حزب الإخفاقات الكبيرة
بقلم/ عبدالحكيم هلال
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و 23 يوماً
السبت 25 إبريل-نيسان 2009 09:12 م

قريباً سيتوجب على 7 آلاف عضو -هم قوام المؤتمر العام للحزب الحاكم- الاجتماع في مكان واحد للاستماع إلى كلمة الرئيس، والتقارير، وربما يكتفون بالتصفيق، ومن ثم مغادرة القاعة وبجعبة كل عضو 30 ألف ريال مستحقات الحضور..

 - من المقرر أن يعقد المؤتمر الشعبي العام –الحزب الحاكم- دورته الثانية من مؤتمره العام السابع، ابتداء من يوم الاثنين القادم، بتاريخ 27 ابريل (يفضل المؤتمرون تسمية هذا اليوم بـ"يوم الديمقراطية" على اعتبار أنه اليوم الذي اختير لإجراء أول انتخابات برلمانية عام 1993 وإعلان انتهاء الفترة الانتقالية المتفق بشأنها عقب تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وعليه فقد ظل هذا اليوم هو المحدد لإجراء انتخابات كل دورة انتخابية للبرلمان).

وكانت الدورة الأولى، للمؤتمر العام السابع، عقدت في عدن خلال الفترة 15 – 17 ديسمبر 2005. وحيث نصت اللائحة الداخلية للحزب أن دورية الانعقاد يجب أن تكون كل ثلاث سنوات، فقد كان من المفترض أن تعقد الدورة الثانية في ديسمبر من عام 2008 غير أن ظروفاً – غير معلنة – أدت إلى تأخيرها هذه المدة (أربعة أشهر ونصف تقريباً).

ومع مطلع هذا الشهر فقط، بدأ الإعلان عن الاستعدادات المكثفة لعقد الدورة الثانية التي حددت بتاريخ 27 أبريل القادم، بحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من مصادر قيادية في الحزب. ذلك ما لم تكن هناك ظروف أو أسباب أخرى قد تؤدي إلى التأخير. لعل أهم ما يمكن توقعه في هذا الإطار هو:عدم الانتهاء من كافة الإعدادات والتجهيزات النهائية لعقدها.

دورة وثائقية.. لكنها هامة

مع أن هذه الدورة، تعتبر - بطبيعتها - دورة وثائقية. إلا أنها قد تكون مهمة، من جهة إقرار بعض التعديلات على اللائحة الداخلية، ومراجعة المؤتمر لأدائه السابق خلال الفترة ما بين الدورتين، والتي اتسمت بالكثير من الأحداث والتغييرات التي أحدثت داخلياً في قيادة وتكوينات الحزب. ومنها تغيير الأمين العام عبد القادر باجمال - المنتخب في الدورة السابقة – والذي جاء بسبب تعرضه لمرض اضطره للبقاء في الخارج لفترة طويلة لتلقي العلاج. وبسبب ذلك، فقد تم تداول موقعه مرتين خلال فترة وجيزة، لا تصل إلى العام. حيث عين عبد الرحمن الأكوع – في مايو 2008 - قائماً بأعمال الأمين العام. وبعدها بأشهر قليلة – تحديداً في نوفمبر من نفس العام – عين عبد ربه منصور كأمين عام للحزب - من جهة الرئيس - في الاجتماع الاستثنائي للجنة الدائمة، والذي عقد في نوفمبر الماضي. ومن المتوقع أن يصادق المؤتمر العام السابع في دورته الثانية على "منصور" كأمين عام. إذ يعتبر ذلك من صلاحياته وليس من صلاحية اللجنة الدائمة. وإلى جانب ذلك فقد استحدثت مواقع جديدة، في قيادة الحزب، لم تتضمنها اللائحة الداخلية (تم إضافة نائب ثالث لرئيس الحزب، هو باجمال، فيما كان أقر المؤتمر السابع – الدورة الأولى – نائبان هما: الدكتور عبد الكريم الإرياني، وعبد ربه منصور)، كما أضيف موقع أمين عام مساعد لقوام الأمانة العامة، فيما تم تزكية خمسة أمناء مساعدين فقط، في المؤتمر العام السابع (ديسمبر 2005).

هناك قضايا أخرى قد تعد مهمة في الشأن الداخلي للحزب من المتوقع حسمها في إطار هذه الدورة، إلى جانب تلك القضايا المرتبطة بتنفيذ توصيات ونتائج الدورة الأولى، لما تضمنه البيان الختامي المنبثق عن الدورة الأولى للمؤتمر السابع، والذي أسهب كثيراً في عرض ما يسعى الحزب لتنفيذه خلال الفترة القادمة.

على أن ما يهم الوطن والمواطن، هو أن يقف أعضاء المؤتمر العام للحزب الحاكم في دورتهم الثانية، أمام جملة القضايا السياسية العامة والاقتصادية التي طرأت على الساحة، ومناقشتها بجدية بحيث يتم وضع حلول واتخاذ قرارات مناسبة وناجعة بشأنها، حتى لا تتفاقم الأمور، وتخرج عن السيطرة، إن لم تكن قد بدأت بالخروج أصلاً.

هل سيكون أعضاء الحزب (الذي لم يفارق السلطة منذ تأسيسه في أغسطس 1982م) قادرين هذه المرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ البلاد؟ أم إنهم سيستمرون في ممارسة العجز، والاكتفاء بمحتوى البيان الختامي كالعادة. وكالعادة أيضاً، لن يساورهم الشك في أن السلطة - التي انبثق الحزب عنها – لن تنتزع من تحت أيديهم، كون ذلك يعد من المستحيلات، طالما وقد أحاط الحزب نفسه بالأمن من جميع الاتجاهات. وليس أدل على ذلك، من قدرته الفائقة على الفوز في كل انتخابات بأغلبية بعيدة عن القلق والخوف، في الوقت الذي تكون فيه كافة الأوضاع متدهورة، وتعتقد المعارضة – عندها - أن نهاية الحزب قد اقتربت مع قدوم كل انتخابات..!!

لكن ومع ذلك، هل سيظل الحزب، مؤمناً نفسه بذلك الحصن السلطوي، بشكل دائم. حتى مع تطور الوعي السياسي الجماهيري بفعل ثورة الاتصالات، والعولمة المرتبطة بالمتغيرات الدولية، والتي أوصلت بلداناً أخرى، لإحداث التغيير السياسي، بعد عقود من رزوح الأحزاب الحاكمة في السلطة؟

لكن – أيضاً – هب أن قيادة الحزب الحاكم، أمعنت النظر جيداً في المناخ الدولي الذي يغذي الديمقراطية في العالم، ويضغط بمكوناته وآلياته الثقافية والاقتصادية (التي لا يمكن للدول المرتبطة ببرامجها من التخلص منها).. هب أنها اقتنعت بضرورة تغيير أسلوب العمل، وإحداث إصلاحات حقيقية بدلاً من التذاكي و"الفهلوة".. فهل سيكون باستطاعتها إحداث تلك التغييرات المطلوبة؟

ماذا سيتطلب الأمر إذن؟ يبدو أن هناك أموراً كثيرة تنتظر الحزب، ليكون حزباً حقيقياً في الساحة. ليبدأ أولاً بتأسيس الحزب، كحزب جماهيري، يحمل فكرة حقيقية للعمل بين الناس وكسب تأييدهم. وليفض بعدها ذلك الاشتباك القائم مع السلطة، بحيث يكون قادراً على مواجهة كافة الاحتمالات بضمنها سقوطه من السلطة.

بين يدي أعضاء المؤتمر

وقبل أن يحين موعد المواجهة مع سنن الكون التي لا تقبل بطغيان قوة المادة على قوة العقل والروح، وإنما تمهلها.. هناك عدة أمور على الحزب الحاكم مواجهتها لتدارك النتائج المتوقعة من فعل تلك السنن الحتمية.

عليه أولا مواجهة إخفاقاته كحزب، ليمتلك القدرة على مواجهة إخفاقاته كسلطة حاكمة.

وهنا سنبدأ بالتطرق إلى إخفاقات المؤتمر الشعبي العام كحزب. ومع ما ذكر سابقاً من عدم قدرته على إحداث إصلاحات حزبية حقيقية في الداخل، بسبب انعدام الفكرة الأساسية، وبالتالي الالتقاء على تحقيق المصالح الخاصة، استنادا على قوة السلطة، الأمر الذي نتج عنه صعوبة الوصول إلى الآلية المناسبة لإحداث تلك الإصلاحات، بسبب تقاطع المصالح وتداخلها ببعضها البعض. فإلى جانب ذلك، هناك ما يمكننا استعراضه من نتائج، انسحبت عليها تلك الإخفاقات على مستوى العمل الهيكلي والتنظيمي.

سلطة الرئيس المطلقة

- يدرك المؤتمريون قبل غيرهم، أن بقاءهم في الحزب، مرتبط أساساً بإدارة مصالحهم المختلفة. وهو أمر طالما أنه يتحقق، بطريقة أو بأخرى، فليس هناك من داع لإثارة الحديث عن تلك المخالفات التي ترتكب داخل الحزب، وتخالف صراحة اللائحة الداخلية للحزب. هذا أمر. وهو لا ينفصل عن أمر آخر. ذلك أنه ليس هناك حدود، لتلك السلطة الممنوحة للرئيس في اتخاذ القرارات الداخلية، وتقرير الأمور، والبت في مختلف القضايا. فالرئيس بإمكانه أن يتخذ قراراً معاكساً لقرار اتخذته اللجنة العامة بقوام أعضائها الأربعين. والرئيس بإمكانه تعيين من يريد في أي موقع قيادي في الحزب، حتى وإن كانت اللائحة تقول كلاماً آخر. فاللائحة للأعضاء فقط، بينما تعتبر مجرد حبر على ورق أمام قرارات الرئيس وتعييناته. وهي سلطة مدركه أساساً للرئيس، من كونه هو المالك والمؤسس لهذا الحزب، ومنعكسة من كونه رئيساً للجمهورية يمتلك سلطة مطلقة على كافة أجهزة الدولة، فكيف بالحزب الذي يعد أحد الأجهزة التي أسسها هو وأتى بقياداته برغبته وإرادته!

اللجنة العامة التي تعتبر أعلى هيئة تنظيمية داخل الحزب، ويرأسها الرئيس، يمكنها أن تدخل في جدل ونقاش حاد حول قضية ما، لكنها لا يمكن أن تتخذ قراراً باتاً قبل عرضه على الرئيس ليقول فيه رأيه! وعلى سبيل المثال – لا الحصر – اتخذت اللجنة العامة قرارا بخوض الانتخابات النيابية القادمة في وقتها المحدد (بتاريخ 27 ابريل)2009. وحتى بعد أن سرب الخبر ونشرته الصحافة، اعتبره الرئيس مجرد قرار من قرارات اللجنة العامة للحزب الذي يمتلكه، وما أكثرها، فكان أن قرر هو قراره بمواصلة الحوار مع المعارضة والاتفاق على تأجيل الانتخابات!

ومع ذلك، فليس في الأمر تجاوز أو إحراج كما قد يعتقد البعض. بل يمكن تفسيره على أنه لعبة ذكية لعبها الحزب ليخدع المعارضة! بحيث تخاف وتخشى من العواقب، فتسارع بالموافقة على أقل مما كانت تسعى إليه. أو يمكن اعتبار الأمر أن الرئيس أكثر عمقاً في التفكير من أعضاء اللجنة، وأكثر حرصاً على مصلحة البلاد من بعض المتهورين قليلي التجربة والخبرة! ولأن الرئيس هو رئيس الحزب الحاكم، ورئيس اللجنة العامة، وقبل ذلك هو رئيس البلاد، فليس من حق أحد أياً كان أن يعترض ويقول له: عفواً يا سيادة الرئيس لقد اتخذت اللجنة قرارها بالإجماع، وليس من حقك أن تنقض هذا القرار بحكم أن اللائحة تقول أن قرارات اللجنة العامة تتخذ بالإجماع. من يجرؤ على ذلك؟ بل من يفكر بالأمر أصلاً؟ إذ ليس من العقل ولا من الحكمة أن يقوم بذلك من يبحث عن تحقيق مصالحه الشخصية. والمنطق أنه ليس هناك حزب أو قيم حزبية. لأن الحزب يجب أن يكون فقط: الطريق الأنسب لتحقيق تلك المصالح. ومن لديه رأي آخر أو قيم حزبية فليبدأ إذن بالاعتراض.

- هناك أمر آخر، يتعلق بديمقراطية الحزب أيضاً. يعين الرئيس الأمين العام، ومساعديه، فيزكي تلك التعيينات أعضاء المؤتمر العام. هل هناك من يستطيع أن يقترح قائلاً: تجسيداً للديمقراطية، لماذا لا يترك انتخاب الأمين العام، والمساعدين للقاعة؟ أو حتى للجنة الدائمة في أول اجتماع لها، بعد انتخاباها من أعضاء المؤتمر العام؟ ذلك ما تفعله الأحزاب في مؤتمراتها العامة. فلماذا المؤتمر الشعبي، بالتزكية؟ في الوقت الذي يوجد فيه بعض الأعضاء الطموحين والأكفاء يرغبون بترشيح أنفسهم، لكنهم لا يستطيعون لأن الأسماء تأتي من عند الرئيس، وما على القاعة إلا التزكية!

قوام اللجنة العامة

- حسناً من يحدد عدد أعضاء اللجنة العامة، وطريقة انتخابهم؟ هذا سؤال يجيب عليه أعضاء المؤتمر بالإجابة التالية: اللائحة الداخلية. وتأتي الإجابة من الرئيس بغير ذلك: إنه، وهو فقط، من يحدد العدد، ويقرر إضافة من يريد إضافتهم إلى اللجنة، كما فعل في المؤتمر العام السابع حين أضاف إليها كل من: محمد أبو لحوم، وعبد الله مجيديع. وكما فعل بعده بتعيين الدكتور أحمد بن دغر – أميناً عاماً مساعداً، عضواً في اللجنة العامة. بل لقد بلغ عدد أعضاء تلك اللجنة حتى اليوم 40 عضواً، بعد أن كان تقريباً 24 عضواً بعد انتهاء الانتخابات الداخلية الأخيرة. وبعد إضافة نواب الرئيس، ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة، والأمين العام ومساعديه الخمسة، كان يفترض أن يصل العدد إلى 35 عضواً تقريباً، غير أن مصادر في الأمانة العامة للحزب أكدت أنهم وصلوا إلى 40 عضو. وفي كل الأحوال، إذا كان للحزب لوائحه التي تجيز له ذلك، فإن الأمر بحاجة إلى مراجعة لتلك اللوائح. ذلك أن وصول أعضاء اللجنة العامة إلى هذا العدد – والأمر مايزال مفتوحاً على مصراعيه وقابل للزيادة – وهو عدد يقارب – وقد يتجاوز – عدد من صعدوا عبر الانتخاب، لهو أمر غير عادل البتة، ناهيك عن أنه لا يجسد المبدأ الديمقراطي، التنافسي. وللعلم فإن اللجنة العامة تعتبر أعلى تكوين قيادي داخل الحزب – أي المكتب السياسي – ولم يعلم حتى الآن أن أي حزب من الأحزاب العريقة في الساحة وذات البناء المؤسسي القوي، قد قامت بإضافة أي عضو في أعلى تكوين قيادي لها بغير الانتخاب، عدا الحزب الحاكم!

ومع ذلك تجد تبريراً لدى أعضاء المؤتمر. يقول أحد القيادات: إن اللائحة تؤكد على أن أي منتقل من حزب آخر إلى المؤتمر، يظل محتفظاً بموقعه القيادي الذي كان يشغله في حزبه. فعضو الاشتراكي الذي في المكتب السياسي مثلاً - حين يريد أن ينتقل إلى المؤتمر، ينتقل مباشرة إلى اللجنة العامة(المكتب السياسي للمؤتمر)! يا له من إغراء. لكن الأحزاب الحقيقية المؤسسية لا تقوم بذلك. إنها تفضل ابنها الذي تربى فيها وعلى قواعدها ومبادئها عن الغريب الذي خاصمها لعقود، ثم أراد أن يصالحها بيوم وليلة، من أجل موقع قيادي في حزب السلطة.

حسناً.. لنفترض أن المؤتمر حزب حقيقي، ولديه لوائح وأنظمة داخلية صيغت على أساس تنظيمي للتعامل مع القضايا والأمور كحزب جماهيري..وهناك، لديه هذه المادة الإغرائية لاجتذاب قيادات الأحزاب الأخرى.. ومع أني لا أعرف نص المادة بالضبط، ولكن مع ذلك التفسير الذي قدمه أحد قيادات الحزب لما احتوته تلك المادة، ظهرت لي بعض التساؤلات، تبحث عن إجابات مقنعة. وأول تلك الأسئلة هو: ماذا لو أراد حزب ما، أن يخترق أو يسيطر على اللجنة العامة للحزب الحاكم، فأحكم خطته، ورقى قيادات وسطيه إلى مكتبه السياسي مثلاً. ثم خطط أن تقدم تلك القيادات استقالتها، وتنتقل إلى المؤتمر الشعبي العام، فكيف ستصير الأمور حينها!

وسؤال أكثر إثارة: ماذا لو قرر حزب صغير جداً – ربما انتهى بحكم الواقع كحزب، ولم يعد له أي تأثير أو تواجد فعلي في الساحة – وقررت قياداته العليا الانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام.. فهل ستستوعبهم تلك المادة؟ وأين سيوضع رئيس الحزب، وأمينه العام؟

ثم إن هذا الأمر، أكثر إثباتاً لحالة الحزبية "المصلحية" القائمة على أساس: أن لا فكرة أشمل من فكرة البحث عن المصلحة - عند المؤتمر الحاكم، كما أنه يكشف بجلاء حالة الحزبية "الولائية" – القائمة على أساس الولاء لأفكار وأهداف الحزب - لدى بعض الأحزاب الأخرى، في المعارضة، وقوتها كتنظيمات سياسية. وإلا لكان المؤتمر بقراره ذاك، قد حصد من قيادات تلك الأحزاب، الكثير والكثير، أمام ذلك الإغراء. ولم يكن الأمر ليقتصر - فقط – على ثلاثة أفراد أو أربعة ممن عرف أنهم تخلوا عن أحزابهم، وانضموا إلى الحزب الحاكم.

الأمين العام والنواب الثلاثة

- بالنسبة لموقع الأمين العام. تقول اللائحة الداخلية – بحسب أحد قيادات الحزب – أنه يتم تزكيته من أعضاء المؤتمر العام. وبالطبع بعد تقديم الرئيس له للتزكية. وبديهي أنه في حالة خلو مقعده لسبب ما، يكون من حق الرئيس تعيين قائم بأعمال نيابة عنه. وهذا ما تم بالفعل بعد مرض باجمال، حيث تم تعيين عبد الرحمن الأكوع. لكن الرئيس، وبعد أشهر قليلة فقط، جمع أعضاء اللجنة الدائمة، وقدم عبد ربه منصور كبديل لباجمال، وليس للأكوع فحسب! فصوت أعضاء اللجنة الدائمة على ذلك! ويسمى عبد ربه منصور – الآن - أميناً عاما للحزب، فيما كان يفترض أن يظل قائماً بالأعمال، حتى يتم إقراره من أعضاء المؤتمر العام. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة، أن ذلك هو ما سيتم في الدورة القادمة. وبالتالي لا يمكن – بحسب اعتقادي إن كان هناك تفسير آخر لدى مفسري المؤتمر – إطلاق صفة الأمين العام عليه إلا بعد تزكيته، من أعضاء المؤتمر العام.

- حتى إضافة نائب ثالث إلى نواب الرئيس - كما حدث لباجمال– لا تجد لها حكماً في اللائحة الداخلية، إلا سلطة الرئيس المطلقة على حزبه، يفعل به ما يشاء.

 هل هناك ما هو أكثر إثباتاً من أن الأمور تسير في هذا الحزب، بعيداً عن البناء المؤسسي؟

سلطة المال

وأزيد من ذلك، هناك سلطة، هي أقل – بالعرف التنظيمي - من سلطة الأمين العام والأمناء المساعدين، لكنها تطغى على سلطاتهم. تلك هي سلطة رئيس الدائرة المالية في الحزب، والذي تقوى سلطته بحكم ارتباطها مباشرة بسلطة الرئيس. وبحسب المعلومات التي نشرت سابقاً، فقد ظهرت خلافات مع رئيس الدائرة المالية الذي رفض صرف مخصصات الدوائر المختلفة بعد طلب صرفها من قبل القائم بأعمال الأمين العام (الأكوع حينها) ومساعديه للقطاعات التي تقع تحت إدارتهم. ووصلت الخلافات إلى أن أعلن بعض الأمناء المساعدين تقديم استقالتهم، بحسب بعض التسريبات التي نشرت في حينه، ونفيت لاحقاً بعد تسوية الأمور مع الرئيس نفسه. كما تفيد المعلومات أن خمسة من الأمناء المساعدين كانوا تقدموا للرئيس برسالة تطلب منه تغيير رئيس الدائرة المالية، وذلك قبل أيام من اجتماع اللجنة الدائمة الاستثنائي في نوفمبر الماضي، لكن الرئيس وعدهم بتسوية الأمر بعد الانتهاء من اجتماع اللجنة الدائمة. وفي الحقيقة أنه لم يفعل ذلك حتى الآن. وقد يفضل البعض تبرير الأمر بالقرابة (يعتبر رئيس الدائرة المالية نسبا للرئيس)، بينما يفضل البعض، تفسير الأمر، على أنه يرجع لثقة الرئيس به وحفاظاً على أموال الحزب من العبث!

وعليه

يمكننا هنا – على ضوء ما سبق – أن نضع مجموعة أسئلة بين يدي أعضاء الحزب، في دورتهم الثانية لمؤتمرهم السابع. ونقسمها في محورين على النحو التالي:-

< أولاً الأسئلة حول علاقة الرئيس وسلطته المطلقة على الحزب:

- هل يستطيع أعضاء المؤتمر العام للحزب تحديد مدة الرئاسة في الحزب لدورتين رئاسيتين، حتى تتجسد الديمقراطية، ويصبح بمقدور شخصيات أخرى لديها الكفاءة والقدرة، على قيادة الحزب للترشح؟ أم أنه لا يوجد في الحزب من يعتقد أنه الأقدر على قيادته؟

- ماذا لو انتهى عمر الرئيس، وانتقل من الحياة الدنيا إلى الآخرة - كما انتقل الشيخ عبد الله الأحمر، رئيس حزب الإصلاح - هل سيكون باستطاعة الحزب أن يواصل عمله بقيادة أخرى؟ وهل ستظل صلاحيات الرئيس الجديد مطلقة كما هي الآن؟ أم أن هذه الصلاحيات استثنائية ومبررة، لكون الرئيس الحالي هو المؤسس والمالك الرسمي للحزب.؟

- من المتوقع أن يتم تجديد انتخاب الرئيس الحالي، لرئاسة الحزب في نهاية 2011. ولكن من المفترض أن تنتهي فترة الرئيس في حكم البلاد في سبتمبر 2013 – حسب الدستور – وحينها سيتم انتخاب رئيس جديد للبلاد. فإذا انتخب رئيس البلاد من المؤتمر الشعبي العام، فكيف سيتم مواجهة الأمر؟ أي أنه سيكون لدى المؤتمر رئيسان: رئيس للحزب، ورئيس للبلاد. حينها ستستمر رئاسة الرئيس الحالي للحزب ست سنوات أخرى، في وقت يكون فيه – هناك - رئيس آخر للبلاد، لست سنوات! فمن ستكون له السلطة المطلقة داخل الحزب؟ ومن سيحكم الدولة فعلياً: الرئيس الجديد، أم رئيس الحزب؟

ملاحظة: هذه مجرد فرضية، على اعتبار أن الأمر سيكون كذلك، ما لم تحدث مفاجآت أخرى تغير من الفرضية القائمة.

< ثانياً الأسئلة حول الأعضاء وعلاقتهم بالحزب، والشئون التنظيمية:

في البيان الختامي للمؤتمر العام السابع – الدورة الأولى (ديسمبر2005) - أوصى البيان في إحدى فقراته على الاهتمام بالكوادر التنظيمية والقيادية. وجاء نص الفقرة على النحو التالي: "يوصي المؤتمر العام بضرورة الاهتمام بكوادر المؤتمر الشعبي العام في الأمانة العامة ومختلف التكوينات والمواقع والاستفادة من خبراتهم التنظيمية والسياسية التراكمية وإتاحة الفرصة لها لتقديم أفضل ما لديها من قدرات وخبرات في خدمة المؤتمر وتطوير العمل التنظيمي".

إنه لأمر جيد، لكنه، بدا وكأنه مجرد ديباجة ضرورية، ليس إلا. فالتطبيق على أرض الواقع، يقول أشياء كثيرة أخرى..

وهنا يمكن تقديم هذه المجموعة من التساؤلات، بين يدي قيادات وأعضاء المؤتمر:

- في الوقت الحالي، والأمور ما تزال على هذا النحو من الإخفاق التنظيمي للحزب.. ماذا لو قرر أحد الأعضاء القياديين، أن يعمل بضمير، ويقف في مواجهة الأخطاء التي تحدث داخل الحزب.. فما هو المصير الذي سيؤول إليه؟ هل تذكرون القيادات التالية: عبد السلام العنسي، أحمد الأصبحي، صخر الوجيه، وأحمد الشرعبي.. وكذا الإعلاميين: إسكندر الأصبحي، وعبد الله الحضرمي.. وغيرهم الكثير ممن لا أستحضرهم في هذه اللحظة.. إلى أين آل مصيرهم اليوم، بعد أن ظهرت لهم مواقف منتقدة – مجرد انتقاد - لبعض الأخطاء القائمة داخل الحزب؟

- لو كان لدى الحزب نظام داخلي، ولائحة تنظيمية تحافظ على حقوق العضوية - سواء كان في القيادة أو في القاعدة - من حيث الحفاظ على حقه الديمقراطي، في تقديم آرائه والإفصاح عنها في إطار مصلحة الحزب، حتى لو كانت تلك الآراء تنتقد أخطاء أعلى سلطة قيادية في الحزب.. فلو كان لدى الحزب ذلك. فهل كان المصلحون داخله، قد أقصوا بهذه الطريقة المعيبة، لدرجة أنه لم يسمح لبعضهم من الترشيح في الانتخابات الداخلية، فيما استغني عن أعمال البعض، وهمش البعض الآخر، وأبعد آخرون من مواقعهم الإدارية في الحزب، أو الوسائل الإعلامية في الحزب، أو التابعة للحكومة؟

- ولو كان العضو في القيادة يركن إلى وجود لائحة تنظيمية تحفظ له حقوقه القيادية ومصالحه الخاصة، فيما لو وقف في مواجهة الأخطاء في الحزب، والفساد في حكومة الحزب.. فهل كان كل القياديين فيه، سيظلون على سلبيتهم تلك، ويلجأ بعضهم إلى تفريغ عجزهم في المقايل والبوح للأصدقاء فقط عن رفضه لبعض ما يتم ممارسته من أخطاء داخل الحزب، أو فساد داخل الحكومة؟

- لماذا لا يتم فتح باب الترشح لعضوية اللجنة العامة، لكل من مرت فترة انتمائهم للحزب مدة خمس سنوات، بدون قصر ذلك على أساس مناطقي؟ لماذا يظل انتخاب أعضاء هذه اللجنة على أساس أن شخصاً واحداً من كل محافظة، يحق له الترشح؟ إن مثل هذه الانتقائية، تحرم الكثير من الكفاءات، وذوي القدرات من الحضور في عضوية اللجنة.

- هل يستطيع أعضاء المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي، الدفاع عن قراراتهم التي يتخذونها، سواء في مؤتمراتهم العامة، أم تلك التي تتخذها اللجنة الدائمة، أو اللجنة العامة، بعيداً عن تدخل أي شخص مهما كانت سلطته القيادية، طالما وأن تلك القرارات قد تم اتخاذها بالإجماع. ورأي الجماعة أقدم من رأي الفرد؟

- على سبيل المثال – لا الحصر – كان قد تم اتخاذ قرار داخلي يساعد على دعم العمل التنظيمي في الحزب، وهو القرار القاضي بضرورة تفرغ قيادات الحزب العليا للعمل التنظيمي. غير أن ذلك القرار لم يطبق على أرض الواقع. فالأمين العام الحالي، ما يزال نائباً لرئيس الجمهورية. ومن الأمناء المساعدين لا يوجد سوى شخص واحد متفرغ تقريباً. وهناك أمثلة أخرى كثيرة في هذا الإطار. ومنها على سبيل المثال أيضاً: اتخاذ اللجنة الدائمة قرار عدم تأجيل الانتخابات في مؤتمرها الاستثنائي – نوفمبر 2008 – وكذا اتخاذ اللجنة العامة لنفس القرار – ديسمبر 2008 – بينما الرئيس اتخذ قراراً آخر بعد التوافق مع أحزاب المعارضة على التأجيل! وكما ذهبنا سابقاً: حتى وإن كان الأمر مناطاً بصلاحيات الرئيس المطلقة.. فإن ذلك بحاجة إلى إعادة النظر فيه، كون مثل هذا التجاذب والتنازع، يشير إلى عدم وجود حزب حقيقي، ومؤسسي، يتعامل مع قرارات الجماعة بمسئولية إن لم يكن بقدسية.

- هل توضح اللائحة الداخلية، مهام وسلطات وصلاحيات كل من: الأمين العام – الأمناء المساعدون – رؤساء الدوائر – رؤساء الفروع... الخ. فهناك ستة أمناء مساعدين، خمسة منهم يقفون على خمسة قطاعات هي: الشئون السياسية، الشئون الاقتصادية والخدمات، شئون الثقافة والفكر والإعلام، الشئون التنظيمية، وأخيراً شئون المرأة. بينما هناك في الأمانة العامة، رؤساء دوائر لهذه القطاعات، إلى جانب أن هناك دوائر لقطاعات أخرى هي: دائرة الشباب، الدائرة الفنية، دائرة الشئون المالية، دائرة المنظمات الجماهيرية، دائرة العلاقات الخارجية، دائرة الشئون القانونية. ومؤخراً أصدر النائب الأول لرئيس الحزب، الأمين العام، قراراً بإضافة دائرتين جديدتين، هما: دائرة الثقافة، ودائرة الحكم المحلي. وتضمن القرار تعيين وتسمية رؤساء تلك الدوائر. وبعيداً عن قانونية ذلك التعيين من عدمه، إذ يعود ذلك الأمر لصلاحيات الأمين العام - إن كانت اللائحة تمنحه ذلك الحق - إلا أن استحداث دوائر جديدة، يفترض أن يعود القرار فيه لأعضاء المؤتمر العام، أو اللجنة الدائمة، أو حتى العامة، على الأقل. وذلك بعد أن يرفع الأمين العام تقريراً متكاملاً بالاحتياج متضمناً تفاصيل، المهام والاختصاصات، واللائحة المنظمة لعمل تلك الدوائر. لا أن يصدر قرار الاستحداث أولاً، وتسمية رؤساء الدوائر، وفي نفس القرار يتم تكليف دائرة الشئون القانونية بإعداد اللائحة الخاصة بتحديد مهام واختصاصات وهيكل الدائرتين المستحدثتين. إن هذا الفعل – وإن كان لائحياً – يخرج عن طبيعة العمل التنظيمي المؤسسي. ذلك أن الأمين العام يمكنه أن يستحدث مجموعة دوائر أخرى لعدد ما يشاء، حتى وإن لم يكن الاحتياج قائماً. وبإمكانه أن يقوم بذلك من خلال تجزيء مسميات الدوائر القائمة – كما فعل مع دائرة الفكر والثقافة والإعلام، حين فصل عنها الثقافة وأنشأ لها دائرة مستقلة – وهو أمر ربما يمنحه صلاحيات مفتوحة، وربما بدون رقابة، وقد يفتح ذلك شهيته لمجرد الترقيع وليس الحاجة، وقد يدخل في الأمر مجرد الاحتواء لمن لا يجدون لهم عملاً في الحزب. وهو باب قد يفتح - أيضاً – للسيطرة وتعيين الموالين والمقربين منه. ذلك إن لم تكن هناك مواد تضبط العملية.

- وبالعودة إلى ما سبقت الإشارة إليه من تداخل الصلاحيات والمهام، بين قطاعات الأمناء المساعدين، وبين رؤساء الدوائر ربما بسبب تشابه المهام لتشابه الاختصاص! مثلاً: إن كان الأمين العام المساعد لقطاع الفكر والثقافة، أحمد بن دغر، تمنحه اللائحة السلطة على وسائل الإعلام والفكر التابعة للحزب.. فما هي السلطة الممنوحة لطارق الشامي – رئيس دائرة الفكر والثقافة؟ وماذا بشأن التداخل بين صلاحيات سلطان البركاني – الأمين العام المساعد لقطاع الشئون السياسية – وبين عبد الله أحمد غانم – رئيس الدائرة؟ في الحقيقة قد يبدو الأمر، غير مثير إلى هذا الحد، غير أن مجموعة خلافات تظهر على السطح بسبب ذلك التنازع. فإن كان الأمين العام المساعد للقطاع، هو المرجع الأول في كل شيء يدخل ضمن قطاعه، فإن رؤساء الدوائر، سيصبحون مجرد ديكورات. لا يستطيعون الحركة إلا بإذن! وبالتالي فإنهم يفقدون قيمتهم التي تمنحها بقية الأحزاب لرؤساء الدوائر، بحيث تعطيهم كافة الصلاحيات في دوائرهم.

- هناك أمور كثيرة، ودقيقة، يمكن التطرق لها في هذا الجانب، غير أن المساحة المتاحة لا تسمح بمزيد من التفاصيل.

وخلاصة الأمر:

 أن المؤتمر الشعبي العام، بحاجة ماسة إلى أن يتعامل مع نفسه كحزب جماهيري مؤسسي، بعيداً عن ركونه واعتماده على السلطة (التي إن فقدت، فلن يكون هناك حزب) خصوصاً وأنه اليوم مايزال أكثر الأحزاب من حيث عدد الأعضاء (بما تمنحه تلك السلطة من امتيازات).. لكنه – قطعاً - ليس أقواها، من حيث البناء التنظيمي. ولولا تلك المصالح الخاصة التي يجدها الأعضاء – سواء على مستوى القيادة أم على مستوى القاعدة – لما حاز على هذه المرتبة بين الأحزاب في عدد الأعضاء. والحكمة تقول "قليل دائم.. خير من كثير منقطع".

وقد تدل تفاعلات الأعضاء الموسمية، على تلك الحالة التي يعيشها هذا الحزب، من ضعف تنظيمي يمكنه أن ينهار بمجرد خروجه من السلطة التي يعود لها فضل الإبقاء على الحزب قائما حتى اليوم، والفضل في تزايد أعضائه، وإن بشكل هلامي.

إن هذا التفسير القطعي، تدركه جيداً قيادات المؤتمر، تدرك كم هو صحيح ومتوافقاً مع الواقع. وهو أمر غير مستوحى من التفسير أو التحليل الاعتباطي، بل من اعترافات الحزب نفسه. فهذا الرئيس نفسه، يخاطب أعضاء اللجنة الدائمة في مؤتمرهم الاستثنائي (12 نوفمبر 2008) ويدعوهم إلى مراجعة حساباتهم، من خلال ما يقال أن "من يريد أن يكبر "كرشه" فعليه أن ينضم للمؤتمر الشعبي العام"؟. وهناك أيضاً تلك العبارات المتكررة في بيانات الحزب الصادرة عن مؤتمراتها العامة أو الاستثنائية، والهادفة إلى تذكير الأعضاء بما يجب أن يكونوا عليه في إطار الحزب، وضرورة التفاعل. فهذا بيان الدورة الأولى للمؤتمر العام السابع، قد أكد على: "..ضرورة تفعيل العمل التنظيمي على كافة الأصعدة، واستمرار النشاطات التنظيمية على مختلف التكوينات بصورة تفاعلية متواصلة ومنتظمة، وعدم الاكتفاء بالأعمال والأنشطة الموسمية.." وهو تأكيد من الواضح أنه يكشف مدى ضعف تفاعل الأعضاء مع الحزب. وهي حقيقة تؤكد أنهم فقط يتفاعلون موسمياً، على أن عبارة موسمياً لا يمكن إلا أن تكون: في مواسم الانتخابات، أو المؤتمرات العامة. وغير ذلك، فما هي الأنشطة التنظيمية والتأهيلية التي قام أو يقوم بها الحزب الحاكم لأعضائه؟ بل هل يستطيع تفعيل عضويتهم، وتعزيز انتمائهم، وتنشيط هممهم، بغير استخدام مغريات السلطة، وأجهزتها وآلياتها المختلفة؟

تمعنوا في هذه العبارة المجتزأة من البيان الصادر عن اللقاء الاستثنائي لأعضاء المؤتمر الذي عقد بصنعاء خلال الفترة 21 – 24/6/2006 والذي هدف إلى دعم إعادة ترشيح الرئيس لرئاسة البلاد.. تقول العبارة: "..ويؤكد المؤتمر الاستثنائي العام أن الهيئات التنظيمية القيادية للمؤتمر الشعبي العام ممثلة باللجنة الدائمة والعامة والأمانة العامة والهيئات البرلمانية والتنفيذية والشوروية مطلوب منها أن ترتقي بأساليب عملها وسلوكها على المستوى الفردي والجماعي إلى مستوى المسئولية التاريخية والمهمات المستقبلية الجليلة بما يجعل المؤتمر الشعبي العام مجدداً ومواكباً لكل المتغيرات ويمتلك الإبداع والمبادرة وصنع الجديد لما فيه خدمة الوطن والمواطنين". من الواضح أن الحديث عن ضرورة الارتقاء بأساليب العمل إلى "مستوى المسئولية التاريخية"، لهو حديث يكشف عما تفتقده عناصر المؤتمر في تلك اللحظة. وأيضاً عما تعانيه قياداته من صعوبة في تنمية تلك المسئولية لدى الأعضاء.

