الرابحون والخاسرون من فوز ترامب.. محللون يتحدثون حماس تعلق على فوز ترامب.. وتكشف عن اختبار سيخضع له الرئيس الأمريكي المنتخب هل ستدعم أمريكا عملية عسكرية خاطفة ضد الحوثيين من بوابة الحديدة؟ تقرير اعلان سار للطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في الخارج بعد صنعاء وإب.. المليشيات الحوثية توسع حجم بطشها بالتجار وبائعي الأرصفة في أسواق هذه المحافظة شركة بريطانية تكتشف ثروة ضخمة في المغرب تقرير أممي مخيف عن انتشار لمرض خطير في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي في اليمن أول موقف أمريكي من إعلان ميلاد التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، في اليمن تقرير أممي يحذر من طوفان الجراد القادم باتجاه اليمن ويكشف أماكن الانتشار والتكاثر بعد احتجاجات واسعة.. الحكومة تعلن تحويل مستحقات طلاب اليمن المبتعثين للدراسة في الخارج
لا نبالغ بالقول: إن مسألة الحب قبل الزواج باتت أكثر القضايا التي تحتل مساحة هائلة من حياة الشباب في هذا العصر، حتى غدا لدى معظمهم مرحلة ضرورية لتشكيل الأسرة، وامتد ذلك للمجتمعات الريفية والبدوية، وصار الزواج القائم على معايير للاختيار تراثاً قديماً.
تشكيل الرؤية
على الرغم من أن الزواج المترتب على الحب أمرٌ قائم في حياة العرب منذ القدم، فإنه لم يكن حتمياً، وحتى بعد بزوغ شمس رسالة الإسلام كان موجوداً، لكنه لم يكن حتمياً كذلك، بل كان الأصل هو وضع معايير للاختيار تكفل التكوين السليم للأسرة.
مع الانفتاح الثقافي على الغرب، وتدفق القيم وأنماط الحياة المجتمعية الغربية إلى بلادنا، امتدت إلى شبابنا فكرة حتمية الحب قبل الزواج باعتبارها النمط السائد في الغرب على الرغم من وجود بعض الشرائح مؤمنة بما يعرف بالزواج المرتّب، أي الزواج القائم على وضع معايير للاختيار.
هذا التدفق المؤثر كان أمراً طبيعياً في ظل الضعف الذي دب في الأمة، وهذا ما قرّره عالم الاجتماع العربي ابن خلدون حين قال: «المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه»(1).
وعزز من هذا التأثر خضوع شباب الأمة لمواد درامية وأعمال روائية تكاد تكون بأسرها متبنية لهذه الحتمية، سواء كانت أعمالاً أجنبية أو عربية، كلها تقريباً تدور في هذا الإطار، فكرّست لدى الشباب بصورة تراكمية استحالة أن يكون هناك زواج ناجح لم يسبقه الحب.
الحب في الإسلام
الحب بين الجنسين ميل فطري، ولا يتعلق به حكم شرعي ما دام لم يتعد إطار المشاعر، وإنما يوضع في ميزان الحلال والحرام باعتبار ما يترتب عليه، فإن ترتب عليه مقابلات وغزل وتلامس وخلوة ونحوه، وقع في دائرة المحظور، وفي عصرنا هذا نادراً ما يتوقف الحب عند حدود المشاعر التي لا غبار عليها. لهذا، يقول ابن القيم رحمه الله: «العشق لا يحمد مطلقاً ولا يذم مطلقاً، وإنما يحمد ويذم باعتبار متعلقه، فإن الإرادة تابعة لمرادها والحب تابع للمحبوب»(2).
ولم يهمل الإسلام مسألة الحب قبل الزواج، وإنما أرشد إلى زواج المحبين لاحتواء هذا الحب في مجال نظيف بعيدًا عن الزلل، ولذا جاء في الحديث النبوي: «لم ير للمتحابين مثل النكاح»(3)؛ وهو الزواج.
