ترسيخ الوحدة اليمنية ليس باختلاق الوقائع وتشويه التاريخ (1-2)
بقلم/ نجيب قحطان الشعبي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و يومين
الخميس 06 يناير-كانون الثاني 2011 04:29 م

مما أفرزته الحرب الأهلية اليمنية في 1994م بروز الزعم بأنَّ راجح لبوزة توجه من شمال اليمن إلى جنوبها بالاتفاق مع السلطة بصنعاء لتفجير ثورة لتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني وأن صنعاء قدَّمت لتلك الثورة (ثورة 14 أكتوبر) المال والسلاح والرجال! (وأضاف اللواء علي محمد عبد المغني الذي فندت مزاعمه بمقالي السابق، أضاف "السيارات" إلى قائمة ما قدمته صنعاء!)، ومثلما بيَّنت بأكثر من مقال فإنَّ ثورة 14 أكتوبر لم تتلق من السلطة اليمنية بصنعاء ريالاً واحدًا أو طلقة رصاص، فظهرت عدة مقالات بالصحف المكتوبة وبالمواقع الإلكترونية – يبدو أنها موجهة - يتوهم كـُتـَّابها ومن يوجههم أنـَّها ردود على الحقائق التي كتبتها وما هي بردود ولكن شبه لهم, فهي إما هجوم شخصي عليَّ أو ترديد للتخريف نفسه عن عودة لبوزة للجنوب باتفاق مع صنعاء ودعم صنعاء لثورة أكتوبر وواحدية الثورة اليمنية، ولكن أحدًا لم يستطع بالطبع تقديم دليل واحد يثبت صحة شيئ من ذلك .

فإذا تساءلنا عن سبب إفراز تلك المزاعم بعد حرب 1994م فسنجد أنَّ ذلك يحدث من منطلق أوهام أهمها أن إلغاء تاريخ الجنوب وضمه إلى تاريخ الشمال سيؤدي إلى كسر الكبرياء والاعتزاز بالتاريخ الوطني لدى الجنوبيين وإشعارهم بالدونية كمواطنين من درجة أقل من درجة المواطن من أبناء الشمال وبذا تتولد فيهم روح الخنوع فتترسخ الوحدة القائمة! ولكن ظهور الحراك الجنوبي وصمود كثير من قياداته وأفراده حتى اليوم وبروز الدعوات الانفصالية بقوة أثبت أنّ الوحدة اليمنية لم تترسخ بعد في نفوس كثير من الجنوبيين بل معظم الجنوبيين، وأنَّ هذه الوحدة ليست راسخة رسوخ جبال شمسان وعيبان، بدليل أنَّ جميع خطابات رئيس الجمهورية لم تعد تخلو من الهجوم على الحراك الجنوبي والتأكيد على رسوخ الوحدة وهو ما يؤكد أنّ هناك استشعارًا لدى السلطة بأنّ الوحدة لم تترسخ بعد وهذا ما يفهمه أي مشتغل بالسياسة أو لديه اهتمام بها .

وملتقى, أول أعماله شرك بالله !

ومؤخراً تأكد مرة أخرى تزعزع الثقة برسوخ الوحدة وذلك بتشكيل ما يسمى بملتقى ابناء الشهداء الذي صدر عنه في 29 ديسمبر الفائت بيان تلاه واحد من الجيش الجرار المكون من وكلاء محافظة لحج (نجل راجح لبوزة) وكلمة القاها واحد من جيش وكلاء محافظة عدن (نجل سالم ربيع) وهدد البيان وكلمة وكيل محافظة عدن بالتصدي والضرب بيد من حديد كل من "تسول له نفسه" المساس بالوحدة اليمنية! فهل صارت دولتك يا سيادة الرئيس تعاقب الناس على ما يجول بخواطرهم؟ فالله نفسه جل جلاله لا يعاقب الناس على ما تسوله لهم أنفسهم وقد نسخ إحدى الآيات خصيصاً ليطمئنهم إلى أنه لن يؤاخذهم بما تسوله لهم أنفسهم من آثام ومعاصي ما داموا لم يقدموا على التنفيذ .

من جهة أخرى أتسائل : ما هي إنشاء الله وسيلة هذا الملتقى لمعرفة ما توسوس به نفوس الناس حتى يضربهم بيد من حديد؟ طبعاً لا شيئ ولكنه التهريج والمزايدات الفارغة وكان يجب على الإعلام الرسمي حذف كل العبارات التي تتوعد بمعاقبة "من تسول له نفسه" فهي شرك بالله إذ لا يعلم ما تخفي الصدور إلا الله وحده سبحانه وتعالى, لكننا نجد أن الإعلام الرسمي حذف العبارة من كلمة الوكيل فيما نشرها ضمن بيان الملتقى والسبب ليس مسألة الشرك وإلا لحذفها من الكل فالسبب في تقديري هو أنه وجد في ترديد الوكيل للعبارة, مع تكراره لها, وإكثاره من التهديدات, تكبيراً للذات خاصة انه وصف نفسه بشبل من ظهر أسد! فحذف الإعلام الرسمي كل ذلك من كلمته (والفضل لصحيفة "الطريق" في تعريف الناس بكامل كلمة الوكيل فيما تجاهلت تماماً بيان الملتقى, ومن المعروف أن ناشر ورئيس تحرير "الطريق" الأخ أيمن هو ابن الصحافي القدير والمناضل محمد ناصر محمد أحد شهداء الجريمة القذرة التي أقدمت عليها السلطة بتفجير طائرة الدبلوماسيين في 1973م) كما ألقى الرئيس كلمة إلى الملتقى مهدداً بفتح ملفات الماضي السياسي لمن لن يعودوا إلى جادة الصواب, وهو ما يشير مجدداً إلى أن الوحدة اليمنية ليست في رسوخ الجبال! وأظنني سأعود للكتابة حول هذا الملتقى خاصة أنه ليس كل القتلى شهداء فهناك من أجرموا بحق الشعب والوطن وقتلوا آلاف الأنفس بغير حق وسحلوا علماء الدين حتى الموت ثم لقوا مصرعهم في صراع على كرسي الحكم فتجيئ دولة الوحدة الآن لتعتبرهم "شهداء" وينضم ابنائهم لذلك الملتقى بدلا من أن يتواروا خجلا من تاريخ آبائهم المشين! فيالها من عدالة وإحترام لشهداء اليمن الأبرار! ثم أن هذا الملتقى يطل علينا بمظهر شطري جنوبي فيما يتوارى أعضاؤه من أبناء الشهداء من الشمال اليمني (لكنهم يحتكرون مواقعه القيادية وهذا طبيعي فحتى شهداء الجنوب لابد أن يكونوا شهداء من الدرجة الثانية) !.

النكاية بالحزب الإشتراكي اليمني !

أما الوهم الثاني والهام لدى السلطة فهو أنَّ كل تلك المزاعم حول تفجير الثورة ودعمها والواحدية انما ترددها نكاية بالحزب الاشتراكي اليمني الشريك في تحقيق الوحدة والعدو في حرب 1994م، وبوهم أنَّ ذلك سيجرد الحزب من تاريخ جنوبي كان مشرفـًا ومشرقـًا، فهنا تخطئ السلطة فمزاعمها لن تستطيع أصلاً أن تلغي ذلك التاريخ، كما تخطئ لأن ذلك يفصح عن أنـها تعتبر الحزب الاشتراكي امتدادًا للجبهة القومية التي فجـَّرت وقادت ثورة 14 أكتوبر (وليس لبوزة الذي يصر الإعلام الرسمي على أنـَّه فجَّر 14 أكتوبر بسلاح صنعاء ومالها ورجالها وسياراتها، فلبوزة لم يفجِّر ولم يقد الثورة بل لم يُشارك فيها أصلا، وحقائق التاريخ "الموثقة" تثبت بأنـَّه قـتـل في يوم 13 أكتوبر 1963 أي قبل انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963م.. وحتى أفحم هذا الإعلام الرسمي وغيره من مزوري تاريخ الجنوب، فإنني سأنشر بالمقال بعد القادم بإذن الله وثيقة رسمية هامة تثبت أن راجح لبوزة قـتل في 13 أكتوبر 1963م).

فالسلطة تنطلق من كون الحزب الاشتراكي هو إمتداد للجبهة القومية وهذا غير صحيح سياسيـًا وتاريخيـًا وإلا ما كان للحزب مؤسس يختلف عن مؤسس الجبهة (وهذا كتبه بوضوح منذ سنوات أحد قادة الحزب وهو الأخ محمد حيدرة مسدوس)، وفي رأيي أن الفكر الذي قام عليه الحزب الاشتراكي يثبت بأن الحزب امتداد لاتحاد الشعب الديمقراطي بقيادة عبدالله باذيب وهم الشيوعيون الحقيقيون منذ ما قبل الإستقلال الوطني في 1967م بنحو عشرة أعوام وليس من أرتدوا مسوح الشيوعية بعد الإستقلال متوهمين أن ذلك يكسبهم صفة التقدمية (الاتحاد هو من الفصائل الثلاث التي تشكل منها الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1978م).

ثمَّ أنَّ الحزب الاشتراكي لا يستمد وجوده ونشاطه الحالي من كونه امتداد للجبهة القومية، ولكن من مشروعيته كحزب قانوني، إضافة إلى أنـَّه الشريك المناصف في تحقيق الوحدة اليمنية في 1990م فلا يمكن للسلطة أن تحله تحت أي مبرر, نعم يمكنها إضعافه وقد قامت بذلك, لكنها لا تستطيع أبداً أن تحله .

وفي الجزء الثاني من هذا المقال سأبين كيف أن رسوخ الوحدة اليمنية لم يظهر في عيدها العشرين الذي أجرت فيه السلطة إستفتاء لسكان عدن على الوحدة اليمنية من دون أن تقصد ذلك أو ترغب فيه! فإلى اللقاء بإذن الله في الأسبوع القادم .