«عبدة الشيطان» بعد أن تم ضبطهم .. طقوس منحرفة وانفصام سلوكي
بقلم/ منتصر حمادة
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 25 يوماً
الخميس 13 سبتمبر-أيلول 2007 11:24 م

هل يؤشر إلقاء القبض أخيرا على أتباع "عبدة الشيطان" في تونس، والكشف عن شبكات لنفس الجماعة/الظاهرة في عدد من الدول العربية، على وجود تنظيم لـ"عبدة الشيطان" في العالم العربي؟ وهل يصح أصلا الحديث عن تجمعات شبابية عربية محسوبة قسرا على هذه الطائفة؟ وما المؤشرات الميدانية التي تحسم في صحة وجود هذه الجماعة عربيا؟ وما يفرق أتباع "عبدة الشيطان" في الغرب والشرق؟ وما هي طقوسهم، وأدبياتهم، وأخيرا، ما الدروس التي تواجه المفكرين والعلماء والأنظمة العربية والإسلامية من جراء الحديث عن وجود أتباع "عبدة الشيطان" في مجالنا التداولي الإسلامي العربي؟

* شهدت تونس آخر مناسبة تطرقت إليها وسائل الإعلام العربية عن "عبدة الشيطان"، عندما تمكنت السلطات الأمنية يوم الإثنين 20/8/2007 من القبض على أكثر من 15شابا، قيل إن لهم علاقة بقضية "عبدة الشيطان" التي تم الكشف عنها قبل شهرين، وقد وُجِّهت لهم تهمة الانتماء لـ"جمعية غير مرخص لها".

وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة التونسية عن اكتشاف أتباع هذه الطائفة، حيث اعتقلت السلطات الأمنية خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي نحو 70 شابا وشابة أغلبهم من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية بتهمة ممارسة طقوس ما يعرف بـ"عبدة الشيطان" في سرية تامة، وأشارت تقارير إعلامية آنذاك إلى أن هؤلاء "الشبان اختاروا أكثر من مكان وسط تونس العاصمة لممارسة طقوسهم المتمثلة في الرقص على أنغام موسيقى "الهارد روك" الصاخبة، وذبح كلاب وقطط سوداء، وشرب دمائها وممارسة الشذوذ الجنسي الجماعي".

انفتاح خارجي وغربة داخلية

تعددت أسباب الظاهرة في الساحة العربية الإسلامية، ونعتقد أن الأسباب ذاتها لا ترتبط بشكل وطيد بالأسباب اللصيقة المميزة لأتباع الطريقة في الدول الغربية، لاعتبارات عدة، أهمها أن طقوس الطائفة، كما هي متعارف عليها في الغرب، لا نجد لها مثلا مطابقا في الساحة العربية، اللهم مع بعض الاستثناءات، وبالكاد.

بالعودة إلى الحالة العربية، هناك حديث عن ظاهرة تندرج ضمن بعض ضرائب الانفتاح على العالم في عصر العولمة والإنترنت، حيث سهولة الاختراق القيمي، أو عنوان بارز على سلبيات ثقافة الجماعات المغلقة التي تتنامى في المجتمعات التي تعرف نوعا من الاختناق على مستوى الإدماج السوي لأفرادها، أو نتيجة طبيعية للاختناق والهشاشة التي تصطبغ بها فكرة المشروع المجتمعي.

نحن إزاء أزمة مركبة يتداخل في البناء النفسي والاجتماعي والتربوي والسياسي والثقافي، ففي غياب التأطير الجيد والمشروع المجتمعي الضامن للسواء والاندماج، لهذا من المحتمل أن يفقد البوصلة في هذه الرحلة، ويسقط في مأزق "عبادة الشيطان"، بتعبير الباحث المغربي عبد الرحيم العطري، والمتخصص في علم الاجتماع.

وتأسيسا على اجتهادات المفكر الموسوعي عبد الوهاب المسيري، يمكننا ربط أهم أسباب الظاهرة بتبعات فشل نموذج الحضارة الغربية، أو فشل ثمرة التقدم مع ثمنه، ويكفي إحصاء أهم حالات التسيب الأخلاقي الذي تشهده هذه الحضارة، من مخدرات وإباحية وطغيان ثقافة السلع التافهة وتآكل الأسرة وطريقة التعامل مع المسنين وتراجع الوقت الذي يقضيه الإنسان مع أطفاله وزوجته ونضيف معه تراجع التواصل بين الناس بسبب الكمبيوتر، كثرة الأمراض النفسية وتزايد العنف والجريمة في المجتمعات التي يقال لها متقدمة، وخاصة انتشار الفلسفات العدمية وفلسفات العنف والقوة والصراع، وتزايد الإحساس بعدم المقدرة على معرفة الواقع، وأخيرا، تزايد الإحساس بالاغتراب والوحدة والغربة.

تمجيد الشيطان والإباحية المطلقة

من العلامات التي أصبحت تدل على وجود "عبدة الشيطان" في الدول العربية، أو ما يعتقد أنه كذلك، تنظيم حفلات موسيقية صاخبة، وضع عصابة سوداء عريضة على معصم اليد اليمنى، وارتداء ملابس وقبعات سوداء عليها صور لجماجم بشرية وحمل حقائب وإكسسوارات تحتوي على اللونين المفضلين لدى الفئة (الأحمر والأسود)، كما يستخدم أعضاء هذه الجماعة أسماء غريبة فيما بينهم مثل "عزرائيل"، فيما تعمد الإناث إلى طلاء أظافرهن باللون الأسود، بالإضافة إلى وضع كميات كبيرة من الكحل على العينين لجعلها شديدة السواد.

وهناك أيضا اللباس الأسود الطويل واللحية المسترسلة لدى الذكور والوشم على الذراع أو الساعد، التي تمثل الحيوانات أو الحشرات أو صور الشيطان، وحمل الأقراط في الأذنين، مع وضع نجمة الشيطان في قلادة تعلق على العنق، أو تمثال يمثل جمجمة بشرية نحتت عليه نجمة الشيطان.

وتعد موسيقى "الهافي ميتال" و"الهارد روك" إحدى الروابط القوية التي تربط "عبدة الشيطان" بعضهم ببعض، ويوجد منهم شعراء متخصصون في كتابة الكلمات التي تعظم الشيطان وتثير الغرائز، وقد استعملت القواعد والأساليب العلمية والنفسية لدفع الشباب للقيام بالأعمال الإجرامية، كما أن منهم ملحنين قد برعوا في دمج هذه الكلمات بموسيقى صاخبة ذات إيقاع سريع تواكب العصر، لعلمهم بتهافت الشباب والشابات على هذا النوع من الموسيقى. كما أن "عبدة الشيطان" لا يقصرون موسيقاهم على أنفسهم بل يقيمون الحفلات العامة، وينشرون في الأسواق أغانيهم التي تدعو إلى تمجيد الشيطان والدعوة إلى الجنس والاغتصاب والقتل والانتحار والانحرافات بكافة أنواعها.

ومن أهم طقوس "عبدة الشيطان"، ذلك التركيز المفرط والشاذ على قاعدتين أساسيتين هما الإباحية الجنسية المطلقة وتساوي المتضادات، حيث يعتبر الجنس بمثابة الركن الأساس لتساوي المتضادات في النفس البشرية، كما أنه من أهم العناصر المطلوبة في الطقوس السحرية، لأنه يفجر الطاقة العظمى الحقيقية لدى الإنسان حسب تصورهم، ويبقى الهدف الأساس عند "عبدة الشيطان" ـ كما أشار إلى ذلك مبحث "عُبَّاد الشيطان" (وألفه يوسف البنعلي) ـ هو إشباع الغريزة الجنسية إشباعا تاما بغض النظر عن الوسيلة، فهم يبيحون ممارسة الجنس حتى بين أفراد الجنس الواحد، أي اتصال الذكر بالذكر أو الأنثى بالأنثى، كما أنهم لا يجدون غضاضة في إتيان البهائم أو فعل الفاحشة في جثث الموتى.

ويؤمن أصحاب هذه الظاهرة بإباحة كل أنثى لكل رجل، وبالذات إتيان المحارم، فيجب على كل من يريد أن يصل إلى أعلى درجات السحر، ويحصل على أكبر طاقة سحرية ممكنة، أن يقيم علاقات جنسية في محيط أسرته أولا، كما تحظى الممارسات الجنسية الجماعية بأهمية كبرى بين "عبدة الشيطان"، فعلى من يريد الانضمام إليهم ألا يتحرج من ذلك، فلا غبار عليه ، فهي بطاقة الدخول لهذا التنظيم.

