ميزة علي صالح أنه يعرف نفسه، ويعترف ضمناً بسخط الشعب اليمني عليه، فعندما كان –مثلا- يكيل الاتهامات بالفساد ويرمي بها خصومه السياسيين المنضمين للثورة، كان يصفهم في ذات الوقت بأنه كانوا من موظفيه السابقين، أو كانوا يعملون معه، وكثيرا ما كان يذكرهم بالاسم، ولم يكن يخشى في كل مرة أن تدينه تصريحاته فيسأله الشارع اليمني عن تقريبه للفاسدين خلال كل تلك العقود بناء على كلامه، بل كان كل همه أن يقول: إذا كنتم تكرهونني أيها اليمنيون ولم تعودوا تقبلون بي ولا ترغبون في استمرار حكمي، فإن هؤلاء جزء مني، أو هم مثلي، وقد تعلموا على يدي، فانظروا إليهم بعين السخط التي تنظرون بها إليّ،وعليكم أن تكرهوهم مثلما تكرهونني، وترفضوهم مثلما ترفضونني!!
وعلى ذات النسق في إخفاء الهدف، قال قبل شهرين تقريبا إنه يحارب الانفصاليين في المحافظات الجنوبية، وكان يريد -فيما يريد- أن يستفز مزاج الشارع الجنوبي ويستثيره ليندفع مباشرة للتصعيد والتوسيع من الخطاب المطالب بالانفصال، وليس العكس، إذ يدرك الرجل جيدا أنه عندما يهاجم الانفصال فهو يستفز الجنوبيين بذلك من أجل أن يرفعوا شعار الانفصال.
وعلى امتداد ذروة فعاليات الحراك السلمي بين (2008) و (2010م)، كان يشن الهجوم الإعلامي المتواصل على الانفصاليين حتى من قبل أن يرفع الحراك سقفه إلى المطالبة بالانفصال، وتمكن حينها من التأثير سلبا على وحدة الحراك، وأفقده كثيرا من تعاطف الخليج ودول العالم الذين كانوا وما يزالون يؤكدون رفضهم للانفصال. وهذا هو ما يفعله اليوم بلسانه أو عبر آلته الإعلامية، إذ يكرر ذات الهجوم على الانفصال والانفصاليين، وهدفه استثارة الشارع الجنوبي ليرفع ويوسع من المطالبة بالانفصال، فيصيبه بالتشقق والتقسم الداخلي، ويفقده التعاطف الخارجي، خاصة من دول الخليج الحريصة –كما يؤكد منطق السياسة- على أن لا تفضي عملياتها العسكرية الحالية ضده وضد حلفائه الحوثيين إلى انفصال الجنوب.
الحرب التي ما يزال وحلفاؤه الحوثيون يشنونها على المحافظات الجنوبية تمنح مطلب الانفصال مبررا يغني الذين يرفعون هذا المطلب عن كل المبررات، إلا أن هدفه الأول والأخير هو أن يدفع الجنوبيين للتصعيد المطالب بالانفصال ثم لا يتمكنوا من التحرر من سيطرته ومليشيات الحوثيين، ولا يتمكنوا من الانفصال!!
وبعيدا عما تضمنته مخرجات الحوار بشأن القضية الجنوبية، وعن موقف القوى السياسية المؤيدة لحق أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم، وحدة أو فدرالية أو انفصالا، أجزم أنه لو أتيح لأي محافظة بالشمال أو الجنوب أن تنفصل عن صالح والحوثيين لانفصلت عاجلا لا آجلا، اليوم قبل الغد، وكلّ له مبرراته المنطقية، إلا أن البلد كله –شمالا وجنوبا وشرقا وغربا- ما يزال مرهونا بقبضة هذه العصابة، وليس أمامه لتحقيق أي من أهدافه وآماله المستقبلية إلا أن يصطف الآن من أجل الخلاص والتحرر من هذه العصابة.
وأتوقف هنا عند هذه الألاعيب الواردة في فقرة نشرها بالأمس أحد القيادات الصحفية الحوثية وهو يتحدث بكلام كثير عن حوارات قال إنها تجري في مسقط، مؤكدا على اتفاق فيها "جرى مع الجنوبيين قضى بأن يجري تسليم السلطة المحلية للجنوبيين بمشاركة الجيش والأمن والتهيئة للحلول والمعالجات الإنسانية والمجتمعية جراء الحرب، وعدم ملاحقة من قاتل في عدن من الحراك الجنوبي، ثم الدخول في مرحلة الحلول السياسية الشاملة للقضية الجنوبية وفق الإطار العام للحلّ الشامل للأزمة السياسية الراهنة".
- لم يقل من هم الجنوبيون الذين جرى الاتفاق معهم.
- يقول إنهم سيسلمون السلطة للجنوبيين بمشاركة الجيش والأمن، وبالطبع يقصد ذات الجيش الموالي لصالح الذي يقاتل الجنوبيين اليوم وكل اليمنيين، وألحق به صالح الآلاف من مليشيات الحوثي.
- بعد كل ما فعله ويفعله الحوثيون وحليفهم علي صالح، يتحدث الرجل عن حل القضية الجنوبية و"الحل الشامل للأزمة السياسية الراهنة"، أي لم يكتفوا بسرد الأكاذيب والألاعيب الواردة سابقا، بل تعدوا ذلك ليجعلوا هذه "الأكاذيب" شرطا لمخرج لهم يقبل به الطرف الآخر في الجنوب.. من هو الطرف الآخر في الجنوب؟ هو ذلك اللا طرف الذي لا يوجد في مسقط، ولا يوجد حتى في رأس الحوثي!!
- إذا كان الحوثيون صادقين في حديثهم عن تسليم السلطة للجنوبيين كما يقولون، فالمفترض أن يطالبوا الجنوبيين بعدم ملاحقة أنصارهم الذين يقاتلون معهم اليوم في الجنوب، خاصة وأنهم قلة قليلة يعدون في كل محافظة بأصابع القدم، لكنه يقول إنهم سيسلمون السلطة للجنوبيين ثم يتحدث عن أن الحوثيين هم الذين لن يلاحقوا مقاتلي المقاومة الجنوبية!! كيف سينسحب ويقوم بالتسليم، وفي ذات الوقت يتعهد بعدم ملاحقة المقاومة!؟
ومن الملفت أن يتحدث عن عدم ملاحقة المقاومة من "الحراك الجنوبي" في عدن، كاشفا عن الهدف،وأن كل هذا ليس أكثر من واحدة من المحاولات الرامية إلى خلخلة صفوف المقاومة: أولاً على مستوى الشمال والجنوب، وثانيا على مستوى الجنوب نفسه، ولا أدري لماذا خص عدن بهذا على وجه التحديد!؟
الحكم شدةٌ وقوة، ولا يتوقف الحاكم -رغم ذلك- عن الحيل والألاعيب. والمقاومة شدة وقوة، ويجب أن لا تفتقر من جانبها إلى الحيل والألاعيب، وأول ذلك أن تعرف جيدا تلك المربعات التي يريد خصمها أن يجرها إليها، بل إن المقاومة القليلة السلاح أولى بالكثير من الحيل وألاعيب السياسة، فلطالما كانت الحيلة والألاعيب في حياة الناس عوضاً عن قلة الإمكانيات!!