في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع تفاصيل لقاء وزير الداخلية بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن
ليست الثورات فحسب، حتى الأديان والإيديولوجيات تأخذ طابع المجتمع الذي يعتنقها، بمعنى أن المجتمعات تعمد إلى تطويع الفكرة التي تؤمن بها لتتلاءم مع حقائق الحياة فيها بحيث لا تهدد بإلغاء تراكمها الإنساني وخبرتها الحضارية.
ولا بد للفكرة التي تنشد الخلود قدر من المرونة وعدم الاكتمال اللازم.
في الآونة الأخيرة، يتصرف البعض ويكتبون وكأننا في سويسرا. فكل مدع أحمق ومتعصب، يسمح لنفسه بالتعالى الفج على الواقع، بعد أن فرضت الدعاية نفسها واقعا بديلا. يتواجد هذا الصنف من الناس في كل أطياف وتيارات العمل السياسي.
صحيح، التاريخ يتحرك الآن بسرعة تضاهي سرعة نيزك. وأننا بصدد لحظة تحول استثنائية، تغرب فيها شمس حقبة سياسية، فيما تستعد شمس حقبة جديدة للبزوغ، لكن ليس بمقدورنا تصور أشكال ومضامين واتجاهات المستقبل.
بالطبع، لا يقتصر الغموض الذي يكتنف لحظات الانتقال عادة، على اليمن وحدها، فقد أدرك كارل ماركس ذلك، عندما لفت الأنظار إلى أن الوعي يتخلف عادة عن الواقع باستمرار، أي أن فهم التحول الاجتماعي السياسي يأتي متأخرا عن التحول، لا يتقدم عليه ولا يواكبه.
حتى كتابة هذه السطور، لا زلت مؤمنا بأن الطريقة التي ستنتقل بها السلطة هي التي سوف تتولى تحديد ملامح المستقبل. فإن هي انتقلت عن طريق العنف والفوضى، فأمامنا مستقبل قاتم، وإن هي انتقلت بشكل سلمي ومنظم وهادئ، فنحن قادمون على مستقبل واعد ومشرق ومتألق. (لا أقصد بالضرورة انتقالها من الحزب الحاكم إلى المعارضة، بل نقلها إلى الشعب مصدر السلطة ومالكها).
وبديهي أن مسألة نقل السلطة ليست الغاية الأخيرة للثورة. يمكن فقط اعتبارها أول الانجازات لعملية تغيير شاملة ينتظر اليمنيون خلالها برنامج عمل حافل وشاق.
وعلى غرار كل الثورات، تنطوي الثورة اليمنية الحالية على قدر كبير من "اليوتوبيا"، والأحلام، و"الوهم الغنائي"، بمعنى أنها وصلت بالجماهير إلى مستوى عال من إلغاء الواقع. وهذا مفهوم على أية حال, إذ "لم يسبق لثورة أن اندلعت باسم مستقبل مظلم أو باسم نبوءة قاتمة"، بحسب سيوران. فمع طول المدة، يقول سيوران، تصبح الحياة خانقة بدون يوتوبيا، على الأقل بالنسبة للجموع، "ولا بد للعالم من هذيان جديد كي لا يتحجر".
لكن، وفي غمرة "هذيان المستقبل"، على أحدهم أن يكرس نفسه لكي يبقى الواقع على مرأى من الناس، حقائقه المريرة وتحدياته، قسوته المتراكمة وليونته، شحته وغناه. وهو بالتأكيد، إذ يقوم بذلك، لا يتطلع إلى مفاقمة الشعور بالقنوط، ولا من أجل رفد حالة الانحطاط المخزي بأسباب الديمومة، بقدر ما يتطلع إلى المشاركة الإيجابية في تحفيز روح الشجاعة والأمل والتفكير الخلاق، وفي التوجيه الأمثل للإرادة الجمعية كيما يتلمس اليمنيون دروب النجاة، وبالتالي العبور العظيم إلى المستقبل.
على هذا الأساس فقط، تغدو كل الأصوات التي لا تنفك تطلق التحذيرات من احتمالات أن تفضي هذه الثورة إلى إعادة إنتاج قسري للنظام القديم، على درجة من الأهمية بحيث تتساوى مع أهمية التبشير الدءوب بالفردوس الموعود.
يقول هؤلاء بأن إعادة إنتاج النظام القديم، أمر وارد أكثر من أي شيء آخر. والسبب بسيط: فالقوى التي تتمتع بالجاهزية الكاملة للحلول محل الرموز الآفلة للنظام نفسه، هي تلك القوى التي تمتلك كافة شروط وعناصر التغييرـ وفي صدارة ذلك المال.
خلال الأعوام القليلة الماضية، أخذت تطفو على السطح، بين حين وآخر، شخصيات وكيانات وبنى سياسية، معارضة غالباً، وتشتغل من خارج الأنساق الحزبية والسياسية المألوفة وقد تتغذى منها أحيانا.
في الحقيقة، كان أكثرها عنفواناً وفتكاً هي تلك المصنوعة من نفس طينة السلطة العائلية الحاكمة والمنبثقة عنها. وبالتالي فهي تحمل بعض صفاتها الجينية، إن لم يكن كلها. بكلمات أخرى: لقد راح ينتقل إلى صفوف المعارضة عدد كبير من القوى والعائلات السياسية، التي كانت ذات يوم في صلب نخبة الحكم أو قريبة منها، ورافقت صيرورتها التاريخية، كما ويسري عليها قانون الوراثة حيث تنتقل الأدوار والامتيازات نفسها من الآباء إلى الأبناء أوتوماتيكيا.
باختصار، هي تلك المراكز المؤثرة التي لطالما ترعرعت ضمن الدائرة العصبية لنظام الحكم، ومارست أنشطتها المشروعة وغير المشروعة في كنفه وتحت إشرافه.
بيد أن هذه الدائرة، حينما راحت تضيق شهراً بعد شهر، وسنة بعد أخرى، كانت تلفظ عند كل دورة ضمور وانكماش واحدا من عناصرها. وفيما يجد هذا نفسه خارج الدائرة، يفتش عن سلطة. فالفراغ لا يطاق، ومع مرور الوقت يجتاحه إحساس بالضياع والحرمان والجحود. فضلاً عن تناقص مطرد لامتيازاته ويتخلق في داخله شعور بالاستهداف.
في الأثناء، يصبح ميالاً لسماع وتصديق وجهات النظر الساخطة من جملة ممارسات كل أولئك اللاعبين الذين لم يغادروا بعد دائرة النخبة التي لفظته قبل قليل. ولئلا يبدو سخطه ذا طابع شخصي مكشوف، يجد نفسه تلقائياً معنياً بتبنى وجهات النظر المتبرمة هذه، مستفيداً من سمعته وامتيازاته القديمة التي صارت رأسمال لا يكف عن النمو والتوسع.
ولسوف تنشأ خارج السلطة مراكز متعددة للسلطة المضادة. بلغت هذه الظاهرة أوجها مع الثورة. ولسوف تصبح هذه الظاهرة عاملا أساسيا في إبطاء الثورة الحالية وقد تحرف مسارها وتقلل من جودة نتائجها ربما.
نتناول مسألة الكيانات السياسية المعارضة الطارئة، ومراكز القوى المصنوعة من طينة النظام الحاكم، لأنها باتت الآن تتصدر العمل على تقويضه. فهي عادة من يمتلك المال، وللمال سلطته السحرية التي لا جدال فيها. وهي علاوة على ذلك تتمتع بقدرة جذب تتخطى قدرة أحزاب سياسية وطنية عريقة. إنهم ببساطة يمتلكون أبرز شروط التغيير لكن ليس التغيير الذي ننشده.
هذا تفسير تقليدي ومتداول، لكنه ليس ساذجاً. فاحتكار المال ومصادره وآليات الوصول إليه من أشد المعوقات التي تعترض أي محاولة للتغيير الحقيقي العميق والخلاق. وطالما لا يزال عنصر المال بمنأى عن البنى والتكوينات الوطنية الحديثة، فإن أي تغيير قادم في اليمن لن يأتي إلا لإعادة إنتاج نموذج الحكم السائد الآن بوجوه جديدة، وتمكين كل تلك القيم السلبية التي ترسخت واختبرت على مدى عقود.
للمسألة علاقة بالطبيعة الريعية، وليس الإنتاجية، للاقتصاد في اليمن. وبحسب ماركس أيضا، فما إن يسيطر هذا النموذج في مجتمع من المجتمعات حتى تطغى علاقات القرابة والعصبية، على عكس التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية التي تسيطر فيها علاقات الإنتاج عادة. والريع يشمل الموارد النفطية مثلما يشمل الهبات والمنح التي تأخذ أكثر من شكل، كاللجنة الخاصة (ومصدرها المملكة العربية السعودية) على سبيل المثال.
إلى جانب اختلال دورة المال، هناك أيضا التفاوت الحاد في مستويات الوعي بين منطقة يمنية وأخرى. الطبقة السياسية، موالاة ومعارضة، تصوغ خطابها السياسي وبرامجها وأولوياتها طبقا لاحتياجات الحضريين وأنصاف الحضريين.
كم بودنا لو يضع رواد التغيير مسائل مثل التوزيع السكاني (130 ألف تجمع سكاني تقريبا)، والتخطيط الحضري، السياسة التعليمية، الخطاب الديني، الاندماج الاجتماعي، بعين الاعتبار. وأشدد هنا على فوضى التذرر السكاني التاريخية، هذه المعضلة الجوهرية التي تساهم في صناعة الفجوة الهائلة على صعيد الخدمات وأساليب الحياة والتعليم والعزلة الاجتماعية.
لئن أسقط الثوار في ستينات القرن الفائت، شمال اليمن، نظاما ثيوقراطيا عتيق الطراز، فقد أقاموا على أنقاضه نظاما يأخذ مظهرا حديثا إنما بمضامين تقليدية بشكل شبه كامل. أتذكر هنا ما قاله غوستاف لوبون بأن "الشعوب تبقى محكومة بخصائصها وطباعها. وكل المؤسسات التي لم تتلبس كليا هذه الطباع لا تمثل إلا رداءا مستعارا، وقناعا مؤقتا".
بعبارة أخرى، لا يتحقق التغيير المنشود عبر تصميم مؤسسات بمواصفات دولة مثل أمريكا أو السويد والنرويج، بل في كون هذه المؤسسات تلبي الاحتياجات الحقيقية لليمنيين وتتماشى مع تطلعاتهم.
حاليا لا تكمن الصعوبة في رحيل الرئيس، بل في رحيل ما يمثله الرئيس وما يرمز إليه من خصال وأسلوب حياة. أخطاء الرئيس وألاعيبه واخفاقاته، هي التي تقاتل عنه الآن وبلا هوادة. لقد حافظ الرجل على بقاء الحالة الرخوة للدولة ونظام المحسوبية والفوضى. ولا يحق لنا أن نتفاجأ فيما لو انطلقت "الثورة المضادة" من أكثر المناطق بؤسا وحرمانا وجهلا، هناك حيث ينظرون إلى الخطاب الجديد بمفراداته الحديثة والمدنية بعين الريبة، يستفزهم وربما يظنونه نوع من المفاخرة التي تشعرهم بالضآلة وتهدد عادات التفكير ونظرتهم للحياة والعالم.
في حين يجتذبهم الارتجال والفوضى الذي يميز تصرفات الرئيس، أي أنهم يرون فيه ما يشبههم، وبالذات أجزاء من شمال اليمن، وشمال الشمال. لم تمارس الدولة حضور في مناطقهم إلا لماما. وهم لا يعبرون عن احتياجهم الشديد لدولة، مجتمع محلي تقليدي محكوم بقوانينه الخاصة. هؤلاء هم أكثر المتعاطفين والمؤيدين للرئيس، وللأسف لا نستحضر هؤلاء أبدا، فيما تفرط الرطانة الثورية في الحديث عن التحول الكبير لليمن، التحول الذي نصبوا إليه.
نهاية العام الفائت، كتبت أنه إذا كانت غالبية الريف اليمني تتألف من وحدات اجتماعية صغيرة موزعة على مساحات جغرافية مترامية الإطراف، وتقوم ذاتيا بتنظيم مصالحها وحمايتها، إلا أنها تاريخيا تتمتع بقابلية حقيقية لتواجد دولة، مشيرا إلى أن سجل هذه المجتمعات المحلية يحتوي على بروفات ونماذج أولية تثير الإعجاب. كنت أريد إثبات كيف أن هذه المجتمعات لم تكن يوما ضد الدولة نتيجة اختيار ثقافي واعٍ، لكنها أقل اكتراثا بالدولة عندما لا تجيء.
ومهما يكن من أمر، فإن مهمة الاقتراب من هؤلاء، باعتبارهم جزء أصيل من واقعنا- تقع بدرجة أساسية، على عاتق النخبة السياسية التي قد تنبثق عن الحالة الثورية الراهنة.
ما ذهبت إليه في هذه المقالة كان مجرد نظرة مختلسة لواقع لا يحب أن يراه أحد على هذا النحو، نظرة عابرة لصورة التقطت من خارج الأوهام الغنائية الثورية، الأوهام الضرورية رغم كل شيء، التي يفقد بدونها العالم معنى وجوده.