آخر الاخبار

مصادر بريطانية تكشف كيف تهاوى مخطط تشكيل التوازنات الإقليمية بعد سقوط نظام الأسد وتبخر مشروع ثلاث دول سورية توجيه عاجل من مكتب الصحة بالعاصمة صنعاء برفع جاهزية المستشفيات وبنوك الدم وتجهيز سيارات الإسعاف ما حقيقة خصخصة قطاعات شركة بترومسيلة للاستكشاف النفطية في اليمن أبرز خطوة رسمية لتعزيز الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني في اليمن وزير الأوقاف يفتتح أكاديمية الإرشاد مدير عام شرطة مأرب يطالب برفع الجاهزية الأمنية وحسن التعامل مع المواطنين أردوغان في تصريح ناري يحمل الموت والحرب يتوعد أكراد سوريا بدفنهم مع أسلحتهم إذا لم يسلموا السلاح عاجل: محكمة في عدن تبرئ الصحفي أحمد ماهر وتحكم بإطلاق سراحه فوراً الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية في اليمن يخدم الحوثيين ... الإقتصاديون يكشفون الذرائع الحوثية الإدارة السورية الجديدة توجه أول تحذير لإيران رداً على تصريحات خامنئي.. ماذا قال؟ هجوم مضاد يسحق الميليشيات في تعز والجيش يتقدم إلى شارع الأربعين و يسيطر على مناطق استراتيجية حاكمة.. مصرع وإصابة 23 حوثيًا

أربع فتيات يواجهن الموت
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 9 أشهر و 22 يوماً
الأحد 03 مارس - آذار 2024 07:55 م
  

قصة قصيرة 

   

يعود الأطفال من المدرسة إلى منازلهم لكني أتوجه إلى المزرعة مباشرة ، أضع الحقيبة في ركن العشة المطلة على المزرعة ، أظل أراقب بيتنا بانتظار الغداء الذي سيرسلونه إلي .

وحين يشتد جوعي أنزل إلى المزرعة باحثا عما يسد رمقي من ثمرة البابايا " العنبة " أو أشوي بعض كيزان الذرة ، أي شيء ، أحيانا عندما لا أجد شيئا أذهب إلى شجرة السدر أرشقها بالحجارة فتتساقط ثمار " الدوم " وأظل أتسلى بها .

أرفع رأسي إلى السماء ، الشمس لا تزال حارقة ولم تمل للغروب بعد ، كأنها تعاندني ، تمر سيارة في الطريق المجاور أشيعها بنظراتي حتى تختفي ، تأتي خروف فأبعدها عن المزرعة برشقات من الحجارة ، أفرغ غضبي على تلك الخروف ، أحياناً أصيبها بحجر فتفر ولا تعود ثانية .

يمضي نهاري طويلاً مليئاً بالكآبة ، كأنني سجين هذا الوادي ، أعود إلى العشة أراقب بيتنا بعيون صقر جائع ، أراهم يدخلون ويخرجون ، يعيشون حياتهم بشكل عادي وكأنني لست منهم ، وكأنهم قد نسوني .!

بعد العصر تتحرك أختي باتجاه المزرعة ، تحمل دبة الماء لتملئها من البئر ، وتحمل وعاء الأكل ، لقد تذكروا كلبهم أخيراً .!

تقترب مني فأكاد لشدة غيظي أرشقها بالحجارة لكنني أسرع إلى الأكل ، أفتح القصعة وألتهم الطعام بشراهة ، تذهب إلى البئر تملأ الدبة وتعود ، تقف بجواري تريد أن تقول لي شيء ، أتوقف عن الأكل ، أنظر إليها ..

ــ ماذا تريدين ؟

تتلكأ ثم تنطق أخيراً : 

ــ أريد قات .

ـ لكن أبي ..

ــ اقطف لي حزمة صغيرة ولن يعلم .

أمضي معها إلى حقل القات ، أقطف لها حزمة صغيرة ، ترمقني بنظرة مستجدية :

ــ هذه لن تكفي لساعة.

أعود وأقطف لها حزمة ثانية وثالثة ، تقترب مني وتخرج كيس الحلوى الهريسة وتناولني إياه ، يسيل لعابي ، أتركها تقطف عدة حزم أخرى وتمضي .

تعود إلى البيت تسوق الأغنام ناحية التلال ، تخرج صديقاتها من بيوتهن بأغنامهن ، يلتقين ، يمضغن القات ويتحدثن .

في المساء نفزع حين نسمع صراخها وهي تتقيأ :

ــ دم ، اتقيأ دم ، سأموت .

يصرخ والدي:

ــ ماذا أكلت ؟

أجري نحوه :

ــ قات ، قطفت لها من قاتك .

ــ يصفر وجهه :

ــ القات مسموم . 

يسألني :

ــ هل خزن أحد معها ؟

ــ بنت سالم وبنت عمي علي وبنت صالح .

يسرع الوالد إلى الجيران ، بعد دقائق تأتي السيارة ، تستعد أمي لتذهب معها ، يخاطبها أبي بجدية :

ــ اجلسي في البيت حتى أعود .

تذعن لأمره .

 ينقلون البنات إلى المستوصف وتظل أمي تصيح في وجهي : 

ــ بنتي ستموت بسببك .

لقد صرت المتهم .

أقسم لها الأيمان المغلظة أنني لم أكن أعلم أن القات مسموم ، تظل تصيح وتلومني وتوبخني .

أقول في نفسي :

ــ ليتها ضربتني حتى تورمت بدلا من هذا الكلام السم .

تقوم تصلي وتدعو الله أن تنجو أختي من الموت . 

يمر الليل بطيئاً ونحن في فزع ، تتجمع النسوة ، في وجوههن خوف على البنات ، ينذرن بصيام شهر إن شفين .

 أذهب إلى الأكمة المجاورة لمنزلنا أرقب عودة السيارة بالبنات ، يلسعني البرد ، أرى ضوء السيارة يأتي من بعيد ، أسرع إليهن :

ــ رجعوا من المستوصف . 

يخرجن إلى جوار البيت ونظل ننتظر وصولهن لكن السيارة تخيب آمالنا وتمضي بعيداً .

يعدن للداخل وأظل بالأكمة أنتظر عودتهن ، في قلبي خوف من المصير المجهول للبنات ، لقد طار نومي والليل قد أنتصف ، أنظر إلى النجوم وأضواء الكهرباء في القرية المجاورة التي أغلب سكانها من المغتربين . 

كنت شارداً حين مرت بجواري أفعى وما إن رأيتها حتى قفزت صارخا وعدت إلى الداخل ألهث :

ــ حنش .

تضمني أمي إلى صدرها وتهدئ من روعي وتسقيني الماء .

تأتي إلي بالطعام ، بقايا الأزر والبطاط المسلوقة ، وتقدم الكعك والشاي للنسوة .

فكرت بالعودة إلى الأكمة لكنني تذكرت الحنش فخفت ، بعد ساعة تشجعت وخرجت إلى جوار البيت أنتظر عودتهن ، القمر يطل بنوره بعد أن تجاوز تلك السحب الكثيفة ، شهاب شارد توهج ثم أنطفأ ، حتى أضواء الكهرباء في قرية المغتربين انطفأت ، لست أدري كم كان الوقت حينها لكنني تخيلت البنات يعدن من المستوصف وقد فارقن الحياة ، ستتحول المنطقة إلى مأتم كبير ..

لأول مرة ستخرج في قريتنا أربع جنازات دفعة واحدة ، والمشكلة أنني السبب .!

ماذا سيفعلون بي حينها ؟!

لن يصل الأمر إلى قتلي أو سجني ، لكنني لن أسلم من تأنيبهم ولومهم وتوبيخهم لسنوات طويلة .

سأراهن في منامي كل ليلة ، وجوههن مخيفة وأشداقهن مليئة بالقات ، ستغدو حياتي كوابيس متواصلة . 

ستقتلني تلك النظرات القاسية والكلمات السامة من الجميع ، ليتهم يحبسوني ، على الأقل سأرتاح من الدراسة وحراسة المزرعة ، وسأنجو من لومهم وتأنيبهم . 

قبيل الفجر رأيت أضواء سيارة تأتي من بعيد ، لم أذهب لأبلغهن فقد تكون سيارة أخرى ، انتظرت حتى اقتربت ، وحين رأيتها تدخل قريتنا أسرعت أخبرهن :

ــ رجعوا من المستوصف .

 تجمعنا كلنا نستقبلهن .

في البداية نزل الوالد وحين رأى فزعنا صاح فينا:

ــ البنات بخير ، قدر الله ولطف .

أسرعت النسوة إلى السيارة يتفقدن البنات ، وحين رأيت أختي تمشي ببطء وهي تتوكأ على أمي أنزاح عني ذلك الكابوس الذي جثم على صدري ، فرحت كأنني وجدت كنزا فيه ميزانية دولة .

ظلت أختي لأيام طريحة الفراش ثم بدأت تتعافى .

عدت إلى المزرعة لكنني بقيت اتحاشى الذهاب إلى حقل القات ، كرهت القات ، وما يزال في ذهني مرتبطاً بالسم وبليلة من الخوف والفزع وكوابيس اليقظة .