آخر الاخبار

بلا حياء.. الحرس الثوري الإيراني: أيدينا مكبلة ولسنا في وضع يسمح باتخاذ إجراء ضد إسرائيل تقرير أممي :8 % من الأسر بمناطق سيطرة الحوثيين تعتمد على التسول من أجل الحصول على الغذاء واشنطن تتحدث عن اصطياد هدفاً حوثياً إضراب شامل يشل مصانع المياة المعدنية في صنعاء ومصادر مأرب برس تؤكد : إضراب مرتقب لمصانع أخرى دعاية الحوثي فرط صوتية ..تقرير أمريكي ينسف رواية المليشيات:دولة عظمى أرسلت للحوثيين صواريخ كروز مضادة للسفن حملة عسكرية من قوات العمالقة ودفاع شبوة تصل الصعيد لإيقاف حرب قبلية تدور رحاها بين قبائل المقارحة والعوالق كيان موالي للمجلس الانتقال الجنوبي يعلن اعتزامه إنشاء شبكة حوالات موازية للشبكة الموحدة التي أسسها البنك المركزي مركز سعودي عالمي ينجح في إزالة أكثر من 18 مليون محتوى متطرف من «التلغرام» وزير الدفاع السعودي يصل تركيا وأردوغان يعقد معه لقاء مغلقا في المجمع الرئاسي . ملفات الأمن والتعاون المشترك .. تفاصيل الملك سلمان بن عبدالعزيز يصدر توجيهات ملكية بمنح 60 مواطناً ومواطنة بينهم أميرة وقيادات عسكرية ومواطنيين ميدالية الاستحقاق لتبرعهم بالدم

تطبيع مجاني وغبي
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 19 فبراير-شباط 2020 08:07 م
 

منذ أن شرع السودان في خطواته التطبيعية مع إسرائيل في أعقاب لقاء البرهان مع نتنياهو الذي استخار فيه رب العالمين قبل الإقدام عليه (!!) ورئيس الوزراء الاسرائيلي يتفاخر بما أنجزه من خطوات تطبيعية مع كل الدول العربية، باستثناء دولتين أو ثلاث حسب زعمه، كما لم يفته أن يشير إلى طعن رمزية الخرطوم التي منها انطلقت اللاءات الثلاث في التعامل مع إسرائيل (لا صلح لا تفاوض لا اعتراف).

لا أحد بإمكانه أن يلوم نتنياهو على تفاخره هذا، فقد أفلح في إحداث أكثر من ثقب في جدار التطبيع المتهاوي أصلاً ونجح في عقد أكثر من لقاء وفي تحقيق أكثر من اختراق، سواء زيارته إلى مسقط ولقاؤه بالسلطان الراحل قابوس أو لقاؤه الأخير بالبرهان في أوغندا مروراً بحضور عدد من الدول العربية لاجتماع المنامة الذي خصص للجانب الاقتصادي والمالي لخطة «السلام» الأمريكية، وصولاً إلى حضور كل من عُمان والامارات والبحرين «احتفالية» عرض الخطة الأمريكية في واشنطن. لا أحد بإمكانه أن يلوم نتنياهو فالرجل بصدد جمع النقاط لإعادة انتخابه مطلع الشهر المقبل وقومنا لا يدخرون جهداً في مساعدته على ذلك… ولكن مقابل ماذا تحديداً؟

المشكلة ليست في نتنياهو بل فينا والمشكلة ليست في التطبيع أوعدمه، رغم أهمية ووجاهة الاعتراض عليه من حيث المبدأ، بل في تقديمه في غير وقته وبدون مقابل: من حيث التوقيت ليس ما نعيشه الآن شبيهاً بذاك الوضع الذي أعقب توقيع اتفاق أوسلو في واشنطن عام 1993 والذي قاد مسؤولين إسرائيليين بارزين إلى زيارة أكثر من عاصمة عربية واللقاء بقادتها على غرار زيارة رئيس الوزراء شمعون بيريز إلى الدوحة فقد كان التبرير وقتها، الذي لم يكن مقنعاً للجميع على أية حال، هو أن على العرب دفع مسار السلام الذي انخرط فيه الفلسطينيون وإعطاء رسالة إلى الاسرائيليين مفادها أنه كلما تقدمتم أنتم في عملية التسوية تقدمنا نحن أكثر في تطبيع العلاقات معكم. الآن، الفلسطينيون في قطيعة مع حكومة يمينية متطرفة أقدمت على ما لم يقدم عليه غيرها وأنهت عمليا بمفردها كل القضايا التي يفترض البت فيها بالتفاوض من القدس إلى الحدود إلى غيرهما… وبالتالي فلا عذر أبداً و لا سياق.

أما من حيث المقابل فصفر، إن كان على صعيد مسار التسوية الذي تحوّل في وضح النهار إلى تصفية أو حتى على الصعيد الثنائي المنفعي البحت. أي شيء يمكن أن يحصل عليه السودان أو الامارات أو البحرين أو يمكن أن يحصل غيرها في وقت لم يجن فيه شيئا من فعلها من قبلهم، مثل مصر والأردن أو موريتانيا عندما أقدمت قبل سنوات على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وسط استغراب الجميع. يمكن للخرطوم أن تسأل جوبا التي كانت معها في دولة واحدة ما لذي حصلت عليه دولة جنوب السودان أصلاً بعد أن شجعتها إسرائيل بالسلاح وغيره على الانفصال لا أكثر و لا أقل؟!!.

المؤسف في الموقف العربي الحالي هو أنه لم يحسن حتى استعمال ورقة التطبيع وتوظيفها في سياق يخدمها هي كدول ويخدم مسار التسوية ككل، بمعنى أنه حتى لو أغمضنا أعيننا عن الاعتبار المبدئي والأخلاقي الذي يعارض التطبيع مع إسرائيل في كل الأحوال، فإنه لم يكن مطلوبا من الدول العربية شيئا آخر غير التمسك بمبادرة السلام العربية التي انطلقت كمشروع من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز قبل تبنيها عربياً في قمة بيروت عام 2002. وتقوم هذه المبادرة على تطبيع كامل مقابل سلام كامل، أي أن العرب ملتزمون بإقامة علاقات كاملة وطبيعية مع إسرائيل بعد انسحابها إلى حدود عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين والانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة وفق قرارات الشرعية الدولية.

وحتى إذا ابتعدنا عن هذه الصيغة التي أقرتها جميعا الدول العربية وقلنا بالتطبيع التدريجي، أي خطوة تجاه إسرائيل مع كل خطوة تخطوها هي نحو التسوية، فإن الأمر لا يستقيم أبداً لأننا نسير في الاتجاه المعاكس تماما، أي كلما ابتعدت إسرائيل من التسوية وأمعنت في تطرفها اقتربنا نحن منها أكثر وهذا منتهى الغباء وقلة المسؤولية لأنه ببساطة شديدة يشجع إسرائيل على مزيد الغلو والتعنت لأنها تزداد اقتناعاً بأن العرب لا يمكن أن يقدموا على التطبيع إلا مجبرين وأذلاء ولهذا لا بد من مزيد جلدهم وفي الوقت نفسه عزل الفلسطينيين !!.

واضح أن لا شيء يبرر التطبيع الحالي والمقبل سوى البحث عن المزيد من رضا الولايات المتحدة وتحديداً رئيسها ترامب الذي لم يبد رئيس قبله من العداء للفلسطينيين ما أبداه هو في ثلاث سنوات لا غير، مع استخفاف وتهكم بصفاقة على أقرب الحلفاء العرب إليه… أما الشعوب ومزاجها الأصيل المعادي للتطبيع فلا أحد يقيم له وزناً ومع ذلك فسيكون هو من يبت في النهاية في هذا الأمر… بل وفي مصير من سار على نهجه أيضاً.

#كاتب وإعلامي تونسي