وواضح أننا نتحدث هنا عن سمات لصيقة بممارسات "عبدة الشيطان" في المجال التداولي الغربي، فهل نطلع على نفس الممارسات في المجال التداولي الإسلامي العربي، حيث يصدق الحديث عن وجود فعلي/موضوعي لـ"عبدة الشيطان" في الدول العربية والإسلامية؟

أتباع عرب في التقليد المزيف

بالنظر إلى ثقل مسببات الظاهرة، يمكن الجزم بأن حالة تونس لن تكون الأخيرة في الساحة العربية، ونحن نستحضر سوابق ميدانية عديدة في المغرب ولبنان ومصر، انتهت باعتقالات ومحاكمات ومتابعات إعلامية مثيرة بالنظر إلى شذوذ الظاهرة على المجال التداولي الإسلامي العربي.

وعلى فرض أن هناك حالات عربية قادمة في الطريق تحيل على وجود أتباع عرب لـ"عبدة الشيطان"، فما الذي يثبت لنا انتماء هؤلاء الشباب إلى ما قد نصطلح عليه بـ"التنظيم العالمي لعبدة الشيطان"؟

بالعودة إلى الحالة المغربية الوحيدة التي أعلن فيها رسميا عن وجود شباب ينتمون إلى طائفة "عبدة الشيطان"، فقد تبين مثلا أن أهم الممارسات التي توبع على أثرها بعض الشباب، كونها لم تخرج على الاستماع المفرط والعلني أحيانا في أماكن عمومية لأغاني "الهارد روك"، مع ارتداء ثياب تدل ـ نظريا ـ على أتباع "عبدة الشيطان"، وهو ما لا يُعَدُّ بالضرورة انتماء لهذا التيار، حيث صرحت إحدى المتهمات أن "هناك خلطا بين موسيقى البلاك ميتال وأفكار "عبدة الشيطان" (أو "الساتانيزم")، مضيفة أنه قد "يصرح البعض بأن طريقة لباسهم شبيهة بأتباع طائفة عبدة الشيطان، وهذا غير صحيح، فالأمر لا يعدو أن يكون تقليدا للمظهر الخارجي لا غير، وهناك فعلا أفكار يتم ترويجها من طرف هذه الطائفة لكن لا يعني هذا أن تكون لها علاقة بموسيقى "الهارد والبلاك ميتال"، على الأقل في الحفلات التي تنظمها بين الفينة والأخرى لفائدة الشباب الذي جاء توجهه للموسيقى الغربية عموما وموسيقى "الهارد" والميتال" على الخصوص نتيجة السياسة الإعلامية التي نهجها وينهجها المغرب". كما تحدثت بعض المنابر الإعلامية عن "مصاحبة طقوس خاصة بـ"عبدة الشيطان" في الحفلات الصاخبة" التي أقامتها الجماعة التي تمت محاكمتها، وقد تبين أيضا أن الأمر كان "محض افتراء اختلقته الصحافة قصد جلب اهتمام القراء لصحفها"، تضيف المتهمة، وأن ثقافة "عبدة الشيطان" منحصرة هنا في المغرب في التقليد فقط". وخلصت التحقيقات الأمنية هذه المرة، إلى أن في غالبية الحالات فتيانا وفتيات في طور المراهقة (بين 15 و30 سنة)، يجتازون المرحلة العصيبة ما بين الطفولة وسن الرشد بالكثير من القلق والتساؤل عن النفس والمستقبل الغامض، ويتوزعون خصوصا على المدن السياحية كأغادير (الملقبة بالعاصمة السياحية للمغرب) والدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية) والرباط ومراكش وفاس والصويرة، وهو وجود شبه خفي، برأي المتتبعين، ولا يعلن عن نفسه إلا بالمظاهر دون أن يتعداها إلى ممارسة الطقوس أو الدعوة إلى "عبدة الشيطان" بشكل علني. ورسميا، تم الحديث عن "محاكمة و إدانة 14 من الموسقيين الشباب بسبب نشاطهم الفني بعد أن تم اتهامهم بالانتماء إلى مجموعة "عبدة الشيطان". ونحن نتحدث عن محاكمات تمت في مطلع 2003.

على أن نقد التضخيم الذي مَيَّزَ المتابعة الإعلامية لهذه المحاكمة بالذات، لا يعني أن المغرب يخلو من أتباع الطائفة، بحيث تبين أيضا، ولو في حالات نادرة، عن وجود أتباع للجماعة التي اعتقلتها الأجهزة الأمنية في الثمانينيات من القرن الماضي بمراكش أو الخلايا الأخرى التي أُعْلِنَ عن اكتشافها خلال السنين الأخيرة في الدار البيضاء والرباط، وتم الكشف عن طقوس واعترافات اعتبرت صادمة لدى الرأي العام، من قبيل الحديث عن الشيطان بصفته "قوة طبيعية وأفضل صديق للبشر لأنه يمثل اللطف والحكمة والإخلاص"، أو كون "باقي الأديان السماوية والأرضية الأخرى في فهمهما القاصر الصغير، فما هي إلا من صنع البشر".

أما أخطر الطقوس التي كشفتها الأجهزة الأمنية في هذه الخلايا الشاذة، فتكمن في مطالبة الأعضاء الجدد بـ"إهانة الأم وقتل قطة وانتزاع قلبها والرمي به بعيدا بعد أن تُرْسَمُ عليه النجمة الخماسية وشرب دمها إرضاء لمن يصفونه بـ"الشيطان الأعظم"، وكلها ممارسات "ترمز للطهارة، بما أن القطط في عقيدة "عبدة الشيطان" تعتبر "حارسة الأرواح بالنسبة للذي يشرب من دمها ويطلي كافة جسده".

تجليات "الحداثية الجهادية"

ومن الأسباب المحفزة التي شجعت على بروز هؤلاء، تلك المرتبطة بجهات خارجية، حيث تبين أن أحد أتباع الطائفة من البرتغال، يقف وراء التأثير في مجموعة من الشباب، فيما اعتبر إقرارا بتورط جهات أجنبية وراء نشر "المذهبية الشيطانية"، إضافة إلى انتشار محال تجارية في الدار البيضاء لتسويق الحلي والأقراط التي تحمل شعارات الطائفة من قبيل الصليب المعقوف أو النجمة الخماسية والخواتم التي نقشت عليها رؤوس حيوانات متوحشة ورأس الشيطان أو الأظافر المعدنية، وهناك محال لتسويق مجلات مخصصة للموسيقى الصاخبة والمروجة لأفكار الطائفة، وهناك أشخاص مختصون في وشم أجساد الفتيان والفتيات.

ولعل مثل هذه المقدمات، وغيرها بالطبع، تقف وراء حديث بعض المراقبين والمنابر الإعلامية عما سُمِّيَ "الحداثية الجهادية" (ضد تيار "الإسلامية الجهادية")، والإحالة هنا على "شيوخ" في التيار العلماني ومنظرين "منتشرين في بعض وسائل الإعلام ويقومون بنشر فكرهم الذي لا يقل تطرفا عن فكر المتزمتين دينياً فهم لا يشجعون المغاربة على الاعتدال في سلوكياتهم وأفكارهم بقدر ما يدفعونهم نحو اعتناق الأفكار المتطرفة، من دفاعهم عن الحشيش إلى دفاعهم عن الشذوذ الجنسي والحرية الجنسية والعلمانية التي يفهمونها على أنها هي الإفطار في رمضان والتخلي عن أضحية العيد ومحاربة الحجاب والدفاع عن كل الأعمال السينمائية التي تسخر من الإسلام ومن شعائره"، أو الحديث عما "يشبه المؤامرة على الشباب المغربي. فهناك من يريد اختزاله في مجرد شباب ضائع يجب تحصينه ضد التطرف الديني، وذلك باقتراح أشكال أخرى من التطرف الحداثي،كالتطبيع مع التبشير المسيحي ومحاربة كل أشكال التدين من صيام لرمضان وتعاط مع الشذوذ الجنسي بوصفه حقا من حقوق الإنسان".

الحديث عن "عبدة الشيطان" يحتم على المعنيين (مفكرين باحثين في علم الاجتماع وفقهاء وأجهزة أمنية..) الاعتراف أننا بصدد التعاطي مع ظاهرة مجتمعية مُرَكَّبة، وتتطلب تعاطيا دقيقا وجريئا يعلو على العلاجات الترقيعية أو الظرفية، ولعل الوازع الديني لأهل المنطقة يؤسس لهذه الحلول المركبة والمؤسسة لثقافة وعادات وطقوس تنفع الناس، ولا توسوس في صدور الناس .

المصدر / المجلة