الإمامة في فكر الحوثي
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 30 يوماً
الثلاثاء 09 يونيو-حزيران 2009 03:54 م

في ضوء ذلك البيان الصريح الذي أورد الباحث جوهره في الحلقة السابقة عن موقف الحوثي من الإمامية الإثني عشرية؛ بوسعه استخلاص الحقيقتين التاليتين :

الحقيقة الأولى: ضرورة إدراك أن نشأة حسين الحوثي وتربيته وتفاعله مع المحيط البيئي من حوله، ومع العالم الخارجي الذي اطّلع على مجريات الأحداث فيه، مباشرة أو غير مباشرة؛ قد أسهم بنصيب وافر، في إخراج (سيكولوجيته) على ذلك النحو. ولاشك أن في سفره في 1994م ووالده إلى إيران، ثم لبنان قد جعله يعود أكثر إعجاباً بالتجربة الإيرانية والخمينية وتجربة حزب الله، وهو مما استفاضت به محاضراته ودروسه المسجّلة وملازمه، ولا أحسب ذلك موضع نزاع لدى أحد من أتباعه. بيد أن ذلك لا يعدّ – من الناحية المنهجية- دليلاً كافياً على تبعية مطلقة لإيران أو حزب الله ومذهبهما الإثني عشري الإمامي، إذ إن دعم إيران المعنوي والمادي لم يقتصر على جهات أو اتجاهات شيعية فحسب، بل ثمّة أطراف سنيّة تعلن اعتزازها بموقف إيران (الشيعية) ودعمها لها، ولعل أنموذج حركة حماس (الفلسطينية) خير شاهد على ذلك. وإذا صحّت شهادة القائد الميداني الأسبق لتنظيم القاعدة في السعودية محمّد عتيق العوفي بأنه قد انفصل عن التنظيم وسلّم نفسه لأجهزة المن السعودية، بعد أن تاكّد له -أثناء هروبه إلى اليمن- أن هناك دعماً مادياً إيرانياً لتنظيم القاعدة يرد إليها عبر الحوثية( راجع تصريحات العوفي للقناة السعودية الأولى -على سبيل المثال- في: صحيفة الثورة، العدد 161208، 1ربيع ثاني 1430هـ الموافق 28مارس 2009م، ص 3) ؛ فإن ذلك شاهد آخر على أن للسياسة حساباتها أحياناً، بمنأىً عن الأيديولوجيا والطائفة والمذهب، إذ كيف يجتمع تنظيم يوصف بأقصى درجات التطرّف السلفي السنّي بتنظيم مضادّ يوصف كذلك بأعلى درجات التطرّف الشيعي(الإمامي)؟!. وكم من معجب سنّي و غير سنّي، بتجربة إيران والخميني وحزب الله. وكم من معجب بهما ليس متديّناً، بل قد لا يكون مسلماً من الأساس، لأسباب عِدّة يأتي في مقدّمتها الموقف الصُلب من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.وكم من خصم لهما، من أبناء الطائفة ذاتها. وبالمقابل كم من معجب بتنظيم القاعدة(السنيّة) وقادتها المعروفين بسلفيتهم (السنيّة) من شيعة وعلمانيين ومن أفراد كُثر غير مسلمين كذلك نكاية بالولايات المتحدة وغطرستها! فلا تلازم إذاً بين إعلان الإعجاب أو حتى تلقي الدعم الإعلامي أو حتى المادي – في ظروف معيّنة- بتجربة ما وقائد أو قادة ما وبين التبعية العقدية والفكرية المطلقة. وغاية ما في الأمر بالنسبة للحوثية- في ظل قيادة حسين الحوثي تحديداً- هو أنها قد التقت مع إيران وحزب الله – من الناحية العقدية والفكرية- على غير تخطيط مسبق في فكرتها الجوهرية المتمثّلة في النيل من كبار الصحابة ولاسيما أبو بكر وعمر –رضي الله عنهما-، وجعل الولاية حكراً على آل البيت، وذلك مالا يمكن إنكاره بوصفه مستفيضاً جدّاً في الفكر الحوثي، وإن اختلفت الحوثية بعد ذلك كليّاً مع الإثني عشرية في مفهوم الولاية هذا وشروطه ومواصفاته. وذلك هو جوهر الفكر الزيدي (الجارودي) الذي بات الباحث مقتنعاً بتوصيف الحوثية في إطاره، ولا سيما في الفترة التي قاد فيها حسين الحوثي تنظيم الشباب المؤمن. ويشاطره في هذا الاستخلاص طرفان من الناحية الفكرية والمذهبية، ووسط، بيد أنهم اتفقوا جميعاً على توصيف الفكر الحوثي ومؤسسه على نحو ما ذهب إليه الباحث. أمّا الطرف الأول : فسنّي سلفي، وأمّا الآخر فشيعي جعفري إمامي. أما الأول فهو الشيخ محمّد بن محمّد المهدي( رئيس جمعية الحكمة اليمانية في مدينة إب)، الذي قال في سياق مناقشة له بهذا الشأن:" ما يتعلّق بالأستاذ حسين الحوثي فرسائله بعد قراءتي لها، وصلت إلى القناعة التي أجبت عليها في بعض المقابلات الصحفية مؤخراً أنه زيدي جارودي متأثر بالإثني عشرية في أمور، فيتكلّم في أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة في رسائله طولاً وعرضاً،وعنده غلو في مسألة إمامة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- ... وأن المسألة مرتبطة بعلي وذريّته فقط- رضي الله عنهم-... فعلى كل حال هو باختصار زيدي جارودي، أخذت ذلك من رسائله ، ومن أشرطته ...فإذاً لا يمنع من أن أقول لك : إنّه متأثر بالإثني عشرية ، مع كونه لا يستطيع أن ينكر أنّه زيدي"( محمّد بن محمّد المهدي، على هامش حوارات سابقة مع الأستاذ عبد الفتاح الحكيمي، صحيفة إيلاف(اليمنية)، العدد( 65)، ص 13، 3 ذو الحجة 1429هـ- 2 ديسمبر 2008م)

وأمّا الآخر فهو الطالب الجعفري الذي تحوّل من الزيدية إلى الجعفرية حسن علي العماد الذي أجاب عن سؤال:" هل صحيح أن الحوثيين اثني عشرية ؟" فأجاب:" ( متأثرين [ هكذا والصواب متأثرون] ببعض الأفكار الإثني عشرية" (حوار من إيران مع الطالب الجعفري حسن علي العماد ( لم يذكر اسم المحاور)، صحيفة إيلاف (اليمنية، ، العدد (65)، المرجع السابق، ص3).

أمّا الطرف الوسط- من وجهة نظر الباحث- فيمثَله الأستاذ محمّد سالم عزان الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن، الذي خرج على التنظيم بعد بلوغه مرحلة المواجهة المسلّحة مع السلطة، وقد أجاب على سؤال :" هل ارتبطوا بالمذهب الاثنى عشري؟ بـ:" لا". وحين سئل فمن من أي أصول استمدت إذن؟" أجاب: "خليط من كل شيء، بعضها فيها طابع الفكر الجعفري، وبعضها السلفي، لا تستطيع أن تحدّد لها هوية ."

(حوار محمّد يحي سالم عزان، مع صحيفة الناس، مرجع سابق)

هذا فيما يتصل بحسين أما بالنسبة للأب بدر الدين فقد نفى تهمة الجعفرية عنه وعن ابنه. وفي معرض إجابته عن العلاقة مع الجعفرية وإقامة السيستاني علاقة مع الأمريكان في العراق، قال:" إن طريقة الزيدية مختلفة عن طريقة السيستاني الجعفرية" ، وفي إجابته على سؤال عن حقيقة اعتناق ابنه حسين للمذهب الجعفري نفى ذلك بالقول": " غير صحيح، هذه دعاية كاذبة مثلها مثل ما قالوا إنّه ادّعى النبوة والإمامة ، كلّه كذب"( راجع حوار بدر الدين الحوثي مع صحيفة الوسط، مرجع سابق).

