رحل صالح. . فهل رحل نظامه؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الثلاثاء 24 يناير-كانون الثاني 2012 03:49 م

كانت مغادرة علي عبد الله صالح هذه المرة مثيرة للاهتمام بعكس جميع المرات التي سبق وإن غادر فيها اليمن بما في ذلك بعد حادثة المسجد الشهيرة التي ما تزال أسرارها تطوى إلى اليوم ولا أظنها ستكشف في المدى القريب المنظور .

سبب هذا التميز للسفرة الأخيرة هو أنها تأتي والرجل قد وافق على نقل صلاحياته إلى نائبه وانتزع من البرلمان موافقة على بياض تعفيه من كل جرائمه التي ارتكبها على مدى ثلث قرن، وجميع الصفقات التي عقدها أو وجه بعقدها والمشكوك في قانونيتها ونزاهتها، ومن جميع الأموال التي عبث بها هو والمقربون منه على مدى فترة حكمه الممتدة 33 عاما وتزيد .

يشعر الكثير من المراقبين أن الرجل غادر إلى غير رجعة رغم تصريحه بأنه سيعود لينصب نائبه هادي رئيسا وليتولى هو قيادة المؤتمر الشعبي العام، لكن الحقيقة التي فهمها الكثير ممن المدركين لألاعيب الرجل وكياسته أن هذه ليست سوى رسائل طمأنة للذين تباكوا على ذهابه في العام 2006 عندما تظاهر بعدم الرغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية حينها، بمعنى أن الرجل أراد أن يقول لأنصاره الذين يشعرون بانعدام كينونتهم في غيابه: أنا سأعود لكم لتستعيدوا وجودكم، وهو يعلم أن الثارات التي في عنقه تجعله لا يشعر بالطمأنينة تجاه أوليا الدماء التي سفكها حتى لو ابتعد إلى أقصى بقاع الدنيا فكيف وهم ينتشرون في كل أودية وجبال اليمن التي يقول إنه سيعود إليها .

السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا بعد رحيل صالح؟، أو بالأصح هل رحل نظام صالح؟

لقد ترك صالح لليمن إرثا ثقيلا من الألغام القابلة للانفجار في كل لحظة، فغياب الحياة المؤسسية جعلت من شخصه بديلا عن كل المؤسسات وسيكون على من يرثه البدء ببناء دولة المؤسسات من الصفر وهي مهمة تقتضي اجتثاث كل ذلك الركام من العشوائية والفوضى والفساد والمحسوبية والوصولية التي زرعها صالح ونماها حتى صارت جزءا أصيلا من نظامه .

كما ترك صالح جهازا عسكريا وأمنيا لا يدين بالولاء إلا له وحده دون سواه وجعل أقرباءه والمخلصين له ممسكين بهذه الأجهزة وفضلهم عمن يتفوق عليهم خبرة وخدمة وكفاءة وأقدمية، ليصير هؤلاء الأخيرون مجرد موظفين عند أقرباء وأولاد "الزعيم الرمز"،. . .وتخليص هذه المؤسسات من أيدي خاطفيها هي مهمة أقرب إلى مهمة إزاحة صالح نفسه إذ إن هؤلاء ما يزالون ينظرون إلى تلك المؤسسات على إنها جزءا من أملاكهم .

كما خلف صالح منظومة فساد لا يمكن استئصالها إلا باستئصال الفاسدين أنفسهم وهؤلاء يمثلون جيشا جرارا من المنتفعين بدءا بعدد كبير من كبار المسئولين والوزراء والمدراء والسماسرة والوسطاء وانتهاء ببعض صغار الموظفين الذين يمثلون المورد الأصلي لكل ثمار الفساد،. . .إن هذا الجيش يشمل ما يقارب نصف موظفي الدولة الذين يباشرون أعمالهم خصوصا أولائك الذين يتحكمون في المرافق الإيرادية والقضائية والأمنية الذين يتاجرون حتى بالحبر المستخدم في كتابة المعاملات والختوم التي يمهرون بها توقيعات كبار المسئولين، دعك من المشاركين في معاملات المقاولات والمشتريات والمبيعات الحكومية، ومأموري الضرائب والجمارك وسواهم الذين لا يبرأ منهم من الفساد إلا من رحم ربي .

الرحيل الحقيقي والنهائي لصالح لن يتحقق إلا عندما تتخلص اليمن من كل الأدواء والأوبئة الإدارية والأخلاقية والبيروقراطية التي زرعها صالح وطورها وحرص على تنميتها على مدى ثلث قرن من الزمن وهو زمن حكمه لليمن واليمنيين .

برقيات :

اعتداء قائد الحرس الجمهوري على منزل الزميل النائب عبد الحميد البترا يعكس ذلك الكم من الهمجية التي يتمتع بها تلاميذ مدرسة صالح وحرصهم على تسخير القوات التي يقودونها لتصفية الثارات الشخصية مع من يختلف معهم في الرأي .

انتفاضة ضباط وجنود القوى الجوية والدفاع الجوي تمثل انتقالا مهما لثورة المؤسسات إلى تلك المؤسسات التي اعتقد أقرباء صالح بأنها ملكا من أملاكهم، فهل سنرى مثل هذه الانتفاضة في الحرس الجمهوري والأمن المركزي؟

قال شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري :

أتعلم أن جراح الشـــــــــــــهيدِ تطلُّ عن الثأر تستـــفهمُ؟

فقل للمـــــــــــــــــقيم على ذلِهِ هجينا يســـــــخَّر أو يُلجَمُ

تقحَّم، لُعـِــنتَ، أزيز الرصاص وجرِّب من الحظِّ ما يُقسَمُ

وخضها كما خاضها الأسبقون وثنِّ بما افــــــــــتتح الأقدمُ

فإما إلى حــــــــيث تبدو الحياة لعيـــــــــــنيك مكرمةً تغنمُ

وإما إلى حدثٍ لم يـــــــــــــــكن ليفضلهُ بيــــــــــتك المظلمُ