مسلسل همي همَّك يكسر حاجز الصمت في اليمن

الخميس 26 أغسطس-آب 2010 الساعة 12 صباحاً / مأرب برس- غمدان اليوسفي: إيلاف
عدد القراءات 19885

فجَّر المسلسل اليمني "همي همَّك" الكثير من ردود الفعل لتطرُّقه إلى مواضيع حسَّاسة أبرزها العبوديَّة والقرصنة والفساد.

صنعاء: يقف الطفل "جعفر" أمام والده وأمام الشيخ القبلي "طفاح".. يحكم الشيخ طفاح على جعفر بأن يوجه خده لإبنه لكي يصفعه تسوية لخلاف طفولي بينهما.

يهرب جعفر، ويلاحقه أبويه "شوطر" و"زنبقة" بين أكواخ القرية، وحين يتمكَّن من الإفلات يقرِّر الشيخ بأنّْ يطرد الأسرة كلَّها من القرية إذا لم يأت جعفر ليتلقى صفعتين، وهنا يخضع الأب لأن يكون بديلاً لإبنه غير أنَّ جعفر يخرج من مخبأه ويوجه خده لإبن الشيخ جعفر.

مشهد صادم في مسلسل "همي همك" تدوي من خلاله صفعتين في خد جعفر على يد ابن الشيخ طفاح، كانت كافية لتزرع فيه القهر والضعف طوال حياته.

المسلسل وهو كوميدي اجتماعي لأوَّل مرَّة ينقل ما يدور في المناطق الساحليَّة الغربيَّة من ظلم وقهر اجتماعي تعيشه تلك المناطق، حيث "الشيخ" هو كل شيء، ويحل محل كل شيء حتَّى الدولة، القرية قريته والنَّاس عبيدًا عنده والأرض ملكًا له.

يأتي المسلسل بعد قنبلة العبوديَّة الَّتي كشف عنها الستار في تلك المناطق، وهذا الأمر يأتي بمثابة كشف لجزء من هذا الواقع في مناطق تهامة وهي تابعة لمحافظتي الحديدة وحجة المطلتان على الساحل الغربي لليمن.

ولقي المسلسل الذي تبثه قناة "السعيدة" الخاصَّة، رواجًا ومشاهدةً واسعةً، طغت حتَّى على مشاهدة المسلسل الكوميدي السعودي الشهير "طاش" الذي يبث في الوقت نفسه.

في ذات الوقت واجه المسلسل حملة من قبل مسؤولين ومشائخ من محافظة الحديدة يطالبون بإيقاف الرعاية الَّتي قدمها بنك التسليف الزراعي للعمل.

المسلسل تم إنجازه بطريقة الفلاش باك حيث يتوه ثلاثة من النَّاس في البحر ويلقون أنفسهم في جزيرة ويبدأ كل شخص منهم حكاية قصته.

ويتطرَّق المسلسل إلى قضيَّة القرصنة في حكاية الشخص الثاني، بينما يطرح الشخص الثالث موضوع التَّربية الأسريَّة وتأثيرها على الشَّخصيَّة طوال الحياة.

سقفنا هو الوطن

ويتحدث الفنان اليمني فهد القرني وهو بطل المسلسل ومؤلفه، لـ"إيلاف" ويقول إنَّ: "ما نتناوله في مسلسل "همي همك" هو واقع اجتماعي معاش، لكن نقله للنَّاس كان يحتاج إلى قناة تلفزيونيَّة لديها مساحة من الحريَّة، ومستحيل أن يبث من قبل محطة تلفزيونيَّة رسميَّة".

وأضاف: "نحن وجدنا في هذه الفضائيَّة مساحة واسعة، تكفل الرأي الآخر، وطرحنا لهم إنَّنا يجب أنّْ لا نكرر أنفسنا وأنّْ نلامس قضايا النَّاس الحقيقيَّة، ولقينا تجاوب من القناة وقالوا سقفنا هو الوطن، وهذا يخدم الوطن والناس".

وتحدث القرني عن تهامة معتبرًا إنَّ "ما يحدث فيها وكأنَّه خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، وأنا في تصوري إذا لم ينحاز الفن إلى النَّاس وهمومهم الَّتي تعد من الخطوط الحمراء لدى بعض النافذين فإنّضه لا يعد فنًّا.. الفن هو الذي يتطرَّق للقضايا الحسَّاسة والقضايا المهمَّة لدى النَّاس"

وتابع: "لا ننكر أننا تعرضنا للضغوط وتلقينا اتصالات وتهديدات، وكثير منهم يعتقدون أنَّه هو المقصود، لكن نقول إن ما تناولناه واقع معاش ورسالة، كما أعتبره أيضًا بلاغًا للنائب العام لينزل ويحقِّق في القضايا الَّتي تحدث في مناطق تهامة، وأيضًا رسالة للمواطن التهامي للتحرر من هؤلاء المستبدين".

وكشف القرني لـ"إيلاف" إنَّه "قبل قيامي بكتابة نص المسلسل نزلت إلى مناطق محافظة الحديدة، وجلست هناك 46 يومًا، عشت مع النَّاس ودخلت أكواخهم، وسمعت همومهم، وأكلت معهم.. مررت بمعظم مناطق تهامة، من حرض شمالاً وحتى المخاء غربًا.. وسجلت قضايا كثيرة من القضايا الَّتي يعيشها الناس".