ويؤكّد نفي ارتباط بدر الدين الحوثي بالجعفرية السيّد علي يحي العماد (والد حسن المتقدِّم ذكره، وهو من أشهر الشخصيات اليمنية المعروفة بولائها الكبير لآل الحوثي، كما أنّه على علاقة متميّزة ببعض المرجعيات في إيران)نفى أن يكون بدر الدين الحوثي جعفرياً، معلّلاً سبب (هروبه) من إيران -بعد أن كان قد أقام فيها فترة قصيرة - بأنه تعرّض لمضايقات من بعض المراجع تهدف إلى اعتناقه للمذهب الجعفري، وتخلّيه عن الزيدي، وأضاف العماد أنّه قد تأكّد من حقيقة ذلك من ابنه عصام، وأنّه – والحديث لا يزال لعلي العماد- صارح باستياء بدر الدين الحوثي أحد أعضاء مجلس الشورى الإيراني، واتهمهم بالتهوّر، ثمّ أكّد موقف بدر الدين من الجعفريه بسماعه شريطاً مسجّلاً لبدر الدين فيه يرفض المذهب الجعفري وينتقده بشدّة، مختتماً حديثه بهذا الخصوص بأن من لايزال بعد كل ذلك يتهم بدر الدين الحوثي بأنه جعفري " فهو جاهل لأنه زيدي متعصّب"( راجع حوار علي يحي العماد مع صحيفة الوسط، الوسط نت  http://www.alwasat-ye.net/modules.php?name=News&file=article&sid=990

الحقيقة الثانية: إن تأكيد الباحث على عدم مشايعة تهمة الارتباط العقدي والمذهبي للحوثي بالإثني عشرية الإمامية بل وقوفه ضدّها- كما تقدّم- لا يعني - بالمقابل- نفي سعي إيران سواء على المستوى الرسمي أم على مستوى بعض المرجعيات اللافت والدؤوب لسيطرة مشروعها المعروف، على كل مكان تستطيع أن تتمدد إليه، أو تجد لها موطئ قدم فيه، انطلاقاً من عقيدة تصدير الثورة المعلن، وما عاد مسلكها في العراق بحاجة إلى مزيد تدليل أو تأكيد. ويعترف أحد المتحوّلين من الزيدية إلى الإثني عشرية (واسمه حسن علي العماد) بالنفوذ الإيراني وأنّه صار يهدّد العرب، ولكنّه برّر ذلك بسبب ضيق بعض حكامنا في استيعاب " الشريحة الشيعية في بلادهم ، فكان المنفذ الوحيد للتغذية الفكرية الشيعية إيران " (حوار مع الطالب الجعفري، صحيفة إيلاف(اليمنية)، ص، 3، العدد( 65)، مرجع سابق). وحين سئل: هل خدم شقيقه عصام الفكر الحوثي من خلال نشاطاته في إيران؟ أجاب:" تجار الفتن، كان لديهم غايتان رئيسيتان [ هكذا والأصوب رئيستان] من ضرب الحوثيين، ونجاح هاتي الغايتين مرهون بتحرّك إيران"( المرجع السابق، ص 3). يذكر أن عصام العماد غدا واحداً من أبرز المتحوّلين إلى الجعفرية في اليمن، بل صار يعرف بلقب (آية الله)، ويرأس ما يسمّى بالمجلس الشيعي الأعلى في اليمن، وإن ظل ذلك عنواناً لا تُعرف له حقيقة على الأرض، مع العلم أنّ عصاماً مختلف اختلافاً شخصياً حادّا مع أخيه حسن. وفي سياق التأكيد على مدى الجهود المبذولة من بعض الأطراف الإيرانية في سبيل نشر المذهب الجعفري في اليمن يؤكِّد علي يحي العماد (والد حسن وعصام) أن بعض المرجعيات الإيرانية يئست من محاولة إقناع المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي (والد حسين) في التحوّل من الزيدية إلى الجعفرية، مما اضطره إلى الهرب منها، وأنه- أي علي العماد- قد صارح بعض أعضاء مجلس الشورى الإيراني بذلك، متّهِماً للإيرانيين بالتهوّر، حين وجّه الأخير إلى الأول سؤالاً عن سرّ هرب الحوثي( ألأب) من إيران؟ كما أن ذلك لاينفي قيام معطيات موضوعية تشير إلى تبعية مقصودة مطلقة لبعض أفراد أو قيادات شيعية يمنية من غير المستبعد أن تستغل العباءة الحوثية لتتدثر بها - إذ هي سابقة في صعدة أو غيرها على إعلان تنظيم الشباب المؤمن – بهدف إحلال المذهب الشيعي الإثني عشري القادم من إيران وتصديره إلى اليمن. وتؤكّد ذلك بعض المعطيات الموضوعية على الأرض، مثل تبني بعضهم منظومة الأفكار الإثني عشرية- دعك من الصحابة وقداسة آل البيت- وتعليمها علانية للناشئة، قبل اندلاع المواجهات المسلّحة في بعض المراكز التابعة لبعض الرموز اليمنية المشتهرة بخلافها مع الفكر السنّي العام، بل إعلان ذلك في بعض الخطب المنبرية ودروس المساجد في أحيان نادرة، والقيام بالتبشير بالفكر الإثني عشري عبر التوزيع المجاني اللافت للإصدرات الشيعية، مع ما يُعلم من مخالفتها للعقيدة الزيدية ومذهبها. وما صدور بيانين منسوبين في بعض مراحل القتال عن الحوزتين العلميتين بالنجف وقم ووصف واقع الأحداث في اليمن بأنه اضطهاد للشيعة في اليمن بقسميها الزيدي والإمامي الإثني عشري ( راجع؛ بيان حوزة قم في: عادل الأحمدي، مرجع سابق، 281،ورد علماء اليمن على البيانين في: المرجع السابق، ص 305-306) إلا تأكيد على أن ثمّة اهتماماً خارجياً علنياً لا يخفى، وثمّة أفراداً من الشيعة الإمامية الإثني عشرية تنشط في البلاد. وقد صدر بيان منسوب إلى من وصفوا أنفسهم بالإثني عشرية اليمنيين صوّروا فيه الشيعة الزيدية والإثني عشرية بأنها مضطهدة منذ قيام الثورة اليمنية في سنة 1962م، وأنه تم منذ ذلك التاريخ وبعده إعدام المئات من علماء الحوزة العلمية وطلبتها...إلخ( راجع نص البيان في : صحيفة الناس، مرجع سابق).

ويصرِّح حسن علي العماد بأنه " شيعي جعفري إثني عشري" جواباً على سؤال عن مذهبه (حوار مع الطالب الجعفري حسن علي العماد، مرجع سابق،ص 3). وحين سئل: "هل هناك مذهب اثتي عشري في اليمن؟ ومنذ متى؟ وكيف انتشر؟ " أجاب:" التشيع الإمامي الإثني عشري كان يظهر في اليمن ويقمع بشكل أو بآخر. حتى يقال إن المطرفية الذين عاصروا الإمام عبد الله بن حمزة كانوا اثني عشرية، وأيضاً في زمان المتوكّل على الله إسماعيل(ع) في مناطق بني مطر وخولان، كان يؤذّن الشيعة بأشهد أن عليّاً ولي الله ، ولكن وكما ذكرت سابقاً الحريّة العقائدية والفكرية التي عشناها من التسعينات إلفى 2004هـ لم يسبق لها مثيل في اليمن ، وهي المرحلة الحقيقية التي نستطيع أن نقول إن وجود الإثني عشرية بدأ منها". بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال:" أنا ذكرت بالدليل الجامع أن التشيّع الإثني عشري دخل إيران من اليمن". ويبرّر تحوّله من الزيدية إلى الإثني عشرية بقوله:" الزيدية تحكم اليمن منذ أكثر من ألف سنة ، وهذا المدّة كتجربة كافية لأي فكر أو نظرية أو مذهب حاكم لتثبيت السعادة المطلقة للبشرية، لكن هذا لم يتحقّق، إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على فشل هذه النظرية"( المرجع السابق، ص3). وقد مرّ بنا أن شقيق حسن العماد عصام يعلن ترؤسّه لما يسمّى بالمجلس الشيعي الأعلى في اليمن ! .