القاعدة بين أعراف القبيلة وقانون الدولة
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 26 يناير-كانون الثاني 2010 03:10 م
 
  سيظل ملف القاعدة في اليمن وتداعياته المتسارعة مثار لغط لدى العديد من المتابعين لأحداثه , لأن ثمة متغيرات تطرأ بين الحين والآخر , وتطفو على السطح مستجدات تنسف حسابات ما قبلها . 

نفوذ القاعدة وتغلغلها في العمق القبلي في اليمن إضافة إلى تلاشي سلطان الدولة وانحصار قانونها ضمن زوايا " مدنية " ضيقة .. وفي مواجهه خطاب إعلامي أمني يسعى جاهدا لأن يصور إنجازاته بطريقة توحي على نجاح كبير في التعامل مع ذلك الملف , أو لنقل يسعى أن يقدم نفسه لجهات خارجية بطريقة تسويقية , دون وضع نتائج ذلك العرض الإعلامي موضع التشكيك أو التحقيق من قبل أي جهات خارجية لها صلات في التعامل مع ذات الملف, وهو ما سينعكس سلبا في مصداقية تلك ألأجهزة وتعاملها مع الجهات الداعمة لحربها ضد الإرهاب .

القاعدة .. وأحضان القبيلة :

قد يتساءل البعض لماذا دائما تنشط القاعدة في أعماق القبيلة وأحضانها , ولماذا دائما تختفي من المدن وأماكن الحضر, بالرغم أن بعض الأماكن في الوطن العربي يمكن ان تحقق الكثير من مطامع القاعدة حسب مزاعمهم .. لكن يبدو أن الريف وغبار القبيلة لها نكهه خاصة تتذوقها القاعدة سواء في جبال تورا بورا من أفغانستان وباكستان ومرورا بصحراء اليمن ووديانها .

ستضل القبيلة وأعرافها أحد الأعمدة التي تسعى القاعدة للاحتماء بها , لأنها تمثل درعا يمكن الاحتماء به , وتعمل تحت ظلة بأمان لكن بالطبع ليس بالمجاهرة والظهور العلني إلا في أوقات ضيقة جدا , لأن القاعدة أيضا تخشى أن تنقلب القبيلة ضد ذلك الظهور السافر .

لا أريد أن يفهم من سياق هذه المقالة أن القبيلة تعد حصن القاعدة الأول , ومركزها الأعظم , بل أن القبيلة في اليمن وقفت ضد أفكار القاعدة وتحركاتها , ولقد مثلث محافظة مأرب على سبيل المثال نموذجا في التعاون الجاد مع أجهزة الأمن ضد القاعدة , لكن ضمن آليات محددة , وموجهات متفق عليها سلفا .

فالقبيلة ترفض أن تكون ساحاتها مكانا لتصفيات الحسابات سواء من قبل القاعدة أو الدولة .

القبيلة في مأرب قدمت وثيقة رسمية وقع عليها كبار مشائخها ووجهائها تعلن فيها وقوفها الكامل مع الدولة في اجتثاث كل من يحاول التخريب أو النيل من أمن الوطن , ولقد سمحت قبائل عبيدة لدولة وقواتها أن تتحرك في وديانها ومزارعها بكل حرية وأمان , وكان حصول هذا الحدث , قبل وصول القاعدة يعد سابع المستحيلات لأجهزة الأمن وقواتها العسكرية .

.. لقد حاولت القاعدة أن تظهر نفسها أنها مازلت تقدس القبيلة وتحترم مواثيقها لكن حقيقة الأمر خلاف ذلك .

 لقد تعلمت القاعدة خلال السنوات الماضية أن التخلي عن القبيلة عامل ضعف, سينقلب ضدها وسيدمر تواجدها , لذا نجد أن خطاب القاعدة يستبعد من أدبياته أي تهجم ضد القبيلة وأعرافها .

طريقة عرض خاطئة :

من الغريب أن تقدم أجهزة الأمن نفسها لنظيراتها الأمريكية والغربية على أن لديها القدرة الكاملة في حسم الملف وطي مخرجاته بكل جدارة , وفي المقابل لدى تلك الجهات العلم أن أجهزة الأمن أخفقت في كثير من ألإحيان وأن طريقة تقديم نفسها بتلك الطريقة تفتقد إلى الكثير من المصداقية .

إن التعامل مع ملف القاعدة في اليمن سيكلف الجهات الرسمية الكثير من العناء والإحراج أمام الجهات الداعمة لمكافحة ألإرهاب وسيدخلها في بحيرات من الفوضى الأمنية التي لا تعد ولا تحصى .

أني أتساءل لماذا تجاهلت الولايات المتحدة ألأمريكية تشابك وصعوبة ملف القاعدة في مناطق القبائل واليمن تحديدا بالرغم من تجربتها التي تعد أكثر سخونة وتعقيدا في أفغانستان وباكستان , .

أن أجهزة المخابرات ألأمريكية والدوائر الأمنية المتحالفة معها تطالب من اليمن موقفا أكبر من حجمها وقدراتها , في حين نجد أن الجهات الرسمية تضع دائما نفسها في موقف " رجل المهمات الصعبة " .

إن سياسة التركيز على تدفق الدعم المالي للحرب على ألإرهاب فقط دون الأخذ بالإعتبارات التي تتحكم بطريقة الحياة في هذا البلد سيسير بالجهات الرسمية إلى طريق غير ناجح , ولن تجدي سياسة إعلان النصر بعد كل ضربة ضد خلايا الإرهاب , كمخرج للهروب من مواجه الحقيقة سواء اليوم أو غدا .

تهويل النصر ,,

إن إعتماد الإعلام ألأمني على المبالغة والتضخيم في حربه على الإرهاب وتحويل كل فرد ممن يقتل أو يأسر على أنه قيادي وكل من مات بريئا أو من كان علية جرم قل أو كثر تحول بين عشية وضحها إلى " إرهابي وخطير ومطلوب أمنيا " , وبطريقة ستنعكس بصورة سلبية على الشارع اليمني تحديدا وعلى أطراف خارجية ثانيا .

إن سلطان الدولة سيتلاشى تدريجا من عقول ونفسيات الناس عندما تتعامل أجهزة ألأمن بعقلية إرضاء أطراف أخرى خارجية أو داخلية بعيدا عن حسابات الواقع لكل منطقة وظرف .

كما إن قانون العنف والبطش في مجتمع كاليمن , وفي ظل واقع قبلي ما زال يؤمن بالكثير من أعراف القبيلة وقيمها , سيضع الكثير من الخطط ألأمنية في موقف محرج وموقف لن تحسد علية صنعاء .

في تقديري أن تداعيات الحرب على ألإرهاب في اليمن خاصة بعد أن دخلت الولايات المتحدة الأمريكية خط المواجهة ودون مراعاة الواقع الاجتماعي للبلد ربما ستكون ثماره غير مرضية لطرفي الحرب وربما تسير عكس التيار .

أن القبيلة في اليمن تبدى مبادرات طيبة وجادة في التعامل مع الجهات الأمنية في حربها على ألأرهاب, لذا يستحيل أن تجد قبيلة أو شيخا يجاهر بالرفض في ذلك التعامل .

ومن هنا فإن من الحكمة أن تستغل الجهات الأمنية ذلك التعاون بتسيق مسبق بين الطرفين وسيفضى بنجاح كبير .

إن تجاهل القبيلة ورجالها في سياق هذه الحرب , سيفضى بنتائج سلبية , لأن القوة لم تكن يوما من ألأيام عنصر حسم كامل ولم تكن عنوانا لنصر مكتوب , وإنما كانت القوة تحمل في نتائجها ضريبة جسيمة وتبعات ثقال .

سر تغلغل القاعدة في صفوف القبيلة :

أن تأجج العاطفة الإسلامية الموجودة في المجتمع اليمني وخاصة في العمق القبلي , كانت أحد الوسائل التي تستغلها القاعدة في تقديم نفسها كمنقذ للوضع المتردي, وعن طريقها تم استقطاب العشرات من ممن يتم التغرير بهم عبر ذلك الخطاب الحماسي الواعد بإمارة إسلامية تحكم على هدي من الكتاب والسنة .

أن نشاط القاعدة المتنامي في اليمن ليكشف عن مؤشر مهم , وهو أن كل المنظمين حاليا تحت عباءتها هم من الشباب المتحمس ذوي عواطف إسلامية لكنهم لا يتمتعون بقدر واسع من العلم والثقافة .

القاعدة وجدت في القبيلة مركزا مهم للاستقطاب ولذالك فجيل القاعدة اليوم يختلف كثيرا عن جيل ألأمس , وتحديدا في ميدان العبادة والتعبد والالتزام .. هناك أفراد من تنظيم يعرفهم المجتمع بأنهم لم يكونوا من ذوي الالتزام الديني حتى قبيل انضمامهم إلى القاعدة , حسب شهادات العديد ممن لهم صلات قبلية أو صداقة بتلك الشخصيات .

القاعدة في اليمن اليوم لا تفكر بالنوعية أكثر مما تفكر بالكم العددي , بهدف طريقة استعراضية أمام الجهات الداعمة أو الممولة , أو لنقل أمام الجهات التي لديها مصلحة ملحة في تحويل اليمن إلى عاصمة للإرهاب العالمي , و منطقة ينعدم فيها الأمن والاستقرار .

ويمكننا أن نطرح تساءل هذا الإنحدار التنظيمي في عدم التركيز على النوعية في صفوف القاعدة كما كان من ذي قبل , فهل يعد ذلك اختراقا للقاعدة ذاتها , عبر جهات إستخباراتية أو جهات تسعى لاستغلالها لأهدافها الخاصة .

الباحث لنوعيات الشباب المنظمين إلى صفوف القاعدة خاصة في هذه المرحلة التي تعد طفرة في حياة التنظيم , نجد أن الغالبية العظمى هم أصحاب مشاكل اقتصادية أو أصحاب فراغ " لا يملكون مشروعا لحياتهم " فمثلت القاعدة وخطابها " الحماسي " طريقا لكي يعبروا في تحيق بعض رغباتهم أو يتخلصوا من أنفسهم والقفز إلى أقرب طريق " للفردوس الأعلى في الجنة " كما يقولون .

كما يمكن اعتبار السياسات الفاشلة للنظام في اليمن أحد العناصر المهمة التي ساعدت القاعدة في طرحها الخاص , ومخاطبة عواطف المخاطبين وليس عقولهم بتلك الطريقة .

عندما تنعدم فرص الحياة الكريمة , وتتبلد في سماء واقعهم غيوم الظلم والحرمان , ينمو في داخل البعض مارد يحاول الانتقام من واقعة ومحيطة ومن هنا تكون أول مراحل الانزلاق إلى معسكر " القاعدة " وعندها ستكون الدولة والنظام والقانون في محل لا مكان لها من الإعراب.