السلاح الأخطر، خطيئة المقارنة بين المناطق المحتلة والمحررة
بقلم/ عبدالله إسماعيل
نشر منذ: سنتين و 5 أشهر و 12 يوماً
السبت 04 يونيو-حزيران 2022 11:45 م

يقع البعض في فخ المقارنة الساذجة بين الحياة تحت سيطرة ميليشيا عنصرية، والحياة في ظل دولة حتى في حدها الادنى، هذه المقارنة قد تكون مقبولة من مواطن عادي، لكنها كارثية وخلل مدمر عندما تصدر من مسؤول حكومي، أو مثقف أو صحفي.

 

وفي البداية، لا بد من الإشارة الى ان صنعاء العاصمة وفيها هياكل وبنية الدولة المتراكمة على مدى عقود، وهذه الهياكل والمؤسسات التي ما انفك الحوثي تدميراً ونهباً لها، هي الأساس في بعض المظاهر التي يروج الحوثي كما لو أنها منجزات تتعلق بسلطة عصابة. أما في المناطق المحررة فهي أساساً بنية ثانوية تعمل من الصفر وفق إمكانيات محدودة، لا تقبل المقارنة.

 

لا شك ان مناطق الشرعية تعاني حالة من الاختلالات البنيوية، وضعف الخدمات، مع تفاوت ذلك من منطقة لأخرى، كما تضغط على سكانها تداعيات التضخم، وضعف العملة والايرادات، وتعاني هذه المناطق كغيرها من آثار الحرب، وتراجع الاستثمار.

 

تلك المشاكل هي معاناة مشتركة، تحجب نتائجها السلبية وحجمها في مناطق الاحتلال الحوثي، قبضة أمنية قمعية، واعلام ملشوي بصوت واحد، وتجريم لأي تحرك شعبي، أو اعتراض جمعي أو فردي، وصل الى حد اتهام المعترضين بالخيانة والعمالة والنفاق والطابور الخامس، كما واجهت الجماعة المطالبين برواتبهم، بالتهجم والفصل من وظائفهم، والاتهام المباشر بدعم ما يسمونه بالعدوان.

 

 اما ما يتعلق بالعملة، فاختلاف السعر في مناطق الاحتلال الحوثي، لا يتعلق بمعطيات اقتصادية حقيقية، بل ناتج عن سياسة السيطرة والتحكم، وطبيعة حكم الجماعات الارهابية المتشددة، ولا يتناسب مع السعر العادل للريال الذي يقدره البنك الدولي بقيمته الحالية في المناطق المحررة، 

لنتحدث تاليا عما يجعل هذه المقارنة لا تجوز ولا تصح، ويجعلها في خانة الشائعة الحوثية بالغة الخطورة والتدليس، وللأسف يقع في فخ ترديدها البعض بسذاجة، أو بقصد بهدف نشر الاحباط، وتجميل وجه الحوثية السلالية القبيح شكلا ومضمونا.

 

في الملف الامني تبرز أسوأ اوجه هذه المقارنة الساذجة، ففي حين تعيش المناطق المحررة في اغلبها، حالة أمنية جيدة، الا انه يتم التضخيم المتعمد لحوادث نادرة ومتباعدة وغير ممنهجة، تتنوع ما بين جنائية وارهابية ومجتمعية، لا تزيد كثيرا عما يحدث في أي مجتمع مماثل.

 

 في المقابل، اصبحت الجريمة في مناطق الاحتلال الحوثي يومية ومعتادة وممنهجة، ولا يكاد يمر يوم واحد دون حادثة قتل أو سرقة بالإكراه أو اقتحام، ووصلت جرائم القتل الى جرائم لم يعرفها اليمنيون، فقتل الأهالي من ابنائهم تتكرر بشكل مرعب كاد ان يصل الى الظاهرة، كما يمارس المشرفون القتل بالشبهة أو للسرقة، في منهج حوثي يحتكر الاجرام، ويدعي ان لا جرائم.

 

ومن المهم الاشارة الى ان الجرائم والحوادث الامنية في صنعاء وبقية المناطق المحتلة، ونظرا للقمع ورغم ضخامتها وانتشارها، لا يتجرأ أحد عن النشر عنها على أي مستوى، فيما يتم التناول الاعلامي والشعبي لكل حادث في المناطق المحررة مهما كان صغيرا، ويساهم الإعلام الحوثي في تضخيمها خدمة لهدف شيطنة الحكومة وتأليب الناس عليها، والتدليس على المواطنين تحت سيطرته بانهم احسن حالا.

 

في مناطق الاحتلال الحوثي. عمليات اقتحام المنازل عمل يومي، وانتهاك حرمات البيوت وترويع النساء والاطفال فعل مشروع، بل وقتل الامهات امام اطفالهن، ومصادرة الاموال واحتلال المنازل يتم دون محاكمة ولا امر قضائي، ويكفي ان تكون معارضا للميليشيا لتصادر املاكك، وتنهب ممتلكاتك، ويهدر دمك، ويفرض على من بقي من اسرتك تحت حكمهم بالتبرؤ منك.

 

وفي مناطق الحكم السلالي أيضاً، تمارس الجماعة النهب والجبايات، والاثراء بكل السبل حلالا وحراما، ولتلبي شبقها للمال، تضاعف على المواطن الجمارك والضرائب، وتفرض عليهم الدفع لاحتفالاتها ومناسباتها الممتدة طوال العام، وعليه أن يدفع الخمس والزكاة. وفي المقابل لا تدفع المرتبات، ولا تمول الخدمات، في حين تدفع الدولة مرتبات الموظفين في كل المناطق المحررة، وبعض الفئات في مناطق الاحتلال الحوثي، وقدمت تنازلات لدفع الميليشيا لصرف مرتبات الموظفين، ومن ذلك فتح ميناء الحديدة.

 

لم تشهد منطقة محررة حوادث تفجير منازل أو اقتحام مساحد أو إغلاق لمنشأة تجارية، أو صناعية لرفضها دفع جباية أو رسوم احتفال، أو دعم للمجهود الحربي، لم يتم تشكيل حارس قضائي يتولى دور الشرطي والنيابة والقاضي، ويطيح في خلق الله غلقا ونهبا ومصادرة، بلا مبرر قانوني أو اخلاقي، وهو ما يجري يوميا في مناطق الاحتلال الحوثي.

 

ثم يأتي الفرق الاكبر والاكثر كارثية، والذي تهون معه كل الفروق، وتتضاءل في مقابله كل صعوبة في العيش، وهو العمل الممنهج من قبل ميليشيا الخراب والارهاب للتجريف الفكري، وتطييف المجتمع، وارغام الناس على الاحتفاء والاحتفال بخرافات تناقض معتقداتهم، وطريقة عيش لا تنتمي إليهم، ان تتعمد السلالة محاولة صبغ المجتمع يفكرها وعقيدتها، واجبار الناس على

 

رؤيتها، ان تتحول المدارس والمراكز الى مصائد للأطفال، ومحاضن للإرهاب، وصناعة الموت.

 

أي معنى للحياة إذا فقد المواطن حقه في تربية اطفاله على مبادئه ومعتقده، وعاش على قلق وترقب يومي من عودة ابنه وقد تغيرت نظرته اليه، وملأت الكراهية قلبه، ويلازمه الرعب ان يأتوا بفلذة كبده صورة في ملصق، أو صندوقا بلا جثة، بعد ان خطف من مدرسته، أو شارعه، أو اثرت عليه دعاية الحوثي فاستسلم للفكر الضال، ليرمي به الحوثي الى الموت من أجل مشروعه واطماعه المريضة.

كم اب في مناطق الاحتلال الحوثي، اضطر الى مغادرة منزله، أو بيع بيته أو ارضه، لينقل ابنه بعيدا عن خطر التجريف الحوثي، بعد ان شاهد تجارب جيرانه ومعارفه، ممن تنكر لهم الابناء أو أصبحوا أحد نتائج محاضن السلالة ومنهجها المظلم، هروبا بعقيدتهم ومبادئهم وما اكتسبوه من ضياء جمهوريتهم، وصونا لإنسانيتهم وكرامتهم.

 

تحت حكم الميليشيا، تهان بيوت الله، ويفرض خطباء السلالة، ويساء لرسول الله وازواجه واصحابه، يمنع الناس من صلاة التراويح، وتغلق المساجد بحجج تافهة، في منهج حوثي سلالي بأبعاد تاريخية، عمدت فيه السلالة كلما حكمت على فرض رؤيتها الدينية، وتكفير مخالفها، وهدر دمه، وماله، وعرضه.

 

واخيرا نحن هنا لا نبرر بقاء المناطق المحررة في وضعها الحالي، ولا ان يترك الناس فريسة لتدني الخدمات الناتج عن الاهمال والفساد وغياب الخطط، لكننا نؤكد على ضرورة التفريق بين الخطأ الممكن اصلاحه، والخطايا التي تمارس لأهداف تجويع الناس واهانتهم والتحكم في مصائرهم.

يجب ان نستوعب جميعا ما يتعرض له اهلنا في مناطق الاحتلال الحوثي، من تفكيك للمجتمع، وهدم للعرف، والغزو الفكري والقمع العنصري والممارسات الممنهجة لفرض التغيير الديموغرافي، وكلها أخطار وجودية، وخراب سيحتاج مستقبلا لما هو أكثر من المال والخطط وامكانيات الدولة لمحاولة اصلاحه.