كنت هناك.. رابعة (4 - 10) الشلفي يواصل كتاباته عن رابعة التي رأى

الخميس 19 سبتمبر-أيلول 2013 الساعة 10 صباحاً / صحيفة مأرب برس - خاص
عدد القراءات 3118
 
والآن وبعد ساعات من الكر والفر بين المتظاهرين العزل والقوات المنتشرة في كل مكان بدا لي وسط هذا المشهد الدامي أنه من الأسلم أن أفكر عن مخرج بداية قلت سأغادر إلى مقر الفندق الذي أسكن وهو قريب. لكن هل المناطق التي سأخرج منها إلى هناك آمنة لست أعرف. هل هناك بلطجية لست أدري هل سأكون بأمان أصبح الحوار ذاتيا .. أنا وحيد لا أعرف أحدا لا يمكن أن أثق بأحد. صوت الرصاص يقطع حديثي الداخلي بحضوره الكثيف. الساعة الرابعة والنصف عصرا. 

ألتفت يمينا رأيت بابًا مفتوحًا في إحدى البنايات وهناك شخص ممسك بالباب ونساء في باحة العمارة الداخلية قررت أن ذلك هو المكان الذي يجب أن أذهب إليه. ذهبت إلى هناك قلت للرجل الممسك بالباب أنا صحفي وأريد الدخول وفيما بعد أخبرته أني مراسل الجزيرة. فتح الباب دون تردد .

دخلت فإذا بمجموعة من النساء بعضهن في منتصف العمر وبعضهن في آخره وبعض الشابات يجلسن في باحة العمارة وقد بدا عليهن الإنهاك جراء مايحدث في الخارج. كان هناك عجوز هرم يجلس على الكرسي عرفت انه من سكان العمارة وكان بين الحين والآخر وبغلظة يدير حوارًا مع النسوة المتظاهرات. هو يفعل ما بوسعه لإقناعهن بأن ما يفعلنه خطأ وهن يبذلن جهود الدفاع عن نضالهن. كان حوارا ماراثونيا ما إن يتوقف دقائق حتى يعود. وكان الباب ما إن ينفتح إلا وتشاهد تلك المواجهات بين الأمن والجيش من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى لينتهي بالمتظاهرين تحت ضغط الرصاص إلى الأزقة .

كانت امرأة تجلس على درجات الباب ترفع يديها إلى السماء وهي تنظر إلى تلك المواجهات وتدعو دعاء لم أسمع مثله دعاء وظلت تفعل ذلك وقتا طويلا وكان دعاؤها يمزق القلب. أما في الداخل فقد شق صوت مسامعنا بقوة صوت امرأة: ولدي كانت امرأة أخرى تتلقى نعي ولدها داخل ميدان رابعة. انهارت فجأة وراحت تبكي وامتلأ المكان الضيق بالبكاء وكانت بعض النساء يقفن إلى جانبها ويصبرنها. واستمر هذا المشهد طويلا.. مشاهد من الخوف والرعب والبكاء ورائحة الدم تملأ المكان. دعاء المرأة لازال يتردد على مسامعي كان دعاء بالغ الألم. هؤلاء يعرفون الموت جيدا فهم لا يهابونه لكن المشهد كان أكثر من موت فهم يشعرون أنه مع الأرواح التي ماتت دفنت أيضًا مشاعر المجتمع القريب منهم إذ يرون أن هناك رغبة في الانتقام منهم فوسائل الإعلام المصرية كلها والداخلية والقضاء والجيش ومعظم مؤسسات الدولة الأخرى تقول ذلك وبعض شركاء الثورة بالأمس. في أوقات الخطر تدور حوارات قاسيه بعضها حوارات من تلك التي لا أسئلة ولا أجوبة لها والبعض يقع في القلب كنبال حادة إذ لا يمكن التفكير بها إلا في ذلك الوقت.

حجب الإعلام قتل الصحافيون والآن تعمل الآلة العسكرية البشعة لوحدها دون رقيب وما ستلتقطه الكاميرا لن يقول للعالم ما الذي حدث في رابعة بالضبط ولماذا؟ أبلغت عبدالله الشامي مراسل الجزيرة الذي كنا معا في رابعة اعتقل فقلت إذا : جاء الدور علي . تلقيت رسالة تلفونية أن حظر التجوال سيبدأ ومازلت في باحة البناية السكنية وأيقنت أن أي خروج من هذا المكان يعد مخاطرة غير مأمونة. نصف ساعة وتكون الساعة السادسة مساء ويبدأ حظر التجوال.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن