آخر الاخبار

أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع تفاصيل لقاء وزير الداخلية بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن صنعاء..مليشيا الحوثي تجبر جميع العاملين في القطاع الصحي على هذا الأمر مؤتمر مأرب الجامع يدعو لسرعة توحيد القرار العسكري والأمني ويؤكد ان تصدير النفط والغاز هو الضامن لانعاش الاقتصاد الوطني ودعم العملة المحلية الامين العام لمؤتمر مأرب الجامع: مأرب لن تقبل ان تهمش كما همشت من قبل ونتطلع لمستقبل يحقق لمارب مكانتها ووضعها الصحيح قيادي حوثي استولى على مدرسة اهلية في إب يهدد ثلاث معلمات بإرسال ''زينبيات'' لاختطافهن الهيئة العليا لـ مؤتمر مأرب الجامع تعلن عن قيادة المؤتمر الجديدة.. مارب برس ينشر قائمة بالأسماء والمناصب الذهب يرتفع بعد خسائر حادة سجلها الأسبوع الماضي رئيس الحكومة يعلن من عدن اطلاق عملية اصلاح شاملة تتضمن 5 محاور ويبدأ بهيكلة رئاسة الوزراء.. تفاصيل الكشف عن كهوف سرية للحوثيين طالها قصف الطيران الأميركي في محافظة عمران

شيخ وليل ومطر وسيل ! قصة قصيرة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: شهرين و 19 يوماً
الجمعة 30 أغسطس-آب 2024 09:52 م
  

قصة قصيرة 

 

قبل أن يصل العالم لرقم التاريخ المميز 2000م كنت قد انهيت امتحانات الثانوية العامة في حزم العدين وعدت إلى قريتي، بقيت لأسابيع ألعب الكرة مع الشباب أحيانا ، وحين أمل منهم أعود إلى البيت لأقرأ.

ذات يوم وأنا أقرأ في كتاب قديم للوالد وجدت فيه ورقة بخطه مكتوب فيها " أولادي حفظكم الله ورعاكم .. إذا جارت عليكم الأيام فأذهبوا للشيخ منصور راجح عبد الله ، وستجدونه بمقام والدكم فبيني وبينه عشرة عمر ، وجميلي عليه لن ينساه طيلة عمره" .

سألت عمي:

ـ من هو الشيخ منصور راجح ؟

ــ هذا شيخ كبير في إب ، كان صديق والدك الروح بالروح.

 في صباح اليوم التالي غادرت قريتي إلى إب.

سألت عن منزل الشيخ فدلوني عليه، لكن الحارس النحيل الذي يقف بالباب ويدخن بشراهة لم يسمح بدخولي ، تشاجرت معه وأثناء الشجار أطل الشيخ برأسه من النافذة وسأل عن الأمر فأجابه الحارس:

ــ واحد يقول انه ابن صاحبك مصطفى العمراني. 

ــ دخله على طول.

سلمت على الشيخ وكي يطمئن أنني فعلا ابن صديقه أعطيته رقم جلوسي في امتحانات الثانوية ــ لم أكن قد قطعت بطاقة شخصية حينها ــ ، كما أعطيته الورقة الذي كتبها الوالد عنه ، فترحم عليه وظل يحدثني عن مواقف وقصص عاشه معه.

وبعد أن سألني الشيخ عما أعمل؟

 أخبرته أنني أكملت الثانوية وابحث عن عمل لأوفر مصاريف الجامعة.

ــ ستعمل مرافقا معي وسأكرمك.

ثم همس بأذني:

ــ إكراما لوالدك سأعطيك 30 ألف ريال معاش.

كان يومها هذا المبلغ يكفي لإعالة أسرة تذبح كل ثلاثة أيام خروف، وتعيش بترف.! 

أعطاني بندق آلي كلاشينكوف سلاح شخصي وتبعته مع بقية مرافقيه حيثما حل وارتحل.

أجلس بجواره دائما ولا أفارقه، وفي المساء أسمر معه وأقرأ له من قصص ألف ليلة وليلة ومن كليلة ودمنة والعقد الفريد. 

