إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات الكشف عن إستراتيجية جديدة وضربات اوسع ضد الحوثيين قد لا تصدقها.. أطعمة خارقة تقاوم الشيب المبكر وتؤخر ظهور الشعر الأبيض مليشيا الحوثي تنقل الدورات الثقافية الى بيوت عقال الحارات وتفرض على المواطنين حضورها
ها نحن اليوم نشاهد سقوط صنم آخر من أصنام الطغاة المستبدين في البلاد العربية، فنفرح بتحقيق موعود الخالق العظيم "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، نفرح بانقشاع ظلمة طاغية مستبد، وزوال حكمه، ولكن يصيبنا الحزن والألم لأن طاغية مثله لا يزال يوغل في القتل ويسفك الدماء، وكأن شيئاً لم يكن.
لقد قيل مراراً إن المعركة التي تخوضها الشعوب الآن ضد الطواغيت هي معركة إرادة وقيم، وأن إرادة قيم الحرية والعدالة والمساواة التي ينشدها ثوار الوطن العربي لا شك هي أقوى من إرادة الطغاة في التسلط والبقاء، ودارت الأيام وتساقطت أصنام الاستبداد تباعاً، ابتداءً بطاغية تونس مروراً بفرعون مصر وأخيراً الطاغية القذافي والبقية تأتي.
لقد بات يقيناً أنه كلما أوغل طاغية في القتل والفساد والكذب والتضليل من أجل بقائه، كانت نهايته أخزى من سابقه، بالأمس نتذكر نهاية حكم بن علي في تونس، حين نفذ بجلده مطروداً خائباً، بمهر قدره ثلاثمائة شهيد ومئات الجرحى، ثم تدور الأيام سريعاً، فنشهد سقوط طاغية آخر، تبدو نهايته أشد وأنكى من سابقه، إنه فرعون مصر، تخلى عنه أعوانه الظالمون المفسدون، بعدما زينوا له القبيح وأعانوه على ظلمه، فأصبح يجرجر مهيناً على سرير المرض في المحاكم، جزاء فعله.
وتستمر رياح التغيير عاصفة هنا وهناك، كأنما هي في سباق مع الزمن، فإذا بها تقشع غبار الزيف عن طاغية آخر هو أشدّ وأطغى، إنه طاغية ليبيا، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، عميد الحكام العرب، ملك ملوك أفريقيا، العقيد والزعيم وصاحب الألقاب العديدة معمر القذافي، أبى إلا أن يحكم قومه بالظلم بضعاً وأربعين سنة، سام شعبه خلالها سوء العذاب، استبدّ بهم وسرق ثرواتهم، وما إن صرخوا في وجهه صيحة الحق، حتى أرعد وأزبد، وهاج وماج، وهدد وتوعد، ثم أرسل عليهم الطائرات والدبابات فأباد منهم الآلاف، واستباح الحرمات، مطلقاً صيحته الشهيرة "زنقة زنقة"، ولم يكتفِ بجبروته وطغيانه عليهم، فاستجار بالمرتزقة والمجرمين من خارج البلاد للفتك بأبناء جلدته، حتى ظن أنه قضى عليهم وأخمد جذوة الحق والحرية في صدورهم، إذا بهم ينقضون عليه كالأسود في وكره بمجمع باب العزيزة، فيفر هارباً ملتجئاً إلى عشيرته وأعوانه، لكن دعوات المظلومين وآهات الثكالى وصرخات الجرحى والمعذبين ظلت تلاحقه حتى آخر لحظة، فيسقط في أيدي الثوار ملطخاً بدمائه، ليذوق وبال أمره، ويتجرع من ذات الكأس الذي جرعّه شعبه.. "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".
اليوم، وبعد ثلاثة دروس من النهايات الوخيمة لطواغيت تونس، مصر، ليبيا، يوهم طغاة الحكم والاستبداد في كل من اليمن وسوريا أنهم استثناء، أو بمنأى عن سنن التاريخ، ويصرون بأسلوب ماكر وخبيث، على السير في ذات النهج الذي سلكه المتساقطون قبلهم، إنهم يصمّون آذانهم عن صرخات الشعوب، وتأبى نفوسهم المريضة والمتغطرسة إلا التشبث بالسلطة ولو أدى إلى دمار أوطانهم وقتل شعوبهم، لا بل صار طغاة صنعاء ودمشق يتفننون في قتل المتظاهرين والتنكيل بهم، وزاد طاغية اليمن بالتفنن في أساليب المكر والمراوغة والتضليل ومعاقبة الشعب المنتفض جماعياً، وأكثر من ذلك "يقتل المتظاهرين ويقرأ على أرواحهم الفاتحة".
لقد قرر طاغوت اليمن على أن لا يكون سقوطه إلا مقترناً بسقوط اليمن برمّته في براثن الحرب الأهلية والاحتراب الداخلي، فعمد إلى تقزيم الثورة وتشويه صورتها، وسعى إلى تقسيم المجتمع وفرزه، مستغلاً عامل الوقت أولاً، وحالة الجهل المتفشي والتعصب القبلي والجهوي ثانياً، والقلق الإقليمي والدولي من كابوس الثورة وزحفها على بساط أمراء النفط الخليجيين ثالثاً، ولم يتورع حتى عن توظيف الدين واستصدار فتاوى التخلف والتضليل لأجل بقائه.. ومع ذلك فشل هذا الرجل في اختبار صبر اليمنيين وحكمتهم وحرصهم على سلمية ثورتهم التي انتزعت إعجاب العالم.
وفي كل مرة يسقط طاغوت عربي، يستميت دهاقنة الإعلام الحكومي في اليمن في الدفاع عن طاغيتهم، فيطلقون عليه أوصافاً سمجة لم يعد لها مكان في قاموس ما بعد الربيع العربي، ولم تعد تسمن أو تغني الطاغية شيئاً، وفي الوقت الذي كان الليبيون يدوسون بأقدامهم تماثيل وصور القذافي في مجمع باب العزيزية، كانت آلة الإعلام الحكومي توزع المزيد من صور "أنت الوطن يا علي".
أيها الطاغية المستبد: إني لك ناصح أمين، رحيلك اليوم أقل كُلفة عليك وعلى شعبك من رحيلك غداً، والعبرة بالخواتيم، فلا يغرنك إمهال الله لك، وصبر الناس عليك، وتزيين شياطين الجن والإنس لبطشك وجبروتك، لقد شاهدت بنفسك كيف أخفقت حساباتك وانقلب عليك أقرب المقربين، فأرجو أن لا تزيد في الدماء فيزيد غضب الله عليك وتضيق على نفسك الدائرة.. "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
"الغد"
Ahmady3@hotmail.com