إنها الحقيقة التي لابد أن يقف الحزب أمامها لمراجعة حساباته والبدء بتأسيس حزب مؤسسي قوي. وهو أمر إن تم فعلاً، لكان له أثره المنعكس على أداء الحزب في إحداث إصلاح حقيقي في الجهاز الحكومي (سنتناول الإخفاق الحكومي في موضع آخر من هذه المادة).

------------------

التغيير والبقاء المستدام

- لدى المؤتمر الشعبي العام، قدرة كبيرة على البقاء في السلطة، حتى في ظل تلك الظروف القاهرة، التي يعجز عندها أي حزب حاكم في العالم، من الاستمرار في أعلى هرمها.

لقد أثبت هذا الحزب – المفتقد لأي نظرية إيديولوجية أو فكرية واضحة – أن ممارسة النهج الديمقراطي في مجتمع متخلف: سياسياً واقتصاديا واجتماعيا وثقافياً، هو البديل الأنسب - للاستحواذ على السلطة – بدلاً عن ذلك النهج الشمولي الاستبدادي المتخلف، قياساً بما حدث من تطور للوعي السياسي، والانتقال إلى العصر المعلوماتي الأخير.

غير أن ذلك المنهج الجديد، ما كان له أن ينجح، ويؤتي ثماره الاستحواذية، لو لم تكن تلك الممارسة منوطة بكونها "ديمقراطية اشتراطية" على نحو: أنها "هبة السلطان"، وبإمكانه وقفها وقت أن يريد..!! وبكونها "وسيلة وليست غاية" يمكنه الاستغناء عنها، وقت أن تصبح خطراً عليه. وبعبارة مختصرة: ممارسة ديمقراطية ذات خطوط حمراء.

وليس هناك ما هو أدل على القول، من ذلك الواقع الانعكاسي، الذي يتخلف عنده المقصد من ممارسة الفعل الديمقراطي، باعتباره، ليس فقط، منهجاً لحل الصراع الإنساني على السلطة، بل، بكونه فعلاً تنموياً للنهوض بالمجتمعات، وإشباع احتياجاتها المادية، والإنسانية، والنفسية، على السواء. وهو أمر، عدا أن حزب المؤتمر الحاكم، لم يقترب منه، قد أثبتت التجربة - على مدى عقدين منها تقريباً – أن الأحوال، بمختلف تفرعاتها، تزداد سوءاً، على أسوء مما بدأت به التجربة الديمقراطية في البلاد: إخفاقات في كل مناحي الحياة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

وليس جديداً القول: إن المنهج الديمقراطي - بكونه منهجاً تغيريا نحو الأفضل - لا يتحمل تلك الإخفاقات، وإنما تكمن المشكلة بمن يستخدمه كمنهج للبقاء المستدام، تحت ظروف واشتراطات معينة. مثل أن يحتم عليه ذلك: العمل على تفصيل هذا المنهج بمقاس معين، يتناسب وأفكاره القائمة على البقاء والاستمرار. ولا ضير أن تحدث ترقيعات لاحقه للثقوب التي يحدثها بين فترة وأخرى.

حزب للسلطة، لا حزب للفكرة

ذلك ما حدث، ويحدث فعلاً، على مدى الأعوام التي تلت ولادة التجربة الديمقراطية في البلاد.

على أن المولود الديمقراطي - الذي نتج من التقاء الشطرين المنفصلين في 22 مايو 1990 ربما كان بحاجة إلى حاضنة طبية (كما هي العادة في حالة المواليد التي لم تكتمل مرحلة ولادتها الطبيعية) وهو ما حدث تقريباً بوضع هذا المولود في فترة انتقالية، استمرت ثلاث سنوات تقريباً عقب الولادة. غير أن ذلك – ربما - لم يكن كافياً لتوخي تلك الحالة من التشوهات التي لحقت به. وهناك من يرى أن تلك الفترة، والتي تلتها – عقب حرب صيف 1994م - كانت ستكون كافية فعلاً، فيما لو كان المؤتمر الشعبي العام قد تعامل مع الواقع الذي انتجته تلك الحرب، باعتباره حزباً حقيقياً كبقية الأحزاب، لا باعتباره الوالد الشرعي لهذا المولود. وبالتالي اعتقاده أن من حقه أن يفعل به ما يشاء من أجل الحفاظ على "قوامته" هو كأب، مالك للسلطة. وهو أمر، كما أنه ألقى بظلاله على الواقع السياسي اللاحق، فقد انسحب – بوضوح – على الداخل - في أطره التنظيمية - والبنائية للحزب. فصارت السلطة هي المكون الرئيسي الذي اعتمده لبناء الحزب.. كما أضحت هي الفكرة الأساس، التي تبقيه على قيد الحياة..!! وليكن الأمر، أكثر وضوحاً، فقد دخلت تلك الفكرة إطار التنفيذ، عقب الانتصار في الحرب، وانتهاء مرحلة التوازن السياسي.

وحتى اليوم، ليس هناك ما يشير إلى أن المؤتمر الشعبي العام، قد عمل – بجهد حقيقي - على منهجة "قوامته" الحزبية. بيد أن ما تعزز – بجلاء - أنه ظل يعمل بجهد على تعزيز"قوامته" السلطوية.

 هناك قول شائع مفاده: أن المؤتمر الشعبي العام، سيتلاشى كـ"حزب" فيما لو ابتعد عن السلطة. وهو ما يعني أن قاعدته الأساسية لم تبنى بعد، على أساس فكري، يحتم على أعضائه، النضال من أجل تحقيق مجموعة أهدافه التي يفترض أن كل عضو فيه انضم إليه، لتحقيقها.

