسف افتقر الثوار التدابير والحنكة الكافية لحماية ثورتهم , وبالتالي لم تحقق ثورة شباب الشمال أي تغير ملموس لأسباب كثيرة ومختلفة ذكرنا بعضها سلفاً وسنذكر المشاكل الأخرى بشكل مختصر , فهناك على سبيل المثال الثورة المضادة التي كانت تتربص لاختطاف الثورة هدفها أذابت حماس الثوار وبسط سيطرتها وهيمنتها المطلقة على القيادات الشبابية الغير مجربة وهذا الدور الدقيق كان من مهام حزب الإصلاح الإرهابي الذي يصنف أكثر الأحزاب تنظيماً , بالفعل تحقق مراد الإصلاحيين في شن حملة مغايرة لمعاير أهداف الثورة سياسياً فكرياً طائفياً أخلاقياً ,بالإضافة إلى تمكن الإصلاحيين في تشتيت جهود وحماس شباب التغير بمعانية الواسعة, ومن جهة أخرى ظهور المتسلقين أصحاب الطموح السلطوية ومفاصلها , أولئك من حاول تحقيق مكاسب سياسية في ظل استغلال الفوضى العارمة والفراغ السياسي وفي ظل مخاض الثورة المتعسر وهذه المهام بكل تأكيد تبنتها أحزاب اللقاء المشترك والدليل تأكيد رئيس وزراء حكومة الوفاق في مقابلته الأخيرة عندما صرح بقوله على ثورة الشباب ان تكف عن المزايدات وإذ أراد الشباب حسم ثورتهم لكانوا حسموها .

ولعل الحلقة الأكثر خطورة من كل المؤامرة التي أضعفت من مسيرة الثورة بتصوري الشخصي جاء من خصوم الحاضر رفاق الماضي بؤرة الفساد الذين فرو كالقطط الجرباء من العدالة والمحاسبة عن كل أفعالهم المشينة و جرائمهم المشتركة التي تقشعر منها الأبدان طول فترة حكم نظام صالح التي شهدنها يومياً حتى قبيلُ سفرة المؤقت إلى أمريكا , بعد أن أعلنت تلك الخفافيش انضمامها في إطار الثورة كحل يضمن بقائهم , ومع كل تلك الأسباب ونسق المؤامرات ضد الثورة التي سببت في انشغال الثوار بنزاعات مع القوى التقليدية والثورة المضادة التي نجحت في عزلهم وتجيير الثورة سياسياً لمصلحة المعارضة التقليدية ,لذلك غابت عن حسابات الثوار ما هو المهم و الأهم وهو عدم إدراكهم بعمق القصور في إيجاد مخرجات لرؤية فكرية سياسية متزنة لإخراج البلاد من مستنقع السقوط , رؤية ربما تساعدهم في إبراز قيادات شبابية بديلة في كلاًً من المرحلتين سوى في مرحلة مسيرة الثورة أو في المرحلة ما بعد نهاية النظام وزبانيته , قيادات تقنع مواقف الدول الإقليمية والدولية بأنتصار الثورة , وبالتالي أصبحت مجمل تلك الاستنتاجات كجزء من المؤامرة التي عكست سلباً وعملت على تعّثر وضمور حلم التغير في الشمال الذي لم يتحقق إلى الآن .

 ولا شك أن ظهور مؤشرات الأزمة المفتعلة والإشكالات ثلاثية الاتجاهات المترابطة التي واجهتها ثورة شباب الشمال كانت إحدى الأسباب الرئيسية في عرقلة ومعاناة شعب الشمال في مسيرة ثورة التغير , لذلك استطاعة تلك العوامل أن تحاصر بل أضعفت الروح المعنوية ومجهود شباب التغير تماما ًفي إيجاد منافذ لتحقيق حلم التغير الجذري على الرغم من كل التضحيات الجسام التي قدمها الشباب المغلوب على أمره , لكن الغريب في الأمر ظل شباب التغير في الساحات طوال فترة نضالهم على الرغم من وضوح موقفنا مع ثورتهم , إلا أن في هذه الظروف الغير طبيعية ظل شباب التغير يردد ثمة شعارات يومية جوفاء وخطابات تتناقض مع طموحاتهم المغلفة بالحرية والكرامة والديمقراطية , شعارات مقززه تحمل رائحة العصبيات المدمرة رائحة الجهاد والإرهاب الفكري والنفسي تجاه شعبنا الجنوبي وقضيته العادلة , شعارات الوحدة أو الموت تلك الوحدة التي باتت أكذوبة القرن الواحد والعشرين , كيف لا بعد أن اتضحت لنا ما كانت تكنها نوايا الثوار الخبيثة التي تهدف في حربها الدائمة على الجنوب , والتي تحمل في طياتها وإبعادها ومضامينها ترسيخ الغزو والاحتلال للجنوب على أنغام نظام صالح , وفي الحقيقة لم يفاجئنا ذلك الأمر كثيراً لأننا توقعنا ذلك , بل اشرنا في مقالات سابقة أن خطاب الثوار السياسي في صنعاء سيكون أكثر سوأ ونزق وشطط من خطاب نظام صالح التي أطربنا فيها سابقاً . 

 وقد يدفع الثوار في تجاه تضخيم دور ثورتهم بعد الانسحاب السلمي للدكتاتور صالح من السلطة ,ربما يكون التضخيم غير منطقي لكنه بكل تأكيد سيكون رد فعل الثوار تجاه القضية الجنوبية , تحت شعار إسقاط نظام صالح مقابل الحفاظ على الوحدة .

 على أي حال نحن كجنوبيين وبصراحة يهمنا كثيراً استقرار الشمال سياسياً وثقافياً واقتصادياً وامنياً لخدمة كل إفراد المجتمع في الشمال فضلاً عن اهتمامنا الذي يتركز في بناء البنية التحتية لدولة المؤسسات في الشمال كدولة مدنية حديثة التي حرموا منها , دولة ليس للفساد وعقلية القبيلي المتخلفة مكان , وهذا ما سيضع حداً لتفكير الشمال بعد ثورتهم الاستمرار في تجسيد الاحتلال والهيمنة المباشرة على ثروات الجنوب باسم الوحدة باعتبارها غنيمة موروثة من نظام صالح , بمعنى عدم الاستقرار والإفلاس في الشمال يعني أن خيار تصعيد الحرب ضد الجنوب ستبقى مستعرة في ظل فشل الدولة اليمنية , وبالتالي اجزم القول بأن دولة الجمهورية العربية اليمنية ستبقى تتملص من أي التزامات مستقبلية للتفاوض مع الجنوب وشعبه لفك الارتباط بين الدولتين , وهذا مؤشر سيؤدي إلى نفاذ صبر الجنوبيين والى المزيد من المواجهة المباشرة التي قد ربما تصل إلى نشوب مواجهة مسلحة واشتداد العنف يصعب إيقاف تدهور الوضع ونسأل الله تعالى أن يجنب الشعبان جنوباً وشمالاً شر الحرب وأن يتفهم الأشقاء في الشمال خطورة تجاهل خيارات الجنوبيين العادلة ...