صالح يحرق كرت المؤتمر عبر مشروع الانتقام الشخصي
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
السبت 17 مارس - آذار 2012 12:06 م

يسكن صالح اليوم في أحد منازلة القديمة التي كانت سكنا له من أيام الثمانينيات في أحد أحياء العاصمة صنعاء, ولم يفكر ببناء بيوت فارهة في أكثر من موقع لأنه " لم يكن يتصور يوما أن يخرج من دار الرئاسة التي أتخذها سكنا وموطنا له ولبقية أسرته طوال سني حكمة الأخيرة, لكن نجله أحمد أكثر ذوقا وحرصا في بناء القصور والفلل من أبية الذي قد تكون قصوره أورع وأغلى مباني اليمن على الإطلاق .

 يبدو أن التركيبة المعقدة التي قامت على أساس الولاء المطلق له والتي سعى لبنائها داخل مكونات المؤسسة العسكرية وبقية مكونات الدولة كانت في نظرة كفيلة بأن تظل مقاليد الدولة كلها في يده ويد أبنائه كابرا عن كابر .

لكن يظهر أن الربيع العربي الذي هو في نظر صالح وبقية كل أنظمة الربيع العربي " خريف حياتهم الأخير " قد قضى على البقية الباقية من آمالهم وطموحاتهم بطريقة تراجيديه مليئة بالتناقضات وبطرق لم تخطر على البال .

الرئيس السابق يمارس اليوم أدورا سياسية أكبر من حجمه , ومهام فوق طاقته , لكن ما يحمله تجاه خصومة السياسيين يعد هو الرافد الوحيد لمدة بالطاقة لتحمل أعباء الاجتماعات واللقاءات التي شدد الأطباء علية بعدم الإكثار منها خاصة وهو رجل تجاوز السبعين وتعرض لحروق بالغة في غالبية جسده, ناهيك عن ما ينقله بعض المقربين منه بأنه لم يعد قادرا على إدارة الاجتماعات لأكثر من ساعة لظروف صحية خاصة به .

ويؤكد ذلك من قاموا بزيارته إلى مقر سكنه في حده بأنه لم يعد يصافح أحدا من زائريه ولم يعد قادرا في البقاء معهم لفترات ولو كانت قصيرة .

هوس النجومية والحضور :

الحضور السياسي الذي حاول صالح أن يصنعه لنفسه خلال الأيام الماضية يؤكد شغف الرجل بهوس الظهور الإعلامي , ومحاولته أن يظل متصدرا للمشهد السياسي في اليمن , حتى وأن كان المشهد الذي سيظهر فيه متواضعا أو مزريا .

صالح لم يكن بحاجة لأن يجتمع بمجاميع من أنصاره في باحة مسجد ويخطب فيهم ذلك الخطاب الذي ربما ينزع عنه لباس الحصانه أو ربما يقود إلى ترحيلة خارج البلاد مستقبلا خاصة وأن الأيام القادمة تحمل بصمات تصعيد ثوري واسع .

الزعيم محاصر :

دعونا نتساءل لماذا عقد صالح لقائه بأنصاره في باحة أحد المساجد , ولم يعقدها في أي مكان رسمي تابع لحزب المؤتمر , قد يكون القول أن " كل السبل قد أغلقت أبوابها في وجه صالح جزء من الحقيقة أو الواقع المعاش , فجلسته مع بقايا أنصاره في باحة مسجد قام فيها بممارسة جلسات الوعظ السياسي أو بالأصح جلسات شتائم ضد خصومة منقصة في حقه وسابقة في تاريخ الشتم السياسي .

 معهد الميثاق أحد أهم الصروح التي يملكها المؤتمر الشعبي العام , لكن يبدو أن زعيم ذلك الحزب لا يستطع أن يدنو منه أو حتى مجرد التفكير في ذلك " لأنه يقع علي بعد عشرات الأمتار من خيام شباب الثورة في ساحة التغيير , كما أنه لا يستطيع أيضا أن يطأ بأقدامه إلى عتبات اللجنة الدائمة – المقر الرئيسي للمؤتمر –لأنه على بعد أمتار من مرابض آل الأحمر وقصورهم المحروقة بصواريخ عائلة صالح أيام المواجهات بينها .

ناهيك إلى تحولها إلى مكان مهجور مدمر محترق من كافة أرجائه باستثناء صورته الشخصية التي تدلت من على سطوح اللجنة الدائمة بطريقة مائلة وآيلة للسقوط , لكن الجميل أن آل الأحمر حتى اللحظة لم يصيبوها بأذى ولو بطلقة نارية .

