وفاق ونفاق, حوار وضرار,...تناقضات يدفع ثمنها الوطن والمواطن
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
الخميس 13 يونيو-حزيران 2013 06:53 م

الوطنية هي حب الوطن والمواطن والتضحية من اجلهما بالأرواح, وترخص على مذبحهما كل المغريات والمصالح والأنفس والأموال. أما الحزبية فيفترض بها أن تكون رديفا للوطنية, تعمل على تعميق جذور الوطنية بين صفوف منتسبيها ومناصريها وفي أوساط المجتمع, وتدافع عن الوطن وتحميه وتذود عنه. غير أن الواقع يقول غير ذلك, حيث انقلبت الحزبية إلى معاداة الوطن والمواطن من اجل الحزب والزعيم, وتحول الانتماء الوطني الى الانتماء الحزبي حتى صار الزعيم الفرد بديلا للوطن ومكتسباته, تهدر من اجله الأموال وتزهق الأرواح وتدمر المرافق والخدمات. قد يعتقد البعض بان هذا الكلام موجه لحزب بعينه, وعلى العكس من ذلك فان هذا الكلام يشمل كل الأحزاب اليمنية بلا إستثناء ولو بنسب متفاوتة.

الحوار الوطني يربط بين عملية التحاور والوطنية, غير أننا نلاحظ بان الحوار القائم حاليا تغيب عنه الوطنية بسبب الولاءات الحزبية التي تغلبت على الانتماء إلى الوطن. وكما هو واضح في تركيبة أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الذين يقع على عاتقهم صياغة مستقبل اليمن ووضع الحلول الناجعة لمشاكله بتجرد وحيادية وعدل ووطنية, قد غلب عليها الانتماء الحزبي دون أي اعتبار للتخصصات (القانونية والاقتصادية وغيرها) مما قد يصيب مخرجات الحوار بسرطان السياسة العمياء. مع ذلك ازدادت الإشادات من جهات مختلفة بنجاحات المرحلة الأولى من الحوار الوطني اليمني والإعلانات الداعمة له من مختلف أنحاء العالم. غير أن الواقع الذي نراه يقول بان النجاحات المؤكدة للمرحلة الأولى من الحوار تتلخص في الأتي:

1- إستلام جميع أعضاء الحوار لمستحقاتهم المالية بالدولار الأميركي, في حين كان حضور اغلبهم لجلسات ما بعد الظهيرة شبه منعدمة.

2- أبدع اغلب المشاركين في الحوار بالترويج لأنفسهم في الجلسة الافتتاحية وما تلاها من ترويح عن النفس بالدجل السياسي والمطالب الكبيرة حتى وصل الأمر بهم الى إقامة الوقفات الاحتجاجية خلال جلسات الحوار.

3- نجحت المرحلة الأولى في عقد الندوات والمحاضرات التوجيهية والإرشادية التي أقامها خبراء أجانب وغاب عنها الخبراء اليمنيين الذين تزخر بهم بلادنا في كل المجالات.

4- نجحت المرحلة الأولى في إبراز مقترحات تدل على قصر نظر مقدميها وعدم اختصاصهم مثل تحويل بعض الوزارات إلى هيئات, ليكون رئيس الهيئة بدرجة وزير دون ان يكون عضوا في الحكومة مع بقاء الحال على ما هو عليه في بقية النواحي, هذا إذا لم يتسبب في أعباء مالية إضافية على ميزانية الدولة. إضافة إلى ذلك الاتفاق على النظام البرلماني والاختلاف على تبعية الهيئات المقترحة للحكومة او رئاسة الجمهورية كما في السابق.

في الجانب الأخر استمر الأضرار بمصالح الوطن والمواطن من قبل نفس أطراف الحوار الحزبية, واستمرت المناكفات السياسية بينهم على مختلف الأصعدة:

1- إستمر التشكيك والتشويه السياسي والإعلامي بين المتوافقين المتحاورين مترافقا مع زرع المطبات السياسية والألغام الاقتصادية والاجتماعية ضد بعضهما البعض دون ان تتسبب في أي أضرار لأي منهما.

2- إستمر تخريب البنية الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا خطوط الكهرباء والنفط دون ان يحرك القائمون على المبادرة الخليجية والداعمون للحوار الوطني ساكنا. حيث يتم نسب تلك الأعمال التخريبية للحزبين الرئيسيين في المعادلة السياسية القائمة التي وصل لديها الانتماء الحزبي مراتب عالية تجاوزت الوطن والانتماء الوطني والوطنية.

3- إستمر مسلسل إسقاط الطائرات العسكرية فوق العاصمة صنعاء وعلى رؤوس المواطنين الأمنيين, بالتزامن مع مسلسل اغتيالات مشبوهة لكوادر يمنية عالية التأهيل في مختلف المجالات خصوصا الأمنية والعسكرية وعلى رأسهم الطيارين العسكريين المخضرمين.

4- كثر الروايات الإعلامية عن ضبط شحنات أسلحة غير رسمية وتصويرها في أماكن مغلقة دون ان يتم تصوير عمليات الضبط او المضبوطات في مواقع ضبطها داخل السفن او القوارب او السيارات وغيرها, مما يشكك في مصداقية تلك الروايات المبتكرة خصوصا مع عدم الكشف عن منفذيها او تقديمهم للمحاكمة العلنية أمام الشعب, وعدم مصادرة تلك المضبوطات والوسائل التي استخدمت في نقلها وتخزينها, من قبل الجهات الرسمية المختصة والمخولة قانونا بمصادرة تلك المضبوطات او التحفظ عليها مثل أجهزة القضاء وغيرها.

5- تكرار التصريحات غير الموثوقة عن إلقاء القبض على قيادات من تنظيم القاعدة او قتلهم في عمليات عسكرية يمنية او بواسطة ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار على المدن اليمنية المختلفة. ما يثير الريبة والشك في تلك التصريحات هو تكرار الإعلان عن مقتل نفس الشخص عدة مرات دون إظهار أي صور له, وإعلان أسماء وهمية مثل الريمي والشهري والصنعاني وغيرها من الألقاب التي لا تدل على شخص بعينه. لقد وصل الأمر بتلك الجهات غير المسؤولة حد تبرير سقوط ضحايا مدنيين لا علاقة لهم بالإرهاب ولا بالقاعدة, على أنهم مطلوبين امنيا دون أن تعمم الأجهزة الأمنية المختصة مسبقا بياناتهم وإعلانها. إذا فقد توافق المتوافقون على ان لا يتفقوا, فنافقوا بعضهم وكذبوا على أتباعهم وعلى الشعب.

إن المبادرة الخليجية التي يحتكم إليها المتوافقون بديلا عن الدستور اليمني, تقرر بان يتم إتخاذ القرارات في حكومة المناصفة والبرلمان منتهي الصلاحية بالتوافق بين الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية, غير ان الجميع رأى كيف ان المتوافقين مناصفة في الحكومة يخرجون بقرارات ومشاريع قوانين يتم رفضها في البرلمان الذي يمتلكه البركاني والراعي. لذا فقد تم إستغلال فترة التوافق غير الموفق في تمكين الثورة المضادة من بسط سيطرتها على الشارع وعلى التحركات المطلبية واستخدامها في المخططات التدميرية, مستفيدة من الفكرة الثورية لما يسمى بثورة المؤسسات التي تطالب بتبادل مواقع الخصوم فقط تحت ذريعة الفساد, وتم وأدها في مهدها من قبل الأحزاب التي كانت تقف خلفها بعد ان نجحت في لملمة شتات الخصم المهزوم وتكليب مناصريه لحماية رموز الفساد تحت ذريعة حماية مصالحهم التي ستطالها يد التغيير ان هم بقوا غير مباليين. فتوجهت موجة الإضرابات والاعتصامات وإغلاق المرافق إلى مؤسسات ذات مكانة عالية في المجتمع مثل القضاء والصحة والأمن, تسببت في حرمان المواطن من خدماتها الضرورية وضياع مصالحه وحقوقه.

من كل ما تقدم يمكننا ان نتوقع من الحوار الحزبي المتدثر بعباءة الوطنية في الفترة القادمة المخرجات التالية:

1- إستمرار التوافق بنفس الأسلوب القائم مع تعديل الصيغة الخليجية الى صيغة أميركية قد تكون ملزمة نوعا ما.

2- إستمرار الاعتداءات على خطوط الكهرباء والنفط وغيرها من الخدمات الضرورية للمواطن, عند كل تأزم في العلاقات التوافقية وعند كل مطلب للأحد المتوافقين لا يقبله الأخر, إضافة الى أزمة الانترنت غير الظاهرة للعيان.

3- إستمرار فقدان المخفيين من شباب الثورة وعدم معرفة مصيرهم وغض النظر عن هذا الموضوع نهائيا عنهم وعن جرحى الثورة ومعاقيها الذين مازالوا يحتفظون بآلامهم وأوجاعهم وإعاقاتهم خصوصا في تعز.

4- إستمرار التلاعب بقانون المصالحة والعدالة الانتقالية حتى تأتي الأمم المتحدة بقانون لا يستطيع البركاني او غيره رفضه.        

5- أما إذا بقى البركاني زعيما للزعيم, فمن المحتمل ان تنزع عدادات أخرى وقد يتم قطع التغذية وليس فقط العداد.

الأمور جميعها مرتبطة بمدى وعي قواعد ومناصري الأحزاب اليمنية, فإذا عادت الى استخدام ما وهبهم رب العالمين من عقل وغلبوه على ما وهبتهم أحزابهم من مصالح او أموال, فإن الأمور ستعود الى طبيعتها أكثر انضباطا وعدلا وستعود السعادة المفقودة الى اليمن السعيد وأهله. فالكهرباء لا تنقطع عن حزب بل عن وطن وشعب, والغلاء لا يمس حزب بل شعب بكل مكوناته وأحزابه, والانهيار لن يستثني سوى من تحصن ومن رحل بالأموال المنهوبة من الشعب والوطن الى الخارج, كما هو الحال الآن أولئك لا يتأثرون بانطفاءات الكهرباء ولا بالغلاء ولا الاغتيالات.

فهل من عقلاء؟؟؟