أسرار تنشر لأول مرة في الذكرى الأولى للمحرقة (1 من4)..المرسيدس البيضاء، وسر الجندي عزت، وتفاصيل الساعات الخمس الأولى من محرقة ساحة الحرية بتعز

الثلاثاء 29 مايو 2012 الساعة 10 مساءً / مأرب برس/ تعز/ محمد الحذيفي، صلاح قعشة
عدد القراءات 19078

الذكرى الأولى لمحرقة ساحة الحرية بتعز

  

منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشبابية الشعبية، ضد نظام حكم الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، في فبراير الماضي، تصدرت ساحة الحرية بمحافظة تعز، جميع ساحات الثورة، وكانت شعلة الثورة فيها أكثر توهجا من نظيراتها في ساحات الحرية وميادين التغيير في المحافظات اليمنية الأخرى.

ولأنها كانت كذلك، فقد كان لهيب الثورة المتدفق من تعز، أشد وطأة على رأس النظام السابق، الذي دفع بكل قواته القمعية، في مثل هذا اليوم، من العام الماضي، لارتكاب محرقة ستظل في الذاكرة اليمنية شاهدا على مدى الوحشية التي تعرضت لها الثورة الشبابية الشعبية السلمية.

استمرت محرقة ساحة الحرية بمحافظة تعز، لأكثر من 15 ساعة، متواصلة، حيث بدأت في تمام الساعة الخامسة عصرا، يوم الأحد 29 مايو 2011م، واستمرت حتى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، الاثنين 30 مايو 2011م.

(شاهد فيديوهات جديدة حول المحرقة، وفيديوهات نشرت من قبل على مأرب برس فيديو)

وخلال تلك الساعات الـ15، واجه الثوار في ساحة الحرية بتعز، أرتالا من الجنود والمعدات العسكرية، التابعة لستة أجهزة أمنية وعسكرية، بالإضافة إلى البلاطجة، شاركوا جميعا في اقتحام الساحة وإحراقها.

كانت المعركة غير متكافئة، ففي الوقت الذي حاول فيه الثوار الدفاع عن ساحتهم بصدورهم العارية، استخدمت الوحدات الأمنية والعسكرية التي شاركت في إحراق الساحة مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة، متسببة في سقوط 11 شهيدا، وأكثر من 180 جريحا، فضلا عن عدد من الثوار الذين لا زال مصيرهم مجهولا حتى اللحظة.

(اطلع على الاحصائيات الخاصة بالمحرقة، وصور الشهداء الذين سقطوا في محرقة ساحة الحرية)

ويستعرض «مأرب برس» في هذا التحقيق الميداني، قصصا تنشر لأول مرة، حول تفاصيل مرعبة، يرويها عدد ممن عايشوا الحدث بكل تفاصيله، بمناسبة الذكرى الأولى لمحرقة ساحة الحرية..

البداية

أحمد الوافي، ناشط في ساحة الحرية، ومسؤول الرصد في المركز الإعلامي للساحة، وهو أيضا أحد جرحى المحرقة.

يؤكد الوافي بأن ذلك اليوم يوم لن ينساه، ولن تمحى تفاصيل أحداثه في ذاكرته، ويقول بأن أحداث المحرقة بدأت عند الساعة الرابعة عصرا، حينما كان خارجا من مستشفى الصفوة، عقب زيارته لأحد جرحى الثورة، (إياد العريقي).

أحمد الوافي وأشار الوافي بأنه وعقب خروجه من المستشفى انطلقت مسيرة حاشدة من ساحة الحرية باتجاه مديرة أمن القاهرة، التي كانت لا تبعد سوى بضعة أمتار عن ساحة الحرية، فانطلق من فوره للحاق بالمسيرة، التي انطلقت للمطالبة بإطلاق سراح مجموعة من المعتقلين تم اعتقالهم في وقت سابق.

لكن الورافي وفور وصوله إلى أمام المستشفى الميداني بساحة الحرية، إذ بأصوات الرصاص تدوي أمام مقر المديرية، ولدى وصوله إلى مقدمة المسيرة شاهد الجنود وهم يصوبون بنادقهم صوب المتظاهرين.

وأضاف الوافي: كان الجنود متمركزين على سطح مبنى المديرية، وكانوا يطلقون الرصاص، ويقذفون المتظاهرين بالحجارة التي سبق وأن تم نقلها إلى سطح مبنى المديرية، استعدادا للاعتداء على المتظاهرين.

كيف وصلت الأحجار إلى سطح مبنى أمن القاهرة؟

وبخصوص كيفية وصول الحجارة إلى سطح مبنى مديرية أمن القاهرة، أكد الحاج عبد الله فرحان أنعم الشرعبي، وهو أحد سكان الحي المحاور لمديرية أمن القاهرة، بأن رجال الأمن في مديرية أمن القاهرة استعانوا ببعض العمال لإدخال «شوالات» من الأحجار إلى سطح المبنى قبل 3 أيام من المحرقة.

رجال الأمن بزي مدني

وأكد الوافي بأن عملية الاعتداء على تلك المسيرة، كان يقودها شخص يرتدي زيا مدنيا، وقال بأنه شاهد ذلك الشخص وهو يوجه الأوامر للجنود الذين كانوا متمركزين في البلكونات، وأمام المديرية، قبل أن يقوم هو شخصيا بإلقاء قنبلة إلى سطح أحد المباني المجاورة لمبنى المديرية.

وأضاف الوافي: لم أكن أعرف ذلك الشخص الذي كان يقود الهجوم على المسيرة، واتضح لي مؤخرا بأنه مدير أمن المديرية، العقيد أحمد عبده سيف.

مشهد بطولي

وأشار الوافي إلى أن مشهدا بطوليا أثار إعجابه في تلك اللحظات التي كانت فيها الرصاص ينهمر على المتظاهرين، حيث كان أحد المتظاهرين يقف أمام مبنى المديرية في وسط الشارع، رافعا أصبعيه السبابة والوسطى، وهي إشارة النصر أو الشهادة، في الوقت الذي كانت فيه رصاص الجنود تتجه نحوه، ورغم إدراكه بأن الرصاص تتجه نحوه لم يتراجع خطوة واحدة للخلف، حتى أصيب في رجله، ونظرا لكثافة الرصاص التي وجهت نحوه ظن الجميع بأنه قد سقط شهيدا.

وأوضح الوافي بأن من سطر هذا المشهد البطولي يدعى مشير الشرماني، الذي لا زال يعاني من إصابته حتى اللحظة.

مرسيدس بيضاء اللون

في تلك اللحظات كانت الرصاص تنهمر على المتظاهرين كالمطر، أمام مبنى المديرية، من قبل الجنود، قبل أن تصل سيارة مرسيدس بيضاء اللون، يستقلها مجموعة من المسلحين بالزي المدني، يقول الوافي بأنه شاهد اثنين منهم وهما يباشران بإطلاق الرصاص على المتظاهرين فور نزولهما من السيارة.

وأضاف الوافي: كان هؤلاء المسلحون يطلقون الرصاص في كل اتجاه، ولن أنسى ذلك المشهد الدموي حينما توجه أحد المسلحين إلى طرف أحد الأزقة المجاورة لمديرية أمن القاهرة، وفيه مجموعة من الشباب المتظاهرين، حيث قام بإطلاق الرصاص عليهم بشكل مباشر.

الحاج عبد الله انعم الشرعبي وقال الوافي: سقط أمامي في ذلك الزقاق ستة أشخاص، قتيل وخمسة جرحى، وكان من بينهم الشهيد البيضاني، الذي يفوق عمره الخمسين عاما، وحينها أصبحنا وجها لوجه مع ذلك المسلح القاتل، أنا ومجموعة من الشباب أتذكر منهم مطلق الكحلي، وكنا نصرخ في جه ذلك المسلح وهو يوجه البندقية صوبنا مطلقا النار صوبنا، من على بعد أمتار، ولكننا نجونا منه بأعجوبة.

