آخر الاخبار

دعم سياسي امريكي من إدارة ترامب لرئيس الوزراء احمد بن مبارك مشروع قطري سيدشن قريبًا في اليمن عاجل. رئيس هيئة أركان الجيش السوداني يعلن عن نصر استراتيجي من مقر القيادة العامة...ويكشف عن نقطة تحول حاسمة للشعب السوداني مأرب: ندعوة تدعو إلى تشكيل لجنة وطنية للحفاظ على الهوية اليمنية وتحصين ألأجيال شاهد: القسام تستعرض غنائم من سلاح النخبة الإسرائيلية في منصة تسليم المجندات الأسيرات وإسرائيل تعتبر الأمر ''إهانة'' عميد الأسرى الفلسطينيين يرى الحرية بعد 39 سنة في سجون الإحتلال.. من هو وما قصته؟ الحكومة اليمنية تعلن جاهزية الموانئ المحررة لاستقبال جميع الامدادات التجارية والإغاثية والخطوط الملاحية غوتيريش يوجه دعوة للحوثيين ويدين بشدة اعتقال 7 من موظفي الأمم المتحدة تفاصيل اعلان الصليب الأحمر الإفراج عن عشرات المعتقلين كانوا في سجون الحوثي.. هادي الهيج: ''المفرج عنهم أناس اعتقلوا من البسطات والشوارع'' بن مبارك يبحث في واشنطن مع مسؤول أمريكي التعاون لتنفيذ قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية

الثورة الشعبية السلمية في اليمن .. أضواء فقهية ودلالات حضارية
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 12 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:22 م

اكتنزت الثورة الشعبية السلمية اليمنية في طيّاتها وحناياها ومنعطفاتها كثيراً من المفاهيم والقيم والدلالات والأحكام الفقهية، والمعاني والمنطلقات الحضارية، وقدمت الثورة الشعبية السلمية اليمنية للعالم بأسره دروساً تاريخية عظيمة ومشرقة في التغيير الحضاري السلمي عبر المنهجية الفريدة التي سلكتها في الصبر والثبات والسمو، في مواجهة الفكر النيروني الصالحي الذي لا يعرف إلا لغة الدماء والإبادة والكذب والتضليل، قلّ أن تجد لذلك نظيراً في تاريخ البشرية .

ولذا فإني أعتقد جازماً أنّ إرادة الله اقتضت أن تكون الثورة الشعبية السلمية في اليمن مدرسة لكل الثورات في العالم، كونها مدرسة الصبر والحكمة والأمل، نشأت في ظل أعنف وأفسد وأقبح نظام عرفته اليمن والمنطقة العربية والإسلامية، فلم ينقل التاريخ على طوله وعرضه أن يباد متظاهرون عزّل بكل أنواع الأسلحة والمدافع والصواريخ، وأن تحرق الخيام على الجرحى والمعوقين، وأن يقتل حتى الأطفال الرضّع وأن تختطف النساء، إلا في ظل نظام الطاغية علي عبد الله صالح وأبنائه وأسرته، ومن على شاكلته كبشار والقذافي .

نعرّج هنا ابتداءاً على بعض أهداف الثورة الشعبية السلمية اليمنية لنرى بعض الإشرافات الفقهية الرائعة، التي تجعلنا نجزم مجدداً أنّ هذه الأهداف والرؤى لا تكون إلا من صنع أمة عظيمة وحضارية .

أولاً: جددت الثورة الشعبية السلمية اليمنية معاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأمة، وأوضحت بلغة لا لكْنَة فيها أن أعظم المنكرات على الإطلاق هي المنكرات السياسية والطغيان والاستبداد السياسي، ولذا فقد وقفت هذه الثورة المباركة في وجه هذا الطغيان والاستبداد ببسالة وشجاعة وصمود أسطري، وقدمت لذلك قوافل الشهداء القافلة تلو الأخرى .

ثانياً: أعادت الثورة اليمنية إلى الفقه السياسي الإسلامي رونقه وجماله وبهاءه، بعد أن ظل قروناً من الزمن يتبع الحاكم الفاجر الظالم المستبد، ذلك الفقه الذي لا يكاد يتجاوز فقه الخضوع والاستسلام والإذعان والإذلال، فنقلت الثورة اليمنية السلمية الفقه من فقه الاستضعاف إلى فقه الاستنهاض والاستقواء والتغيير والتمكين .

ثالثاً: من الأهداف التي حددتها الثورة الشعبية السلمية اليمنية \"بناء دولة مدنية حديثة\" في هذه الجملة الذهبية أثبتت الثورة اليمنية الشعبية أنها ثورة إنسانية عالمية حضارية بامتياز، ذلك أنّ البشرية تواطأت واتفقت على وجوب أن تكون الدولة مدنية لا عسكرية ولا قمعية ولا شمولية قهرية، ولا يكاد يخرج عن هذا المفهوم العالمي أحد، إلا اللهم بعض الزعامات العربية الطاغوتية، من أمثال بشار وصالح والقذافي، ممن حرموا من الرصيد الإنساني والأخلاقي، فجاءت الثورة اليمنية لتُثبت إنسانيتها وأنها جزء لا يتجزء من ركب ومسار البشرية، ولذا لا حرج ولا إشكال أن تجعل الثورة اليمنية الظافرة من أوائل أهدافها الوصول إلى مدنية الدولة، وكم هو رائع وجميل أن تسمى إحدى جُمع الثورة اليمنية بجمعة \"نحو دولة مدنية \" .

إنّ هذا الهدف العظيم فيه رد على كل القوى التي ظنت أن الثورة اليمنية الشعبية ثورة رجعية ظلامية متخلفة بعيدة عن روح العصر ومتطلباته الثقافية والإنسانية .

إنّ المدنية والديمقراطية باتت تمثلان في عصرنا لغة عالمية وعرفاً دولياً، محل إجماع إنساني، ثم بعد ذلك لكل أمة أن تأخذ بهذا المصطلح ما يناسب أوضاعها الثقافية والفكرية والدينية، بلا غضاضة ولا حرج، أشبه ما يكون ذلك بنظام الجوار الذي كان نظاما عالمياً سائداً، قبل الإسلام، وفيه ما فيه من الحق والباطل والظلم والعدل، ومع ذلك أخذ الإسلام بهذا النظام اسماً وشذبه معنى وممارسة وسلوكاً فقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ).

رابعاً: المنهج السلمي الذي اختطته الثورة الشعبية اليمنية، فرغم طول المدى الزمني للثورة اليمنية إلا أنها لم تكلْ ولم تملْ، بل كلما زاد الوقت كلما ازداد الشعب اليمني التفافاً حول ركب الثورة ، وكلما ازداد انهيار وتساقط النظام بكل قواه وأركانه .

ففي بلد يحتضن نحوا من ستين مليون قطعة سلاح إلا أنه بات يحمل بين كفيه الورود بدلا عن البارود ، والكلمة بدلا عن القنبلة ، وما أروع ما قاله د. عبد العزيز بلقزيز عن هذه الثورة السلمية اليمنية حيث قال : \" نجحت الثورة اليمنية في أن تكون ثورة نظيفة: نظيفة في الشكل بحيث لا يستدرجها القمع إلى تلويث صورتها المدنية بالعنف، ونظيفة في الهوية والمضمون بحيث لا لبس ولا شَوْبَ في وطنيتها وقرارها المستقل وهي - وإن أصابها من العالم تجاهل وإنكار ومن العرب والمسلمين إجحاف - تبقى دُرة التاج في هذا الربيع العربي والترمومتر الذي يقاس به معنى الثورة في دم الحراك الاحتجاجي . \"

فللّه در أولئك الشباب الصامد الصابر في الساحات والميادين والطرقات والشوارع، ذلك الشباب الذي جعل من التظاهرات والمسيرات منسكاً من المناسك يتقرب به إلى الله، وجعل من المآتم اليومية التي يرتكبها النظام أعراساً ومهرجانات ، ولقن الشباب اليمني الطاهر العالم دروساً تاريخية في الأمل والصبر والتضحية والثبات .

خامساً : الوحدة الثورية والالتفاف الشعبي، فها أنت ذا ترى المسيرات تخرج كل يوم في أغلب محافظات الجمهورية تهتف كلها لأرحب ونهم وصنعاء وأبين وتعز والحديدة، بل في بعض الأحيان تخرج المسيرات حتى بعد منتصف الليل، تهتف بحناجر مبحوحة وقلوب خاشعة وعيون دامعة نصرة للمظلومين والمضطهدين من إخوانهم في شتى نواحي اليمن .

سادساً : كشفت الثورة اليمنية مناهج المستبدين وسلوك الطغاة والمفسدين، وفضحتهم، فالرئيس علي عبد الله صالح ، ظل يخادع نفسه والعالم طوال ثلاثة وثلاثين عاماً، بال د يموقراطية المزعومة، والجمهورية والثورة، والرأي والرأي الآخر، والتداول السلمي للسلطة، فيما هو يمارس أبشع أنواع الملكيات والأسريات، ولا يعترف بأي حوار إلا عبر فوهات المدافع والصواريخ، فأثبتت الثورة اليمنية للعالم أنه لا علاقة لهذا الرجل بالعالم المتحضر والمتمدن وأنه أقرب ما يكون إلى عالم السباع والوحوش الضواري، بل إنّ الوحوش الكواسر لا تفعل ما فعله بشعبه، من قتل وإبادة جماعية في كل يوم .

أخيراً عاشت الثورة اليمنية السلمية الظافرة وعاش الشعب اليمني الحر الأبي المجاهد الصامد الصابر، في كل الميادين والساحات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .