هائل سعيد وعدن.. ألأبناء على درب المؤسس الأول
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: يوم واحد و 20 ساعة و 55 دقيقة
الأحد 23 مارس - آذار 2025 10:16 م
  

أوائل عام 1991م قبل 35 سنة بالضبط أثار عمودي الأسبوعي(دردشة) في صحيفة التجمع الشهيرة-التي كنت سكرتير تحريرها-حول إحدى البيوت التجارية الكبرى في اليمن تفاعل الأوساط المختلفة.

أيامها بدأت إرهاصات عودة نشاط رأس المال الوطني والحركة التجارية للقطاع الخاص بعد ركود أكثر من ربع قرن من أواخر 1967م ألتي حظيت بتفاعلات الصحافة من زوايا مختلفة.

 

تفاجأ البعض عندما اقترحت تسمية مدينة التواهي ب(مدينة هائل سعيد) ألرجل الذي لم يكن كثيرون حينها يعرفون ارتباطه التاريخي الحميم بعدن وناسها وبواكير نهضتها في القرن الماضي.. ولابد برأيي من إعادة الإعتبار لأصحاب البصمات الخاصة الذين نذروا حياتهم لخدمة أوطانهم في أحلك الظروف.

لم أتعرف شخصياً على رجال بيت هائل سعيد HSA الذين تسبقهم سمعتهم التجارية أسماءهم إلا بعد فترة, وكتبت ذلك بعفوية في خضم الجدل الصحافي من باب كلمة إنصاف فقط.

 

كانت مجموعة شركات هائل يومها على تخوم عدن تراجع استعادة بعض أملاكها وأراضيها المؤممة بين دار سعد ومنطقة صبر قبل دوران عجلة نشاطها التجاري التدريجي لاحقاً.

 

وربما لا يزال في أذهان رجال بيت هائل سعيد أنعم رحمه الله يومها على ما يبدو تأثير مرحلة تأميم الممتلكات الخاصة في عهد الحزب الإشتراكي, وما طال المؤسس الأب من تضييق لم يستثن أصحاب رؤوس الأموال الأخرى أيضاً دفعه باتجاه الدروب السرية نحو شمال الوطن.

حتى قال عن ذلك الرئيس الراحل علي عبدالله صالح: أكبر هدية ومكسب قدمها لنا نظام عدن الإشتراكي في الشمال هي هائل سعيد أنعم) فقدم الرجل وأعطى بسخاء غير معهود تدل عليه آثاره في عموم البلد إلى اليوم.

 

قيل أنه احتفظ ببعض أمواله التي نقلها من عدن بصناديق عبر الصحراء على ظهور الجمال(والله أعلم).

 

سرعان ما تبددت المخاوف بعد الوحدة, فتلقوا تطمينات كبيرة بصفحة جديدة بيضاء من رموز الحكم السابق نفسه الذين أداروا عدن في الفترة الإنتقالية أيضاً.

وعندما وقعت حرب 1994م المشئومة وما رافقها من أكبر عمليات النهب والسلب المخيفة لمخازن وممتلكات كل الشركات الخاصة والعامة في عدن والأضرار والخسائر الجسيمة التي لحقت بأصحابها تفاجأت بالأستاذ الجليل عبدالجبار هائل سعيد أنعم رئيس مجلس إدارة شركات المجموعة أطال الله في عمره يؤكد لي في مكالمة هاتفية أجريتها معه من صنعاء حماية سلطات الإشتراكيين لممتلكات المجموعة طوال فترة الحرب(أكثر من شهرين) ولم يتعرض لها أحد لا قبل ولا بعد ذلك).

حمدت الله على الخبر المفرح غير المتوقع في وقت تعرضت فيه عدن بكل مرافقها ومؤسساتها الحكومية والخاصة وحتى مخازن سلاح جبل حديد الشهير لأسوأ مرحلة فوضى ونهب في تاريخها.

وتذكرت قول الرسول الكريم محمد صلى الله الله عليه وسلم: ما هلك مال إلا من صدقة).

ومن كرامات الله لبعض عباده إن من لا يتوقع منه مؤازرتك هو نفسه الذي يحميك وقت الشدائد كما حصل.

ورجال هذا البيت التجاري العريق لمن عرف طريقة حياتهم النقية يفرضون بأخلاقهم العالية وصدقهم المعهود احترام الخصم لهم قبل الصديق.

 

    *بصمات من الذاكرة*

 

بدأت بصمات مجموعة شركات هائل سعيد HSA الخيرية تظهر منذ بداية عام 1991م بجلاء في مناطق عدن المختلفة بصمت وحب وتفان من القائمين المؤتمنين.

والأستاذ المرحوم أحمد هائل (أبو شوقي) يضع كل مرة في زياراته العديدة التي حضرت بعضها أحجار أساس هنا وهناك بتكاليف باهضة(حسب وصية الأب) لمشاريع إعادة بناء مساجد ومدارس معظم سقوفها وجدرانها متساقطة خربة ومتهالكة من الأساس ورديئة التجهيزات والمرافق لا تتناسب ومكانة عدن, وتوسعتها وإضافة طوابق جديدة لمضاعفة قدرتها الإستيعابية, غطت كل مناطق المحافظة تقريباً في وقت قياسي, وبمواصفات هندسية فنية راقية تحمل البصمات الخاصة للمجموعة وتتميز بالسعة وجمال المنظر والألوان وروحانية المكان وجودة مواد البناء. 

 

وتفاجأ الناس في عدن الذين عرفوا هائل سعيد من منتجاته الغذائية والإستهلاكية الشهيرة في الأسواق فقط بجمعية طيب الذكر تطرق أبواب الفقراء والمحتاجين لتقديم المساعدات الشهرية الثابتة للعائلات المعسرة ومن لا عائل لها عبر مكتب المجموعة الذي يديره إلى اليوم الأستاذ القدير رشاد هائل حفظه الله, وإدراج أسماء معظم العائلات الأخرى في كشوفات معونة العيد المالية(تصل إلى قيمة كبش يومها وأكثر أحياناً) حين كانت قيمة الريال في أفضل حال.

 

*ألحق يقال*

 

ولإن ذاكرتنا متعبة بفعل الخضات اليومية فوق الإحتمال كان احتفالنا مؤخراً بافتتاح حديقة عدن مول الكبرى بكريتر وترديد اسم مجموعة شركات هائل سعيد أنعم صاحبة اللمسات الخرافية فيها وكأنه أول وآخر إنجاز لهم في المدينة.

وقد لا تكون بنظري بمثل أولوية عشرات المدارس والجوامع التي مر بناؤها في عدن مرور الكرام إلا من ارتباطها باسم طيب الذكر الفقيد الحاج هائل سعيد أنعم بعد أن تحولت إلى معالم مع الزمن.

وبدلاً من حصر تسمية أصحاب الفضل في منطقة محددة كالتواهي مثلاً أصبح إسم الأب المؤسس يتردد في مناطق عديدة تلقائياً ضمن المعالم الرئيسية للمدينة لا على سبيل الدعاية والترويج الذي لا ينتظرونه.

 

وأعترف إن اقتراحي القديم بإطلاق التسمية على التواهي فقط تجاوزه الزمن فاسم رجل الخير والبذل والعطاء الذي تصادف ذكرى وفاته هذه الأيام أصبح يتردد في أرجاء عدن واليمن كلها وليس في منطقة بعينها.

 

لم يتأخر هؤلاء طوال أعوام الحرب القاسية عن كل حاجة أو مناشدة أو استغاثة إنسانية لأبناء المدينة وعلى رأسهم الأستاذ عبدالجبار هائل سعيد رئيس مجلس الإدارة, ونبيل هائل سعيد ألمنتدب لإقليم اليمن , ورشاد هائل مدير المجموعة المباركة بعدن لتقديم ما تستحقه المدينة وأهلها من حاجات طارئة في مجال الخدمات العامة والتعليم والمدارس والمساعدات الإنسانية, وإنارة بعض الشوارع والعناية بالحدائق والتشجير وتحسين مظهر بعض المساحات, وحتى مبادرات تقديم شحنات وقود الكهرباء الإسعافية المتكررة, فأضاؤا مؤخراً بحلول الشهر الفضيل المدينة الغارقة في الظلام وأسعدوا بعطائهم قلوب من فيها.

 

ليست أموال هائل سعيد كل شيء ولا سبب نجاحه بل عقلية الإدارة الحكيمة والتخطيط العلمي المدروس, وربط المشاريع بأهداف تنمية الإنسان المجتمعية في أرجاء اليمن, بما فيها مجالات التعليم, والصحة, والمياه, والطرقات, والأوقاف وغيرها في المدن والأرياف, لإن الناس يعتقدون إن خيرية هذا البيت التجاري العريق فقط في ما يقدمونه من مساعدات نقدية وعينية, أوالمنح الطبية والدراسية للفقراء والمحتاجين.

فلكل فلس ينفقونه معنى وهدف في كل مشاريعهم الإستثمارية الأخرى على قدر نية المؤتمنين على هذا المال الذي أودعه الله في عهدة من اختارهم للمهمات الكبرى, وبناء وتنمية الإنسان على طريقة(لا تعط الفقير سمكة بل علمه كيف يصطاد).

ألرحمة والمغفرة للفقيد المرحوم ألحاج هائل سعيد أنعم, وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين من أمثاله بإذن الله تعالى.