وأشار إلى أنَّه وبعد أن "جلسنا إلى النَّاس واستمعنا إليهم قمنا بغربلة ما كتبته وقدَّمنا خلاصة للوضع القائم هناك، أما على صعيد الأداء فقد حرصنا ألا نتحدث بلهجة تهاميَّة تخص منطقة واحدة، لأنَّ اللهجة في تهامة متنوعة، لذلك أخذنا إيقاعًا متنوعًا لذلك لا يمكن أنّْ تحسب لهجتنا على منطقة معيَّنة".

القرصنة البحريَّة قضيَّة أخرى

وحول تفاصيل بقيَّة قصة المسلسل قال فهد القرني إنَّ الفقرات القادمة ستتضمن طرحًا لقضيَّة القرصنة البحريَّة وآثارها على الاقتصاد وما يدور وراء كواليس القرصنة، مشيرًا إلى أنَّهم قاموا بتصوير أحداثًا افتراضيَّة في إحدى الجزر اليمنيَّة وعاشوا من خلالها مع قراصنة مفترضين وصيادين "وجمعنا معلومات وعلى ضوئها قمنا بتجهيز مجموعة من الحلقات حول موضوع القرصنة".

وأوضح القرني أنَّ الشخص الثاني من شخصيَّات المسلسل الرئيسَة الثلاث هو "صابر" الذي تعرض لقرصنة دائمة في حياته وقرصنة على وظيفته، قرصنة على الحق العام والمال العام، فضاقت به الدنيا وعمل في البحر وبطريقة معيَّنة، وصل إلى أيدي القراصنة، وعمل معهم ليتحوَّل من ضحية على يد قراصنة البر، إلى قرصان في البحر.

أما المحور الثالث وفقًا للقرني فهو "ساري" نموذج نريد من خلاله القول إنَّ الأسرة هي النواة الأولى لتشكيل شخصيَّة الفرد، طفل أراد أنّْ يتعلَّم ولكن نظرًا لوضع والده الاجتماعي لم يتمكن من ذلك، فاستطاعت الأسرة أنّْ تصنع منه إنسانًا مجرمًا في حق المجتمع وحق نفسه، والرسالة الأولى والأخيرة هي دور الأسرة في صناعة شخصيَّة الإنسان، وتطرقنا لموضوع المسؤولين الكبار الذين يسخرون مناصبهم لنهب أموال الدولة.

وأورد الفنان فهد القرني في نهاية حديثه إنَّه أراد من خلال المسلسل إضافة الرسالة الَّتي يحملها، "أيضًا أردنا أن نوصل الثقافات اليمنيَّة المختلفة من مناطق المجتمع المدني، وإبراز التنوع الثقافي اليمني، وأود التأكيد على اعتزازنا بأهل تهامة وأشكر كل من تعاون معنا منهم، وأنا مندهش من ردَّة الفعل الَّتي أحدثها المسلسل في تهامة وتلقينا اتصالات بشكل لا يتصور".

وأضاف: "إضافة الوعي الحقوقي عند النَّاس هي مهمَّة النخب والمثقفين والفنانين، وعلى الفن أن يظل منحازًا للنَّاس وألا يتخطى همومهم وأن يتجاوز الخطوط الحمراء، وكل قضية أمام الفن يجب أن يكسر حاجزها وأن يتطرق إليها".

أتمنى أن لا يكون الناس "ساري"

الفنان الشاب صلاح الوافي، هو أحد أبطال المسلسل وهو فنان ذاع صيته على الرغم من حداثة سنه وأصبح حضوره يشكل نواة لفن كوميدي يمني هادف.

ويتحدث الفنان الوافي لـ"إيلاف" عن دوره في المسلسل حيث اسمه "ساري"، تربى في كنف أب ظالم وترك التعليم، تربى على أنَّ الأهم في الحياة هي المال وأن يجمعه بأيّ وسيلة، كيف ما كان المصدر ويبدأ بتعلم أساليب غير سليمة لجمع المال، إلى أن يدخل السجن بعد إحدى العمليَّات حيث يكبر داخل السجن.. وفي عملية معينة يتم رميه للبحر وتدور أحداث أخرى.

يضيف الوافي: "أستطيع اختزالها بأن "ساري" شخص يعيش طوال عمره بلا ضمير وحين يصحوا ضميره يقع في الفخ".

ويشير الوافي إلى مساحة الحرية الموجودة في المسلسل مشيرًا إلى أنَّ "كثيرًا من الشركات المنتجة والفنانين يتمنون المساحة الَّتي أعطتها لنا هذه القناة التلفزيونيَّة، مع إننا ننتظر المزيد من الحرية، وأن نطرح المزيد من القضايا الَّتي تمس هموم الناس".

وختم حديثة بأمنياته بأن "لا يكون الناس "ساري" وأتمنى من الناس أن يتضامنوا مع رسالة الفن، وأن يقفوا مع هذه الرسالة، فالفن سلاح ومنبر هذا العصر، وأن يقفوا بوجه هؤلاء الذين يريدون الوقوف أمام رسالة الفن الهادفة".

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة ثقافة