الواقع يشهد
لكننا هنا بصدد مناقشة ما يراه البعض من حتمية مرور الزواج بعلاقات غرامية سابقة، فالنسبة الأكبر من الزيجات التي سبقتها علاقات عاطفية، وتم إنشاء مؤسسة الزواج على أساس هذه العلاقة التي نشأت باختيار قلبي محض، يشهد الواقع لأغلبها بالفشل.
وهذا الأمر ليس مجرد نظرة إلى الواقع، لكنه يستند إلى دراسات عديدة في هذا الشأن، فمن ذلك دراسة لعالم الاجتماع الفرنسي سول جوردون، تخلص إلى أن 80% من الزيجات القائمة على الحب دون معايير الاختيار السليم تفشل(4). ويقول الباحث محمود الموسوي: «لقد أجريت دراسة على 100 ألف شخص من المحبين لزوجاتهم، واستغرقت 15 عاماً، فوجد أن الزواج القائم على الرغبة العاطفية قبل الزواج ينهار قبل بلوغ العامين»(5).
والسبب في ذلك أن اختيار شريك الحياة بناء على العلاقة العاطفية وحدها يعميه عن المساوئ وسوء الخصال، وما إن يتم الزواج بهذه الطريقة، وتهدأ النفس، وتخفت جمرة العشق المشتعلة، يبدأ الزوجان كلاهما بالنظر إلى الواقع، وإلى الشمائل والخصال التي لم تكن في المعادلة قبل الزواج.
وهنا يطالعنا الخبير في العلاقات الزوجية أمرام سانيفلد بقوله، تجاه هذه العلاقة السابقة على الزواج: «إن كثيراً من الزيجات القائمة على أساس سحر الجسم فحسب، أو على غرام عابر، سرعان ما تتحطم عندما يواجه الزوجان مشكلات أخرى للتوافق»(6).
إن أكثر قصص الحب التي تتناقلها الأجيال، إنما حققت شهرتها لأن الطرفين لم يجتمعا في ظل الزواج، فبقي الهيام والوجد، وربما مات بعضهم كمدًا من العشق.
مودة ورحمة
إن الحب الحقيقي الراسخ الذي يبنى على أساس قوي، ويضرب بجذوره في الأعماق، هو الحب الذي يأتي بطيب العشرة بين الزوجين؛ لأنه خال من التكلف والتجمّل، وذلك قطعاً يستلزم حسن الاختيار من الدين والخلق والكفاءة.
إن الله تعالى قد جعل المودة والرحمة بين الزوجين آية من آياته في الخلق؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21). فالمودة والرحمة أودعهما الله بعد السكن، بعد الزواج، يقول ابن كثير: «وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ، وَرَحْمَةً: وَهِيَ الرَّأْفَةُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا»(7). لذلك لا يحتاج الشباب إلى خوض هذه التجربة قبل الزواج، فالله تعالى أودع المحبة بين الزوجين في إطار الزواج، لكنه (أي الحب) عندما ينشأ بعد الزواج يكون أقوى وأنقى وأكثر واقعية وجدية. إن حتمية الحب قبل الزواج وهمٌ كبير يعيش فيه الشباب، رغم أنهم يتلفتون في واقعهم، فيجدون كثيراً ممن كان يشار إلى علاقتهم العاطفية بالبنان -وتزوجوا بناء على ذلك– يعيشون في بؤس وشقاء، وكثيراً ما تفشل هذه الزيجات إلا قليلاً، ومع ذلك لا يأخذون العبرة، لأنهم مدفوعون إلى رؤية هذه الحتمية بسبب نمط الحياة السائد.
*مجلة المجتمع
_________________________
(1) مقدمة ابن خلدون، (1/ 147).
(2) روضة المحبين، ابن القيم، ص199.
(3) أخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقي، وهو في صحيح الجامع (9331). (4) شباب جنان، د. خالد أبو شادي، ص137.
(5) الحب في العلاقات الزوجية، محمود الموسوي، ص60.
(6) مجلة المختار من ريدرز دايجست، العدد 75، ص64. نقلاً عن: في العلاقات الزوجية، هادي المدرسي، ص19.
(7) تفسير ابن كثير، (6/309).