البحث عن ذريعة

وأضاف الوافي بأنه ومع وحشية الهجوم الذي تعرض له المسيرة أمام مبنى المديرية، قام المتظاهرون بالتراجع إلى الخلف، فاستغل المسلحون المدنيون ذلك التراجع، وقاموا بإحراق السيارة التي أتوا على متنها، ليكون ذلك ذريعة لتنفيذ مخطط اقتحام الساحة وإحراقها، الذي كان قد تم الإعداد له في وقت سابق.

وأوضح الوافي بأن مخطط اقتحام الساحة بدأ بالفعل، عقب إحراق تلك السيارة، ففي تمام الساعة الخامسة عصرا، بدأت تعزيزات من أطقم الأمن المركزي، تتوافد إلى المكان، وتلتها عربات محملة بالجنود، وعربات تحمل صهاريج المياه، وبدأ الهجوم على مدخل الساحة الشرقي على الفور، من جهة مدرسة زيد الموشكي، ومبنى مديرية أمن القاهرة.

ووصف الورافي المشهد للحظات التي بدأ فيها الهجوم قائلا: كانت مسيلات الدموع تتساقط كالمطر على الساحة، وكان رجال الأمن يصوبون تلك القنابل مباشرة إلى صدور المعتصمين، الأمر الذي تسبب في إصابة عدد منهم، فيما كانت الغازات المسيلة للدموع تجبر المتظاهرين على التراجع إلى الخلف، ليحتشد الجميع في وسط الساحة، فيما كان المصابون ينقلون بشكل مستمر من مداخل الساحة إلى المستشفى الميداني، ومستشفى الصفوة. 

وأضاف الوافي: ولكوني كنت مسؤول لجنة الرصد، فقد كنت أتردد على المستشفيات بين الحين والآخر، لأنقل للمركز الإعلامي أولا بأول إحصائيات الجرحى والشهداء.

وأكد الوافي بأن الوضع في المستشفيات في غاية السوء، وقال بأن مستشفى الصفوة كان مكتظا بالجرحى، ومخضبا بالدماء، فيما كان أنين الجرحى يسمع من على بعد أمتار من خارج المستشفى، وساد الإرباك والهلع بين الأطباء جراء الزحمة وكثرة الإصابات.

وأشار الوافي إلى أن المصابين بالرصاص كانوا ينقلون إلى مستشفى الصفوة، فيما المصابون بالغازات كانوا ينقلون المستشفى الميداني والعيادة الطبية المتواضعة التي أقيمت في الساحة بجهود ذاتية، وكذلك إصابات الأطراف البسيطة كانت تنقل إلى المستشفى الميداني والعيادات الطبية في الساحة.

المعتصمون يسعفون الجنود

جانب من المسيرة التي خرجت إلى أمام مديرية أمن القاهرة استمر توافد التعزيزات العسكرية إلى مداخل الساحة، وتم إحكام الحصار على الساحة من المدخل الشرقي، من ثلاث منافذ، هي منفذ مستشفى الثورة، ومنفذ جامعة الحكمة، ومنفذ زيد الموشكي المؤدي إلى مديرية القاهرة، فيما كانت قنابل الغاز المسيل للدموع تنهمر إلى الساحة والمخيمات، بالإضافة إلى المياه المشبعة بالغازات، التي لم يسبق أن تعرض لها المعتصمون في السابق.

وأثناء الهجوم تعرض أحد الجنود المشاركين في الهجوم على الساحة لإصابة جراء تعرضه للرمي بالحجارة بعد أن أفرغ رصاصته في صدور المعتصمين، بجوار بنك التسليف الزراعي، ومع هذا فقد عامله المعتصمون بشكل إنساني، وقاموا بإسعافه إلى مستشفى الصفوة على مرأى ومسمع من الجنود الذين كانوا برفقته، ولم يمانع أحد منهم ذلك، أو يقترح إسعافه إلى مستشفى آخر.

وقال الوافي بأن هذا العمل الإنساني، قابله الجنود بردة فعل مغايرة، حيث قاموا بالمطالبة بخروجه الفوري بعد أن تم إسعافه، وعندما تم التوجه إليه لإخراجه، رفض الخروج لأنه كان يتخوف من أن يتم الاعتداء عليه من قبل المعتصمين، فتم التحفظ عليه، لتسليمه في وقت لاحق بعد أن يهدأ المعتصمون.

إغلاق الساحة

استمرت المرحلة الأولى من الهجوم حتى الساعة التاسعة ليلا، قبل أن تقوم قوات الأمن بإغلاق الساحة بشكل كامل، مانعين الدخول والخروج من الساحة بشكل نهائي، حيث انتشرت قوات الأمن في كل المناطق المحيطة بالمدخل الشرقي للساحة، من جهة البنك الزراعي ومديرية القاهرة، فيما تمترست عدد من الآليات العسكرية في جميع الشوارع المحيطة بالساحة، وعندها أدرك المعتصمون بأن هناك محاولة لاقتحام الساحة يتم الترتيب لها، لكن لم يكن يخطر ببال أحد منهم أن يتم إحراقها بمن فيها.

عقب إحكام الحصار على الساحة، كان الجميع قد وصلوا إلى مرحلة من الإنهاك، فساد هدوء نسبي في المكان، لم يدم طويلا، وخلال هذا الهدوء واصل الجنود المطالبة بزميلهم، فيما تحفظ بعض الناشطين في الساحة عن تسلميه خوفا من تعرضه للأذى.

أحد شهداء المحرقة وقال الوافي: في تمام الساعة العاشرة تقريبا حاولنا التفاوض مع الجنود، أنا والأستاذ نبيل الأديمي، الناشط في الساحة ومسؤول لجان النظام في الساحة، لمحاولة إقناع الجنود بأن يتم تسليم زميلهم للنيابة حفاظا على سلامته، ولكنهم رفضوا ذلك، وهددوا بالدخول إلى الساحة بالقوة لإخراجه.

وأضاف الوافي: حاولنا بكل السبل والوسائل إقناعهم، حفاظا على سلامة الجندي، ولتفادي مزيد من التصعيد، وطلبت منهم اقتيادي معهم إلى أن يتم تسليم زميلهم، خصوصا وأننا كنا متخوفين من دخول مندسين إلى الساحة يقومون بالاعتداء على الجندي أثناء إخراجه، ليكون ذلك ذريعة لاقتحام الساحة.

ما هو سر الجندي عزت؟

وكشف الوافي عن محادثة غريبة بينه وبين أحد الجنود أثناء التفاوض معهم بخصوص الجندي الذي تم إسعافه إلى مستشفى الصفوة، ويصر الجنود على إخراجه.

يقول الوافي: اقترب مني أحد الجنود، وهو يرتدي زيا مدنيا، وقال لي هامسا: «أنا صهر عزت»، وعزت هو اسم الجندي الذي تم إسعافه إلى مستشفى الصفوة، وأضاف الجندي: «الموضوع ليس موضوع عزت، نحن كنا جيران للشيخ حمود سعيد المخلافي، تواصل معه وليس هناك أي مشكلة..»، وقبل أن ينهي ذلك الجندي حديثه، تدخل بعض الجنود وطلبوا مني الانسحاب فورا، وهددني أحدهم إذا لم أنسحب فورا فسوف يتم إطلاق النار.

ووفقا للوافي فقد كان منظر الجنود حينها غريبا، فقد كانت أناملهم ترتعش، وهم يقفون على بعد مجموعة من الشباب الواقفين في حدود الساحة.

تابع في الجزء الثاني:

أسرار انضمام الجنود المكلفين بالاقتحام إلى الساحة، وقصة خروجهم قبل أن يبدأ إحراق الخيام!!

تفاصيل 120 ساعة من الحصار على الأحياء المجاورة للساحة!!

وشهادات أخرى يرويها شهود عيان حول تفاصيل الساعات العشر الأولى من محرقة ساحة الحرية!!

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية