صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن
انتهينا في المقال السابق إلى القول أن الدعوة السلفية كان من الطبيعي أن تستمر في التمدد والانتشار خارج نطاق جزيرة العرب، وحيثما وجد مسلمون، نظرا لكونها دعوة تهم المسلمين جميعا، ولما يتوافر لديها من روح معنوية عالية نابعة من عقيدتها الصحيحة الراسخة.
ونزيد على ذلك بالقول أنه كان هناك عوامل عديدة تنبىء بولادة دولة إسلامية جديدة على أسس صحيحة، تأخذ على عاتقها مواجهة التحديات المصيرية التي تواجه الأمة، قد تكون على غرار دولة المرابطين الإصلاحية السلفية في شمال أفريقيا، في القرن الخامس الهجري، على الأقل.
والذي لديه إلمام بعلم التاريخ، يجد أن التشابه كبير بين الدولة المرابطية، والدولة السعودية الأولى، وبين الداعية الفقيه عبد الله بن ياسين، منظر المرابطين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب شيخ الدعوة السلفية.
والدولة المرابطية كما هو معروف هي الدولة الأبية التي أنقذت الإسلام في كل من المغرب والأندلس، والمعروفة بسجلها الجهادي الناصع ومنجزاتها الضخمة العظيمة، والتي امتدت حدودها من طليطلة في وسط الأندلس شمالا إلى غانا وبلاد السودان جنوبا.
ومشروع الدولة السلفية الحديثة كان من شأنه أن يحقق آمال المسلمين وطموحاتهم وتطلعاتهم، ولم يكن ذلك بالأمر المستبعد في ذلك الوقت، لأن الهجمة الغربية على بلاد المسلمين لم تكن قد بدأت. لولا أن الدولة العثمانية وقفت في وجهها بكل قوتها وسخرت كل إمكانياتها لضربها، والحرب عليها، وذلك من خلال واليها على مصر العلماني الباطني محمد علي باشا. وكان ذلك لأسباب سياسية بحتة، بعيدة كل البعد عن الدين.
وتعالوا معنا نستعرض واقع الدولة العثمانية أثناء ظهور الدعوة السلفية. والأسباب الحقيقة التي دعتها لضربها والحرب عليها وتشويه صورتها- وهو ما زال يرده الجهلاء والحاقدون حتى اليوم.
الدولة العثمانية عند قيام الدعوة السلفية
لعبت الدولة العثمانية في العصور السالفة، دورا مهما في حماية ديار الإسلام، من الغارات والحملات الصليبية، ولقد وضعت الخطط الواسعة من قبل الكنيسة الكاثوليكية والدول الأوروبية، للقضاء عليها، وباءت كلها بالفشل أثناء احتفاظها بقوتها.
" ولاشك أن العثمانيين شكلوا ما بين فتح القسطنطينية سنة 1453 وتوقيع اتفاقية " قارلوجة" سنة 1699 استعادة المسلمين دورا عالميا فقدوه مطلع القرن 11م وأسهموا في نشر الإسلام خارج المدى الذي وصله الفاتحون العرب ومن تفرعوا عن الدولة العربية الإسلامية ، كما قدموا دعما للمقاومة العربية في مواجهة طلائع الاستعمار الأوروبي، ولهم بالتالي تقدير كل من يعتنق الإسلام دينا ويتمثله حضارة[1]" .
وفي تلك الفترة حسب الأوربيون أن خط الإسلام السياسي قد تصاعد وصار الخطر الداهم، مما حمل الدول الأوروبية النصرانية على أن تتجاوز خلافاتها الطائفية والقومية والتاريخية، باعتبارها فرعية وثانوية مقارنة بالتحدي الرئيسي وهو الإسلام. " إذ تحول الأرثوذكس إلى جزء من تحالف كاثوليكي – بروتستانتي – يهودي – ضد الإسلام [2]." وبالأحرى ضد الدولة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام حينذاك، حتى تمكنت القوى الأوروبية مجتمعة من هزيمتها وأضعاف قوتها.
وأثناء سطوع نجم الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ/ 1703-1792م)، ودعوته السلفية الإصلاحية التوحيدية، في شبه جزيرة العرب، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وبداية القرن التاسع عشر، كان العثمانيون قد وصلوا إلى درجة كبيرة من الضعف والتدهور " ودب إليهم داء الأمم من قبلهم: الحسد والبغضاء، واستبداد الملوك وجورهم وسوء تربيتهم وفساد أخلاقهم وخيانة الأمراء وغشهم للأمة وإخلاد الشعب إلى الدعة والراحة... وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش[3]".
وأصبحت الطرق الصوفية البدعية، بكل سلبياتها وشطحاتها وطقوسها وشعائرها الغبية، تسيطر على مجمل الحياة العامة في سائر الولايات العثمانية، وأصبحت السلطنة أو دولة الخلافة العثمانية – سمها ما شئت - عاجزة عن تحقيق الأهداف العليا للأمة التي كانت هي الأساس لشرعية السلطان والخلافة العثمانية في نظر المسلمين. والأهداف هي: الجهاد، والدعوة، وحماية دار الإسلام، والحفاظ على الوحدة الداخلية، والحيلولة دون الفتنة. الأمر الذي جعل شرعية الخلافة العثمانية في محل شك، لاسيما بعد أن تحقق عجز العثمانيين عن حماية الدار بسقوط مصر في أيدي الفرنسيين عام 1798.
أما على الخط الحضاري – كما يقول الدكتور شاكر مصطفى - فقد كان الوضع أسوأ بكثير. ضرب الحصار العثماني طوقاً من الجمود على الإمبراطورية باسم الدفاع عن الإسلام. وخنق بذلك كل مبادرة للتطلع خارج هذا الطوق. وانعدم الوعي التاريخي لدى السلاطين والناس. وماتت أفكار التحدي والجهاد وصار الآخر هو العدو المريب[4].
"ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شللٍ فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس[5].
ومعنى ذلك أن الدعوة السلفية الإصلاحية في جزيرة قد جاءت في وقتها، وكانت تعبيرا عن إرادة حرة إسلامية صادقة ونزيهة، وبدافع الغيرة على الدين وإصلاح حال المسلمين، ولتغيير واقع مزري وقاتم، وتهيئة المجال لحياة عزيزة كريمة أفضل، وأنها كانت ضرورة ليس فقط لتجديد ما أندرس من معالم الدين، وتنقية العقيدة من الشوائب الشركية التي علقت بها، وإنما أيضا ضرورية لإيقاظ المسلمين من السبات العميق، استعدادا لما يحيط بهم من تحديات، ولمواجهة الموقف الناشئ عن ضعف الدولة العثمانية، والذي قد يترتب عليه إمكانية سقوطها في أي وقت.
يقول الدكتور شاكر مصطفى: "لم يعد للتاريخ العربي في الفترة العثمانية التي دامت 400 سنة من وجود. اندمج هذا التاريخ مع التاريخ العثماني لأول مرة. وكانت البلاد العربية مستعدة دينياً لمثل هذا الإلحاق. الجو الديني لم يترك فيها منفذاً للشعور بالذات العربية الخاصة، فالدين الإسلامي هو الجامع للبشر. وما دامت الدولة العثمانية تدافع عن الدين في فتراتها الأولى فهي تدافع أيضاً عن البلاد العربية في الوقت نفسه. نصرها كانوا يعتبرونه نصراً لهم, فلما ضعفت وبدأت الأطماع الاستعمارية تتناوشها، عاد العرب يفكرون في مصائرهم من جديد. عادوا يوقظون مثلهم العليا السابقة، وهي ليست إلا مثلاً دينية. وهكذا ظهرت أوائل حركات اليقظة حاملة شعار العودة إلى الإسلام. ظهرت الحركة الحنبلية الوهابية في نجد، والحركة السنوسية في المغارب وليبيا، ثم الحركة المهدية في السودان. وكانت حركات على الأطراف. ما اهتمت القسطنطينية بالبعيد منها كحركة أحمد بك والحاج عمر في شرق إفريقيا، وإن حرصت على محاربة القريب منها "أتباع محمد بن عبد الوهاب " لأسباب سياسية، وحاربت حركة فخر الدين المعني "المتصلة بأوربا" في الشام.[6]"
وليس ذلك فحسب، إنما بلغت الاستهانة بالدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، أن أعداءها من القوى الأوروبية، لم يعودوا يكترثون من أجل القضاء عليها، لأنها أصبحت بنظرهم أحد الأطراف في لعبة التوازن الدولي.
سر محاربة العثمانيين للدعوة السلفية
ومع أن الدولة العثمانية أثناء ظهور الدعوة السلفية في شبه جزيرة العرب، كانت عمليا في غرفة الإنعاش، وفي حالة جمود فكري وركود اقتصادي، وفي قمة العجز والخنوع السياسي، مع فقدان أي قوة ذاتية للدفاع، وانعدام الوعي التاريخي لدى السلاطين، وموت أفكار التحدي والجهاد.فقد كان طبيعيا أن يظل السلاطين العثمانيون يتظاهرون بزعامة المسلمين، ويتشبثون بمظاهر الخلافة وألقابها إلى آخر رمق، إذ كان من الصعب عليهم أن يسلموا بانتهاء دورهم ويحكموا على دولتهم بالوفاة.
ومن أبرز تلك المظاهر استمرار سيطرتهم على الحجاز وخاصة المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، حتى تتم المظاهر الشكلية للخلافة العثمانية، وحتى لا يقع الشك في مقدرتهم على حماية الحرمين الشريفين، فتزول هيبتهم، ويضعف أمرهم. فطالما والحرمان الشريفان تحت نفوذهم فسيظل بإمكانهم حمل ألقاب الخلافة والتشدق باسمها، ورفع الصوت باسم الإسلام والمسلمين، وحتى ولو كانوا قد فقدوا الأهلية والكفاءة لذلك من الناحية العملية – والأمر كان كذلك في الواقع-.
"فالحجاز يمثل السيادة الروحية على العالم الإسلامي كله؛ نظرًا لوجود الحرمين الشريفين فيه، وفقده يعني زوال تلك السلطة الروحية والسيادة والزعامة الدينية التي يتمتع بها الخلفاء العثمانيون.[7]"
وبعد أن سيطر أنصار الدعوة السلفية على الحرمين الشريفين، وأجروا فيهما بعض الإصلاحات الضرورية بموافقة علماء مكة والمدينة، وبعد أن باءت بالفشل كل المحاولات الداخلية لضربها، وأمام هذا التمدد الكبير للدعوة السلفية الإصلاحية، كثر الوافدون على الآستانة من المتملقين والحاقدين على تلك الدعوة، وأزداد عدد المحرضين عليها في بلاط السلطان العثماني، والمتظاهرين زورا وبهتانا بالغيرة على الإسلام، وعلى وحدة المسلمين، وعلى دولة الخلافة الإسلامية، من خطرها.
كما أخذ القناصل الأجانب بدورهم وعلى رأسهم القناصل الانجليز، يضغطون على السلطان محمود الثاني ( 1808- 1839)، للتحرك ضد الدعوة السلفية التي كان أتباعها يستعدون لبسط سيادتهم على مياه البحر الأحمر، ومياه الخليج، ومن ثم مهاجمة الأساطيل الانجليزية التي كانت قد بدأت تتسلل إليهما.
وأمام هذه الضغوط، وجد السلطان العثماني محمود الثاني نفسه، يتساءل عن كيفية مواجهة هذه الحركة التي نبزوها بـ" الوهابية ".
وراق الدولة العثمانية هذا النَّبْزُ، فأجرته على ألسنة الدراويش وتنابلة السلطان، وأفرطت في إلقاء الشبهات عليه وتشويهه، ثم شرعت بعد ذلك تخطط وتعد العدة، لضرب الحركة والقضاء عليها، ليس غيرةً على الدين، ولا انتصارا للمسلمين، ولا لأي مبرر وجيهٍ آخر، وإنما لفرط أنانيتها، ودفاعا عن مصالحها وهيبتها، ولأسباب سياسية ضيقة، وفي مقدمة كل ذلك استعادة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، والاستئثار بالنفوذ فيهما، كي يوهموا الناس أن الخلافة العثمانية لا تزال باقية، وأنها هي الناطق الرسمي باسم المسلمين، وأنها لا تزال حاملة راية الجهاد، ولو كان ذلك من الناحية الشكلية فقط، ولو كان في ذلك تقديما لمصلحتها الخاصة، على مصلحة الإسلام، ولو كان ذلك يجعلها فقط ( كالقط يحكي انتفاخا صورة الأسد )، ولو كان ذلك يمثل حجرا على إرادة المسلمين وإجبارا لهم على أن يظلوا في قوقعتهم، في حالة غيبوبة وتجمد، فلا يستيقظون من سباتهم، فيرون التغيير الذي يجري من حولهم، والتحديات التي تواجههم، ويكتشفوا حقيقة ما آلت إليه خلافتهم من ضعف وركود واستخذاء، فينهضوا لإصلاح شئونهم، ويسعون لإيجاد البديل، اعتمادا على إمكاناتهم وقواهم الذاتية، قبل فوات الأوان.
هذا هو السر وراء إصرار الدولة العثمانية على ضرب الدعوة السلفية. وكان موقف الدولة العثمانية يجسد شعار " إما أنا أو الطوفان" وهذا كان منتهى الأنانية. والذي كان فيما بعد هو الطوفان. لأن محاولات ترقيع دولة الخلافة العثمانية باءت كلها بالفشل. لأنه ببساطة كان ترقيع للمرقع.
ولو أنه كانت هناك إمكانية لمنع سقوط دولة الخلافة العثمانية، لتم ذلك على يد السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918) فإنه حاول منذ أن تبوأ العرش عام 1876 ، بكل طاقته وبكل جد وإخلاص، أن يوقف انهيار الدولة، ولكن من دون جدوى. لأن المرض كان قد وصل إلى مخ العظام. وكانت النتيجة هي خلعه وإبعاده عن العرش بتهمة الرجعية سنة 1909م.
هذا إضافة إلى الدور البريطاني في التحريض على الدعوة السلفية " وكانت انجلترا ومستشرقوها ما فتئت تخوف الدولة التركية وتؤلبها على مهد ( اليقظة ) في جزيرة العرب ..واستجابت دار الخلافة بغفلتها إلى هذا التأليب حتى جردت حملات متتابعة لقمع ( اليقظة ) الوهابية، وآبت في جميعها بالإخفاق، ثم منذ ولي ( محمد علي سرششمة ) جعلت تركية ) تدعوه إلى تجريد جيوشه لقتال الوهابيين، وتتابع هذا الطلب من سنة 1807 إلى سنة 1810 ( 1222-1225هـ)، فلم يستجيب لنداء تركية ، ولكن الاستشراق بقناصله زين أخيرا لمحمد علي سرششمة أن يستجيب ليحقق مأربه في وأد ( اليقظة ) التي كادت تعم جزيرة العرب، وأمدوه بالسلاح الذي يعينه على خوض الحرب، وذلك في سنة 1226هـ/1811م ( أي بعد ولايته على مصر بست سنوات ) [8]
محمد علي والحرب على الدعوة السلفية
وأيا كان الأمر فإن المهم هو أن السلطان العثماني الشقي محمود الثاني ، كلف محمد علي باشا، والي مصر بمهاجمة الدولة السعودية الفتية وإجهاض الدعوة السلفية وخنقها.. هذا الأخير الذي فكر وقدر، ثم تولى كبره، فشن حربا لا هوادة فيها ضد الدعوة السلفية التجديدية، وجهز الحملة تلو الحملة للقضاء عليها، وأجلب عليها بالرعاع، وشذاذ الآفاق، والجنود المرتزقة من الأرناءوط والجركس والأرمن والترك، والبدو الجفاة، الذين حشدهم من كل فجٍ عميق، إلى جانب الآلاف من الفلاحين المصرين الذين أقحموا في هذه العدوانية الظالمة، وكان كثيرا منهم وقودا لها دون أن يكن لهم فيها ناقة أو بعير.
وقد سخر محمد علي باشا للحرب على الدعوة السلفية، إمكانات مصر وبلاد الشام، مع الدعم غير المحدود من دولة الخلافة. وهي " الحرب التي لم تنته إلا بعد ثمان سنوات، في 1235هـ/1819م وفقدت الجيوش المصرية آلافا من أبنائها، ولقيت هزائم كادت تودي بها. وأخيرا تم النصر لمحمد علي سرششمة ، بعد أن أرتكب من الفظائع ما لا يستحمله مسلم ، واستباح الديار والأموال والنساء ، وهدم المدن، فكان هو وابنه إبراهيم وسائر أولاده طغاة من شر الطغاة ، وكانت حربا طاحنة لا معنى لها ، ولا ينتفع بها إلا مؤججوها من ( دعاة المسيحية الشمالية )[9].
كان الشعار الذي شنت تحته تلك الحرب العدوانية الظالمة على الدعوة السلفية الفتية، هو " شق الصف والخروج على دولة الخلافة" واستطاعوا من خلال وصمها بهذا الوصف، التضليل على كثير من المسلمين والتغرير بهم وذر الرماد في عيونهم، وهي تهمة سخيفة كاذبة، ودعوى متهافتة ساقطة، ولا أساس لها من الصحة، فإن بلاد نجد لم تخضع يوما للدولة العثمانية حتى وهي في أوج عزها وسلطانها في القرن السادس عشر. فكيف سيكون ذلك في القرن الثامن عشر، وقد أصبح الأعداء يطلقون عليها اسم " الرجل المريض" ؟ وقد تحدثنا في الجزء الأول عن الأوضاع الدينية والسياسية في نجد أثناء ظهور الدعوة السلفية.
والمهم أن محمد علي باشا أستطاع استرداد الحجاز بما فيها مكة والمدينة والحرمين الشريفين، بل وابعد النجعة في محاربة الدعوة السلفية، فزحفت قوته بقيادة ابنه إبراهيم باشا على الدرعية عاصمة نجد، وتم تسويتها بالأرض بطريقة غادرة ماكرة، جسدت الخيانة ونقض العهد بصورة واضحة، وذلك في ذي القعدة 1233هـ/ سبتمبر1818م.
وبهذا تمكن محمد علي باشا من إجهاض مشروع الدولة السعودية، والدعوة الإصلاحية السلفية، وعزله في حدود الصحراء العربية. وقدم بذلك خدمة لا نظير لها للدول الغربية الاستعمارية التي كانت قد ارتاعت من هذه الحركة التوحيدية الفتية التي كانت ترفع راية الجهاد ضد الغزاة، لا سيما بريطانيا العظمى التي كانت تخطط لبسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية والخليج العربي بهدف التحكم في الطريقين البحريين الرئيسيين إلى الهند.
وأما الدعوة السلفية، في حد ذاتها فلم يستطع القضاء عليها، لأنها كانت قد تأصلت في القلوب وباتت جزءا لا يتجزأ من الواقع في جزيرة العرب، كما أنها كانت قد انتشرت لا سيما لدى الخاصة من العلماء والدعاة، في أنحاء عدة من بلاد العالم الإسلامي مثل المغرب والهند ومصر واليمن وغيرها.
فهل يا ترى حقق محمد علي للدولة العثمانية ما كانت تأمل؟ وهل قويت الخلافة العثمانية وعادت لها هيبتها، بخنق الدعوة السلفية الإصلاحية والقضاء على مشروعها الإسلامي للنهضة؟
الجواب: كلا. لأن محمد علي باشا، بالأصل لم يشن الحرب على الدعوة السلفية، تنفيذا لرغبة العثمانيين، وإنما لنزوةٍ شيطانيةٍ في نفسه هو.
والواقع أنه ما أن انتهت حرب محمد على الدعوة السلفية، حتى بدأ العرب والمسلمون يحصدون الحصاد المر، وشوك الحسك والسعدان والعلقم، الذي زرعه العثمانيون ومحمد علي باشا باستكبارهم وتجبرهم وغفلتهم، في ضرب تلك الدعوة، وسيكون العثمانيون هم أول الحاصدين لمازرعوه. وكذلك محمد علي باشا، خسر الحرب في النهاية، وتحطم مشروعه، وفرضت عليه الاتفاقيات المذلة والمهينة من قبل القوى الأوروبية. ومن زرع الشوك سوف لا يحصد العنب. لكن سيكون المسلمون عامة هم الخاسر الأكبر – كما سيثبت ذلك التاريخ والأحداث اللاحقة-.
وللحديث بقية إن شاء الله.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] عوني فرسخ، القوميون والإسلاميون العرب، إشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل، مجلة المستقبل العربي، العدد 260، 10/2000، ص54
[2] مجلة السنة العدد 105، صفر 1422هـ.
[3] أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، ص148
[4] شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، مجلة العربي الكويتية-العدد458- يناير1997
[5] أبو الحسن الندوي، المرجع السابق، ص151
[6] شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، العربي- العدد458- يناير1997
[7] سمير حلبي، "محمد بن عبد الوهاب" والعودة إلى جوهر التوحيد، إسلام اونلاين، http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/07/article21.shtml
[8] مجلة السنة، نقلا عن كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف العلامة محمود محمد شاكر، ص199-203)
[9] مجلة السنة، نقلا عن كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف العلامة محمود محمد شاكر، ص199-203)