نهاية الوهم الجميل
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و أسبوعين
الإثنين 31 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:38 م
 

قصة قصيرة

عندما رأيت تلك الأزرار الذهبية في جاكيت جارنا التي جاء متدثرا بها على اثر مطر غزير لمعت في ذهني فكرة الاستحواذ على هذا الكنز الثمين ، كنت أرى أن كل ما يلمع ذهبا ، لذا فقد تسللت إلى تلك الأزرار الذهبية ونزعتها كاملة وأخفيتها في مكان آمن ، وبدأت بعدها أفكر في كيفية استثمار هذه الثروة الكبيرة التي هبطت علي فجأة .!

لم أفكر حينها أنني قد سطوت على ذهب جارنا ، قلت في نفسي حينها : ـ لديهم الكثير من الذهب في ملابسهم لكنهم لا يعرفون كيف يستثمرونه .! انتصف الليل ونام الجميع وهدأ كل شيء سوى صرير الجدجد ونباح كلاب من بعيد ، أتقلب في فراشي وأفكر جديا ماذا سأصنع بهذه الثروة الكبيرة ؟! كنت كطفل في العاشرة من عمره وكسب في مسابقة يانصيب مليون دولار دفعة كاملة ، وأستلم المبلغ سرا وأخفاه ولا يدري ماذا يصنع به ؟! هل أشتري مجموعة من الحراثات التي تعمل في الحقول وأوظف عليها مجموعة من العمال الماهرين ثم سأجلس وأستلم الأموال ؟ المشكلة أن أهالي المنطقة كلهم أقاربنا وبالتأكيد كلهم سيسعون لأن نحرث أرضهم مجانا ، أو حتى بنصف القيمة وعليه فلن أحقق الأرباح المطلوبة ، وحتى إذا كسبت بض الأموال سيأتون لطلب القروض مني ، بالتأكيد سأحرج نفسي مع أهلي وأقاربي ، وأنا في النهاية طفل صغير كلهم سيتحولون إلى أوصياء علي .

بعد نصف ساعة من التفكير ألغيت هذه الفكرة ، وقررت التفكير بمشروع آخر .! سأبني مزرعة دجاج كبيرة بطول 5 كيلو تنتج كل يوم ألف فرخة على الأقل ، وسأشتري عشر سيارات للتوزيع على كل القرى والمناطق. وسأبني بجوارها مزرعة للخراف ، سنبيع كل يوم منها مائة خروف ، لكن هذه المشاريع تحتاج إلى جيش من العمال ورواتب وسكن وإدارة ، هذا طبيعي كل مشروع كبير يحتاج لطاقم عمل كبير . وبقيت أفكر في مشاريع شتى حتى بدأت الديوك تصيح مؤذنة بقرب الفجر وحينها تسلل النوم إلى أجفان رجل الأعمال الصغير ونام .!

في الصباح أفقت على سيل هطل علي فجأة ، قمت مذعورا لأجد أمي قد صبت فوقي دلوا من الماء بعد أن ظلت لساعة كاملة تحاول إيقاظي دون جدوى . بدلت ثيابي وكلي ضجر من الإهانة التي تعرضت لها كرجل أعمال لا يقدره أهله ، لكنني صبرت وتحملت فغدا ستظهر مشاريعي وتثمر وسيعرفون قدري .

في المدرسة كنت شارد الذهب أفكر بالمشاريع والثروة والحسابات والإدارة والربح والخسارة ، سألني المدرس : ـ محمد ما هي عاصمة سوريا ؟ أجبته وأنا شارد الذهن : ـ مزرعة دجاج ومزرعة خراف ضج الفصل بالضحك ، انتبهت على ضحكاتهم وعدت إلى الواقع . قال المدرس : ـ ركز يا محمد معنا في الدرس .

بعد قليل عدت بذهني إلى إدارة مجموعة شركاتي وإذا بمدرس الجغرافيا يباغتني بالسؤال التالي : ـ محمد أذكر اسم ميناء سوريا ؟ أجبته وأنا في قمة نشاطي التجاري : ـ عشر حراثات جديدة . ضج الفصل بالضحك . صاح المدرس : ـ أنت لست معنا يا محمد . ـ هاه ، ما هو السؤال يا أستاذ ؟ ـ تعال يا محمد قمت وذهبت إليه وسط نظرات وضحكات الطلاب والطالبات الذين لا يعرفون قدر رجل أعمال سيفخرون يوما أنهم كان زملاء له . بقيت واقفا رافعا يداي للأعلى ووجهي للحائط ، لم تمض سوى لحظات حتى عدت إلى مشاغلي التجارية وأنزلت يداي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهبت إلى الكرسي المخصص للمدرس وبدأت أدير شركاتي ، ، كان المدرس منهمك في الشرح عندما طلبت منه أن يقدم لي كشف حساب بإيرادات هذا الشهر ، تخيلته موظفا لدي ووجهت إليه أوامري .! ضج الفصل بالضحك ، طردني المدرس وألقى بحقيبتي بعدي وأغلق الفصل فحمدت الله أنني قد تفرغت لحساباتي التجارية .!

بقيت لأيام غارقا في مشاريعي الافتراضية ذاهلا عن العالم حولي ، تركت الدراسة وبقيت أدير مشاريعي من المنزل .! تناديني أمي فلا أجيبها ، بين يدي الأوراق والأقلام والحسابات والمخططات ، لقد اعتقدت أمي أنني قد أصبت بالجنون فجعلت تحوقل وتبسمل وترقيني من العين والأرواح الشريرة ومن شر حاسد إذا حسد .

تركتها تمارس طقوسها وتتلو تعاويذها علي وغرقت إلى أذني في مشاريعي التجارية . ذات صباح وبينما كنت غارقا في حساباتي انتبهت لأمي تشكو من نفاذ المواد الغذائية وانعدام السيولة المالية ، قلت في نفسي : ـ كيف تكون والدة رجل أعمال وتشكو ؟!

قررت أن أعطي أمي جزء بسيط من الذهب تسد فيه حاجتها المالية ، ذهبت إلى المكان الذي أخفيت فيه الأزرار الذهبية وجئت بزرار منها وذهبت إليها وهمست إليها : ـ خلاص أمسحي القفر بهذا الذهب وضعته في يدها فنظرت إليه باستغراب ورمت به إلى الأرض قائلة : ـ ماذا أفعل بهذا الزرار ؟ ـ هذا بيعيه وأشتري حاجاتك ـ

ومن قال لك أنه ذهب ؟! جف ريقي وتكركبت أحشائي من الخوف لكنني تماسكت قائلا : ـ كيف مش ذهبت وهو ذهب أصفر مثل الذهب الذي معك تماما ؟! ضحكت أمي وأكدت لي أن هذا صفر ولا يساوي شيئا ، وفجأة انهارت كل شركاتي التجارية ومشاريعي وطموحاتي ، بكيت بحرقة

وسقطت مريضا ، كنت كمن خسر كل أمواله في صفقة بالبورصة ، ومن حسن حظي أنني لم أصب حينها لا بجلطة ولا نوبة قلبية ولا سكتة دماغية .!