صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن
لا شك أن الكثيرين لاحظوا الفرق الكبير بين الموقف الأمريكي والأوروبي الحالي من التهديدات الروسية لأوكرانيا، والموقف الغربي عموماً من التدخل الروسي في سوريا.
من الواضح أن الضغط الأمريكي على روسيا وتهديدها بأشد العقوبات الاقتصادية فيما لو غزت أوكرانيا قد فضح ليس فقط السياسة الأمريكية المزدوجة بل فضح أيضاً روسيا نفسها وأظهرها بمظهر التلميذ المشاغب الذي تستخدمه أمريكا بين الحين والآخر لتنفيذ مهمات معينة لصالح الأمريكي، وعندما لا تلتزم بالمطلوب أمريكياً تأكل صفعة على قفاها. لقد حاولت موسكو وكل من يدور في فلكها في العشر سنوات الماضية أن تصور نفسها على أنها صارت قوة عظمى تنافس أمريكا وأنها استعادت مكانة الاتحاد السوفياتي، لكن الضجة الحالية حول التهديدات الروسية لأوكرانيا أظهرت أن روسيا في واقع الأمر مجرد قوة إقليمية كما وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لأن انتاجها القومي أقل من انتاج كوريا الجنوبية التي لا تعادل مساحتها مساحة مدينة روسية صغيرة. والدليل أن أمريكا تغض الطرف عن التدخل الروسي لا بل تدعمه في سوريا، بينما تزجر روسيا وتهددها بأقصى العقوبات فيما لو حركت جندياً واحداً باتجاه أوكرانيا.
الموقف الأمريكي والغربي من روسيا عموماً يؤكد لنا بأن واشنطن هي من تحدد لموسكو ما هو حلال وما هو حرام في السياسة الدولية. صحيح أن موسكو ضمت جزيرة القرم قبل حوالي سبع سنوات وسط معارضة غربية ودولية، لكن هناك فرقاً كبيراً بين أن تضم روسيا منطقة غالبية سكانها من الروس كالقرم، وبين التدخل في دولة كبرى كأوكرانيا أو دولة ذات موقع استراتيجي كبير كسوريا. في سوريا لم يكن لدى أمريكا أو أوروبا أي اعتراضات على التدخل الروسي، لا بل إن أمريكا دفعت الروس للتدخل وباركت العملية بدليل أن معاون وزير الدفاع الأمريكي الأسبق أندرو أكسوم قال حرفياً في محاضرة أمام الكونغرس الأمريكي إن واشنطن في أواخر عام ألفين وخمسة عشر خشيت على مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة، وكانت حريصة على بقاء النظام السوري كضامن للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، لهذا بادرت إلى إقناع الروس والتنسيق معهم لحماية النظام السوري من السقوط. بعبارة أخرى لم يكن لروسيا مطلقاً أن تدخل بهذه القوة إلى الأراضي السورية وإقامة قاعدة عسكرية كبيرة في منطقة حميميم على الساحل السوري لو لم يكن هناك ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي لا بل مباركة. لماذا؟ لأن التدخل الروسي في سوريا يضمن أمن إسرائيل، وقد أكد ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ليبرمان عندما قال إن تل أبيب تنسق مع الروس في سوريا على مدار الساعة، ولا ننسى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو زار موسكو مرات ومرات خلال فترة قصيرة وكل ذلك كان بهدف التعاون مع الروس أمنياً واستراتيجياً في سوريا.
وقد غضت أمريكا نفسها الطرف مرات ومرات عن الفيتو الروسي في مجلس الأمن لصالح النظام السوري، لأن أمريكا كانت قلباً وقالباً مع الجهود الروسية لحماية النظام ولاحقاً التدخل العسكري المباشر من أجل ذلك الغرض. ومن السخف طبعاً القول إن روسيا دخلت سوريا بطلب من النظام. وهل تسمح أمريكا للنظام في أوكرانيا أو في أي بلد مهم بالنسبة لها أن يطلب من روسيا أن تغزوه إذا كان ذلك يهدد المصالح الأمريكية؟ هل شاهدتم ماذا فعلت واشنطن بصدام حسين عندما غزا الكويت رغماً عنها؟ لماذا أخرجت صدام من الكويت وسمحت للإيرانيين والروس بدخول سوريا واحتلالها؟
لماذا كان التدخل الروسي السافر في سوريا حلالاً زلالاً، بينما تلاقي التهديدات الروسية لأوكرانيا الآن معارضة شديدة جداً من الروس والأوروبيين؟ ألم يتطلب الأمر لقاء عاجلاً بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي عبر الفيديو قبل أيام لتلقين بوتين رسالة تهديد أمريكية شديدة اللهجة فيما لو أقدم على أي عمل عسكري ضد أوكرانيا؟ في سوريا لم تتعرض موسكو لأي عقوبات أو تهديدات أمريكية، بينما اليوم هددت أمريكا بأنها قد تفرض على موسكو عقوبات غير مسبوقة تاريخياً فيما لو تحركت عسكرياً ضد كييف. وقد وصل الأمر بواشنطن إلى تهديد الروس بإخراجهم من النظام البنكي العالمي ومنعهم من التعامل بنظام «سويفت» الذي ينظم عمليات تحويل الدولار في أنحاء العالم، وهي عقوبة أخطر من أي حرب، لأنها عملياً تشل روسيا مالياً واقتصادياً، وهو أمر لا يمكن لموسكو أن تتحمله خاصة وأن اقتصادها في حال يرثى له.
في سوريا تحمي روسيا أمن إسرائيل، أما في أوكرانيا فهي تهدد الأمن القومي لأوروبا وحلف الناتو. لهذا فأي تحرك عسكري روسي هناك يعتبر خطاً أحمر. وقد قال الرئيس الأمريكي بايدن قبيل لقائه الأخير ببوتين إن أمريكا هي من تحدد الخطوط الحمراء وليس روسيا، وذلك رداً على تصريح بوتين بأن دعم أوكرانيا والاقتراب من مناطق النفوذ الروسي خط أحمر. لقد أراد بايدن أن يقول لبوتين بصريح العبارة: روسيا دولة مستأجرة لحساب أمريكا في سوريا وأماكن أخرى. المصلحة الأمريكية تقتضي القضاء على الثورة السورية لأن انتصارها يعني تغييراً جيوسياسياً في المنطقة، أما في الحالة الأوكرانية فمصلحة أمريكا تقتضي ضبط الدب الروسي هناك، لأن غزو روسيا لأوكرانيا يهدد المصالح الامريكية، ويقوى النفوذ الروسي على حدود النفوذ الأمريكي.
لقد جاء الحدث الأوكراني ليؤكد أن روسيا متخصصة في تنفيذ المهمات القذرة التي لا تريد أمريكا أن تتسخ بها، بحيث تبدو أمريكا والغرب أمام العالم كمدافع عن الحريات وداعم للديمقراطيات، أما الدب الروسي فيبقى دباً بالمعنى الحرفي للكلمة بلا أخلاق ولا قيم ولا استراتيجية. بعبارة أخرى، فمازالت روسيا بنظر الغرب مجرد ولد أزعر أخرق يمكن استعماله عند اللزوم بشرط ألا يتجاوز حدوده، وأمريكا تقول للروسي هنا إنها ما زالت صاحبة القرار الأول والأخير في السياسة الدولية، وأن الكلام عن بروز أقطاب جديدة كروسيا والصين لم يكتمل بعد مطلقاً، وأن كل من يحاول الخروج عن التعليمات الأمريكية في أي منطقة في هذا العالم سيواجه عقوبات صارمة. وأمريكا تعرف جيداً أنها لو تركت الروس يجتاحون أوكرانيا، ففي اليوم التالي ستجد الصين تجتاح تايوان. وهذا لا يمكن أن يمر طالما أن واشنطن مازالت تمسك بزمام القيادة الدولية.