صواريخ الحوثي والصمت الدولي
بقلم/ فهمي الزبيري
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً و 12 يوماً
الإثنين 06 ديسمبر-كانون الأول 2021 05:36 م
 

 ليست المرة الأولى التي تطلق فيها مليشيا الحوثي الارهابية صواريخها الباليستية ومقذوفاتها على مدينة مأرب, مأوى اليمنيين وملاذهم الآمن، صباح يوم الأحد 5 ديسمبر، خمسة صواريخ ترسلها في أوقات الذروة على المدينة التي تحتضن 3 ملايين انسان، وفي وقت تدفق الأطفال إلى المدارس, وصاروخ آخر عند خروجهم من مدارسهم ظهراً، لتكشف للعالم حجم الحقد والتوغل في سفك الدماء, في محاولات لإشباع رغبتها في الانتقام من المدنيين والابرياء، بعد تلقيها الهزائم في ميادين القتال، وسبق أن أطلقت مئات الصواريخ والمدافع والاسلحة المتنوعة والطائرات المسيّرة المفخخة، وقتل العشرات من الأطفال والنساء ومئات المصابين، لكن عزيمة مارب وشموخ ابطالها مزّقت غرور مليشيا ايران في اليمن. منذ منتصف العام الجاري، ومليشيات الحوثي ترتكب أبشع الجرائم ضد المدنيين في محافظة مأرب واستهداف المدينة المكتظة بثلاثة ملايين مهجّر قسرياً من المناطق التي تسيطر عليها بعد أن مارست ضدهم صنوف الانتهاكات والجرائم ابتداءً بالتهديدات المستمرة والاختطافات التعسفية والاختفاءات القسرية وابتزاز الأهالي ونهب الأموال واقتحام المنازل والمحلات التجارية ومصادرة الممتلكات وفرض الجبايات على المؤسسات والشركات، وما تقوم به من تجريف وتطييف لهوية المجتمع، واستغلال المؤسسات التعليمية والمساجد ومؤسسات الدولة لخدمة مشروعها السلالي الطائفي الذي يقوم على الحق الإلهي في الحكم، وتقسيم المواطنين إلى طبقات في تمييز عنصري وتفوق عرقي ترفضه الأديان السماوية والمواثيق الدولية، ولا يستقيم بأيّ حال مع العقل والمنطق والفطرة الإنسانية فالناس ولدتهم أمهاتهم أحراراً. وآخرين, عملت مليشيات الحوثي على تهجيرهم قسرياً من مناطقهم ومنازلهم ومزارعهم بالاستهداف المتعمد والعشوائي عليهم وبمختلف الصواريخ والأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية والمدافع لغرض الحاق الأذى بالمدنيين والأطفال والنساء، بالرغم من بُعد هذه الاماكن عن مناطق الاشتباكات.

تسببت مليشيا الاجرام الحوثية خلال الخمسة الأشهر الأخيرة في تهجير أكثر من مئة ألف إنسان منهم النساء والأطفال وكبار السن، الذين وصلهم القصف الحوثي وهم آمنين في بيوتهم وأعمالهم، لكنها مسيرة الموت والدمار والخراب تتلذذ بمعاناة ومآسي أبناء اليمن. آلاف الأطفال الذين هجروا قسراً ونزحوا مع آبائهم فقدوا مدراسهم وألعابهم وتحولت حياتهم إلى جحيم بفعل آلة القتل الحوثية، ويعيشون في الصحاري ومخيمات النزوح التي تفتقد للاحتياجات الأساسية من الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليمية في أجواء شتوية وليالي شديدة البرودة لا تتحملها أجسادهم الضعيفة، وتتضاعف المأساة والآلام عند عجز آبائهم عن توفير ما يحتاجه أطفالهم. يحرّم القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية الاعتداء على المدنيين، وتلزم الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية، ويلاحظ ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب ، غير أن مليشيا الحوثي تمعن في جرائمها كل يوم ضد المدنيين. وينص البرتوكول الاضافي، على ضرورة تمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية ويوجب على إضفاء فاعلية على هذه الحماية ومراعاة القواعد التالية دوماً، ويشدد على أنه لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون محلاً للهجوم ويحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين، كما يؤكد على تمتع الأشخاص المدنيون بالحماية التي يوفرها هذا الباب, ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور.

لم تتوقف جرائم الحوثي في جميع الجغرافيا اليمنية التي تشهد قصفاً متواصلاً على مختلف المحافظات اليمنية، وتكثف من زراعتها للألغام بمختلف أنواعها وأشكالها وتمويهاتها وتقنياتها وتوزع العبوات الناسفة في كل مكان تصل إليه لقتل المدنيين والأطفال، فعمليات القتل ماتزال متواصلة منذ سبع سنوات بحق الأبرياء سواء المباشر أو القنص واستهدافهم بالصواريخ الباليستية والأسلحة والمدفعية الثقيلة، وهناك المئات من المدنيين والأطفال والنساء كانوا ضحية هذه الممارسات والانتهاكات القاتلة وآخرين تعرضوا لإصابات وإعاقات دائمة وجزئية بسبب الاستهداف الذي تمارسه مليشيات الحوثي على المناطق الآهلة بالسكان ومخيمات النزوح، وهي جرائم لن تسقط بالتقادم. تستمر في عمليات غسل عقول الطلاب للذهاب بهم إلى جبهات القتال للمشاركة في الأعمال العسكرية, في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية، وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل التي حظيت بمصادقة واجماع معظم دول العالم ومنها بلادنا.

يخطئ المتورطون في ارتكاب كل هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة حين يعتقدون بأنهم سيكونون بمنأى عن المساءلة والملاحقة القانونية محلياً ودولياً، ولابد ان يدركوا بان العدالة تنتظرهم عاجلاً ام آجلاً.

يتوجب على الحكومة الشرعية والمعترف بها دولياً وكذلك المنظمات الحقوقية اعداد ملفات قانونية تتضمن أسماء القيادات المتورطة في الجرائم, ويقع على عاتقها مسئولية الكشف عن الجرائم التي تصل غلى جرائم حرب وجرائم ضد لإنسانية واعداد ملفات جنائية ضد المجرمين, والعمل على حماية المدنيين والأطفال في اليمن من الجرائم التي يتعرضون لها من قِبل مليشيات الحوثي، ومخاطبة المجتمع الدولي بسرعة الضغط على مليشيات الحوثي التوقف عن الجرائم التي تتزايد كل يوم. لا يختلف اثنان, بأن رفع تصنيف مليشيات الحوثي المسلحة من رأس قائمة الإرهاب, بالرغم من التحقق من ارتكابها جرائم ضد الانسانية وهو ما اثبتته التقارير الدولية والمحلية, وتحت حجج ومبررات واهية، دون تعديل أو مراقيه سلوكها الاجرامي، تشجيعاً لها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق اليمنيين. يتردد باستمرار سؤال على أذهان الضحايا والمتضررين من الحرب التي اشعلتها جماعة الحوثي, متى يتحرك العالم لردع هذه المليشيات وتصنيفها على قائمة الارهاب والقوائم السوداء وقوائم الملاحقة الجنائية لمنتهكي حقوق الإنسان وحقوق الأطفال في اليمن؟ وهل فعلاً عجزت الامم المتحدة ومجلس الأمن عن إجبار مليشيات الحوثي المسلحة على تنفيذ القرارات الأممية وممارسة الضغط الحقيقي على قيادات المليشيات, وتصنيفهم ضمن معرقلي التسوية السياسية ومجرمي الحروب واتخاذ العقوبات القانونية بحقهم وإحالتهم الى محكمة الجنايات الدولية وغيرها؟

ان تماهى المجتمع الدولي والهيئات الدولية مع مليشيات الاجرام الحوثية، والتراخي مع ممارساتها, يعد اختباراً حقيقياً على مصداقية المجتمع الدولي ومدى جديتة في التعامل مع انتهاكات حقوق الانسان, ومما ساعد في تزايد الجرائم الحوثية غياب المساءلة القانونية ومعاقبة كل من تسبب في إطلاق الصواريخ والقذائف العشوائية على المدنيين لا سيما النساء والأطفال سواءً في محافظة مارب اوالحديدة اوغيرها من المحافظات والتي تتعرض للقصف الوحشي من قبل مليشيا الحوثي، وكل من ساهم في زراعة الألغام والعبوات المتفجرة, وادراجهم في قوائم الملاحقة والعقوبات الدولية. *مدير مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة