بعد فشل "جنيف 3".. الشرعية اليمنية بين تمردين
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2018 11:53 ص
 


ظهر المبعوث الأممي إلى اليمن" مارتن جريفيث" مكفهراً ومحبطاً" لكن مع شيء من التماسك الظاهري وعدم الإقرار بالهزيمة، في المؤتمر الصحفي الذي عقده السبت بمدينة جنيف السويسرية، إثر فشل الجولة الثالثة من المشاوراتبين طرفي الحرب في اليمن.

ليس هيناً أن يفشل الوسيط الدولي المعروف بمهاراته التفاوضية وإدارته الجيدة للأزمات، وثقله الدولي، وأن يتلقى هذه الهزيمة الثقيلة في أول خطوة يقطعها باتجاه إعادة الأطراف اليمنية المتحاربة إلى المسار السياسي.

لم يقر غريفيث بفشل المشاورات، نتيجة عدم مجيء وفد الحوثيين ولم يحملهم مسؤولية هذا الفشل، بل حاول أن يظهر كما لو كانت هذه المشاورات قد عُقدت بناء على اللقاءات التي أجراها مع وفد الحكومة الشرعية الذي يرأسه وزير الخارجية خالد اليماني، بل كشف عن خطوته القادمة التي قال إنها ستقوده إلى مسقط ومن ثم إلى صنعاء؛ لمواصلة الحوار مع الحوثيين.

تصريحات المبعوث الأممي أثارت ردة فعل غاضبة وغير مسبوقة من جانب رئيس وفد الحكومة، وزير الخارجية خالد اليماني، الذي عبر في مؤتمر صحفي مماثل وللمرة الأولى عن استيائه من هذه التصريحات، مؤذناً بمرحلة جديدة من عدم الثقة بالمبعوث الأممي، وليس فقط بالطرف الآخر من معادلة الأزمة والحرب، خصوصاً عندما أكد أن حكومته لن تثق بعد اليوم بالتصريحات التي يدلي بها المبعوث الأممي في الغرف المغلقة.


هذا التطور في المسار السياسي يدخل اليمن في مرحلة من عدم اليقين، إذ لم يعد من الممكن اليوم الحديث عن جهود الحل السياسي كمسار أكثر كفاءة لإنهاء الأزمة، في ظل ما يمكن وصفه باستهتار الحوثيين بالحكومة وبالوسيط الدولي، كما لا يمكن الوثوق بنوايا التحالف في ما يتصل بخط الحسم العسكري وصولاً إلى تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها هذا التحالف إلى اليمن.

لذا، يمكن القول إن أسوأ ما عانت منه الحكومة في جولة المشاورات التي انتهت بالفشل الذريع، هو أنها ظهرت في موقف الطرف الأضعف، بل أضعف من أي وقت مضى. فلم تعد صاحبة صوت مرتفع إلا في تصريحات وزير خارجيتها خالد اليماني، وغيره من المتحدثين في وفدها المفاوض، خصوصاً وأنها ذهبت إلى جنيف وظهرها مكشوف تقريباً في عدن والمحافظات الجنوبية، نتيجة الاحتجاجات العنيفة التي تستهدف وجود الحكومة، كما أن خاصرتها تدمي بفعل الطعنات العسكرية السعودية في الأطراف الشرقية للبلاد، وبالتحديد في محافظة المهرة البعيدة مسافة مئات الكيلومترات عن جبهات المواجهة العسكرية مع الانقلابيين.

بحسابات الربح والخسارة لن تحرز الحكومة نقاطاً تذكر، بل إنها على العكس ستضطر إلى الانسياق وراء الضغوطات الدولية، رغم أنها هي التي تحقق المكاسب المستمرة على الأرض أو هكذا يفترض، ولكنها بالتأكيد تبدو فاقدة التوازن؛ لأنها لا تستطيع كما تشير الوقائع إلى أن تحدد بشكل مستقل خيارات المواجهة السياسية وخيارات المواجهة العسكرية كذلك.

ثمة ساحة اختبار يمكن أن تنعكس عليها الآثار المباشرة لفشل مشاورات جنيف، وأعني بها مدينة الحديدة، التي تم تأجيل معركة استعادتها لإفساح المجال أمام المبعوث الأممي لإقناع الحوثيين بالانسحاب دون حرب.


وفي هذه الساحة تحديداً، يمكن معرفة ما إذا كان التحالف يحارب لحساب ترسيخ نفوذ الحكومة، وهذا لن يتحقق إلا بفرض سيطرتها المباشرة والكاملة على الحديدة ومينائها، أم أنه يحارب لتحقيق أجندات خاصة به على الأراضي اليمنية، واستجابة لأولويات أمنية وتكتيكية تتعلق بطرفي التحالف.

هناك خذلان كبير جداً ومتعدد الأوجه تعاني منه الحكومة الشرعية؛ نتيجة التطورات السيئة التي تشهدها المحافظات الجنوبية، في ظل ما يمكن وصفه بالنسخة الأحدث من الانقلاب على هذه الحكومة، والمتمثل في الاحتجاجات العنيفة والفوضوية التي تحركها وتغذيها وتحرسها الأدوات الإماراتية في عدن، وعدد آخر من المحافظات الواقعة في جنوب البلاد.

ونتيجة لذلك، يتكرس مأزق الحكومة أكثر من الحوثيين أنفسهم. فإلى جانب أنها لن تتلقى بالتأكيد إشادة دولية، كما لن يصفق لها أحد لأن وفدها ذهب إلى جنيف قبل بدء المشاورات بيومين، فإنها أيضاً، ومن خلال التصعيد الواضح مع المبعوث الأممي نتيجة موقفه المتساهل مع الحوثيين، سيضعها في مواجهة مع جميع الأطراف في الوقت الذي تقف فيه على أرضية هشة، وتعاني فيه من الإقصاء المتعمد من مجال نفوذها الجغرافي ممثلاً في الأراضي الشاسعة التي قيل إنه تم تحريرها.


الحكومة الشرعية باتت بكل وضوح أمام تمردين؛ أحدهما يأخذ شكل انقلاب عسكري ويفرض نفوذه على مقدرات الدولة ومؤسساتها في صنعاء، والآخر يتجلى في النزعة الانفصالية التي يدعمها التحالف عبر تقوية النفوذ العسكري للانفصاليين، وعبر استمراره في تكريس نفوذه العسكري المباشر على الجغرافية اليمنية على نحو ما يجري في محافظتي سقطرى والمهرة.