الرئيس هادي يكسر «صورته»
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 10 إبريل-نيسان 2012 03:23 ص

الجمعة الماضية اتخذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارات مهمة وجريئة أظهرت حسب وصف الخارجية الأميركية «رباطة جأش (هادي) عبر قيادته القوية لتنفيذ بنود التسوية السياسية المتفق عليها»، والقرارات سيكون لها مردود في تسريع وتيرة العملية السياسية، ومن ثم معالجة الاختلالات الأمنية في البلاد. والواقع أننا كلما أبدينا نظرة تفاؤلية تجاه الوضع في اليمن بعد التوقيع على المبادرة الخليجية يأتي من يصف التفاؤل بنوع من السذاجة واستباق الأحداث وعدم القدرة على النفاذ إلى عمق التعقيدات في المشهد السياسي اليمني، على الرغم من أن الأمور في البلاد تسير على غير رغبة «غربان البين» الذين ليس لديهم إلا المنغصات ولا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس، هذا على اعتبار حسن نياتهم، أما في أسوأ الاحتمالات فإن تشاؤمهم الظاهري يعكس رغباتهم الحقيقية في تدهور الأوضاع، لأنهم لا يستطيعون العيش من دون منظر الأطلال والخراب.

قبل أسبوع من القرارات المهمة التي اتخذها رئيس الجمهورية قال لي سكرتير الرئيس الأخ يحيى العراسي، إن الرئيس بصدد إصدار قرارات مهمة تهيئ للدخول في الحوار الوطني. قلت له هل سنشهد إقالات لقيادات عسكرية وأمنية؟ غير أنه تحفظ على التفاصيل وقال: قرارات مهمة سوف تتخذ خلال أسبوع، وتم نشر هذه التصريحات في حينها.

فهمت أن القرارات التي ستهيئ للحوار لن تكون إلا إقالات وتعيينات جديدة، لأن تلك القرارات هي وحدها التي يمكن أن تهيئ لبدء الحوار الوطني في ظل رفض «المشترك» والشباب البدء في الحوار قبل البدء في عملية هيكلة القوات المسلحة والأمن.

شخصيا لست أرى أن عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة بذات الصعوبة التي يراها البعض، لأن المؤسسة العسكرية والأمنية هي مؤسسة وطنية قبل كل اعتبار، وبالتالي فلن يستطيع أحد الاحتفاظ بمنصبه طيلة أيام حياته فيها، لأنها منحازة أصلا للوطن وقيمه وليس للأفراد وانتماءاتهم، سواء كان هؤلاء الأفراد هم علي محسن الأحمر أو أحمد علي عبد الله صالح.

وكلنا يتذكر الطيار الحربي الذي ألقى حمولة طائرته من القنابل بالقرب من برج مطار صنعاء بدلا من قصفه حسب المهمة الموكلة إليه في حرب صيف 1994، في إشارة واضحة إلى أن الطيار اليمني جعل ولاءه لوطنه قبل قيادته العسكرية التي أمرته بقصف برج المطار.

لا شك أن القرارات التي اتخذها الرئيس هادي كان لها أثر كبير على صورته أولا، حيث كسر هادي بتلك القرارات «الصورة النمطية» عنه بكونه رئيسا بلا صلاحيات ولا قوة ولا إرادة، وأنه لا يزال يتصرف بعقلية نائب الرئيس، وهي ذات الصورة التي تروجها عنه بعض الدوائر التي تسعى إلى عرقلة الحل السياسي في البلاد، وهي دوائر معروفة في جنوب الجنوب وفي شمال الشمال، كما كان للقرارات أهميتها على مستوى الشارع اليمني الذي يريد أن يرى نتائج الثورة، وثمرة التضحيات الجسيمة التي قدمها اليمنيون خلال عام كامل من التضحيات والمكابدة.

وكانت الاستجابة الفورية التي صدرت عن سفراء ودوائر صنع قرار إقليمية ودولية دليلا على أهمية القرارات، كما كانت رسالة واضحة تشير إلى أن الإقليم والمجموعة الدولية ما زالا حاضرين في اليمن، وهو الأمر الذي أكده جمال بن عمر في حوار سابق أجريته معه ونشر في هذه الصحيفة في حينه.

الواقع أن القرارات المتخذة لم تتخذ يوم الجمعة الماضي بل اتخذت قبل ذلك بفترة، وإن صدرت بتاريخ الجمعة، والمؤشرات تشير إلى أن قرارات أخرى قد اتخذت، وإن تأخر صدورها ليأتي في وقته المناسب.

وماذا بعد؟

على المعنيين بالقرارات تنفيذها لأن التنفيذ سيتم ولن تنفع معه مقاومة، وهم عندما ينفذونها للوهلة الأولى فذلك أفضل لحفظ ماء الوجه ولإظهار المهنية والانضباط في تنفيذ أوامر القيادة السياسية، كما ينبغي ألا يشعر أحد من المعنيين بالقرارات أنه مستهدف بها لشخصه، لسبب بسيط وهو أن المرحلة جديدة ولا بد لها من وجوه جديدة، ولكل عصر دولة ورجال، ثم إن القرارات لم تكن بإقالات وحسب ولكنها إقالات وتعيينات في الوقت ذاته، بما يعني أن المعنيين بالقرارات لم يخرجوا نهائيا من الوظيفة الرسمية، ثم إنه - وهذا أمر مهم - إذا كان هادي يرى أن المصلحة الوطنية تقتضي اتخاذ تلك القرارات فما على المعنيين بها إلا تقديم مصلحة الوطن على مصالحهم الذاتية، ثم إن حجم التأييد الذي لقيته القرارات يدل على أنها قرارات لم تتخذ بمعزل عن الرعاة الدوليين للمبادرة الخليجية، وهذا يجعلها قرارات نافذة مهما كانت الصعوبات والعراقيل.

هناك من يطرح ماذا عن علي محسن الأحمر؟ وهي حجة رفعها محمد صالح الأحمر وبعض قيادات «المؤتمر الشعبي العام»، وهي حجة مقبولة عندما نترك عواطفنا جانبا، مع التأكيد على أنها - على الرغم من قوتها - لا ينبغي أن توقف تنفيذ ما صدر من قرارات. وفي هذه النقطة ينبغي التذكير أن اللواء علي محسن الأحمر لم يكف عن ترديد قوله إنه يأتمر بأمر الرئيس هادي، وإنه لا يطمح إلى أي منصب آخر وإنه على استعداد لمغادرة قيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع، لأنه قد خدم كثيرا ويريد أن يرتاح، وهذا أمر ذكره لي كذلك في لقاء قصير عندما كنت في اليمن قبل أيام، وهذا يعني - إذا ما أخذنا الأمور على ظواهرها - أن أمر علي محسن أسهل من أمر أحمد علي عبد الله ومحمد صالح الأحمر ويحيى وطارق وعمار محمد عبد الله، وبالتالي فالمؤشرات تشير إلى أن هناك قرارا يطبخ بعناية فائقة بالاتفاق مع الرعاة الدوليين وعلي محسن ذاته يقضي بخروج علي محسن من قيادة المنطقة الشمالية الغربية، والمطلوب من اللواء علي محسن تنفيذ التزامه بترك منصبه حال طلب منه ذلك، من دون أن ننسى أنه قد طرح على الرئيس السابق صالح أمر خروج الاثنين من الوظيفة الرسمية ومن البلاد قبل شهور في اجتماع كان في بيت نائب الرئيس في حينه وبحضور السفير الأميركي.

وتظل العقبة الأصعب متمثلة في قيادة الحرس الجمهوري، نظرا لخصوصية الحرس، وكون قائده نجل الرئيس السابق. والوضع الطبيعي أن تتحرر مؤسسة القوات المسلحة من أي ولاء لغير اليمن، سواء كان لأفراد أو لأحزاب، غير أن المراقب يرى أن الوصول إلى حسم قيادة الحرس الجمهوري يتطلب حنكة وصبرا وأناة من كل الأطراف بدءا بالرئيس هادي، مرورا بـ«المشترك» والشباب، وانتهاء بالقيادة الحالية للحرس الجمهوري. ما هو أهم عندي على الأقل من الإقالات والتعيينات الجديدة هو ألا تطول فترة المعينين الجدد في قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية، بل ينبغي بعد هذه التجارب التي مررنا بها أن يصاغ نص قانوني أو حتى دستوري يحرم الاحتفاظ بالمناصب العسكرية الرئيسية مدة طويلة، لأن ذلك مدعاة لتملك تلك المناصب، والخروج بها عن مقتضيات العمل المهني والوطني.

ختاما.. طالعنا الحوثيون بنكتة سخيفة نهاية الأسبوع الماضي عندما اشترطوا لدخولهم الحوار الوطني مساواة قتلاهم في الحروب العبثية الست التي شاركوا في جرائمها بشهداء ثورة الشباب، وهذا يعني مكافأتهم على جرائم تهجير عشرات آلاف اليمنيين الذين لا يزالون ممنوعين من العودة إلى محافظة صعدة التي اختطفها الحوثيون على حين غفلة من الوطن كله، كما يعني مكافأتهم على جرائم قطع الطرقات ونسف المنازل والاغتيالات وحرق القرى واستهداف المدنيين في صعدة وحجة والجوف وعمران التي راح ضحيتها الآلاف من اليمنيين تحت شعار «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل»، وقد زودني مواطنون من صعدة وعمران بملفات مرعبة لجرائم الحوثيين ضد أبناء هذه المناطق، آمل أن يحين الوقت لكشفها وإيصالها إلى منظمات حقوقية داخلية وخارجية حتى يعلم الناس أن «العنصرية» ليست الجريمة الوحيدة التي اقترفها الحوثيون ضد أبناء اليمن. المهم أن كل تلك الجرائم يريد الحوثيون أن يكافأوا عليها برفع قتلاهم إلى مستوى شهداء الثورة، وهم الذين قتلوا ليمكنوا للوجود الأجنبي الإيراني في البلاد. ونحن إذ نترحم على كل من قتل في تلك الحروب بمن في ذلك قتلى الحوثيين المغرر بهم، إلا أن الفرق واضح بين المتظاهر السلمي الذي قتل في ساحة الشرف مناديا بدولة مدنية يمنية حديثة وبين المقاتل الحوثي الذي قتل في معركة عسكرية في سبيل إقامة دولة ثيوقراطية قروسطية ذات ولاء خارجي لم يعد الحديث عنه من قبيل إذاعة الأسرار. وكم ذا بصنعا من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا. مع الاعتذار لأبي الطيب المتنبي!

*الشرق الأوسط