من يهمه الأمر شخصان من الناس
بقلم/ د. عبدالعزيز سمران
نشر منذ: 13 سنة و 4 أسابيع و يوم واحد
السبت 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:53 م

الأول: إلى كل من حزن أو تحازن، بكى أو تباكى على رحيل صالح ومغادرته السلطه، أقول له: اليمن أغلى من صالح وإن كان هناك من سبب للحزن فيجب أن نحزن على بلدٍ أنهكها حكم صالح ومن حوله، فلم يكن صالح في يوم من الأيام صاحب قيادة مبنية على أسس صحيحة تدعو للحزن أو التباكي عليه، فقد ظل متشبثاً بالسلطة إلى آخر لحظة، اللحظة التي نفدت فيها كل حيله وخيوط لعبته، هذه الحيل التي فضحها صبر الشباب الثائر في الساحات، وملل المجتمعات الدولية من مكره والتفافه ومراوغته.

لم تكن قيادة صالح مبنية على الذكاء والحكمة في التعاطي مع الأمور بقدر ما كانت قيادته مبنية على سياسة حكومة اللاتكنوقراط (من خلال اعطاء الكثير من المناصب لمن لا يستحقها، والمكان المناسب للرجل غير المناسب، وذلك حتى يظل ممسكاً بزمام الأمور)، وكذلك من خلال سياسة التهميش واقصاء الآخرمن أصحاب العلم والفضل، وكذلك قتل من استطاع قتله ممن وقفوا أمامه (والحوادث كثيرة الزمن كفيل بكشفها)، وكذلك التفريق بين الخصوم، والحكم عن بعد من خلال من أسماهم المشائخ والأعيان والوجهاء، وشراء الذمم بالمال.

ولم تكن قيادة صالح مبنية على حنكة اقتصادية كما كانت لدى المهاتير محمد الذي قاد ماليزيا لتصبح دولة لها مكانتها على مستوى العالم وأصبح العالم شهد لها بأنها نمر آسيوي قادم، وإذا ما ضرب المثل بدولة مسلمة متقدمة اقتصاديا قلنا ماليزيا. هذه الحنكة الماليزية نجد لها شبيهاً في تركيا لدى حزب العدالة والتنمية ممثلةً برجب طيب أردوغان الذي استطاع كسب تأييد من حوله من الأتراك وغير الأتراك، حيث نهض باقتصاد البلد ليصبح السادس عشر على مستوى العالم والأول من حيث النمو الاقتصادي. وفتح بلاده للعرب والمسلمين بدون فيزة دخول، لتصبح تركيا وجهة للسائح العربي. ورفع بمنسوب التبادل التجاري مع البلاد العربية ليبلغ المليارات رافعاً بذلك دخل المواطن التركي.

ولم تكن قيادة صالح مبنية على حنكه سياسية كما هي لدى رجب طيب أردوغان الذي كانت له مواقفه الرائعه في مؤتمر دافوس، وفي محنة الفلسطينيين خلال حرب غزة وارسال سفن الإغاثة وطرد السفير الاسرائيلي، وفي محنة الصومال، وموقفه من تعنت الحكومة السورية تجاه شعبها المظلوم. وهاهو يعتذر الآن عن أخطاء ارتكبتها حكومة أتاتورك وجيشه في حق الأرمن ليفتح بذلك صفحه جديدة لتركيا التي تسع الجميع (أرمن وأكراد وأتراك وعرب سنة وشيعه) بعيداً عن سياسة الإقصاء.

ولم تكن قيادة صالح مبنية على نشر العلم والقضاء على الأمية كما هي في أي دولة من دول العالم المتقدم، بل قفزت أرقام الأمية لتصبح فلكية في زمن أصبح مصطلح الأمية يشير لمن لا يلم بمبادئ التعاطي مع المعلوماتية الحديثة، فأصبحت الأمية (أمية القراءة والكتابة) في صفوف الشباب 45% وفي صفوف النساء 65%، أُهملت المدارس الحكومية ونشط القطاع الخاص (المتهالك والساعي إلى الربح دوماً) على أنقاض المدارس الحكومية. جامعات بلا كادر، وتعيين الكثير من أعضائها جاء على أسس ليس لها علاقة بالمعايير العلمية.

ولم تكن قيادة صالح مبنية على نشر العدل وتحسين القضاء ونصرة المظلوم بقدر ما كانت مبنية على نشر الظلم والإفساد وازدواجية المعايير، فلا نكاد نجد دائرة حكومية يتساوى أمامها الناس صغيراً أو كبيراً غنياً أو فقيراً، فلا يذهب الواحد منا إلى معاملة يريدها إلا وهو يبحث عن وسيط أو وساطة يستطيع أن ينجو بها من ابتزاز الموظف، وقد يقول قائل وما شأن علي صالح بذلك أقول له باختصار إذا صلح الرأس صلح الجسد.

رحل علي صالح ورحلت معه حقبة زمنية عانا فيها اليمنيون الأمرين، لم يعتذر لشعبه كما اعتذر غيره، ولذا فإن شعبه لم ولن يسامحه على ما ارتكبه بحقه.

الثاني: إلى كل من لا زال يشكك بمدى وأهمية توقيع المبادرة الخليجية ورحيل صالح عن السلطة وعلاقة ذلك بأهداف الثورة أقول له باختصار: لقد انتصرت إرادة الشباب الثائر في الساحات المنتشرة في أرجاء الوطن وحققوا أول أهدافهم وهو رحيل صالح عن السلطه، كما أن المبادرة لم تمنح حصانة لمرتكبي جرائم القتل والإبادة كما يتصور للبعض، ولكن الثورة لم تنتهِ بعد بل في الحقيقةً أنها بدأت حتى تتحقق الأهداف الأخرى، كمحاسبة من تلطخت أيديهم بدماء أبناء اليمن شمالاً وجنوباً، ومحاسبة كل من له علاقة في موضوع الفساد، والهدف الأكبر بناء اليمن الجديد لكل اليمنيين، يمن جديد ومستقبل أفضل.