إعادة رسم الخارطة السياسية: العراق نموذجاً!!
بقلم/ هشام الراوي
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الأحد 04 مارس - آذار 2007 08:23 م

مأرب برس - خاص

محورُ الشر (الصليبي الصهيوني الصفوي) الذي غزا العراق؛ كان يبُيت خطة لتغيير التركيبة السكانية لهذا البلد، الذي فشلت فيه كل خطط (التدجين) والتربية السياسية وزرع بذور الفتنة والشقاق، وزرع الأحقاد بكافة أنواعها وألوانها، منذُ قُبيل سقوط الدولة العثمانية، وإبان الإحتلال البريطاني، وما تبع ذلك من أحداثٍ وانقلابات وفتن سياسية؛ لم تخلُ من جذور ودوافع طائفية وشعوبية، متلبسة بلبوسات سياسية مختلفة ومتنوعة؛ والتي كانت دائما تنتهي بانتصار أهل العراق لقيمهم وحضارتهم وثقافتهم العربية الإسلامية، وعودة الإستقرار وال
بناء.

فشلت كل تلك الفتن السياسية رغم قسوتها وتركها آثارا بالغة في النفوس والذكريات؛ إلا أن أهل العراق استطاعوا، أكثر من مرة، النهوض من كبوتهم، وتحدي الفتن ومواصلة البناء. وقد لايكون من التجني القول أن (جارة السوء) كانت لها مساهمات كبيرة في عدد من الفتن السياسية التي حدثت، وكانت دائماً بوابة مفتوحة؛ ياتي العراقيين منها الشر، ويقصدها الفارون؛ عملاء ومجرمون ومدسوسون، وكلهم في الغالب يحملون جنسيتها وجوازاتها، أو ارتضوا أن يحسبوا عليها كردا كانوا؛ فرساً؛ أم عربا.

هذه (الجارة) كانت ولازالت لها أطماع تاريخية في العراق تحديدا، ودول الخليج العربي والمنطقة عامةً، وقد عملت منفردة، وبمساعدة الإحتلال البريطاني، وعلى اختلاف النظم السياسية الإيرانية الحاكمة، إلى تشجيع (الغزو البشري) والإقتصادي الإيراني، إضافة إلى الغزو (التبشيري الصفوي)؛ المعزز بالإغراءات المادية والمنح الدراسية ورحلات المتعة. وقد سلَّم الإحتلال البريطاني (جارةَ السوء) عددا من الأراضي العربية قبل إنهاء الاحتلال البريطاني وانسحابه من المنطقة؛ منها الأراضي العربية شرق شط العرب، وجزر عديدة في الخليج العربي.

ليس من الصعب الجزم بأن ذات الأيادي الدموية الطائفية الشعوبية القذرة التي نفذت جرائم التعذيب والقتل والسحل والتمثيل بالجثث لأفراد العائلة المالكة في العراق، وعدد كبير من رموز العهد الملكي؛ وبذات أسلوب فرق الموت وميليشيات القَذَر الطائفي والعرقي في العراق الديمقراطي اليوم، هي ذاتها التي مارست بعد ذلك وتحت شعارات سياسية مختلفة، وفي أدوار سياسية مختلفة، عمليات السحل والإعدام والتمثيل بالجثث في مناطق عدة من العراق؛ في شماله ووسطه وجنوبه، بدوافع ظاهرها سياسي، وباطنها طائفي شعوبي.. وهي ذاتها التي تحركت مع دخول القوات الأمريكية فسرقت وحرقت وقتلت وشكلت فرق الموت.. فترات من الفتنة والألم مرت ضمن مراحل تاريخية مختلفة قبل الغزو الأمريكي للعراق، نسيها العراقيون رغم قساوتها، وتجاوزوها، وأنتصروا، أكثر من مرة، لقيمهم وثقافتهم وحضارتهم العربية الإسلامية، وأستمروا بالبناء والعطاء.

حتى جاء الغزو (الصليبي الصهيوني الصفوي) ليعيد تنظيم فرق الموت، وينشر القتل والدم، والتعذيب الوحشي على أبدي مليشيات القذر الطائفي والعرقي. صورةٌ مكررة لصور عاشها العراقيون ونسوها؛ لكنها عادت أعنف بكثير؛ وبدون أغطية سياسية وأقنعة. جاءت سافرة عن وجهها الطائفي والشعوبي المعادي لكل ما هو عربي ولكل ما هو إسلامي، معادية لكل رموز الحضارة العربية الإسلامية وثقافتها؛ لغة وشخصيات وتاريخاً، مدمرةً حتى النصب الرمزية الصغيرة؛ مثل الدلال والسيوف العربية، وحارقة كل الكتب الإسلامية والتاريخية والمكتبات، وأمتدت لتدمر الحاضر؛ بدءاً بالإنسان؛ قتلاً وتهجيراً طائفياً وعرقياً على الهوية.

إذا كان هناك من شئ جيد يُحسب لهذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق؛ إضافة الى صمود الأصلاء، ومقاومتهم للمحتلين، والطارئين والطائفيين والشعوبين، وعرقلتهم للمخططات (الصليبية الصهيونية الصفوية)، وإلحاقهم الهزائم تلو الهزائم بقوات تحالف الشر وأعوانهم؛ فهو سقوط الأقنعة، وانكشاف وجوه الحقد الطائفي الأسود المظلم، والعرقي القيحي الأصفر، وتَكشُّف الولاءات الخارجية، والإنتماءات المشبوهة، والإرتباطات المشينة، والعمالات الواضحة غير المستورة؛ لدول محور الشر شرقيها وغربيها، قريبها ونائيها.

ولم يكن صعبا فهم تغير أسماء المدن والأحياء، وتبدل ألوان القادة السياسيين؛ فمدينة الصدر -الطارئة على بغداد- تلونت تارة بالثورة، وأخرى بصدام، وانتهت بالصدر. وبعضٌ من قيادات الأحزاب العراقية بدؤوا ثوريين شيوعيين، ثم قوميين بعثيين، وانتهوا بعد عدد من الدورات في إيران وإسرائيل وبريطانيا إلى سياسيين طائفيين يُقبِّلون بساطيل المحتل(!!). وأخرون ابتدؤوا قطاع طرق؛ ثم صاروا شيوعيين ماركسيين، ثم متعاونين مع الحكومة المركزية يقاتلون المتمردين في الجبال من أبناء جلدتهم، وتارة تقارير مخابراتية لقاء المال يكتبون، ثم انتهى بهم الحال إلى سياسيين عنصريين ليبراليين يُقبِّلون بساطيل المحتل(!!) ألوان حسب المكان والزمان، ومقتضيات المصلحة، ومتطلبات الأسياد وأولياء النعمة.

لم يكن المبُيَّتُ خطةً لتغيير التركيبة السكانية للعراق؛ بل خطة لتغيير سكان العراق، وإبدال هويته.. وجاءت النسب التي روج لها الإعلام الأمريكي والإيراني؛ أرقاماً تجاوزت الثمانين بالمئة من السكان شيعة، وتجاوزت العشرين بالمئة أكرادا(!!) لتؤشر توجهات خطة التوطين والهجرة... ومع دخول قوات تحالف الشر؛ تُشرع الحدود، ويدخل الملايين من الإيرانيين، وآلاف الأكراد من إيران وتركيا، وتبدأ عمليات قتل وتهجير العرب السنة تحت مسميات عدة؛ فهم إرهابيون تكفيريون وهابيون صداميون شوفينيون و(قومجية)!!..

