«الهبوب» شهيد لاحقت الرصاص جنازته، و«الهاشمي» استشهد حماية للمعاقين ودفن في خيمتهم بساحة الحرية

الأحد 10 يونيو-حزيران 2012 الساعة 08 مساءً / مأرب برس/ أمين دبوان
عدد القراءات 7718

  

مر عام كامل على محرقة ساحة الحرية بتعز، التي تعتبر الأبشع ضمن جرائم النظام السابق، ليس في عدد القتلى ولكن في طريقة القتل.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على شهداء تلك المحرقة من خلال لقاءات مع بعض الشهود..

الشهيد وضاح الهاشمي.. استشهد وهو يحمي المعاقين ودفن في خيمتهم

الشهيد وضاح عبد الكريم قاسم الهاشمي (23 عاما)، من أبناء طور الباحة محافظة لحج، إلا أن أسرته مقيمة منذ زمن بعيد بمحافظة تعز.

كان أكبر أولاد أبيه، لم يكمل المرحلة الإعدادية بسبب مرض والده، الذي جعله يعمل ويتقن كثيرا من الأعمال، فقد كان مهندسا مبدعا وسائقا ماهرا، سكنه القريب من الساحة جعله متواجدا فيها باستمرار، وكان مشاركاً في كل المسيرات بل إن سيارته أصبحت سيارة إسعاف للمصابين والجرحى، تراه في لجان الأمن وحراسة منافذ الساحة، وكان أكثر دوامه في حراسة الساحة ليلاً.

في يوم المحرقة في ذروة نشاطه، يسعف مصاباً ويخلي معاقاً ويهتف أحياناً أوصل بسيارته العديد من المصابين من أمام مديرية القاهرة التي أمطرت الشباب بكل أنواع الأسلحة والرصاص والذخيرة إلى المستشفى الميداني.

قصته مع المعاقين في الساحة يوم المحرقة كانت الأبرز، فقد كان أك أكثر التصاقا بهم، وخوفا عليهم، وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنا.

عند الساعة الثامنة مساء كانت ثيابه ملطخة بالدماء، وكان لم يأكل أي شيء منذ الصباح، عاد إلى منزله لتغيير ثيابه، وتناول وجبة العشاء، ثم قال لأمه في لحظة وداعه لها « أمانة عليك إن أنا مت شهيدا لا تبكي علي، بل زغردي وافتحي الأناشيد وكأني عريس».

بعد ذلك عاد وضاع إلى الساحة فالتقى بوالده الكبير في السن، الذي قال له مشفقا «ارجع البيت حتى لا تفقدنا الأسرة جميعاً، وليبقى منا من يعولها، فواحد من البيت يكفي»، فرد عليه وضاح «يا والدي ارجع أنت فأما أنا فمع زملائي حياة أو موت فالشهادة عظيمة».

كانت هذه آخر لحظة رأى فيها الوالد ولده، قبل استشهاده، حيث عاد وضاح ليرى الخيام تحترق والرصاص من كل جانب والشهداء والجرحى يملؤون المستشفى، لكن وضاح كان مشغولاً بالمعاقين فقفز إلى خيمتهم يطفئ الحريق ويسعف المصابين منهم، غير أن الجنود الذين دخلوا الساحة واستحلوها أمسكوا به وبدأوا يضربونه بأعقاب أسلحتهم فلما دخل في عراك معهم تدخل جندي آخر وصوب نيران بندقيته إلى رأس الشهيد، حاول بعض الشباب إسعافه إلى اللجنة الطبية في الساحة لكن الجنود عرقلوهم وبعد صعوبة بالغة وصل إلى المستشفى وحاول الأطباء إنقاذه إلا أنه فارق الحياة، ليدفن في خيمة المعاقين، رحمة الله عليه. 

أنور الهبوب.. الشهيد الذي لاحقته الرصاص إلى قبره

الشهيد أنور حمود فرحان الهبوب (25 عاما)، من أبناء محافظة تعز، كان يسكن بالقرب من ساحة الحرية, وكان المعيل الوحيد لأخوته لكون والده كبيرا في السن.

كان أنور يتيم الأم، وكان دائما ما يرافق والده يوميا إلى المسجد لأداء الصلاة، ورغم تحمله لمسؤولية أسرته، كان منشدا مبدعا، وصاحب صوت جميل.

في ليلة المحرقة 29 مايو 2011م، كان يذود عن الساحة بجسمه النحيل، وعاد إلى منزله في منتصف الليل لتناول العشاء، وهناك دار حوار بينه وبين شقيقته الصغرى، التي قالت له «اجلس في البيت الرصاص في كل مكان»، فقال لها «كيف أجلس وأصحابي يواجهون الرصاص، سأكون الشهيد القادم»، فقالت له «وماذا ستستفيد وقد مت؟»، فرد عليها «بموتي سيحيى آخرون»، ثم خرج إلى الساحة، ليصاب برصاصة غادرة تسببت في تناثر جزء من مخه أمام مستشفى الصفوة، ومن هناك نقل إلى مستشفى اليمن الدولي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ثم فارق الحياة، ولم يتمكن الطبيب من عمل شيء سوى تلقينه الشهادتين، حيث نطق بهما لسانه كما هو موثق في فيديو سجل لحظة موته.

عقب موته تعرضت جثته لوابل من الرصاص والقذائف، أثنا نقلها للدفن، عصر اليوم التالي، الأمر الذي تسبب في تخلي حاملي نعشه عن الجنازة، وتركها في وسط الشارع من شدة الرصاص التي أمطرتهم، وأمطرت جثته يرحمه الله.

الجريح مشير الحوشبي.. ظل ينزف مختبئاً تحت سرير المستشفى حتى الصباح

الشاب مشير أحمد عبيد صالح الحوشبي (22 عاما) من محافظة تعز، أكمل دراسة الثانوية، ولأن سكنه في ماوية أصبحت ساحة الحرية هي متنفسه الثوري ومسكنه أيضا، شارك في المسيرات مع زملائه، وأصيب أكثر من مرة بالغازات والحجارة، وفي إحدى المسيرات بوادي القاضي تم خطفه مع سبعة من الثوار من قبل طقم عسكري وتم الاعتداء عليهم واقتيادهم إلى سجن البحث الجنائي، غير أن المتظاهرين بعدما سمعوا بخطفهم توجهوا إلى أمام البحث الجنائي ونصبوا الخيام هناك واعتصموا حتى اليوم الثاني للمطالبة بإخراجهم.

وعقب خروجهم تم الاحتفال بهم بموكب مهيب إلى ساحة الحرية، وجاء يوم 29 /5/2001م، حيث كان قد تم اختطاف زملاء لمشير في إدارة أمن القاهرة، فكان في مقدمة الصفوف في مسيرة سلمية إلى إدارة أمن القاهرة تطالب بإطلاق المعتقلين وما إن وصلوا إلى مبنى الإدارة القريبة من الساحة حتى تم الاعتداء عليهم بالحجارة من سطح إدارة الأمن، وتلى ذلك إطلاق الرصاص عليهم بشكل كثيف وكان الشباب يتساقطون واحدا تلو الآخر.

وكانت هناك عصابة مدججة بالسلاح يقودها شخص اشتهر ببلطجته بالتعاون مع قوات الأمن التي تطلق النار في كل الاتجاهات، فأصيب مشير في ساقه اليسرى بثلاث طلقات مباشرة من قبل تلك العصابة أسعف على أثرها إلى المستشفى الميداني ثم نقل إلى مستشفى الصفوة عند الساعة السادسة مساءً.

كان مشير يتوقع أنه أول جريح لكنه تفاجأ بعشرات الجرحى في المستشفى، وحالة من الإرباك بين المسعفين والأطباء هناك جريح ينزف وأخر مغمي عليه، ومنهم من فارق الحياة ثم اقتحمت ساحة الحرية من كل جانب وبدأت الساحة تحترق، وغازات لم يكن الشباب قد اعتادوا عليها من قبل تنتشر في الساحة.

كان مشير يلاحظ ألسنة اللهب ترتفع أمامه وهو على سرير المستشفى، حتى تم اقتحام الدور الأول من المستشفى، ومشير يترقب وما إن اقترب الجنود من الدور الثاني الذي يرقد فيه حتى نزل واختبأ تحت السرير، وجروحه تنزف وبدأ الجنود يختطفون الجرحى ويضربونهم بأعقاب البنادق ويهزؤون منهم ومن ثورتهم، حتى صاح أحد الجرحى في وجه أحد الجنود سنحاكمكم على جرائمكم، وعندها تصاعد التعذيب للجرحى، فيما مشير مازال تحت السرير، وبرمج تلفونه على الوضع الصامت، وكتم أنفاسه، وبعد أن تم إخراج الجرحى من الغرفة أخذ الجنود الثلاجة وبقية الأجهزة الطبية، فيما ظل مشير هناك ينزف حتى الصباح، وهو يسمع الرصاص والصراخ والعويل ويعاني الألم ويشم الدخان ويتصبر.

كان مشير يتواصل عبر الرسائل القصيرة مع أحد مرافقي الجرحى، واستمر حتى الساعة الثامنة صباحاً على حالته حتى جاءت سيارة من كان يتواصل معه (نذير اليوسفي) لإسعافه، لكن الجنود اعترضوا اليوسفي، وقال له أحدهم «خذوه إلى المدرعة»، فقاطعه جندي آخر «بل إلى القمامة»، لكن نذير تمكن من إخراج مشير، والدماء تنزف منه، وقد تدهورت حالته الصحية.

في الذكرى الأولى لتلك المحرقة يعبر مشير عن فخره بتضحيته وتضحية زملائه ولانتصار الثورة، متسائلا أين القتلة وأين القادة العسكريين الذين نفذوا والذين أمروا بتنفيذ تلك المحرقة ولماذا لم يقدموا للمحاكمة حتى الآن؟

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية