الاحزاب ... ‏دعوة للمراجعة
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: سنة و شهر و 27 يوماً
الجمعة 22 سبتمبر-أيلول 2023 07:22 م
 

‏ يعود تاسيس الاحزاب التاريخية في اليمن الى مطلع اربعينات القرن الماضي، فبعضها يحتفل اليوم بدخول العقد الثامن على تأسيسه؛ بالامس احتفل المؤتمر بالذكرى ال 41 لتأسيسه، واليوم وعلى خلفية ارث الفضيل الورتلاني في الاربعينات، ثم محمد محمود الزبيري وعبده محمد المخلافي في الستينات يحتفل الاصلاح بالذكرى ال٣٣ على تاسيسه، والاشتراكي بالذكرى ال45، والناصري بدخول العقد السادس، وقبلهم جميعا حزب البعث العربي الاشتراكي الذي احتفل في ابريل بذكرى 75 عاما على تاسيسه. هذه الأحزاب التاريخية العريقة، وغيرها الكبيرة منها والصغيرة..

المتماسكة او الممزقة "المفرخة".. كلها وعلى حد سواء تاسست على فكر ومنهج وطني وقومي وانساني ايضا.. وناضلت خلال عقود مضت حتى مطلع تسعينات القرن الماضي من اجل قضية الدولة والمجتمع والوحدة، ولكن كل على طريقته ومنهجه، وكما افلحت في كثير من اهدافها اخفقت ايضا في أخرى. ‏

‏ وبرايي، يحسب لهذه الاحزاب انها اسهمت جميعها في تنمية الوعي السياسي والثقافي في المجتمع، وقاد كل من موقعه (سلطة ومعارضة) حركة تنويرية رائدة نهضت بالوعي المجتمعي، ووعت بواجبات الدولة تجاه الفرد والمجتمع، كما وعَتْ بحقوق وواجبات الافراد تجاه الدولة والمجتمع ايضا.

ولعل اهم ما اسهمت به هذه الاحزاب مع الحكومات الجمهورية المتعاقبة هو الدفع بالمرأة لان تتعلم وتشارك في صنع الحياة؛ وهنا لعب الحزب الاشتركي اليمني في ظل الدولة الشطرية في الجنوب دورا محوريا كما لعب "الاخوان" في جمهوريات الشمال دورا مهما في كسر التابوهات الدينية التي رسخت في الذهنية اليمنية مفاهيم مغلوطة عن تحريم تعليم المرأة ومشاركتها.. بين اليوم والامس:

وشتان بين اليوم والامس؛ ولعلي هنا لا اجانب الصواب، لو قلت بان دور الاحزاب اليوم لم يخفت ويتراجع فقط بل تلاشى، وتحول من نضال من اجل تصحيح مسار بناء الدولة الوطنية الى نضال من اجل البحث عن مسار بناء الذات والاولاد، و"الفلة" و"المزرعة" و"الرصيد"..

واقرأوا -ان شئتم- خارطة مافيا وعصابات الفساد التي تحكمكم اليوم. ‏ ذلك، لان النخبة الوطنية التي كانت..

ماتت، وما تبقى منها شاخ، ولكن لا يزال ممسكا بقرون حزبه ولا يريد ان يسلم الراية للجيل الذي يليه؛ فنحن اليوم لم نعد نسمع او نقرأ من هذه الاحزاب حتى بيانات تستنكر انتهاك السيادة الوطنية هنا او هناك..

فضلا عن شعور أو احساس بمسئولية تجاه هذا التجريف المخيف لاخلاق وقيم الدولة والمجتمع . ‏ الفشل الكبير: الان وقد فلت الزمام ووصلت النخبة بالبلاد الى هذا الفشل الكبير، واصبح قرار ومصير الوطن بيد المتعهد الاقليمي والدولي، وضاعت المواطنة المتساوية، وسلبت عن المواطن حقوقه وحريته لم يبق امام هذه القوى السياسية والحزبية الا ان تنقذ ما تبقى لها من تاريخ وسمعة ومصير ..

كيف؟! هي برايي ثلاث خطوات.. صعبة وجريئه لكنها مهمة:

1) ‏ان تتوقف عن المشاركة في السلطة وممارسة الفساد وتنتقل إلى المعارضة.

2) ‏ان تقف أمام نفسها واعضائها موقف المراجعة والمحاسبة، وتعتذر للشعب عن اخطائها.

3) ‏تسلم القيادات التاريخية، التي شبعت وترهلت زمام قيادة احزابها بالصندوق وبنزاهة للجيل الجديد بعيدا عن الاملاء والتوريث.

نحن اليوم لم نعد بحاجة لسلطات ومسئولين يثرون من قوت وعرق الفقراء ويمنعون عن الموظف مرتبه، والمواطن البسيط حقه في العيش والامن والحياة، بقدر حاجتنا لاحزاب وطنية تعارض برؤى وبرامج وتقدم حلول ومعالجات. ‏

نقول ذلك، لاننا نرى في الاحزاب كقوى وطنية معارضة ومنافسة "نزيهة" افضل السبل ليس فقط لتلمس هموم الناس، وتحسس أوجاعهم، وانما لاستعادة دورها في تصحيح المسار الوطني، والمساهمة في انقاذ ما يمكن انقاذه، وكبح جماح تغول الظلم والفساد في مرحلة خطرة كالمرحلة الراهنة. نعرف ان مراجعة من هذا النوع صعبة لكنها ضرورية ان ارادت هذه الاحزاب ان تستعيد عافيتها وثقة أعضائها بها؛ اتذكر انتي في الذكرى ال39 لتأسيس المؤتمر نصحت قادته الذين لا يزالون ممسكين باهداب السلطة ان يجربوا الأبحار خارج السلطة..

ويحاولوا ان يتنفسوا ما يتنفسه العامة، ويشربوا ما يشربونه وياكلوا ما يأكلونه حتى يستعيدوا العافية.. وهي نفس النصيحة التي اوجهها اليوم للاصلاح والاشتراكي والمؤتمر ومن تبقى من الاحزاب القومية والوطنية.. ‏ نصيحة خالصة لله ولمصلحتكم ايضا؛ فهل تجرأون وتفعلون؟!