مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
التقيت في سوريا الشقيقة بلاجئ سياسي يمني ينتمي إلى قبيلة حاشد المتهمة ظلما بأنها تحكم اليمن، فسألني حينها عن رأيي في المبادرة السياسية التي أطلقها الشيخ حميد الأحمر قبيل تراجع الرئيس عن تراجعه عن ترشيح نفسه.
لم أكن وقتها قد اطلعت على بنود المبادرة فاكتفيت بالقول إني أخشى على حياة الشيخ حميد لأني مثل الآلاف غيري أرى فيه قياديا صاعدا في زمن لا مكان فيه للرجال الرجال بعد أن خسرنا معظمهم في ظروف غامضة.
ولمعت عينا محدثي بالغضب كأن جسمه انتابته قشعريرة راعدة، لكنه سرعان ما طمأنني قائلا " إن الشيخ حميد يحتاط لنفسه جيدا والنظام القائم لا يرغب في الانتحار باستهداف أي شخص في وزن الشيخ حميد.
لم ألتق بالرجل يوما في حياتي ولكني وجدته من بين رجال قلائل في اليمن ينطقون بالحكمة في زمن حالك السواد، وقد تمعنت مليا في تصريحاته، وفي مبادرته الأخيرة فوجدته مفعما بحب اليمن، وهو الحب الذي يجعله شجاعا جريئا، وينطق بما يتمنى أن يقوله أي مواطن يمني، ولن أبالغ إن قلت أني أعتبره ذخيرة استراتيجية لليمن ليس بما لديه من شركات وأموال وتجارة ولكن بما يحمله من رؤية ثاقبة وحكمة قل أن نجدها بين السياسيين الذين تغلب على كثير منهم الانتهازية والأهداف الشخصية أو الرؤية القاصرة.
لقد طرح الشيخ حميد الأحمر مؤخرا وقبل إلقاء الرئيس لخطاب التراجع مبادرة من ثمان نقاط كانت ستحفظ للرئيس الحالي ماء وجهه وتنقذه من سمعة سيئة لحقت به وباليمن وسخرية كبيرة خرجت عن النطاق المحلي إلى النطاقين الإقليمي والدولي وجعلت المحبين لنا يأسون لحالنا والكارهون لليمن يشمتون فينا وفي رئيسنا.
النقطة الأولى في المبادرة تضمنت تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عامين من موعدها المحدد في سبتمبر 2006م، وهذه النقطة بالذات تحمل رسالة للأخ الرئيس بأنه غير مستهدف بشكل شخصي من إصلاح اليمن، بل إن القبول به رئيسا مازال واردا ، بشرط ألا يقف عقبة أمام إصلاح البلاد وألا يستمر في تحويلها ملكا شخصيا له ولذريته من بعده.
ثانيا: التعامل مع عدم ترشح الأخ الرئيس في الانتخابات القادمة كحقيقية مسلم بها من قبل الجميع واعتبار العامين الإضافيين كآخر تمديد رئاسي له ولا يجوز بعدها أي تمديد إضافي، وفي هذا البند انقاذا واضحا لماء وجه الرئيس لأنه سيبقى رئيسا لمدة عامين أو أكثر حسب التوافق بين القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وفي ذات الوقت لا يظهر أمام العالم بمظهر الممثل المسرحي أو صاحب حركات النصف كم، ولم يكن أحد ليتجرأ على إتهامه بالكذب لا داخل الوطن ولا خارجه.
ثالثا: كانت النقطة الثالثة في المبادرة هي تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على تسيير شئون البلاد وتنفيذ بنود الاتفاق السياسي تحت إشراف وقيادة الأخ الرئيس وخلال فترة التمديد، وتتفق هذه النقطة مع الإقتراح الذي أعلنه الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في أكثر من مقابلة صحفية، وهو الأمر الذي يعطي مبادرة الشيخ حميد الأحمر قوة إضافية لا يستهان بها، ويوسع مجال الإجماع الوطني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
رابعا: خروج الأخ الرئيس من قيادة المؤتمر الشعبي العام ليتمكن من رعاية العملية الديمقراطية بشكل أفضل باعتباره سيكون مرجعاً لكافة القوى السياسية وليس لحزب واحد فقط مع ضمان عدم انحيازه لأي حزب من الأحزاب، وهذه النقطة في رأيي الشخصي تمثل أيضا إنقاذا لماء وجه الرئيس الذي أعلن أمام الملأ أن المؤتمر الشعبي تجمع للفاسدين، وقال إنه لن يكون مظلة لحزب كهذا، فكيف يعود لرئاسة حزب هذا رأيه فيه وترشح باسمه، ومن سينتخب مرشح هذا الحزب والمرشح يقول لقد مليتوني وأنا مليتكم.
خامسا: الانتخابات المحلية تقع في نهاية شهر ديسمبر القادم أو بداية يناير بدلاً من سبتمبر لإتاحة فرصة لتنفيذ اتفاقية ضمان نزاهة الانتخابات الموقعة مؤخراً ولتكن تجربة عملية على جدية كافة الأطراف للسير في الاتفاق.
هذه النقطة من المبادرة لا تقل أهمية عن سابقاتها لأن الاستعدادات التي تمت بالفعل للانتخابات والتهيؤ النفسي لها لن يذهب هباء منثورا بل ستجري الانتخابات المحلية حسب ما كان مؤملا لها، مع تأخيرها 90 يوما لحل الإشكال الزمني الذي سيجعل إجراءها في سبتمبر يتزامن مع شهر رمضان المبارك، وتأخيرها 90 يوما سيوفر الوقت الكافي للجنة العليا للانتخابات لإكمال إصلاح السجل الانتخابي والإشراف على انتخابات محلية نزيهة بعد زوال الاحتقان الناجم عن الاستعداد لتزوير الانتخابات الرئاسية.
سادسا: الاتفاق على موعد محدد لإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتلبية احتياجات الوضع السياسي في البلاد بما فيها مناقشة شكل الحكم في البلاد وصلاحيات رئيس الجمهورية وتأكيد استقلالية القضاء وتعزيز دور مجلس النواب كممثل للشعب. في هذا البند تكمن الحكمة في أتم صورها إذ أنها توصل رسالة للشعب مضمونها إن التمديد للرئيس الحالي لا يعني التخلي عن الإصلاح السياسي وتشخص الخلل القائم في النظام الحالي بأنه يكمن في الصلاحيات اللا متناهية لرئيس الجمهورية التي حولته إلى دكتاتور مستبد قد تكون نهايته مأساوية إذا ما استمر الاستبداد، وتذكر الشعب أن الثورة على الإمامة قامت بسبب الحكم الفردي للإمام وليس بسبب شكل الحكم. وها نحن بعد ما يقارب نصف قرن نجد أنفسنا في وضع وضع مماثل بل أشد قسوة من الحكم الفردي العائلي الوراثي حتى وإن البسناه ثوبا جمهوريا. كما تشير هذه الفقرة من المبادرة إلى أهمية استقلال القضاء لأنه لا يوجد نظام حكم عادل في أي بلد ما لم يكن القضاء حرا مستقلا، كما تشير الفقرة ذاتها إلى الخلل القائم في السلطة التشريعية وتقول بشكل واضح إن مجلس النواب الحالي لا يقوم بدوره كما يجب في تمثيل الشعب ويجب تعديل الخلل. ويستحق الشيخ حميد الأحمر كل احترام على إشارته للسلطة التشريعية بهذا الشكل رغم أن والده الجليل الشيخ عبدالله هو رئيس السلطة التشريعية ويتحمل جانب من المسؤولية عن عدم أداء مجلس النواب لدوره طوال السنين الماضية تجنبا من الشيخ على ما يبدو للاصطدام بسلطة الرئيس صالح، إضافة إلى أن المجلس ذاته يخضع لحزب الأغلبية ويدار بالهاتف من قصر الرئاسة وليس من منصة رئاسة المجلس.
سابعا: الاتفاق على أسس وآليات لإصلاح الوضع الديمقراطي والانتخابات في البلاد وضمانات حيادية المال العام والوظيفة العامة والإعلام العام. تعالج هذه النقطة من مبادرة الشيخ الأحمر مسائل كثيرة مختلف عليها وتمهد لإجراء الانتخابات المقبلة في جو نزيه لا يلعب فيه المال العام والإعلام الحكومي دورا مساندا لمرشح دون غيره، وهو الأمر الذي سيجعل الانتخابات شرعية وحقيقية في حين أن إجراءها بالشكل الذي ستتم عليه في الظرف الحالي سيفرغ الانتخابات من مضمونها، ولن تخرج في أحسن الظروف عن إعادة إنتاج ما هو قائم، وتشويه سمعتنا أمام العالم أكثر مما هي مشوهة وهشة ونتنة.
ثامنا: وضع برنامج زمني دقيق لتنفيذ كافة الإجراءات الكفيلة بتحقيق متطلبات الإنفاق خلال العامين القادمين.
تعالج هذه النقطة قضية مهمة وهم من هموم الشعب اليمني كي لا يسئ الرئيس في العامين الأخيرين استغلال ثروة البلاد في غير صالح البلاد، ولكي يعرف الشعب حجم ثروته وكيف تنفق هذه الثروة لضمان انتقال السلطة سلميا للشعب.
كما تقدم الشيخ حميد الأحمر ببنود إضافية من بينها:
ألا يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة بعد عامين أياً من هؤلاء:
-الرئيس علي عبدالله صالح وأولاده وإخوانه وأولاد إخوانه بالإضافة إلى العميد علي محسن الأحمر.
-الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأولاده.
كل من تولى منصب رئيس جمهورية أو نائبه أو عضو مجلس رئاسة أو ما شابهه أو رئيس مجلس نواب أو ما عادله أو رئيس وزراء منذ قيام الثورة ومنذ الاستقلال وحتى الآن مع أبنائهم وإخوانهم.
ويجيب الشيخ حميد الأحمر عن الهدف من هذا الإقتراح بنفسه قائلا إنه جاء "لطمأنة الأخ الرئيس أن تأييدنا لقراره بعدم الترشح لا نهدف من خلاله أن نحل نحن أو امثالنا محله، وثانياً أن هذا الاقتراح سيعزز من قرار فخامة الأخ الرئيس وسيسهل من عملية التداول السلمي للسلطة وسيخفف من حدة الصراع عليها".
وفور قرائتي لهذه البند من المبادرة رفعت سماعة الهاتف واتصلت بمكتب الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في دمشق وبعد عدة محاولات جرى توصيلي بالأخ الرئيس فسألته عن رأيه في هذه النقطة من المبادرة بحكم أنه رئيس جمهورية سابق وسيحرم من الترشح للرئاسة وفقا لمبادرة الشيخ حميد الأحمر ففاجأني بقوله " إنني أؤيد هذه النقطة من المبادرة بالذات بكل قوة، وأنا لا يهمني أن يتم ترشيحي أو لا يتم بل يهمني مصلحة اليمن ووحدتها ورخاءها، وقد غادرت اليمن في وضح النهار من أجل الوحدة، ومستقبل اليمن الزاهر يأتي في مقدمة طموحنا، ولهذا أؤكد تأييدي لمبادرة الشيخ حميد الأحمر بكل ما ورد فيها من بنود"
وهناك رؤساء وزراء سابقون أبدو رأيا مماثلا لما طرحه الرئيس علي ناصر محمد، لكن المبادرة لم تجد الوقت الكافي من التغطية لأن تراجع الرئيس غطى على أي شئ آخر في الساحة السياسية في تلك الفترة، ولم يعد للمبادرة من معنى لحفظ ماء وجه الرئيس وإن كانت مازالت قائمة لحل مشكلة الوطن وإنقاذ ماء وجه اليمن مما ألم به من سوء ومن أزمة يمضي إليها حثيثا.
وبقي القول هنا إن الشيخ حميد الأحمر بآرائه التي يطرحها يعتبر من القيادات الشابة الواعدة التي ستلعب بلا شك دورا حتميا لإنقاذ البلاد من مآسيها ويجب على كل القوى الخيرة في هذا الوطن أن تحمي هذه القيادات وتحافظ عليها كما تحافظ على حدقات عيونها، وعلى السلطة الأمنية القائمة أن تدرك أن الشيخ حميد الأحمر لن يكون حريري اليمن بثروته وتجارته الرابحة ولكن قد يكون هناك أكثر من حريري سيؤلب العالم على هذه السلطة الهشة لو استهدفت حياة أحد من هؤلاء وما أكثرهم في هذا الزمن القاحط. وكل قيادي معارض في اليمن مرشح أن يكون حريري آخر يفتح سجل الاغتيالات والتصفيات من بدايته حتى نهاية آخر متورط في هذا السجل النتن، فهل يعي المتآمرون هذا الأمر أم ستودي بهم حماقتهم إلى التهلكة؟!