(ليس هذا تحليلا خاصاً، يتهم الحزب بما ليس فيه. بل هو حقيقة يدركها الكثير من أعضاء الحزب نفسه، ممن لديهم رؤى وأفكار واقعية تهدف إلى وضع الحزب أمام إصلاح تلك العقد والمنعطفات التي ما زلوا يعتقدون أنها قد تعصف به، يوماً، إن لم يتم تداركها وترميمها. حتى أن بعض هؤلاء تحدثوا عن ذلك داخل أطر الحزب القيادية– اللجنة الدائمة - وبحسب ما نقلته بعض الصحف (لبعض مادار في الدورة الأولى للمؤتمر العام السابع. ديسمبر 2005) فقد أكدت أن أحمد الشرعبي - عضو اللجنة العامة، الذي استقال لاحقاً منها – كان قد انتقد بشدة البرنامج السياسي للحزب، وقال إنه يعاني من "غياب الفكرة الرئيسية").

والمحصلة النهائية هنا، أن تلك السياسة المقتربة من السلطة، ظلت تبتعد – بذات القدر من الهمة - عن التكوين البنائي للحزب. إذ غدى الأمر أشبه بكونه: اقتراناً "مصلحياً"، وليس "عضوياً"، ستكون حتمية زواله، مع زوال تلك المصلحة. بعكس تلك الأحزاب – الفكرية - التي ظلت علاقتها العضوية متماسكة – بنسبة ما كبيرة– بعد خروجها من السلطة.

حينما تسنم عبد القادر باجمال الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام، في دورة المؤتمر العام السابع السابقة، أعلن أنه سيعمل على إعادة صياغة البناء الهيكلي للحزب، بحيث يجعل منه حزباً حقيقياً، من خلال جملة من الإصلاحات، تبدأ بهيكلته وصياغة أفكاره وبرنامجه، وتنتهي بتفعيل العضوية وإجبار الأعضاء على دفع اشتراكهم الشهري. لقد كان الرجل يدرك تماماً – من خلال تجربته الحزبية السابقة – معنى أن يكون الحزب، حزباً حقيقياً. غير أن عوالق السلطة التي بني الحزب على أساسها، إضافة إلى طغيانها على عقلية الرجل (بعد انغماسه فيها، قبل أن يحال إلى التقاعد، لممارسة الحزبية)، كانت أقوى من تلك التصريحات. وحين أراد أن يبدأ بمهامه الحزبية من خلال إعادة هيكلة الحزب، كانت مراكز القوى داخل الحزب – بفعل قوة السلطة – أقوى من أية إصلاحات داخلية في البناء الحزبي. وقبله كان الدكتور عبد الكريم الإرياني قد واجه بعض الإخفاقات العسيرة، أثناء مهمته كأمين عام، حين حاول صياغة بنية الحزب، عبر إعادة الهيكلة، فأعترضته قوة المصالح، التي طغت على أي محاولة للبناء. ويعتقد البعض أن محاولات الإرياني تلك، (والتي نتج عنها استقالات جماعية من بعض القيادات المشيخية، والاجتماعية، في بعض المحافظات، وبعض المواقع القيادية) هي التي أدت إلى إنهاء خدماته، وإزاحته من موقعه كأمين عام.

الاشتباك في مجموعة المصالح.. بين السلطة والحزب

إن مجموعة المصالح التي شكلت بناء القاعدة الحزبية للحزب الحاكم، كانت قد نتجت بالأساس، بفعل سلطة الحزب القائمة على البلاد. فالشيخ الذي يسكن المحافظات النائية، مثله مثل الدكتور الذي سكن المدينة، ومثل الموظف البسيط، في أي وظيفة حكومية، كانوا قد انضموا إلى الحزب الحاكم، لإدارة مصالحهم الخاصة. هذا ليعزز سطوته على منطقته، وذاك ليحافظ على موقعه الإداري والأكاديمي. والموظف ليحافظ على وظيفته ويضمن تدرجه في الوظيفة بطريقة أسرع من غيره. وكل منهم ظل يعمل على إدارة مصالحه من داخل الحزب، الذي يمنحهم سلطة إدارية في الدولة، وأخرى في النظام القائم. لم يكن لهم أن يعملوا على تعزيزها إلا من خلال تواجدهم داخل الحزب، وإن استكفى بعضهم – إن لم يكن معظمهم – بمجرد الانتماء الحزبي فقط.

 بما يعني أن الفكرة الأساسية هنا، هي الحفاظ على المصلحة الخاصة، في جهاز السلطة، عبر الانتماء الاسمي للحزب.

 وهناك مجموعة أخرى، حازت على مواقع قيادية عليا، بحكم المكانة، أو بحكم الوجاهة.. وحتى هؤلاء، لم يتخلوا عن فكرة إدارة مصالحهم الخاصة، من خلال مواقعهم، بما منحهم الحزب من سلطة كبيرة، وصل ببعضهم إلى أن أصبح لهم سلطة أكبر من سلطة الحكومة نفسها بحكم موقعهم الحزبي. على أن ذلك بحد ذاته، عمل على طغيان المصلحة الخاصة على مصلحة البناء الحزبي. وهناك الكثير من الأمثلة قائمة، لمن استغنى الحزب عن خدماتهم تحت ظروف مختلفة، فتخلو بدورهم عن انتمائهم الحزبي، بعد أن فقدت سطوتهم.

القدرة على التجدد

مع بقائه الطويل في السلطة، بدون استغلال ذلك للتفكير الجدي في إحداث إصلاحات حقيقية في البلاد التي تنتقل حالتها من سيء إلى أسوء، مع ترافق ذلك الإخفاق، مع إخفاق البناء المؤسسي للحزب، ليغدو حزباً قوياً في تكويناته الهيكلية والتنظيمية والتشريعية. لهو أمر مناقض لسنة البقاء والاستمرارية. كما يتناقض مع سنة إحداث التغيير لكل ما هو متعارض مع مصلحة الكائن البشري. على أن الأمر بحاجة فقط إلى انتظار وصول ذلك الإنسان إلى مرحلة الشعور بالعداء لتلك السلبية التي تقف عقبة أمام حياته المتهالكة.

إن تلك القدرة التي يمتلكها المؤتمر الشعبي العام، للبقاء في السلطة، عبر استغلاله لكافة مكونات الدولة، وإمكانياتها من مال ووظيفة عامة، وقوات أمن وقوات مسلحة، وقانون وقضاء،وو.. الخ.

لن تكون بأي حال من الأحوال، هي القدرة، الحقيقية المانعة – على الدوام – من سقوطه. بل إنه حين يصل إلى نقطة الصفر، لن يكون – حينها – يمتلك القدرة على لملمت أشلائه، ليعود من جديد بروح وثابة لا تعرف الفشل والإخفاق.

  a.hakeem72@gmail.com