 حتى اللجنة الدائمة المستحدثة بعد أحداث الحصبة والقريبة من منزل صالح من الجهة الغربية من جهة الدائري الغربي والتي كانت قبل ذالك هي مكتب خاص لنجله أحمد وفيه كانت تتم الصفقات التجارية وفي مجلسة كانت تتم بعض جلسات القات مع مقربيه , هي اليوم أيضا لا تصلح أن تكون منعقدا لحشد عام لأنصار صالح نظرا لضيق المساحة وصغر المبني ويبدو أن بحة المسجد كانت هي الحل الوحيد لصالح .

الرئيس يحرق كرت المؤتمر :

يمر صالح اليوم بمرحلة من أعقد مراحل سني عمرة السياسي من ناحية العزلة السياسية وغياب الظهور الشعبي والإعلامي , وهما صفتان أكدت الأحداث عن وجود هوس نفسي كبير تجاه تلك المظاهر .

الرئيس السابق أصبح اليوم يفتقد لأي رؤية مستقبليه سواء على مستوى ذاته أو مستوى الحزب الذي يقوده , حيث بات الرجل اليوم في وضع لا يستطيع من خلاله أن يقدم أي شيء لحزب المؤتمر الشعبي العام , سوى مشروع إرواء حقدة مع خصومة السياسيين عبر بوابة المؤتمر الشعبي العام .

العقلاء في هذا الحزب أمام خيارات حازمه لا يمكن الرجوع عنها أو تجاهلها فإما عليهم المضي مع رئيس " معلول صحيا وسياسيا" وهذا الخيار معناه السير في طريق انتحار سياسي لحزب المؤتمر والموت ببطء أو الوصول بالحزب إلى نقطة ألا عودة إلى الوراء , وأما أن يتخذ عقلاء المؤتمر الشعبي العام قرارا شجاعا يطالب صالح بالتنحي عن رئاسة المؤتمر وإتاحة الفرصة لدماء جديدة تقود هذا التنظيم خاصة وان هناك بعض الآمال في أن يبقى عمرا أطول في الحياة السياسية كونه شريك فاعل في التسوية السياسية وجزء لا يمكن تجاهله في أي عملية سياسية قادمة محلية أو إقليمية .

كما يجب على المؤتمر الشعبي العام أن يعرف أنه سيقف أمام اختبار صعب تجاه الرئيس هادي الذي سيكون أمامه أمرين أحلاهما مر إما أن يقدم استقالته من عضوية المؤتمر أو أن يٌسمح به بالصعود في السلم الإداري داخل الحزب ليصل إلى منصب رئيس المؤتمر الشعبي العام , وهو ما يعني إقصاء كلي لصالح من قيادة المؤتمر واستكمال " المبادرة الخليجية " التي أكدت على خروجه من المشهد السياسي , مما يحتم على صالح العودة الهادئة إلى منزلة والتفرغ لكتابة مذكراته الشخصية أو البحث عن مكان هادي ليقضي فيه بقية عمرة بعيدا عن ضجيج السياسة.

يجب أن نعلم أنه وفي ضوء هذه المتغيرات المعقدة للعملية السياسية في اليمن " لا يمكن للمشير هادي أن يمضى كرئيس لليمن في ظل بقائه رجل ثاني داخل تنظيم المؤتمر .

المشير هادي سيكون مخيرا في قادم الأيام أما أن يعتدل أو يعتزل " اعتدال ليصبح رئيسا لكل أبناء اليمن وليس عضو في حزب يقوده قائٌُد مطعون في نزاهته وسجله السياسي , أو التقدم بشجاعة ليطالب حزب المؤتمر أن يقوده إلى كرسي رئاسة المؤتمر كما قادة الشعب إلى رئاسة الدولة .

يبدو لي أن صالح كما لعب أيام فتوتة السياسية بخصومة المعارضين ككروت سياسية هو اليوم وفي أخر أيام خريفه السياسي يعلب ذات اللعبة لكن مع حزبه الذي يسعى لأن يكون مطية له لتحقيق انتصارات شخصية مع خصومة السياسيين ليشفي بعض غليله بغض النظر عن أي نتائج يمكن أن يلحقها صالح بتنظيم المؤتمر حتى وإن كانت ستقوده إلى الموت السياسي عاجلا أم آجلا .

صالح يمضي اليوم ليحرق أخر أوراق المؤتمر أمام الشعب اليمني وأنظار العالم دون أن يفكر في أي مصلحة سياسية لحزبه أو كرامة لبقية القيادات في تنظميه , لم يعد صالح يفكر سوى كيف يحرق قلوب الخصوم فقط , ولم يعد يملك أي مشروع سياسي أو رؤية سياسية سوى مشروع الانتقام .