وتُقسَّم المهام.. فبريطانيا ذات التأريخ الأسود في المنطقة، والتي احتضنت فرق الموت الصهيونية، وأسست الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية المسلمة، وغيرت هويتها، وسلمت إيران الجزر العربية الثلاث قبل ثمان وأربعين ساعة من انسحابها، وسلمت قبل ذلك إيران أيضا عددا من الجزر في الخليج العربي، والمحمرة والأحواز شرق شط العرب... تستلم بريطانيا مسؤولية الجنوب العراقي؛ لتفتح منفذ الشلامجة والمنافذ الحدودة الأخرى، برية وبحرية، باتجاه واحد؛ من إيران إلى العراق؛ لتعبر من خلالها قوات (غدر) وحزب (اللاة) وثأر (اللاة) وقوات الحرس الثوري الصفوي واطلاعات الإيرانية، وقوافل تجارة الشر محملة بالمخدرات وزنا المتعة وأسلحة الدمار، وتبدأ فعاليات فرق الموت وميليشيا (الدجال)؛ لتكون البصرة نموذجا، تُنقل من خلاله خبرات التهجير والقتل الطائفي إلى بقية محافظات الجنوب، ثم بغداد وديالى، ولتتحول (بصرةُ الفاروق عمر) إلى مدينة يلفها سواد الكراهية الطائفية، مدينة خالية من أي عمر أو بكر أو عثمان أو خالد أو القعقاع!!، بوابةٍ يعبر من خلالها (زرادشت ومزدك) إلى أرض الخليج والجزيرة في الطريق إلى مكة!!

ويُعطى دور آخر لإسرائيل؛ ذات الخبرة الطويلة في الجريمة المنظمة، وفي تهويد القدس والأراضي العربية، وقضم الأرض، وتهجير السكان الأصليين، واستيراد وتوطين المستوطنين، وضم القدس. تتكفل (الدولة اليهودية الطارئة) رعاية شمال العراق؛ وقد بدأت فعالياتها في الإقليم الطارئ (قرادستان) منذ زمن، من خلال الإشراف والتوجيه والتدريب والتسليح ونقل الخبرة العسكرية والسياسية والإقتصادية لقادة ميليشيات القَذَر العرقي؛ لتبدأ معهم تنفيذ خطط قضم الأرض، والتوسع والتهجير والإستيطان، وتكريد كركوك (التي يسميها العنصريون الأكراد قدس الأقداس)، وتكريد أراض عربية واسعة من محافظات الموصل وديالى وكركوك، وتوطين أعداد كبيرة من المستوطنين الأكراد الإيرانيين والأتراك، والقيام بأعمال الجريمة المنظمة ضد (الإرهابيين!) العرب؛ بما يتناسب والخبرة الإسرائيلية في هذا المجال، مقابل تأمين الماء والنفط للكيان الصهيوني، إضافة إلى قواعد استخباراتية للموساد واطلاعات والسي آي أي، والتي تعمل -علناً- جنبا إلى جنب تحت السماء الأمريكية الآمنة في شمال العراق منذ حرب الخليج الأولى.

أما إيران؛ التي أطلقت أمريكا يدها في كل العراق؛ شماله ووسطه وجنوبه، وأعتمدت بشكل كبير على رجالاتها؛ التي تعرف أنهم مرتبطون تنظيميا وإداريا وماليا بإيران، فقد سلمتها أمريكا؛ الحكومة العراقية، وأجهزتها الأمنية والعسكرية، ومفاتيح النجف وكربلاء، وأستخدمت عماماتها السود لاستصدار فتاوى عند الطلب، وسمحت أن تكون الحكومة العراقية تابعة سياسيا وتوجيهيا إلى وكيل الولي الفقيه في النجف، قبل وبعد أن استصدرت له ولمن حوله، كما الملايين من (المستوطنين المستوردين) من شرق العراق وشماله؛ شهادات الجنسية العراقية، وهويات الأحوال المدنية، والبطاقات التموينية، وكل الوثائق الرسمية العراقية؛ فصاروا (ديمقراطيا) هم الذين يقررون مستقبل العراق.

أن الذين يتفرجون على تنفيذ الخطة الأمريكية للتهجير والتوطين وتغيير السجل السكاني في العراق دون أن يحركوا ساكنا؛ عليهم أن يعرفوا؛ أن نجاح أمريكا فيما ترمي إليه في العراق -لاسمح الله- سيجعل منه نموذجا جاهزا للتصدير إلى دول المنطقة، ولن تعيد أمريكا رسم خارطة المنطقة باستخدام قلم ومسطرة، كما في سايكس-بيكو، وإنما ستكون فرق الموت، والميليشيات الطائفية والعرقية، والتهجير والإستيطان، وتغيير السجلات السكانية، أدواتها لإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط الجديد...

وللمأساة بقية....

أستاذ جامعي وكاتب صحافي

AlRawi.mail@gmail.com