حاصرتهم البطالة,وأنهكتهم الأسعار, فتسابقوا لكسب ود رغيف الخبز, وعجزوا عن إكمال نصف دينهم

الأربعاء 12 مارس - آذار 2008 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس - عادل عبد المغني
عدد القراءات 4718

بلا زوجة تؤنس وحدته أو طفل يملأ عليه حياته, يستهلك عباس سنته الخامسة والثلاثين.ومثلما عبثت سنوات عمره بملامح وجه البائس, فعلت ذلك همومه المثقلة بالتفكير في مستقبل لم تتضح معالمه بعد.. ويبدو أنها ستظل كذلك لسنوات خمس عجاف وأخر يابسات. قبل أن نسأل عباس –وهو عامل بناء- عن سبب تأخر موعد اقترانه بمن يختارها شريكة لحياته, قاطعنا الرجل بصوت مبحوح ونغمة حزين ومتشائم, ليقول إنه لايزال يبحث عن الحياة نفسها قبل أن يفكر في شريكته بها .

وبحسبة بسيطة ذكر لنا “الشاب المسن” أنه يحتاج لخمسة عشر عاما أخرى حتى يستطيع «تحويش» تكاليف زواجه من مهر وسكن وأثاث وغير ذلك.وإن كان عباس لايمانع بأن يتزوج في الخمسين من عمره, إلا أنه عاد ليؤكد استحالة ذلك أيضا, كون الأسعار لن تنتظره -حسب قوله- كل هذه المدة، دون أن تتضاعف مرات عدة, لينصرف الرجل وهو يتمتم: «نتزوج في الجنة إن شاء الله».غير عباس هناك الآلاف من الشبان ممن فاتهم سن الزواج دون أن يلجوا قفصه المحبب.

ولأسباب مختلفة عجز هؤلاء عن إكمال نصف دينهم وتكوين أسرهم الخاصة.وفي مجتمع يرفضالاعتراف بعنوسة الرجل, تتفاقم المشكلة وتتعاظم انعكاساتها السلبية،وتغيب الدراسات والإحصائيات الخاصة بها.وبالقدر الذي أشبعت فيه ظاهرة عنوسة الفتيات في اليمن بالدراسة والتحليل والنقاش، اختلف الأمر تماما في ما يتعلق بعنوسة الشباب من الذكور, بل إن المجتمع اليمني يرفض الاعتراف بمصطلح عنوسة الرجل، ويعتبرها حصريا على الفتيات فقط.ويبرر الكثيرون ذلك بأن الرجل هو من بيده تقرير الزواج من عدمه، على عكس المرأة التي تنتظر قدرها ونصيبها وطالب يدها.

ويتناسى هؤلاء العوائق والصعاب التي تقف أمام الشاب, وتحول بينه وبين تحقيق طموحه في تكوين أسرة سعيدة.وهو ما تطرق إليه عمر (34عاما) الذي قال إن الزواج ليس مجرد قرار يمكن أن يتخذه الشاب للتخلص من حياة العزوبية, مؤكدا أن نسبة كبيرة من الشبان في سن الزواج -إن لم يكن جميعهم- يحلمون باليوم الذي يدخلون فيه عش الزوجية: «لكن الأمر أكبر بكثير من الأحلام والأماني».

ودلل عمر -الذي يعمل في ورشة ميكانيك- على ذلك بالقول إن بعض الأسر اليمنية الميسورة الحال تقوم بتزويج أبنائها في سن مبكرة لاتتجاوز الثامنة عشرة، وهناك حالات أقل سناً ما يضاعف شعور خالد بالإحباط والاستياء من مفارقات المجتمع غير العادلة، حسب وصفه.

خالد الذي تخرج قبل أكثر من 4 سنوات من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة إب، دون أن يحصل على وظيفة، قال إن عدداً كبيراً ممن يصغرونه سناً من أبناء قريته تزوجوا, حتى أولئك الذين عهدهم أطفالاً عندما كان هو في مقتبل شبابه، سبقوه في الدخول إلى القفص الذهبي، وخلفوا أبناء أيضا.. فقط لأن أسرهم ميسورة الحال: « بصراحة أشعر بالحرج الكبير حين أجتمع معهم، ولكن ما الذي يمكن أن أفعله؟!».

سؤال مرير يردده شبان يبحثون عن الحياة بأدنى مقوماتها لا غير.الشبان لايحلمون بأكثر من زوجة وعمل يستطيعون من خلاله توفير متطلباتهم البسيطة التي لاتخرج عن الطعام والشراب وتكاليف الدواء.من حقهم كغيرهم أن يعيشوا حياتهم الطبيعية، فلماذا تقف السياسات الحكومية الفاشلة عائقا أمامهم بدلا من مساعدتهم؟ليوقف الإعلام الرسمي ومسؤولو الدولة اسطوانتهم المشروخة وأحاديثهم البالية عن توزيع شقق سكنية وأراضٍ زراعية للشباب.ولتكف الحكومة عن ممارستها البشعة بحق الاقتصاد في البلد, لتنهِ مسلسل الجرع التي أطاحت بنصف المجتمع، وهددت النصف الآخر بالعيش تحت خط الفقر والفاقة.الشبان في دول الجوار ينعمون بحياة هانئة وسعيدة، وتوفر لهم حكوماتهم قروضاً ميسرة تمكنهم من بناء منزل على قطعة أرض تمنحها الدولة بعد توفير كافة الخدمات الأساسية لها, ويمكنهم القرض أيضا من الزواج وشراء السيارة.

شبان اليمن لايحلمون بكل ذلك. وعلى الدولة فقط أن تؤمن لهم ولملايين المواطنين لقمة العيش, أن تضمن لهم رغيف خبز بسعر معقول، بدلا مضاعفة أسعاره بشكل جعل من شراء كيس قمح حلماً بعيد المنال لعديد أسر تكتظ بالأطفال في الريف والحضر.خالد فقد الأمل بالحصول على عمل يستطيع من خلاله تكوين أسرته الخاصة، فتمنى أن يتعرف على فتاة ثرية أو موظفة جاهزة تمتلك منزلا مؤثثاً، وتوافق على الزواج منه. فهو -كما قال- شاب متعلم ومثقف وذو أخلاق حسنة، ولا ينقصه شيء سوى المال.

أسبابوبعيداً عن حالات الضعف الجنسي أو العقد النفسية التي تقف وراء عزوف الشبان عن الزواج, والتي لاتتجاوز خانة العشرات أو المئات في أكثر الحالات تقديرا, فإن الظروف الاقتصادية والوضع المعيشي المتردي أسباب رئيسية ومباشرة وراء بروز ظاهرة عنوسة الشبان في اليمن.ففي بلد يعاني أبناؤه من نسبة بطالة تتجاوز 40%، ونسبة فقر تتعدى 55%، وغلاء معيشي يطال بشكل يومي السلع والخدمات في ظل تدني متوسط دخل الفرد, إلى جانب المغالاة في المهور والسكن وتكاليف الحفلات، فلا غرابة أن يرتفع أعداد الشبان العازفين عن الزواج، أو من يمكن أن نطلق عليهم بالعانسين من الذكور.كما أن الموروث الاجتماعي في اليمن، والعادات والتقاليد الخاصة بهذا البلد تأتي ضد تحقيق رغبة الشاب في الزواج, جراء تحميله أعباء لايقوى الجميع على تحملها.فوحده الشاب من يتحمل تكاليف الزواج والسكن، بدءاً بدفع المهر للعروس وشراء ملابسها وذهبها, وتدبير السكن الخاص بهما وتأثيثه، وتحمل تكاليف حفلة الزواج.

 كل ذلك دون أن تسهم أسرة العروس بأية تكاليف تذكر، كما هو معمول به في بعض الدول العربية.تقنين الدعارةوتتسبب ظاهرة عنوسة الشبان بمشاكل اجتماعية وأخلاقية غاية في الخطورة، تبدأ بالبحث عن علاقات غير شرعية، ولا تنتهي عند افتقاد الشاب العانس الاستقرار النفسي والعاطفي, وتولد النزعة الانتقامية لديه تجاه مجتمعه.وهو ما تطرق إليه الدكتورعبدالله معمر أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، الذي قال إن عزوف الشباب الذكور عن الزواج أو إقدامهم على هذه الخطوة في مراحل عمرية متأخرة له تأثيرات سلبية ومقلقه للمجتمع ككل.وأشار معمر إلى أن أول ردود أفعال عزوف الشبان عن الزواج ارتفاع نسبة عنوسة الفتيات, لتأتي بعد ذلك القضايا الأخلاقية الأخرى, كون الشبان في هذه المرحلة يمتلكون قدرة كبيرة من الطاقة, وإن لم يتم إفراغها بالطرق الشرعية، فإنها تفرغ بطرق أخرى.

وأكد الدكتور عبدالله -الذي اعترض على إطلاق مصطلح «العنوسة» على الذكور الذين تجاوزوا سن الزواج، بدلا عن مصطلح العزوف- أن من أخطر الآثار السلبية لهذه الظاهرة هو بروز مشكلة الدعارة وتقنين الدعارة, والإفراط في الممارسات الشاذة والسلوكيات الخارجة عن القيم الاجتماعية.وعن الحلول والمعالجات المناسبة للحد من آثار الظاهرة, قال د. معمر إن التكافل الاجتماعي عامل مهم للحد من مشكلة عزوف الشباب الذكور عن الزواج, إلى جانب الابتعاد عن المغالاة في المهور.

وشدد أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء على ضرورة إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي للشبان أنفسهم, بمعنى أن يكون هناك تكافل وتكامل بين الذكور والإناث لإتمام عملية الزواج, بحيث يمكن للفتاة أن تتحمل جزءاً من تكاليف الزواج إن امتلكت القدرة على ذلك. إلى جانب إقامة مؤسسات اجتماعية وخيرية، وإنشاء صناديق خاصة لإقراض الشبان لمساعدتهم على الزواج, باعتبار أن ظاهرة عزوف الذكور عن الزواج مرتبطة بشكل أساسي بالجانب المادي في ظل تدني مستوى الدخل وارتفاع الأسعار.

حسرةوسط وضع بائس كهذا، يستمر الشبان في استهلاك أجمل سني العمر, يترحمون على الشهيد إبراهيم الحمدي وعهده الميمون الذي انتعش فيه الاقتصاد وتوفرت فرص العمل للشباب، وتحددت ولأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، قيمة المهور على مستوى البلد ككل .

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن