هادي وتحديات ما بعد الانتخابات
بقلم/ عادل عبد المغني
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الثلاثاء 28 فبراير-شباط 2012 10:14 م

برئيس جديد وتحديات كبيرة يلج اليمن إلى المرحلة الانتقالية الثانية في إطار خطة التسوية السياسية المدعومة إقليميا ودوليا. مرحلة ملغومة بالقضايا الشائكة والاستحقاقات الملحة والصعبة في آن، الأمر الذي يجعل الرئيس هادي في مواجهة صعبة أمام متطلبات العامين المقبلين وهي مدة قيادته للبلد. فالرجل الستيني الذي توافق عليه الجميع ليقود المرحلة القادمة عليه السير باليمن وفق توازن صعب فوق حقول ملغومة وأسلاك شائكة دون خيارات أخرى سوى بذل جهود مضاعفة للوصول بالمرحلة الانتقالية إلى منتهاها.

ومثلما عكست الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت الثلاثاء الماضي وبإجماع المراقبين الدوليين شغف اليمنيين للتغيير وتحقيق أول أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية، كشفت الأحداث الأمنية التي رافقت الانتخابات الرئاسية في عدد من محافظات الجنوب وصعدة عن ملفات غاية في الحساسية يجب على الرئيس الجديد التعامل معها بحذر وحكمة شديدين.

وقبل أن يفرغ هادي من أداء اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان صباح السبت الماضي نفذ تنظيم القاعدة - الذي توعده الرئيس في كلمته أمام النواب بمواصلة الحرب ضده، عملية تفجيرية استهدفت القصر الجمهوري بمحافظة حضرموت حصدت أرواح نحو 30 شخصا فضلا عن عشرات الجرحى، في تحد أمني مبكر يفرض أولويات مجابهته أمام الرئيس الجديد الذي قد يضطر للشروع في معالجة عديد ملفات مفتوحة في وقت واحد، لكن المعطيات على الأرض لا تساعد الرجل الذي يفتقر لعوامل القوة والمساندة التي احتكرها النظام السابق لنفسه. و تبدو التحديات الأمنية التي يعيشها اليمن أكثر تعقيدا في ظل حالة التفكك التي تشهدها المؤسسة العسكرية والأمنية في البلد ، وبدلا من أن تكون القوات المسلحة عامل ايجابي ومساعد للرئيس الجديد لمجابهة عديد تحديات، تحولت هذه الأخيرة إلى تحد آخر تمثل بإعادة هيكلة الجيش كأحد ابرز القضايا المرحلة والمؤجلة منذ التوصل للتسوية السياسية في البلد. ومؤخرا دار لغط كبير حول تصريحات منسوبة للسفير الأمريكي بصنعاء دعا فيه إلى بقاء أبناء صالح في مناصبهم العسكرية السابقة، الأمر الذي أثار استياء عارما في أوساط الشباب الثائر وخلق موجه قلق بالنسبة لعديد سياسيين وحقوقيين.

والمؤكد أن بقاء أبناء صالح وأقربائه من الدرجة الأولى في مناصبهم العسكرية لن يؤدي إلى استقرار اليمن ويتناقض مع أهداف الثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت لتطيح بالتوريث وحكم الفرد، وبالتالي فان الثورة ستستمر ما استمر أبناء صالح في قيادة مؤسسات عسكرية يقول الثوار أن رصاصاتها وجهت إلى صدورهم وقتلت المئات منهم. لكن في المقابل فان أي قرارات سيتخذها هادي في هذا الإطار قد تخلق له أعداء جدد هو في غنى عنهم في الوقت الراهن. وبين إرضاء قوى الثورة والمحافظة على مراكز القوى يخوض هادي أول اختبار حقيقي له على كرسي الحكم لإثبات خلاصه من تلابيب النظام القديم وتمثيل قيم الثورة والتغيير.

وما يدعو للخوف أن تصرف هذه التحديدات مجتمعة الرئيس المنتخب بأغلبية شعبية عن مجابهة التحديات الاقتصادية التي تحولت إلى أزمة تهدد حاضر ومستقبل البلد بعد أن وصلت الأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن إلى مستويات خطيرة.

وكم هي مهمة الجنرال هادي شاقة وهو يتسلم دولة هشة تفتقر للبنية التحتية وتغيب عنها ابسط الخدمات كالمياه والكهرباء وشح إمدادات الوقود التي ارتفعت أسعارها خلال العام الماضي إلى ما يزيد عن الضعف.

وعدا الاضطرابات الأمنية المتزايدة في أكثر من منطقة ومن أكثر من جبهة يرث الحاكم الجديد ملف اقتصادي مثقل بالأزمات والتحديات التنموية والمعيشية بعد أن ارتفعت نسبة الفقر إلى نحو 70 بالمائة جعلت ثلث السكان يعانون من نقص في الغذاء وسط تحذيرات من دخول البلد مرحلة المجاعة. وفيما تراجع احتياطي البنك المركزي اليمني من العملة الصعبة الى 4,5 مليار دولار اقترب معدل النمو في الناتج المحلي خلال العام الماضي من الصفر، في ظل شلل كامل للاقتصاد وغياب خدمات الكهرباء والمياه وشح إمدادات الوقود التي ارتفعت أسعارها خلال العام الأخير لأكثر من الضعف. وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن اليمن بحاجة إلى 15 مليار دولار خلال العام 2012م لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المنهارة في البلد، لكنه رقم مهول للغاية ولا يمكن لليمن بلوغه رغم الوعود البراقة من قبل المانحين.

المهمة الصعبة:

 يعلم الرئيس الجديد انه أمام مهمة بالغة الصعوبة مثلما يعلم أيضا انه تحت مجهر الرقابة الشعبية وان التاريخ لن يرحمه إن قصر أو اظهر ضعفا. وان كان هادي يفتقد حقيقة لعوامل القوة التي كانت تحيط بصالح طوال سنوات حكمه، سواء على المستوى القبلي أو العسكري إلا أن التوافق السياسي على شخصه والدعم الإقليمي والدولي المساند له عوامل قوة يمكن أن يتكأ عليها في مواجهة الحرس القديم وفرض التعامل معه كرئيس يمسك بزمام الأمور وقائد حقيقي للقوات المسلحة، وهي مهمة تحتاج للكثير من الحزم مع من يصر على التعامل مع هادي بعد 21 فبراير بعقلية ما قبل هذا التاريخ. هناك قوة أخرى ستقف مع الرئيس الجديد إن استشعر حقيقة التغيير الذي جرى في اليمن أو عليه إن غرد بعيدا عن ذلك، إنها القوة المستمدة من شباب الثورة الذين سيظلون في رباطهم حتى تتبين ملامح المرحلة المقبلة، ولا يبدو أنهم سيغادرون خيامهم المهترئة جراء عوامل الطبيعة التي أتت عليها طيلة عام كامل قبل أن يطمئنوا على انتصار معظم أهداف ثورتهم التي لم تنتهي بسقوط صالح وبقاء نظامه.

عهد جديد:

من المؤكد أن اليمنيين قطعوا شوطا مهما بنجاح الانتخابات الرئاسية المبكرة لكن انتقال اليمن إلى عهد جديد لا يزال مرهونا بخطوات أكثر أهمية تأتي في مقدمتها الدخول في حوار وطني شامل تتسع طاولته لكافة القضايا المتفجرة دون تغييب أو إقصاء ومن ثم البدء بإيجاد المعالجات الحقيقية للقضايا الشائكة، وصياغة دستور جديد يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد عامين.

ويبقى من الأهمية القول إن انتخاب رئيس جديد لليمن لا يعني على الإطلاق نهاية لازمة البلد لكنها بداية لحلحلة الأزمات التي تراكمت طيلة العقود الماضي والتي بدت كما لو أنها أزمة مركبة تستعصي على الحل.