أسرار الانقلاب العسكري في موريتانيا
بقلم/ جهان مصطفى
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الخميس 07 أغسطس-آب 2008 05:10 م

يا فرحة ما تمت .. هذا أصدق وصف يمكن التعبير به عما تشهده موريتانيا حاليا ، فلم يكد يمر عام على أول تجربة ديمقراطية تنعم بها في تاريخها الحديث ، إلا وداهمتها مجددا الانقلابات العسكرية ، حيث فوجيء العرب والعالم في 6 أغسطس 2008 بأنباء الإطاحة بنظام الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله .

هذا التطور جاء بعد ساعات قليلة من إعلان الرئاسة الموريتانية عن إقالة الجنرالين القويين في المؤسسة العسكرية ، وهما الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي والجنرال محمد ولد الغزواني قائد الجيش ، كما جاء في أعقاب انسحاب 48 من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية الحاكم (عادل) الذي يقوده رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف، مما أفقده الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها.

وكان المتحدث باسم النواب المستقيلين سيدي محمد ولد محمد قد برر تلك الخطوة بأن العملية الديمقراطية انحرفت عن مسارها الطبيعي وتحولت إلى وسيلة لاختلاس الأموال العامة وانحرفت عن أهدافها في التنمية والبناء ، مشيرا إلى أن البلد يعيش حالة من الفساد وسوء التسيير لا نظير لها، حيث استحكمت في كل مفاصل الدولة في غياب إجراءات الرقابة على المال العام وانعدام خطة وطنية لمكافحة الرشوة، في حين ظلت الحكومة عاجزة عن مواجهة كل هذه المشاكل، كما باءت الإجراءات النادرة التي قامت بها بالفشل.

وفي المقابل ، نفى القيادي في الحزب الحاكم أبو بكر ولد أحمد أن تكون تلك هي الأسباب الحقيقية للانسحاب، مشيرا إلى أن هناك أسبابا شخصية، وحتى طموحات سياسية ، وهذا ما أشارت إليه أيضا بعض مصادر المعارضة التي اعتبرت خطوة نواب الحزب الحاكم المستقيلين احتجاجا على تهميشهم، وعدم التشاور معهم في تشكيل الحكومات الثلاث المتعاقبة منذ تولي ولد الشيخ عبد الله الرئاسة ، وليس الحرص على المصلحة العامة كما يدعون .

أيضا محمد المصطفى ولد بدر الدين رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اتحاد قوى التقدم المشارك في الحكومة اتهم النواب بالتمهيد لانقلاب أعده وخطط له العسكر ، مشيرا إلى أن العسكريين رأوا أن الرئيس بدأ يشب عن الطوق ويخرج عن سيطرتهم وهو ما لا يحتملونه، ولذلك قرروا تنفيذ انقلاب عليه.

الجميع في قفص الاتهام

ويكاد يجمع المراقبون أن الرئيس والعسكر والنواب كلهم مخطئون ومسئولون عما وصل إليه الحال في موريتانيا ، ولا ننسى أيضا تأثير العوامل الخارجية وتحديدا الضغوط الإسرائيلية والأمريكية .

فالتجربة الديمقراطية الوليدة حوصرت بصراع على المناصب داخل الائتلاف الحكومي ، وبصراع على السلطة بين الجيش والرئاسة ، وبين الحكومة والمعارضة ، هذا بجانب تصاعد دعوات الرأي العام الموريتاني للرئيس بتنفيذ وعوده الانتخابية بمراجعة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتلكؤ الرئيس في الإقدام على تلك الخطوة بسبب الخوف من الانتقام الأمريكي ورفض العسكر لمثل هذا الأمر.

لقد كانت الآمال والطموحات كبيرة تجاه نجاح تجربة موريتانيا وإمكانية تكرارها في الدول العربية ، إلا أن الرئيس أخطأ عندما سارع فور تسلمه منصبه الرئاسي في إبريل 2007 إلى تشكيل حكومة غير متجانسة وغير مؤهلة اعتمدت في الغالب على التحالفات القبلية والسياسية ، ولذا فشلت في تحقيق المأمول منها وخاصة ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ، ووجهت لها انتقادات بشأن تعاملها مع ارتفاع أسعار الغذاء وهجمات شنها على مدى عام تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي .

عودة رموز الفساد

وحتى بعد استقالة زين ولد زيدان الذي عين رئيسا للحكومة يوم 29 إبريل نيسان 2007 ، فإن الحكومة الجديدة التي بدأت مهامها في 12 مايو 2008 لم تعالج الخطأ السابق جذريا ، بل وجاءت أيضا برموز الفساد في نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 2005 ، حيث تسلم حقيبة الخارجية شيخ الفيدا ولد محمد خونا رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية إبان حكم ولد الطايع .

ويقول المحلل السياسي أحمد ولد أباه في هذا الصدد إن التشكيلة الحكومية الجديدة أعادت الثقة لرموز في النظام السابق بعد أن غادروا المشهد الحكومي في سنوات ما بعد الإطاحة بنظام ولد الطايع ، وهم رموز ضمن قائمة طويلة يحملها الشارع الموريتاني مسئولية الكثير من الأزمات التي عانى منها البلد في العقدين الماضيين.

كما أعلن تكتل اللقاء الوطني الموريتاني المستقل في بيان له أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الرئيس الموريتاني هو إعادة رموز الفساد إلى الواجهة، قائلا :" خير لنا ولموريتانيا في ظل وضع كهذا أن نعود إلى حكم العسكر، لأنهم من أزاحوا رموز الفساد عن الواجهة، في حين أن من أعادهم إليها هو النظام الجديد".

وأعرب عن خيبة أمله لعدم تحقيق أي تقدم فأكثر من ثلثي السكان يعيشون في وضع جحيمي بسبب الغلاء، وسوء التسيير، ونفوذ شيوخ القبائل، وعودة رموز الفساد .

ولد الشيخ عبد الله كان يفاخر أيضا بأن السنة الأولى من حكمه بلغت مستوى غير مسبوق من الحريات العامة ، فلا اعتقالات سياسية، ولا مصادرة للحريات، ، إلا أن المعارضة كان لها رأي آخر ، حيث تحول الأمر في أحيان كثيرة إلى حالة من التسيب إذ صار بإمكان أي شخص أن يؤسس حزبا سياسيا ولو لم يكن يستجيب للشروط المطلوبة.

وفي السنة الأولى أيضا لولد الشيخ عبد الله ، تفجرت أزمة "المخدرات"، وتزايد الغلاء، وخرجت خلايا محسوبة على السلفية الجهادية لتشتبك مع قوات الجيش مخلفة قتلى وجرحى ، كما انتشر الفساد في الهرم الرئاسي ، حيث تشتبه المعارضة في مصادر تمويل مؤسسات خيرية تشرف عليها عقيلة الرئيس خنتو بنت البخاري .

وفي ظل هذا التردي ، تفجرت الحرب الكلامية بين الحكومة والمعارضة ، حيث اتهم زعيم المعارضة أحمد ولد داداه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بالضعف والعجز عن تسيير شئون البلاد، كما هاجم الوضع الاقتصادي ، قائلا :" إن حساب النفط قد أنفق منه حتى الآن أكثر من 93% "دون أن ينعكس ذلك على الظروف المعيشية للمواطنين ".

وأضاف أن الحكومة عجزت عن مواجهة أزمة الغلاء التي اندلعت بسببها مظاهرات أدت إلى قتل فتى وجرح عشرات، وتحرك الحكومة (الخطة الاستعجالية) جاء متأخرا جدا ، ومسيسا جدا، حيث تم تكليف رئيس الحزب الحاكم يحيى ولد الواقف بالإشراف على الخطة، وهو ما يعني في نظره أن وسائل الدولة تم تسخيرها لحزب سياسي دون غيره.

كما أشار إلى خطورة الأوضاع الأمنية في ظل ما قال إنه "غياب سلطة الدولة على جميع المستويات بدءا برئيس الجمهورية ومرورا بالحكومة وانتهاء بالإدارة".

وفي المقابل ، رفض رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف الاتهامات السابقة ، واتهم أحمد ولد داداه بالمغالطة والابتزاز وتزييف الحقائق، واستخدام أساليب غير ديمقراطية في تعامله مع الحكومة ، مشيرا إلى أن ولد الشيخ عبد الله أنجز الكثير خلال عام واحد وكسر أنماطا كانت محظورة في عهد من سبقوه ففتح ملف الرق والمبعدين الموريتانيين إلى الخارج، وسارع إلى الترخيص لحزب إسلامي، ورفع الحظر عن جميع السياسيين، ونجح في تحسين علاقات موريتانيا الخارجية، فضلا عن إنجازات اقتصادية ، حيث يبلغ حاليا رصيد صندوق العائدات النفطية 59 مليون دولار، أي بزيادة 10 ملايين دولار عما كان عليه الوضع في ديسمبر 2007.

كما أعلن محمد المختار ولد إياهي مستشار الرئيس الموريتاني أن صعوبة الوضع الاقتصادي يرجع لارتفاعات الأسعار عالميا، ولانخفاض منسوب الأمطار خلال العام الأخير ، أما المجهود الحكومي فكان في مستوى المطلوب ، حيث تمت السيطرة على التضخم في مستوى معقول، وتحسن معدل النمو.

الإنقلاب بين مؤيد ومعارض 

ومع حديث البعض عن بدء معركة لي الأذرع بين الرئاسة ومجموعة من البرلمانيين مدعومون من قبل قادة في المؤسسة العسكرية ، قدمت الحكومة استقالتها في يوليو الماضي في مواجهة اقتراح بسحب الثقة منها، وتشكلت حكومة أخرى برئاسة يحيى ولد أحمد الواقف أيضا ، ما أدى إلى انسحاب حزب اتحاد قوى التقدم وحزب التواصل الإسلامي وكانا مشاركين في الحكومة السابقة.

وبدأت الأوضاع في التأزم أكثر وأكثر إثر طلب تقدم به بعض النواب لعقد دورة برلمانية طارئة لتشكيل لجان تحقيق في مشاريع ومؤسسات عمومية، وتشكيل محكمة العدل السامية التي يحق لها محاكمة رئيس الجمهورية، إلا أن الحكومة رفضت مثل تلك الخطوة ، الأمر الذي اعتبره المعارضون نكوصا عن الديمقراطية وعرقلة لعمل البرلمان ، وانتهى الأمر بالانقلاب العسكري .

هذا الانقلاب نظر إليه البعض على أنه محاولة لتصحيح الأمور وإخراج البلاد من أزمتها ، إلا أن هناك من رأى فيه تأكيدا على الديمقراطية الزائفة وأن العسكر هم من يحكم موريتانيا فعليا ولذا عندما حاول الرئيس ولد الشيخ عبد الله الاستقلال في قراراته انقلبوا عليه ، بل وهناك من توقع عودة العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي أطاح بنظام ولد الطايع ووضع أسس الديمقراطية الموريتانية خلال فترة انتقالية دامت 18 شهرا ليسلم بعدها السلطة إلى الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ، إلى السلطة مرة أخرى .

فما يحدث حاليا يتناقض مع الدستور الذي ينص على أن دور الجيش يقتصر على احترام مواده وحماية الديمقراطية والتعددية السياسية ، كما يتناقض مع قيام ولد فال بالتصويت ليختار من يخلفه في كرسي الحكم، في مشهد هو الأول من نوعه في المنطقة العربية وكان يمهد لتأسيس عهد جديد عنوانه الكبير "تداول السلطة عبر الديمقراطية".

ورغم التباين السابق في النظر إلى الانقلاب العسكري ، فإن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أن الموريتانيين لن يقبلوا مجددا بالحكم الفردي والاستبدادي .

* محيط