مجزرة حماة في ذكراها الأولى للتحرير
بقلم/ د أحمد زيدان
نشر منذ: 5 ساعات و 19 دقيقة
الجمعة 07 فبراير-شباط 2025 05:03 م
 

لثلاثة وأربعين عاماً والمآقي لم تجف في حماة، الجرح الغائر العميق، كان يزداد عمقاً مع كل ذكرى سنوية للمجزرة، التي راح ضحيتها 40 ألفاً من سكان المدينة، حين استفاق أهلها في الثاني من آب 1982 على أصوات كل ما بحوزة الجيش الأسدي، من طيران ومدفعية وصواريخ، كان الانتقام من المدينة يمتد إلى تمردها على حكم البعث منذ 1964، فقائد الدولة والمجتمع الذي نصّب نفسه منذ اليوم الأولى لحكمه على سوريا، لم يكن ليسمح لأحد بأن يتمرد عليه، أو يعارضه، فضلاً أن ينتزعه ملكه الذي غدا سلالياً.

  

أحياء بالكامل وحارات بأكملها سُوّيت بالأرض، وغاب تحتها أصحابها، بعضهم تم دفنهم أحياء، ومعهم غابت مئات المساجد والكنائس، ولكن لم يكن هناك من يسمع صيحات الثكالى والأيتام، ولم يُسمح لأحد بأن يغطي جريمة العصر التي لا تزال ذكراها خنجراً في ظهر كل سوري، حتى كان يوم السادس من ديسمبر، يوم استفاق الحمويون على معجزة لم يكونوا يتصورونها، وهي إسقاط العصابة الأسدية، التي حكمتهم بالحديد والنار لعقود، لم يكن لأحد أن يتخيل رحيلها بهذه السرعة والسهولة، ولكنها مقاومة الصبر التي أبداها الحمويون والسوريون بشكل عام، على مدى نصف قرن أثمرت، ما داموا قد استمسكوا بتعريف جديد للسياسة وهو فن الإصرار والتمسك بالحقوق، والإرادة الصلبة التي لا تلين.

 

* اليوم نعود إلى حماة، وتعود حماة إلينا. رحل ظالم المجزرة ومظلومها. رحل الأول مذموما مدحورا مهانا ذليلا، نرى ذلّه يومياً بحرق قبره، وإهانته والدوس عليه، بينما رحل المظلوم مروان حديد وبسام أرناؤوط وعدنان سعد الدين وسعيد حوى وإخوانهم أعزاء محمودين في الأرض والحمد لله وبإذن الله محمودين ومذكورين في السموات العلى، شتان بين الرحيلين، فراحلو حماة اليوم أسماؤهم وذكرهم في كل مكان من حماة وغير حماة، لا يُذكرون إلا بالاحترام والتقدير، تلك هي الحياة الثانية التي يعيشونها اليوم في الدنيا حمداً وشكراً.

 

الاحتفالات التي شهدتها المدينة بهذه الأيام محيية أول ذكرى سنوية للمجزرة بعد التحرير، كانت كرنفالية، بطعم الفتح الرباني لمكة المكرمة، وإن كنت أنسى فلن أنسى لحظة الجنون التي تلبّست الحمويين وزائريهم يوم الفتح، لقد كان الجميع في حالة ذهول غير متخيلة، فالنساء الحمويات المحافظات، وهن يزغردن والشباب في حالة رقص والأطفال وهم يلعبون ويلهون بتماثيل حافظ أسد قاتل آبائهم وأجدادهم. كانت أشبه بلحظة جنون مسموح للجميع أن يعبر عن كل ما فيه، وربما كل ما في ذوات من رحلوا.

 

حماة اليوم استعادت كرامتها وعزتها، يوم أذل الله تبارك وتعالى قتلتها ومغتاليها، يوم أذل الله من أهان مدينة أبي الفداء، مدينة النواعير، حماة اليوم أعزها الله بفتحه ونصره، فقد عاد شقيق عبدالستار الزعيم نائب مروان حديد مرفوع الرأس لتستقبله والدته ذات المائة عام، ويعود معه إخوانه في الثمانينيات ممن هاجروا بعد أن سعوا لإسقاط العصابة الأسدية، ولكن قدر الله أن يُجري فتحه ونصره على أبناء وأحفاد ذلك الجيل الذي أسس ومهد الطريق.

 

دفع جيل الثمانينيات ثمناً باهظاً، واليوم دفع الجميع أثماناً أبهظ، ولكن قدر الله تبارك وتعالى أن يتم اقتلاع العصابة من جذورها، ويقتلع معها كل من ساندها وأيدها، ولكل أجل كتاب، فكان أجل العصابة الأسدية في الزمان والمكان الذي أراده الله تبارك وتعالى.

 

* اليوم المسؤولية جماعية، لحفظ هذه الثورة المباركة، ونتائجها، فقلب العروبة، وعاصمة الأمة، تدعو الجميع سوريين وعرباً ومسلمين إلى أن يكونوا حراساً لها، فهي لم تكن ولن تكون للسوريين فقط، هذه دمشق عز الشرق، وويل لأمة تكبو فيها دمشق، وقد لمسنا حين كبت وتراجعت ماذا حل بالمشرق العربي في عهد النظام البائد، ولذا فالمسؤولية جماعية في صيانة الثورة وحمايتها وتحصينها، منعاً لسرقتها، وحرفها عن مسارها، فاليوم لا بديل عن هذه الثورة وهذا العهد.

 

لعل الموقف الخليجي والعربي كان لافتاً ومدركاً لهذه اللحظة الفارقة فكانت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، حفظه الله، إلى دمشق، ثم زيارة الأخ الرئيس أحمد الشرع إلى الرياض، ومن بعدها إلى تركيا، وتهنئة قادة العرب والعالم للأخ الرئيس بتنصيبه كرئيس للجمهورية العربية السورية، وهو أمر بكل تأكيد سيعزز الشرعية داخلياً وخارجياً، لتعود دمشق كما كانت لأهلها، بعد أن رحل الأغراب عنها