إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات الكشف عن إستراتيجية جديدة وضربات اوسع ضد الحوثيين قد لا تصدقها.. أطعمة خارقة تقاوم الشيب المبكر وتؤخر ظهور الشعر الأبيض مليشيا الحوثي تنقل الدورات الثقافية الى بيوت عقال الحارات وتفرض على المواطنين حضورها
في عز الأزمة السياسية في تونس، إذ تفشل للمرة الثانية محاولات تشكيل الحكومة، وتستعد البلاد لانتخابات مبكرة، إذا استمر الوضع كذلك، جاءت نتائج المسح الذي أجراه مركز زغبي الأميركي للأبحاث لتظهر تفاؤلاً مفاجئاً للتونسيين في السنوات الخمس المقبلة، وتقويماً إيجابياً للسنوات المنصرمة، على الرغم مما شهدته من تجاذب سياسي وتراجع اقتصادي. وهو ما يعكس نضجاً في فهم المخاض التاريخي الذي شهدته بلادهم، وتحملاً لآلامه، واستبشاراً بمآله. وهو ما عبّر عنه التونسيون بشكل عملي في الانتخابات الرئاسية والنيابية. وهذا يحمل رسالة، تتجاوز حدود تونس إلى العالم العربي، فأهل الربيع العربي فرحون بحالهم مستبشرون بمستقبلهم، على خلاف أهل الثورة المضادة في مصر الذين أظهرت الأرقام حزناً على حالهم وتشاؤماً بمآلهم. أظهر الاستطلاع نتائج معكوسة بين مصر وتونس. يرى 20% في مصر أن حال بلادهم سيصبح أفضل في السنوات الخمس المقبلة، مقابل 40% يرونه سيسوء أكثر، وهو عكس تونس، إذ يرى نحو النصف (50%) أن حالها سيكون أفضل مقابل أن نصفهم يرونها أسوأ. وكذلك أجابت الأكثرية في مصر أو نحو 50%، أن أحوال بلدهم لا يرونها أفضل مما كانت عليه قبل خمس سنوات، على عكس التوانسة الذين ترى أكثريتهم أن بلدهم أفضل حالاً.
شاهدت ذلك في آخر زيارة لتونس، فشباب الثورة اكتهلوا أمام تحدّيات الدولة، ونضجوا في مواجهة الواقع. الثورة بالنسبة إليهم ذاكرة جميلة تؤنس وحشة الواقع، وهي لا تحمل حلولاً سحرية، غير أنهم راضون بما حقّقوا، لا خوف ولا قمع، يغيرون الرؤساء والحكومات، مثل أي بلد متقدّم. يتعثر نتنياهو في تشكيل الحكومة، هل هزمت دولة الاحتلال؟ أبو مازن ثابت ولا يتغير ولا يتعثر، فهل انتصر؟ تونس مثل أي بلد طبيعي تعبّر عن انقساماتها بصناديق الاقتراع، وتتوافق بناءً على حوارات وصفقات وليس إملاءات. غير الطبيعي هو العالم العربي!
تعكس مسوحات الرأي العام والاستطلاعات مؤشراتٍ وانطباعاتٍ لا وقائع وحقائق. وفي النهاية "الانطباع أهم من الحقيقة"، مع أن الحقيقة مهمة أيضاً. ومؤسسة زغبي ذات صدقية ومكانة في هذا المجال، وأرقامها في استطلاعها الجديد مفيدة في فهم العالم العربي، عموماً. وهي تعكس واقعاً عربياً على رداءته يفهم الأحداث بشكل عقلاني واقعي. واللافت أن الاستطلاعات، سواء من جهات أكاديمية أو مسيسة، وحتى الصهيوني منها، تقرّ ضمناً، حتى اليوم، بوجود عالم عربي، على الرغم من انهيار نظامه الرسمي، والفوضى والانقسام على مستوى شعبي.
تتشاءم مصر، لأنها، في العقد الأخير، جرّت العالم العربي إلى الخلف، بعد أن دفعته تونس، البلد الصغير الفقير، إلى الأمام. من بلدٍ قائد إلى بلدٍ تابع يمد يد السؤال إلى السعودية والإمارات ويستجدي دعم نتنياهو وترامب، مقدّماً كل التنازلات عن ثوابته القومية والوطنية. لم يبدأ التنازل في صفقة ترامب نتنياهو لإنهاء القضية الفلسطينية، سبقته تنازلات للسعودية في جزيرتي تيران وصنافير، ولإثيوبيا في سد النهضة. في المقابل، تحولت بندقية للإيجار، تستخدمها الإمارات والسعودية في ليبيا وغيرها. وفي ظل انهيار اقتصادي واجتماعي يتواصل القمع السياسي بسادية غير مسبوقة، من قتل الرئيس المنتخب في المحكمة، إلى اختفاء المئات واعتقال أي معارض مهما خفت صوته وكان انتماؤه، حتى ممن أيّدوا عبد الفتاح السيسي وعادَوا الإخوان المسلمين. وضاق الإعلام بغير المطبّلين.
تتفاءل تونس، فالبلد الفقير الصغير لم يثر حتى يصبح بثراء الإمارات. والتونسي يعلم أن بلده محدود الموارد المادية، ولن تتضاعف لأنه قدم للدنيا "الربيع العربي". ويدرك أيضاً أن كلفة الحرية والكرامة لا تنتهي بالشهداء الذين سقطوا بقناصة بن علي، بل هي كلفةٌ يوميةٌ من خلال استهداف الثورة المضادة للبلد الصغير، الكبير بمواقفه وتحوّله التاريخي. لكنه ظل قابضاً على جمر الكرامة والحرية، وهو يرى ما حل بالمصري الذي تضاعف فقره بالثورة المضادّة، وخسر ما حصل عليه من حرية وكرامة بعد ثورة يناير.