ذات صباح صحوت على شجار عنيف بينه وبين زوجته، ثم فوجئت به يخرج وحيدا فلحقته بسرعه ، صعد السيارة فصعدت إلى جواره قائلاً:

ــ والمرافقين يا شيخ ؟

لكنه شتمهم وصاح بي:

ــ انزل من السيارة.

لكني تسمرت مكاني قائلاً:

ــ لن أتركك حتى لو قتلتني.

شغل السيارة ومضي بنا لوحدنا ونحن في صمت، لم أجرؤ حينها على الكلام معه أو سؤاله أو حتى النظر إليه.!

غادرنا إب باتجاه صنعاء ، وحين وصلنا سمارة توقف وأفطرنا في مطعم تديره امرأة ، ثم شرب الشاي وبدأ يفذح " يمضغ بعض أعشاب القات " ، ثم هدأ وتبسم قائلاً:

ــ نسوان ملاعين أعوذ بالله. 

وأضاف:

ــ فيهن نكد يطفش بلد .!

 ووجدته يلتفت نحوي ويقول:

ــ بس تعرف أنت أعجبتني وكبرت في عيني حين قلت لي:

ــ لن أتركك حتى لو قتلتني.

وأضاف:

ــ ولأجل إخلاصك ولأجل والدك صديق عمري سأزوجك ببنتي مروة.

ــ ما رأيك ؟

 ــ لا مروة ولا شروة.

ــ لموه على ذي ؟!

ــ عادك قلت لي نسوان ملاعين وفيهن نكد وقدك تشتنا أتزوج ؟!

ضحك الشيخ حتى تناثر القات من فمه ، ثم دس في جيبي بعض النقود ، وانطلقنا بالسيارة نحو صنعاء.

قبيل وصولنا إلى يريم وجدته ينحرف بالسيارة إلى طريق فرعي ، وبعد نصف ساعة وصلنا إلى منزل شيخ صديقه وبقينا في ضيافته لأيام.!

بعد أن صلينا المغرب يوم الخميس قرر الشيخ فجأة العودة إلى إب.

كانت السماء تمطر والجو مظلم ، وأصوات الرعود تصم الآذان ، ورغم هذا فقد ركب الشيخ رأسه وقرر العودة.!

حاول صديقه بشتى السبل والوسائل أن يمنعه من الخروج في ذلك الجو الممطر ، رمى بشاله ووضع جنبيته بين يدي الشيخ قائلاً:

ــ وجاه الله يا شيخ ، ويمين الله ما تدي خطوة والدنيا ليل ومطر وسيل.

وأضاف:

ــ أنا لي منعك تسمر للصباح.

ورغم توسلات صديقه فقد صمم الشيخ على السفر وليكن ما يكون.!

خرجنا بين المطر والظلام والرعود.

حاول صديقه معه حتى اللحظات الأخيرة ولكن دون جدوى.!

وقف أمام السيارة ليمنعه من التحرك لكن الشيخ رجع بالسيارة للوراء ثم تفاداه وانطلق.!

أدركت أنها النهاية فجف ريقي ولم أستطع الكلام، لساني ثقلت كأنها خشبة ، تسمرت في مقعدي كأنني تمثال أبو الهول ، وحين كانت السيارة تغرز بين الأوحال فأنزل وأدفعها حتى تبللت تماما ، حذائي تقطع وفقدته بين الطين ، تجاوزنا عدة سيول بلطف الله ، وبعد ساعة ونصف من الصراع تحت الأمطار وصلنا إلى الطريق الرسمي.!

أمطار غزيرة تهطل ، وبروق ورعود من كل ناحية ، وظلام شديد والسيارة تمضي ببطء شديد ، ومساحات الزجاج تشتغل دون توقف ، ونحن بالكاد نرى الطريق.!

وتساءلت نفسي:

ــ هل أنا في كابوس أم في اليقظة ؟!

قرصت يدي فتأكدت أننا في الواقع.!

وتمنيت أنني كنت في كابوس ، وأنني ما عرف هذا الشيخ المجنون ولا رافقته .! 

 كنت أشهد وأكبر واستغفر الله ، وأسأله كما أخرج نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت أن ينجينا من هذا الكابوس المخيف.!

 

الغريب والعجيب أن الشيخ كان في قمة السعادة والانبساط ، يهز رأسه ويدندن بأغنية غزلية ، وكأنه يتمشى ذات صباح في قرية سويسرية وليس في كابوس مرعب كالذي أعيشه.! 

 برودة أعصابه لم أر مثلها.!

وكل ما مضى كان كوم وحين صعدنا نقيل سمارة كوم ثاني.!

كنت أخشى هذه الطريق الوعرة حين أمر بها في صحو النهار أما ونحن نمر بها في هذا المطر الغزير والظلام المخيف والضباب الكثيف الذي يلف المكان فهذا فوق طاقتي.!

فوجئت به يرمي إلي بنظارته قائلاً:

ــ امسحها .. أنا نظري ضعيف في الليل.

قلت في نفسي وأنا أرتجف خوفاً:

ــ وعاد نظره ضعيف في الليل ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

مسحت النظارة على عجل وناولته.

كنت أدعوا الله بصوت مرتفع:

 ـ اللهم ألطف يارب ، اللهم سلم سلم. الله الله الله ..

وكان الشيخ يلتفت نحوي قائلاً :

ــ مو بينك يا عمراني ؟!

ثم يدندن بأغنية مطلعها:

ــ محتار في أمري ولا أدري ايش أقول؟

من نظرة الإعجاب أرسـلها رســـــــول 

أنا مستحي منك أقول لك : حبيتك وخايف ما لا قي قبول .

لم نر في الطريق أي سيارة ، ومع هذا فقد واصلنا السير حتى جاءت من خلفنا شاحنة ثم سبقتنا وحينها أسرعنا خلفها مباشرة كأننا قد التصقنا بها ، وتحول كل خوفي أن تنحرف هذه الشاحنة في هذا الضباب الكثيف فنهوي إلى أسفل الجبل ، لكن سائقها كان محترفا يحفظ تفاصيل الطريق كأنه يقود شاحنته في منتصف النهار .!

بعد ساعة كأنها سنوات عجاف من الرعب ، بعد ساعة من اللصوق خلف تلك الشاحنة بدأنا ننحدر من نقيل سمارة باتجاه مناطق إب ، وبدأ الضباب ينقشع ، وبدأت أهدأ قليلا ، وحين وصلنا منطقة الدليل شربت جرعة من الماء ، وحمدت الله أننا تجاوزنا كابوس سمارة المرعب بالسلامة .

لم أصدق أنني نجوت من ذلك الكابوس المخيف.!

كنت منهار تماما ، محطم الأعصاب ، نظرت لوجهي في المرآة فوجدته مصفراً كأنني ميت عاد للتو من قبره.!

حين وصلنا إب سألت الشيخ:

ــ ممكن يا شيخ تقول لي: ما هو السبب الهام الذي جعلك تغامر بحياتنا بين المطر والضباب؟!

وفوجئت به يقول بكل برود:

ــ اشتقت لزوجتي.!

وأضاف:

ــ الليلة خميس يا عمراني.

ــ وأنت كنت تقول: نسوان ملاعين وكيدهن عظيم ، وفيهن نكد يطفش بلد وووالخ

ــ كنت في ساعة غضب.

قلت في سري:

ــ عليك غضب الله أنت وزوجتك ومن زاد رافقك.

حين وصلنا منزله سلمته سلاحه وودعته فصاح في:

ــ وينك رايح يا عمراني ؟!

وأضاف:

ــ وأنت كنت تقول لن أتركك حتى لو قتلتني ؟!

ــ أنت قد قتلتني فعلاً .

 ذهبت إلى عيادة طبية وأخبرت الطبيب بما حدث لي فقرر لي الطبيب حقنة علاج للفجائع الني تعرضت لها ، وأخذت أيضا بعض الفيتامينات.

 بت عند أحد أقاربي، وفي الصباح غادرت مدينة إب نحو القرية.

وبعد أسابيع أرسل لي الشيخ بالنقود، ومن يومها كلما أمر بمدينة إب أتذكر الشيخ منصور وتلك الليلة المرعبة التي لا أنساها ما حييت.! 

 

*****